tgoop.com/abouhoudeyfealatari/33534
Last Update:
وهذه اليد التي تقوم بالعديد من الأعمال، ولا توجد آلة في العالم تقوم بمختلف الأعمال التي تقوم بها اليد، هذه اليد تشهد على صاحبها بكل أخذ لا يجوز له أخذه، وبكل مس أو إمساك بما لا يجوز له مسه أو الإمساك به، وبكل فتح لا يجوز لها فتحه، وبكل كلام كتبته لا يجوز لها كتابته، وبكل بطش أو ضرب لا يجوز لها فعله، وبكل حمل حملته لا يجوز لها حمله، وبكل إعداد لمنكر لا يجوز لها إعداده... وهكذا، حتى لا يبقى من الإنسان شيء يستره عن نفسه لم يعفُ الله عنه في إلا فضحته أعضاؤه به، ولكن باب التوبة لا يزال مفتوحًا، فالعاقل من بادر إلى التوبة قبل الهوان والافتضاح، وقبل أن يلقي اللوم على أعضائه كأولئك المجرمين، الذين يقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا؟! فتجيبهم: (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [فصلت: 21].
فحين تشهد الألسنة والأيدي والأرجل والجلود على أصحابها، فيتوجهون إليها باللوم قائلين لها: لم شهدتم علينا؟! تجيبهم: (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [فصلت: 21]، (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 23].
هذه هي القاصمة التي أدت إلى هلاكهم، أنهم كانوا في الدنيا يستخفون من الناس بأعمالهم، بل وبنياتهم وبمشاعرهم الآثمة، ولا يستخفون من الله وهو معهم: (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ) [المجادلة: 19]، فأعضاؤهم توبخهم، فتقول لهم حين يلومونها على الشهادة عليهم: ما كنتم تكتمون منا الذي كنتم تفعلونه؟! بل كنتم تجاهرون الله بالذنوب والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم؛ لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ)، أي هذا الظن الفاسد وتلك الغفلة، هو الذي أتلفكم وأرداكم، فالردى هو الهلاك، (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم.
وقد روى البخاري ومسلم وغيرهما في سبب نزول هذه الآية عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: كنت مستترًا بأستار الكعبة، فجاء ثلاثة نفر كثير شحم بطونهم، قليل فقه قلوبهم، فتكلموا بكلام لم أسمعه، فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع كلامنا هذا؟! فقال الآخر: إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه، وإذا لم نرفعه لم يسمعه، فقال الآخر: إن سمع منه شيئًا سمعه كله. قال: فذكرت ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله -عز وجل-: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 22، 23].
قال الحسن -رحمه الله-: ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم، فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل، وأما الكافر والمنافق فأساء الظن بالله فأساء العمل، ثم قال: قال الله -تبارك وتعالى-: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [فصلت: 22، 23].
فأوصي نفسي وإياكم بإحسان الظن بالله؛ فإن الوقوع في المعاصي بلا خوف هو من سوء ظن بالله؛ لأنه قلة يقين بأنه سبحانه يعلم السر وأخفى، فاستحيوا من الله أن يراكم على معصية، وأكرموا الكرام الكاتبين أن يطلعوا منكم على ما يُشين، وتوبوا جميعًا قبل أن لا ينفع الندم، فكل بني آدم خطّاء، ولكن السعيد من بادر بالتوبة قبل فوات الأوان، وقبل أن يطلب أحدكم الرجعة فلا يستجاب له، قال تعالى: (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت:24]، أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم في النار لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها، وإن طلبوا أن يستعتبوا ويبدوا أعذارًا فما لهم أعذار، ولا تقال لهم عثرات. وقيل: معنى قوله تعالى: (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ): أي وإن يسألوا الرجعة إلى الدنيا فلا جواب لهم، وهذا كقوله –تعالى- إخبارًا عنهم: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) [المؤمنون: 106، 107].
BY أبو حذيفة رحمه الله
Share with your friend now:
tgoop.com/abouhoudeyfealatari/33534