NAEEMEREKSOSI Telegram 1129
423

جلسة الصفا

18 جمادى الآخرة 1446
20 كانون الأول 2024

لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي

بعنوان:
*كيف نحافظ على النصر*

بسم الله الرحمن الرحيم

أكرمنا الله تعالى بهذا الفتح المبين، وهذا الانفراج الكبير والنصر المؤزر، لقد كان إنجازاً عظيماً بفضل الله تعالى وإحسانه و إنعامه، وحصل ما كان يحبه الجميع ويرجونه ويتطلعون إليه، كما قال تعالى:
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
والحفاظ على هذا الإنجاز العظيم أصعب من الوصول إليه، فقد يصل الإنسان إلى القمة ولكن المهم هو الثبات عليها.
والسؤال:
كيف يمكن الحفاظ على هذا الإنجاز وعلى هذه المَكْرُمَة الربانية؟؟.
والجواب:
في قوله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
وفي قوله تعالى:
وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
فهذه الآيات الكريمة تُبيِّن أن السبيل إلى ضمان بقاء هذا الفتح وهذا النصر واستمراره، إنما هو وحدة الكلمة ورصِّ الصفوف و ألا تفرقنا الأهواء والنزوات، ففي مثل هذه الظروف يحلو لبعض الناس أن يتسلق على هذه المنجزات، أو كما يقال يركب الموجة، ويريد أن يجد لنفسه موقعاً فيها ولو لم يبذل شيئا ما في سبيل تحقيقها، فالخطر العظيم هو أن تتلاعب بنا الأهواء أو تستعبدنا النزوات، وأن نقدم المصالح الخاصة على المصالح العامة، وألا نلتزم بفقه الأولويات، وأن يحرص كل منا على مكاسب فردية ضيقة دون الهمِّ الأعظم في بناء الدولة.
إن وحدة الكلمة اليوم هي من أهم ما يجب أن نعمل عليه ونحرص عليه، وننبذ الأنانية والأثرة ونخالف هوى النفوس التي من شأنها أن تصيب الجماعة بالتفرق والتمزق، فيخسروا لا سمح الله ما أكرمهم الله تعالى به، بعد بذل هذه الجهود العظيمة المديدة التي استغرقت سنوات عديدة.
ولنا في التاريخ عبرة وعظة يجب أن نعتبر بها، وقد أمرنا الله تعالى أن نعتبر بما جرى لمن كان قبلنا، فقال:
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
فلو سألنا أنفسنا ما سبب الهزيمة التي وقعت للمسلمين يوم أحد، فباستعراض وقائع الغزوة نجد أن الذي حل بهم هو أولاً تفرق الكلمة، فقد أمر القائد كتيبته التي كانت على جبل الرماة أن يلزموه ولا يغادروه امتثالاً لأمر النبي ﷺ ، ولكنهم عصوا أمره وطمعوا في الغنائم و عصوا أمر قائدهم فغادروا الجبل، فانتهز خالد بن الوليد، وكان قائد جيش المشركين، هذه الغرَّة من المسلمين فأتاهم من خلفهم وكرَّ عليهم حتى بادروا بالفرار وانهزموا، وثبت مع النبي ﷺ القليل، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة آل عمران:
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ
لقد حددت هذه الآية عوامل الهزيمة بعد النصر وذلك في قول الله تعالى:
(فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ).
قال الإمام الرازي في تفسيره:
أي قد نصركم إلى أن كان منكم الفشل والتنازع، لأنه تعالى كان إنما وعدهم بالنصر بشرط التقوى والصبر على الطاعة، فلما فشلوا وعصوا انتهى النصر.
فالتنازع وتفرق الكلمة والحرص على الغنائم كان سبب الهزيمة التي لحقت بالجميع.
وفي التاريخ أمثلة عديدة على أن التفرق والحمية الجاهلية كانت وراء سقوط الدول، قال الدكتور شوقي أبو خليل في كتابه "عوامل النصر والهزيمة":
إن العنصرية التي دعا الإسلام إلى نبذها والتي عادت للظهور أيام الأمويين كانت من أسباب سقوط دولتهم وهزيمتهم أمام العباسيين، فقد أخذ التعصب للعرب آنذاك يظهر على الألسنة وفي النتاج الفكري، ولمَسَ الفُرسُ هذا التعصب في عدم المساواة بينهم وبين العرب، ثم ذكر الدكتور أمثلة منها هزائم المسلمين التي أنهت حكمهم فى الأندلس، فبعد العز والمجد والقوة والمنعة والازدهار، سقطت الأندلس تحت مطارق التنازع والتفرق والشهوة إلى السلطة والاستقواء بالأعداء.
ومن المقرر في الدين، أن من أعظم مقاصد الإسلام إنما هو التآلف بين المسلمين، وأن تكون كلمتهم واحدة، وألا تتفرق بهم الأهواء والعصبية وألا تمزقهم الخلافات والنزاعات فيكونون لقمة سائغة لأعدائهم لذلك لا يجوز أن يكون الاختلاف فيما بينهم في الآراء و الأفكار والمذاهب سبباً لتفرقهم وتنازعهم، فالاختلاف أمر طبيعي، وهو من طبيعة البشر، ولا يزالون مختلفين فيما بينهم في أفكارهم وآرائهم كما اختلفت ألسنتهم وألوانهم.
لذلك عليهم مهما اختلفت مذاهبهم وتنوعت آراؤهم أن يبقوا ضمن الدائرة الكبرى التي تجمعهم، وهي دائرة الإسلام، فالإسلام هو التسمية الشاملة التي تجمع ولا تفرِّق، والتي سمانا بها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى في سورة الحج:



