tgoop.com/abouislam1431/451
Last Update:
لما كان الوحي يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم كانت في الأرض حضارات وأمم كثيرة، في الهند والصين وبيزنطة وفارس..وكانت هناك حضارات وثقافات في أصقاع أخرى من المعمورة..وقبل عصر النبوة الخاتمة بقرون بعيدة جدا..كانت هناك حضارات وثقافات في روما واليونان وفي مصر والشام..وفي بلاد ما وراء النهرين..وفي القارة الأمريكية القديمة (قبل اكتشاف المجرمين الأوروبيين لها) وفي أقاصي آسيا..
كل أولئك لم يقصّ علينا القرآن الكريم من شأنهم شيئا..ولا سمّاهم ولا أشاد بهم ولا ذمّهم..إلا في سياق العموم..ولا اهتمّ أن يعلم المؤمنون عنهم قليلا ولا كثيرا..
لماذا؟
للناس في جواب ذلك أقوال ومذاهب..
لكن أقربها للتصوّر القرآني وأكثرها موافقة لروح الوحي ومواءمة للقصص النبوي، الذي هو رديف القصص القرآني، هي أنّ القرآن الكريم يجعل المركزية الكبرى هي الإيمان..ويجعل موضوعه الأساس هو المؤمنين..في تدافعهم مع الجاهلية والكفر في نطاقهم الجغرافي والبشري الذين كانوا يعيشون فيه..ويبصّر المؤمنين من خلال ذلك بالسنن الإلهية..ويعرّفهم على مناهج الدعوة والحركة والتغيير..ويعلي من قيمة الإيمان والتوحيد والعبودية لله تعالى وحده لا شريك له ولو كان أهله ضعفاء يعيشون على هامش الحضارات والثقافات الكبرى المهيمنة في العالم..ولو كانت معاركهم مع الكفر صغيرة في معايير الحروب الإمبراطورية التي يتقاتل فيها ويتطاحن أهل الكفر والباطل..ولو كانت مدنهم وحواضرهم صغيرة متناثرة في الصحراء أو على أطراف الممالك الكبرى..
لم يحفل التاريخ المكتوب والمدوّن على الصخور والأوراق - والذي لم يكن ذا صلة بالوحي - بأقوام عادٍ وثمود ولوط وشعيب ولقمان وإبراهيم وإسماعيل واليسع وذا الكفل ، ولا بذي القرنين والخضر، ولا بأهل الكهف وأصحاب الأخدود والرجلين صاحبي الجنّتين، بينما كرّر القرآن الكريم أكثر هذه القصص أو جعل بعضها عنوانا لسورة كاملة، وأمر بالاعتبار والاتّعاظ بها والتبصّر فيها.
ولعل أكثر ما فصّل القرآن الكريم فيه من القصص هو قصة موسى وفرعون وبني إسرائيل، ليس احتفالا وتعظيما لحضارة الفراعنة المشركين، بل احتفاء بالإيمان وأثره وتفاعل أهله مع مقتضياته وإبرازا لخطورة الاستبداد والطغيان حين يتمكّن في الأرض ويصبح له السلطان والنفوذ، وبيانا لأساليبه في الإذلال والإخضاع ومحاربة الحق والإيمان..مع غايات أخرى ذات صلة بعلاقة الأمة المسلمة ببني إسرائيل باعتبارهم أكبر أمم الوحي والنبوات قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم.
إنّ هذا التصوّر يجعل المؤمنين يعيدون التفكير في كثير من القضايا، وفي طريقة تعاملهم مع العالم من حولهم، وفي ضبط المركزيات كما أرادها الوحي لا كما تؤسس لها الجاهلية ومؤسساتها السياسية والإعلامية والأكاديمية، وأن تفهم نشأة الحضارات وتشكّل الثقافات وتعِيَ طبيعة وحقيقة التدافع معها على ضوء التصورات القرآنية التي لا تزيدها الأيام والتجارب والأحداث والدراسات إلا ثبوتا ورسوخا وصدقا..
BY قناة أبو إسلام منير
Share with your friend now:
tgoop.com/abouislam1431/451