tgoop.com/SulimanAlnajran/1416
Last Update:
فتوى أصولية بيانية: العلاقة بين التعريض والحقيقة والمجاز والكناية:
جاء في غاية الوصول: "(فهو) أي التعريض ثلاثة أقسام (حقيقة ومجاز وكناية)
كما صرح بها السكاكي، والأصل جرى على أنه حقيقة أبدا"
قسم شيخ الإسلام زكريا الأنصاري التعريض إلى حقيقة ومجاز وكناية، تبعًا للسكاكي، وخلافًا لابن السبكي القائل بأنه "حقيقة أبدًا".
فهل لكم بيان سبب الخلاف في هذه المسألة؟
ج/ تتداخل الكناية مع التعريض، وأصل هذا: مبحث بياني عند البيانين، إنما نقله أهل الأصول إليهم لتداخله مع الحقيقة والمجاز، قال المرداوي في التحبير:"الكلام على الكناية والتعريض من وظيفة علماء المعاني والبيان لا علماء الأصول، لكن لما كانت مختلفا فيها هل هي حقيقة أو مجاز؟ ذكر استطرادا، وأيضا فقد يلتبسان على السامع، ولذلك لم يذكرهما إلا القليل من الأصوليين" وقد استقصى طرفا منه الزركشي في بحره وتشنيفه، فقال في البحر معرفا التعريض:"التعريض فهو لغة: ضد التصريح. قال الإمام فخر الدين في تفسيره: ومعناه: أن يضمن الكلام ما يصلح للدلالة على مقصوده، وتحصل الدلالة على غير مقصوده إلا أن إشعاره بخلاف المقصود أتم وأرجح. وأصله من عرض الشيء وهو جانبه كأنه يحوم به حوله ولا يظهره".
ولعل أكثر من بسط الفرق بين الكناية والتعريض من البيانيين ابن الأثير في "المثل السائر" فقال:" وقد تكلم علماء البيان فيه فوجدتهم قد خلطوا الكناية بالتعريض ولم يفرقوا بينهما، ولا حدوا كلا منهما بحد يفصله عن صاحبه، بل أوردوا لهما أمثلة من النثر والنظم وأدخلوا أحدهما في الآخر، فذكروا للكناية أمثلة من التعريض وللتعريض أمثلة من الكناية، فمن فعل ذلك الغانمي وابن سنان الخفاجي والعسكري"، ثم بسط الفرق بينهما ب"أن الكناية إذا وردت تجاذبها جانبا حقيقة ومجاز، وجاز حملها على الجانبين معا" كما في قوله تعالى:"لامستم النساء" فيجوز حمله على الحقيقة بأن تكون ملامسة اليد للجسد، أو تكون كناية عن الجماع، وكل موضع ترد فيه الكناية تتجاذبه الحقيقة والمجاز؛ فكل لفظ دل على معنى يجوز حمله على الحقيقة والمجاز فهذا هو الكناية كما يقول ابن الأثير.
أما التعريض "فهو اللفظ الدال على الشيء من طريق المفهوم لا بالوضع".
فإنك إذا قلت لمن تتوقع صلته ومعروفه بغير طلب: "والله إني لمحتاج، وليس في يدي شيء، وأنا عريان، والبرد قد آذاني"؛ فإن هذا وأشباهه تعريض بالطلب، وليس هذا اللفظ موضوعا في مقابلة الطلب لا حقيقة ولا مجازا، إنما دل عليه من طريق المفهوم، بخلاف دلالة اللمس على الجماع.
وعند ابن الأثير أن التعريض إنما سمي تعريضا لأن المعنى فيه يفهم من عرضه أي من جانبه، وعرض كل شيء جانبه فهذا فرق بين الكناية والتعريض من جهة خفاء المعنى ووضوحه، وكذلك فإن الكناية تأتي مفردة ومركبة بخلاف التعريض فلا يكون إلا مركبا من جملة الكلام الذي يدل بمجموعه على معنى يدركه المخاطب؛ لأن التعريض لا يفهم المعنى فيه من جهة الحقيقة ولا من جهة المجاز، وإنما يفهم من جهة التلويح والإشارة، وذلك لا يستقل به اللفظ المفرد.
وقد بين هذا الزركشي في البحر فقال:"والفرق بين الكناية والتعريض: أن الكناية أن تذكر الشيء بذكر لوازمه، كقولك: فلان طويل النجاد كثير الرماد، والتعريض أن تذكر كلاما محتملا لمقصودك، إلا أن قرائن أحوالك تؤكد حمله على غير مقصودك".
فالتعريض فنٌّ من فُنون القول غير المباشر يُعْتَمَدُ فيه غالباً على قرائن الحال لاَ على قرائن المقال، والتعريضُ - كما سبق - أخفى من الكناية، لأنّ الكناية لا تقتصر قرائنها على قرائن الحال، بل لها من قرائن المقال ما يَدُلُّ على المراد بها، ذكره الشيخ حبنكة الميداني.
وقد نص الزركشي بأن التعريض أخص من الحقيقة بقوله في التشنيف:" التعريض: إنما يراد به استعماله في المعنى الحقيقي، لكي يلوح به إلى غرض آخر هو المقصود، سمي تعريضا؛ لأن المعنى باعتباره يفهم من عرض اللفظ؛ أي: من جانبه، فهو يشبه الكناية، إذا قصد بها الحقيقة، وهو أخص من الحقيقة".
فالتعريض ضرب من الأساليب البلاغية،فليس حقيقة ولا مجازا ولا كناية؛ لأن لكل واحد منها لهن حد مخالف للآخر، كما في "البلاغة الصافية"
فمن التعريض ما ورد في القرآن الكريم : قوله تعالى في شأن قوم نوح: فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ.
فقوله: «ما نراك إلا بشرا مثلنا» تعريض بأنهم أحق بالنبوة منه، وأن الله لو أراد أن يجعلها في أحد من البشر لجعلها فيهم.(المثل السائر).
ومن التعريض : وقفت امرأة على قيس بن عبادة فقالت: «أشكو إليك قلة الفأر في بيتي». فقال: «ما أحسن ما وردت عن حاجتها، املأوا لها بيتها خبزا وسمنا ولحما». فهذا تعريض من المرأة حسن الموقع. فهذا أصل من قسم التعريض إلى حقيقة أبدا لأن المجاز لا يدخلها.
......يتبع
BY مدونة سليمان بن محمد النجران
Share with your friend now:
tgoop.com/SulimanAlnajran/1416