tgoop.com/Sha6eAlraghad/1031
Last Update:
لم تكن من طقوس الصباح أن أتفقّد الأخبار إلى أن جاء موعد توجّع غزة،
أصبحت جزءًا من يومي إن لم تكن كلّه،
ليس منّة ولا فضلًا، جزء من أخوة الدين وحقّ تقاسم المشاعر، إنها الحرب الأولى التي تغيّر نظرتي للأشياء والأفكار والحياة إلى هذا الحد..
وزنت غزة مذاق كل شيء..
وبتُّ أستشعر كم كانت أطباقنا سكريّة أو مملّحة أكثر بكثير مما يجب..
باختصار أعادت ترتيب كثير من الرؤى على رفّ الحياة..
وربّما فحصت أعيننا جيّدًا وألبستنا العدسة المناسبة لنرى حجم الأشياء دون مبالغة، دون ضبابية..
صحيح أن المعاناة لا تُجزّأ..
لكنّ أشدّها عليّ هو: صورة أمٍّ مكلومة تودّع وليدها بقُبلة حارّة من شفتين مرتجفتين ألمًا، مبتلة بدموعها، تبثّ فيها شيئًا من حنانها، وعاطفة نمت في أشهر تسعة من دمائها، وكأنها تودع مشاعرها كلها في كفن وليدها، ثمّ ترسله ليكون عند أرحم الراحمين.
آخر المشاهد فتكًا بي؛ تلك التي انتظرت إحدى عشرة سنة حتى يكرمها الله بتوأميها اللذين استقبلتهما على وجه الحرب، وقبل أن يكملا ستة أشهر حانت ساعة الوداع في قصفٍ دامٍ سلّمت فيه صغيريْها في القماشة البيضاء التي لم تفارقهما بعد.
مزّقني المشهد.. مزّقني..
أتذكر ما جاء في صحيح البخاري عندما قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ ؛ فَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ ". قال الصحابة: : لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ. فَقَالَ : " لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ".
إذا كان أبلغ مشهد من الرحمة هو مشهد أمّ تبحث عن وليدها لترضعه، فهو خير دلالة لمعنى الرحمة عندما ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته بالموقف، فأتى لهم بالمعنى المناسب عبر استثمار ما تنظر إليه الأعين، بأسلوب الاستفهام وإجراء الحوار ليتمّ لهم الإدراك والتعلم وحضور العقل، ثم أوصلهم للنتيجة الأخيرة: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها".
مناط التأمّل في هذا الاستدلال العقلي العميق على المعنى يدور في فلك الضمير "هذه"،
"أترون هذه.."/ "من هذه بولدها"
ليس من أي أمّ؟
بل "من هذه"، هذه التي اجتمعت عليها هذه المواجد فكانت أحوج وأحنّ وأرق وأرحم على وليدها، إذ تذكر جوعه ولهفته لأمه.
فكلّما نظرتُ إلى أمٍّ أعتقد مظنّة اجتماع أوصاف امرأة السبي فيها ،
أجد أنها فقدت صبيها..
فقدته فعلًا..
وزِد على الأوصاف سنوات انتظارها لفرحة الصغير الذي تضمه..
كلّما حاصرتني تلك المشاهد؛ وحُبست أنفاسي
تذكّرت:
"لله أرحم.."
رُحماك رُحماك..
#خاطرة
#غزة
https://www.tgoop.com/Sha6eAlraghad
BY شاطئ الرغد
Share with your friend now:
tgoop.com/Sha6eAlraghad/1031