tgoop.com/Ra_yi/5599
Last Update:
“أمي”
في زاوية الغرفة أجلس، أعد خصال العمر المتناثرة بين يدي، أستحضر الطفولة، فلا أدري… أكانت مريرة أم جميلة؟ أم أنها ذلك الخليط العجيب من الأمل والخذلان؟
أتذكر كيف كانت أحلامنا يافعة، وكيف كانت أمي تحملنا بين ذراعيها، تنقلنا من منزل إلى آخر، كطائر مذعور يحمل بيضه من عش إلى عش، هربًا من فخاخ الحياة. كم قاست لأجلنا، كم دفعت من صحتها، من عمرها، من روحها… كم تلقت من صفعات القدر، وكم قهرت قهرًا صامتًا لا يسمعه إلا الله.
أتساءل: كيف احتملت؟ كيف استطاعت أن تكون صخرة، ونحن معاول ننهال عليها دون أن ندري؟ أما كان يجدر بي أن أكون صبورًا مثلها؟ أن أتعلم الصمود من امرأة حملت الحياة على كتفيها ومضت؟
وددت لو أعود إلى تلك الأيام، أجلس إلى جوارها، أهمس لها: “أشعر بكِ الآن… أشعر بالغصة التي كانت تعتصر قلبكِ حين كنتُ أطلب شيئًا لا تملكينه، حين كنتُ أمد عيني إلى ما لدى غيري، فأطالبكِ ببراءة طفولية أن تأتيني به، غير مدرك أن طلبي لم يكن إلا جمرة أخرى تضاف إلى حريقكِ الصامت.”
أعيد ترتيب أثاثها، مرة تلو أخرى، كأنني أفتش في زوايا الذكريات، فأعثر على بقايا الحزن متناثرة هنا وهناك. تتبلل جدران الذاكرة، أبحث عن الدموع التي خنقتها يومًا، فلا أجد إلا نظراتها المثقلة بالتعب.
ركضت كثيرًا… ركضت بنا كثيرًا، تحملنا على ظهرها، تقاتل لأجلنا، والآن… لم تعد قادرة على المشي.
يخنقني هذا الشعور، يثقل صدري السؤال: كيف لي ألا أكون عكازها؟ كيف لا أكون قدميها اللتين تحملانها كما حملتنا؟
آه، يا أماه… كم يبدو عجز الأمهات قاتلًا!
#رزنة_صالح
BY رَزْنَة
Share with your friend now:
tgoop.com/Ra_yi/5599