tgoop.com/NaeemEreksosi/1129
Create:
Last Update:

423

جلسة الصفا

18 جمادى الآخرة 1446
20 كانون الأول 2024

لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي

بعنوان:
*كيف نحافظ على النصر*

بسم الله الرحمن الرحيم

أكرمنا الله تعالى بهذا الفتح المبين، وهذا الانفراج الكبير والنصر المؤزر، لقد كان إنجازاً عظيماً بفضل الله تعالى وإحسانه و إنعامه، وحصل ما كان يحبه الجميع ويرجونه ويتطلعون إليه، كما قال تعالى:
وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ
والحفاظ على هذا الإنجاز العظيم أصعب من الوصول إليه، فقد يصل الإنسان إلى القمة ولكن المهم هو الثبات عليها.
والسؤال:
كيف يمكن الحفاظ على هذا الإنجاز وعلى هذه المَكْرُمَة الربانية؟؟.
والجواب:
في قوله تعالى:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا
وفي قوله تعالى:
وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ
فهذه الآيات الكريمة تُبيِّن أن السبيل إلى ضمان بقاء هذا الفتح وهذا النصر واستمراره، إنما هو وحدة الكلمة ورصِّ الصفوف و ألا تفرقنا الأهواء والنزوات، ففي مثل هذه الظروف يحلو لبعض الناس أن يتسلق على هذه المنجزات، أو كما يقال يركب الموجة، ويريد أن يجد لنفسه موقعاً فيها ولو لم يبذل شيئا ما في سبيل تحقيقها، فالخطر العظيم هو أن تتلاعب بنا الأهواء أو تستعبدنا النزوات، وأن نقدم المصالح الخاصة على المصالح العامة، وألا نلتزم بفقه الأولويات، وأن يحرص كل منا على مكاسب فردية ضيقة دون الهمِّ الأعظم في بناء الدولة.
إن وحدة الكلمة اليوم هي من أهم ما يجب أن نعمل عليه ونحرص عليه، وننبذ الأنانية والأثرة ونخالف هوى النفوس التي من شأنها أن تصيب الجماعة بالتفرق والتمزق، فيخسروا لا سمح الله ما أكرمهم الله تعالى به، بعد بذل هذه الجهود العظيمة المديدة التي استغرقت سنوات عديدة.
ولنا في التاريخ عبرة وعظة يجب أن نعتبر بها، وقد أمرنا الله تعالى أن نعتبر بما جرى لمن كان قبلنا، فقال:
فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ
فلو سألنا أنفسنا ما سبب الهزيمة التي وقعت للمسلمين يوم أحد، فباستعراض وقائع الغزوة نجد أن الذي حل بهم هو أولاً تفرق الكلمة، فقد أمر القائد كتيبته التي كانت على جبل الرماة أن يلزموه ولا يغادروه امتثالاً لأمر النبي ﷺ ، ولكنهم عصوا أمره وطمعوا في الغنائم و عصوا أمر قائدهم فغادروا الجبل، فانتهز خالد بن الوليد، وكان قائد جيش المشركين، هذه الغرَّة من المسلمين فأتاهم من خلفهم وكرَّ عليهم حتى بادروا بالفرار وانهزموا، وثبت مع النبي ﷺ القليل، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة آل عمران:
