ALBARA270 Telegram 79134
غيث :
قصة (داوو مرضاكم بجبر الخواطر)

جالسا على المقهى المقابل للمستشفى الجامعي الذى دخلت إليه والدتي برفقة أخي الأكبر قبل قليل، حيث لا يسمح سوى بدخول مرافق واحد بصحبة المريض.

أخبرت النادل أن يقوم بإحضار قدح من القهوة، حيث أنني لم أتذوق طعم النوم طوال الليل قلقا مما يخفيه لي اليوم.

أدرتُ عينيَّ يمينا ويسارا متفقدا الشارع الذى ازدحم عن بكرة أبيه بالسيارات التى لا تكف أبواقها عن الصراخ، الذى أصابني بالكثير من التوتر، لتضيف لما أعانيه معاناة جديدة.

أخذت الكثير من الذكريات التى جمعتني بوالدتي تداعب عقلي، لتقوم برسم ابتسامة هادئة على شفتيَّ عند تذكري لأحد المواقف المفرحة، لكنها سرعان ما تختفي ليعود الحزن يكسو ملامحي مجددا.

أحضر النادل قدح القهوة، تناولت رشفة منه، وما إن أعدته لموضعه على الطاولة، حتى رأيت فتى يقترب مني حاملا لوحا خشبيا صغير الحجم بطول ذراعه، تعلوه مجموعة من الخواتم ذات فصوص زرقاء وحمراء رديئة الصنع..

تحدث إلي أن أشتري واحدا، شكرته وأخبرته بأننى لا أفضل اقتنائها، أخذ يلح فى طلبه.
أعلم تلك الحيلة التى عفى عليها الزمن جيدا و التى يقوم بها هؤلاء الباعة الجائلين لكسب التعاطف خاصة الأطفال منهم.

لاحظت أن لهجته تتميز بلكنة صعيدية محببة للنفس، قمت بسؤاله عن بلده وصدق حدسي حينما أخبرني أنه بالفعل ينتمي لأحد محافظات الوجه القبلي.

عدت أسأله مجددا عن سبب تركه بلده والحضور إلى هنا؟
أجابني بأنه يأتي برفقة خاله وأخيه الذى يكبره بسنتين للعمل فى الإجازة الصيفية.

أثار الصغير إعجابى، ألقيتُ باللوم على نفسي لسوء ظني به، حيث كنت أظنه يتسول كأغلب من أراهم بكثرة فى الشوارع.
عدت لسؤاله مرة أخري عن الصف الذى يدرس به، فأخبرني أنه فى العام المقبل سوف ينهى المرحلة الابتدائية.

وبينما أتجاذب معه أطراف الحديث، إذ بطفل آخر يقترب منا على استحياء، نظر إليه نظرة عابرة، وعاد ينظر إلى وهو يخاطبني قائلا:
- إنه أخي "إبراهيم"
- كيف حالك ؟

مد يده لمصافحتي وهو يخبرني أنه بخير، اكتشفت أنني بالرغم من حديثى مع الطفل الأول إلا أنني لا أعرف اسمه.
بادرته بالسؤال، فأجابني بأنه يدعى (مصطفى).

ابتسمت لهما، وأنا أخرج حافظة النقود من جيب سروالي الخلفي، أمسكت ورقة نقدية من فئة المئة جنيه، وقمت بإعطائها ل(مصطفى).

تعجبت أنه لم يلتقطها بسرعة كما هو معتاد، وإنما خاطبني بأن أقوم باختيار أحد الخواتم التى يبيعها.
شكرته وأنا أرد قائلا:
-لقد أخبرتك من قبل أننى لا أفضل اقتنائها.
-إذن لن يمكنني أخذ النقود.

ألححت عليه بشدة أن يفعل، لكنه أبى بكل كبرياء وعزة نفس، ألقى علي السلام وهو يستدير منصرفا.

أمسكت بيده، وأنا أخبره بأنني سوف أقوم بأخذ واحد، وضع اللوح الخشبي على الطاولة أمامي لأقوم بالاختيار.

تناولت واحدا على عجل وأنا أعاود إعطائه النقود مرة أخرى، تناولها وقد ارتسمت على شفتيه أبتسامة رائعة... أخرج من جيبه الباقي ليعطيني إياه، لكني رفضت بشدة.

هما بالانصراف، فقمت بإيقافهما وأنا أخرج ورقة نقدية من نفس الفئة، قمت بإعطائها لأخيه الأكبر وأنا أخاطبه قائلا:
-سوف أقوم بشراء واحد آخر من "ابراهيم"

التقطت واحدا من اللوح الخشبي الذى يحمله، فابتسم هو الاخر بشدة.

سألني(مصطفى) عن سبب تواجدي هنا، فأخبرته بأمر والدتي.
قاما الاثنان بالدعاء لها كثيرا وصافحاني وانصرفا.

