tgoop.com/Ra_yi/4827
Last Update:
ورقةٌ أخيرة.
الثالث والعشرون من يناير
إلى السيدة ذاكرة:
أكتب إليكِ وأنا أرتدي ثوب الخجل الفضفاض، أمشي على استحياء في ساحة أمورك الخاصة، قد تتساءلين كيف لهذا المتكلم أن يخوض في ميدان حياتي، كيف يمد يدي حروفه إلى سطور عمري المتناثرة !
ولكن صدقيني يا عزيزتي أشتد عليّ الأمر وكان لا بد من وضعِ كُل شيءٍ في موضعه الصحيح، حضرة الذاكرة المحترمة اليوم فقط مُنذ عدة أعوام قررت التجرد من كُل مداخل ومخارج رعبي، أعلم جيدًا بأن هذه شؤونكِ الخاصة بأنكِ الآن تعتبريني دخيل يفرض ذاته عليكِ، ولكن قراراتكِ تؤذنيني حتى وإن كُنتِ لا تعلمين، تجعلني أرتدي المشاعر الحزينة كلما بدأت النهوض..
حبيبتي أعتذر أن كانت هذه المفردة تجاوز في حقك ولكن هذه الشيخوخة تربطني بكِ كثيرًا، أنتِ لا تُغادرين مكانكِ ولا تعلمين كيف تبدو الطريق التي تفصل بيني وبينك، دهاليز مُظلمة تعج برائحة الحزن المشوي، وبعض من لحم الأرواح الممزق.
قد تكونين تتحدثين بينكِ وبين ذاتكِ وتقولين قد أصبح رجل عجوز يأكل الرغيف الجاف دون النظر إليه، بدأ يتدخل في وظائفي، ولكن يا سيدتي نحنُ الكِبار نتمسك بكل شيء حتى لو كان من باب الوهم المهم أن نرى الأمل، أنتِ تبعثين إليّ رطل من الخيبات الملكومة، فكلما تعالجت من بقايا ذكرياتكِ أصابتني نوبة شديدة من التخيلات، لا أكذب عليكِ أبدًا أنا أشعر بالسعادة بوضع وشاح التخيلات على بصري،
أرجوكِ يا سيدة ذاكرة ضعي بعضًا من دواء المنوم على كأسكِ قبل ولادة المساء،
أنتِ تعلمين جيدًا بأنها تربطني بكِ صلة دموية قوية ولكن أنا أشعر بأنكِ تسقين جسدي ترياقًا من الحزن كل صباح..
ما أن يضطجع جسدي الهزيل على الفراش حتى تقبلني ذكرياتك بشكلٍ مُخيف..
هل تعلمين أنني أغبطك كثيرًا كيف أنكِ لا تيأسين من هذه الحياة الممتلئة بالأسى والذكريات المؤلمة؟
دعيني أعترف لكِ بأني أحاول ترويضكِ حتى أستطيع إكمال ما تبقى من أيامي الباهتة، أنين الخشب الذي يفصل بيننا يزعج مسامعي العتيقة، ويبعدني عن الراحةِ والعزلة التي تُناسب عمري الكبير، سيدتي أعلم أن كلماتي عارية أرجو أن يكون تقبلكِ لها ثوبها الطويل.
السيدة المحترمة ذاكرة ضعي كل ما يؤلمكِ جانبًا، تجردي فالعمر يمضي، تنفسي بعمق يا عزيزتي أعذري شيبي أن كانت كلماتي قد ألمتكِ فأنها المرة الأولى التي أتحدث فيها مع ذاكرة، ربما خانتني الكلمات ولكن شعوري لا يخون.
تذكري النور وضعي العتمة خارجًا.
من العجوزِ المُحب قلب.
#رزنة_صالح
BY رَزْنَة
Share with your friend now:
tgoop.com/Ra_yi/4827