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ
لقد حددت هذه الآية عوامل الهزيمة بعد النصر وذلك في قول الله تعالى:
(فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ).
قال الإمام الرازي في تفسيره:
أي قد نصركم إلى أن كان منكم الفشل والتنازع، لأنه تعالى كان إنما وعدهم بالنصر بشرط التقوى والصبر على الطاعة، فلما فشلوا وعصوا انتهى النصر.
فالتنازع وتفرق الكلمة والحرص على الغنائم كان سبب الهزيمة التي لحقت بالجميع.
وفي التاريخ أمثلة عديدة على أن التفرق والحمية الجاهلية كانت وراء سقوط الدول، قال الدكتور شوقي أبو خليل في كتابه "عوامل النصر والهزيمة":
إن العنصرية التي دعا الإسلام إلى نبذها والتي عادت للظهور أيام الأمويين كانت من أسباب سقوط دولتهم وهزيمتهم أمام العباسيين، فقد أخذ التعصب للعرب آنذاك يظهر على الألسنة وفي النتاج الفكري، ولمَسَ الفُرسُ هذا التعصب في عدم المساواة بينهم وبين العرب، ثم ذكر الدكتور أمثلة منها هزائم المسلمين التي أنهت حكمهم فى الأندلس، فبعد العز والمجد والقوة والمنعة والازدهار، سقطت الأندلس تحت مطارق التنازع والتفرق والشهوة إلى السلطة والاستقواء بالأعداء.
ومن المقرر في الدين، أن من أعظم مقاصد الإسلام إنما هو التآلف بين المسلمين، وأن تكون كلمتهم واحدة، وألا تتفرق بهم الأهواء والعصبية وألا تمزقهم الخلافات والنزاعات فيكونون لقمة سائغة لأعدائهم لذلك لا يجوز أن يكون الاختلاف فيما بينهم في الآراء و الأفكار والمذاهب سبباً لتفرقهم وتنازعهم، فالاختلاف أمر طبيعي، وهو من طبيعة البشر، ولا يزالون مختلفين فيما بينهم في أفكارهم وآرائهم كما اختلفت ألسنتهم وألوانهم.
لذلك عليهم مهما اختلفت مذاهبهم وتنوعت آراؤهم أن يبقوا ضمن الدائرة الكبرى التي تجمعهم، وهي دائرة الإسلام، فالإسلام هو التسمية الشاملة التي تجمع ولا تفرِّق، والتي سمانا بها ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام، فقال تعالى في سورة الحج:

BY 🌒دروس جلسات الصفا في جامع الإيمان بدمشق 🌘


Share with your friend now:
tgoop.com/NaeemEreksosi/1129

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

You can invite up to 200 people from your contacts to join your channel as the next step. Select the users you want to add and click “Invite.” You can skip this step altogether. Write your hashtags in the language of your target audience. Activate up to 20 bots How to build a private or public channel on Telegram? Each account can create up to 10 public channels
from us


Telegram 🌒دروس جلسات الصفا في جامع الإيمان بدمشق 🌘
FROM American