استرقت النظر إليهما أثناء انصرافهما ووجوهيهما يشرقان بابتسامتهما الرائعة، بينما كانا يستديران إلي بين الحين والآخر ملوحان بأيديهما.

بعد مرور ساعتين رأيت والدتي تخرج من باب المستشفى برفقة أخي، قمت بدفع حساب المقهى على عجل وأنا أسرع الخطى نحوهما.

قمت بسؤالهما عن ماحدث فأخبراني بأننا سوف نعود فى الغد لمعرفة نتيجة التحاليل والفحوصات التي قاما بها فى الداخل.

فى اليوم التالي بعدما دخلا للمستشفى كالعادة، عدت للجلوس ثانية على نفس الطاولة التى كنت أجلس عليها بالأمس.

لم يمر وقت طويل حتى رأيت الأخوين (مصطفي) و(إبراهيم) يقتربان من بعيد، ما إن وقع نظرهما علي، حتى أسرعا الخطى نحوي، قاما بمصافحتي بحرارة وكأننا أصدقاء قدامى.

قام الأول بالسؤال عن صحة والدتي، فأخبرته أنها بخير، فأخبرني أنه وأخيه قاما بالدعاء لها بالأمس فى صلواتهما، وأكملا حديثهما ليخبراني بأن والدتهما أيضا قامت بالدعاء لها أثناء أدائها لصلاة الفجر، بعدما أخبراها بما دار بيننا بالأمس وأنها قالت لهما (ربنا يجبر خاطره مثلما جبر خاطركما).

تأثرت بشدة مما قالا، أمسكت دموعي بصعوبة بالغة، فلا يصح أن يراني من حولي أذرف الدموع.

قمت بإخراج نفس المبلغ الذي أعطيته لهما بالأمس، و التقطت اثنين من الخواتم مرة أخرى، وأنا أخاطبهما بأن يكثرا من الدعاء

أخبراني أنهما سيفعلان بكل تأكيد، ودعاني وانصرفا مبتعدين وهما يلوحان لي بأيديهما مثلما حدث بالأمس.



tgoop.com/albara270/79134
Create:
Last Update:

غيث :
قصة (داوو مرضاكم بجبر الخواطر)

جالسا على المقهى المقابل للمستشفى الجامعي الذى دخلت إليه والدتي برفقة أخي الأكبر قبل قليل، حيث لا يسمح سوى بدخول مرافق واحد بصحبة المريض.

أخبرت النادل أن يقوم بإحضار قدح من القهوة، حيث أنني لم أتذوق طعم النوم طوال الليل قلقا مما يخفيه لي اليوم.

أدرتُ عينيَّ يمينا ويسارا متفقدا الشارع الذى ازدحم عن بكرة أبيه بالسيارات التى لا تكف أبواقها عن الصراخ، الذى أصابني بالكثير من التوتر، لتضيف لما أعانيه معاناة جديدة.

أخذت الكثير من الذكريات التى جمعتني بوالدتي تداعب عقلي، لتقوم برسم ابتسامة هادئة على شفتيَّ عند تذكري لأحد المواقف المفرحة، لكنها سرعان ما تختفي ليعود الحزن يكسو ملامحي مجددا.

أحضر النادل قدح القهوة، تناولت رشفة منه، وما إن أعدته لموضعه على الطاولة، حتى رأيت فتى يقترب مني حاملا لوحا خشبيا صغير الحجم بطول ذراعه، تعلوه مجموعة من الخواتم ذات فصوص زرقاء وحمراء رديئة الصنع..

تحدث إلي أن أشتري واحدا، شكرته وأخبرته بأننى لا أفضل اقتنائها، أخذ يلح فى طلبه.
أعلم تلك الحيلة التى عفى عليها الزمن جيدا و التى يقوم بها هؤلاء الباعة الجائلين لكسب التعاطف خاصة الأطفال منهم.

لاحظت أن لهجته تتميز بلكنة صعيدية محببة للنفس، قمت بسؤاله عن بلده وصدق حدسي حينما أخبرني أنه بالفعل ينتمي لأحد محافظات الوجه القبلي.

عدت أسأله مجددا عن سبب تركه بلده والحضور إلى هنا؟
أجابني بأنه يأتي برفقة خاله وأخيه الذى يكبره بسنتين للعمل فى الإجازة الصيفية.

أثار الصغير إعجابى، ألقيتُ باللوم على نفسي لسوء ظني به، حيث كنت أظنه يتسول كأغلب من أراهم بكثرة فى الشوارع.
عدت لسؤاله مرة أخري عن الصف الذى يدرس به، فأخبرني أنه فى العام المقبل سوف ينهى المرحلة الابتدائية.

وبينما أتجاذب معه أطراف الحديث، إذ بطفل آخر يقترب منا على استحياء، نظر إليه نظرة عابرة، وعاد ينظر إلى وهو يخاطبني قائلا:
- إنه أخي "إبراهيم"
- كيف حالك ؟

مد يده لمصافحتي وهو يخبرني أنه بخير، اكتشفت أنني بالرغم من حديثى مع الطفل الأول إلا أنني لا أعرف اسمه.
بادرته بالسؤال، فأجابني بأنه يدعى (مصطفى).

ابتسمت لهما، وأنا أخرج حافظة النقود من جيب سروالي الخلفي، أمسكت ورقة نقدية من فئة المئة جنيه، وقمت بإعطائها ل(مصطفى).

تعجبت أنه لم يلتقطها بسرعة كما هو معتاد، وإنما خاطبني بأن أقوم باختيار أحد الخواتم التى يبيعها.
شكرته وأنا أرد قائلا:
-لقد أخبرتك من قبل أننى لا أفضل اقتنائها.
-إذن لن يمكنني أخذ النقود.

ألححت عليه بشدة أن يفعل، لكنه أبى بكل كبرياء وعزة نفس، ألقى علي السلام وهو يستدير منصرفا.

أمسكت بيده، وأنا أخبره بأنني سوف أقوم بأخذ واحد، وضع اللوح الخشبي على الطاولة أمامي لأقوم بالاختيار.

تناولت واحدا على عجل وأنا أعاود إعطائه النقود مرة أخرى، تناولها وقد ارتسمت على شفتيه أبتسامة رائعة... أخرج من جيبه الباقي ليعطيني إياه، لكني رفضت بشدة.

هما بالانصراف، فقمت بإيقافهما وأنا أخرج ورقة نقدية من نفس الفئة، قمت بإعطائها لأخيه الأكبر وأنا أخاطبه قائلا:
-سوف أقوم بشراء واحد آخر من "ابراهيم"

التقطت واحدا من اللوح الخشبي الذى يحمله، فابتسم هو الاخر بشدة.

سألني(مصطفى) عن سبب تواجدي هنا، فأخبرته بأمر والدتي.
قاما الاثنان بالدعاء لها كثيرا وصافحاني وانصرفا.

استرقت النظر إليهما أثناء انصرافهما ووجوهيهما يشرقان بابتسامتهما الرائعة، بينما كانا يستديران إلي بين الحين والآخر ملوحان بأيديهما.

بعد مرور ساعتين رأيت والدتي تخرج من باب المستشفى برفقة أخي، قمت بدفع حساب المقهى على عجل وأنا أسرع الخطى نحوهما.

قمت بسؤالهما عن ماحدث فأخبراني بأننا سوف نعود فى الغد لمعرفة نتيجة التحاليل والفحوصات التي قاما بها فى الداخل.

فى اليوم التالي بعدما دخلا للمستشفى كالعادة، عدت للجلوس ثانية على نفس الطاولة التى كنت أجلس عليها بالأمس.

لم يمر وقت طويل حتى رأيت الأخوين (مصطفي) و(إبراهيم) يقتربان من بعيد، ما إن وقع نظرهما علي، حتى أسرعا الخطى نحوي، قاما بمصافحتي بحرارة وكأننا أصدقاء قدامى.

قام الأول بالسؤال عن صحة والدتي، فأخبرته أنها بخير، فأخبرني أنه وأخيه قاما بالدعاء لها بالأمس فى صلواتهما، وأكملا حديثهما ليخبراني بأن والدتهما أيضا قامت بالدعاء لها أثناء أدائها لصلاة الفجر، بعدما أخبراها بما دار بيننا بالأمس وأنها قالت لهما (ربنا يجبر خاطره مثلما جبر خاطركما).

تأثرت بشدة مما قالا، أمسكت دموعي بصعوبة بالغة، فلا يصح أن يراني من حولي أذرف الدموع.

قمت بإخراج نفس المبلغ الذي أعطيته لهما بالأمس، و التقطت اثنين من الخواتم مرة أخرى، وأنا أخاطبهما بأن يكثرا من الدعاء

أخبراني أنهما سيفعلان بكل تأكيد، ودعاني وانصرفا مبتعدين وهما يلوحان لي بأيديهما مثلما حدث بالأمس.

BY قصص واقعية


Share with your friend now:
tgoop.com/albara270/79134

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

“[The defendant] could not shift his criminal liability,” Hui said. Concise Add up to 50 administrators Hashtags Other crimes that the SUCK Channel incited under Ng’s watch included using corrosive chemicals to make explosives and causing grievous bodily harm with intent. The court also found Ng responsible for calling on people to assist protesters who clashed violently with police at several universities in November 2019.
from us


Telegram قصص واقعية
FROM American