tgoop.com/alfikh/4374
Last Update:
انقسام العلم الواحد عند توسعه أمر لا مفر منه. وقد كان علم الدين، أو الفقه في الدين، في العهود المتقدمة واحدا ثم بدأ بالتشظي إلى علوم كثيرة: الاعتقاد والفقه والحديث والتفسير والتزكية/التصوف...الخ. وهذا الانقسام رغم إيجابياته، فقد كانت له تأثيرات سلبية، ليس أقلها: العرض التجزيئي للدين على العامة والمتعلمين، فقد يدرس المتعلم علما ولا يدرس آخر، أو يهتم بعلم ولا يحصِّل من الآخر ما يفي بالغرض، فيكون بناؤه العلمي مختلا - كالشخص مقطوع اليدين أو الرجلين أو أعمى العينين ... - وذلك لأن العلوم الدينية يكمل بعضها بعضا كالجسد الواحد، وفقد بعضها يعني فقدا لبعض أجزاء الجسد.
فمثلا الفقه كثيرا ما يطرح في مجالس الدرس والتعليم طرحا قانونيا، فيجعله ذلك بعيدا عن المعاني الإيمانية والأخلاقية من التسامح والكرم والإيثار والإخوة الدينية ونحو ذلك، وقد يطرح غير مقرون بالنصوص المؤسسة من كتاب وسنة أو مع جهل بما يثبت منها وما لا يثبت فيفقد بذلك جوهر اتصاله بالدين في البناء العلمي للمتعلم والعامي ولو في اللاشعور.
وكذلك علوم الاعتقاد كثيرا ما تطرح طرحا جامدا معزولا عن معاني وحدة الامة والحرص على المدعو والإعذار وحدود ما يجوز في التعامل مع المخالف وما لا يجوز، وحقوق المسلم والواجب تجاهه وغير ذلك، وتطرح أحيانا مع جهل بالصحيح والضعيف والمقطوع والمظنون من النصوص، وحدود ما يجوز من التأويل وما لا يجوز وأصول فقه هذه النصوص...وهذه المبادئ لا تلفى كلها في علم واحد.
ولأجل افتقاد خاصية التكامل هذه حذر الأقدمون من نصف المتعلم ومن الانقطاع عن العلوم قبل التمام، وذكر الغزالي في إحيائه أن بعض المدارس كانت لا تسمح على الإطلاق بانقطاع المتعلم قبل التمام، وكانت تشترط ذلك عليه في مبتدأ التحاقه بالمدرسة وتشدد في ذلك.
ولأجل افتقاد التكامل بين العلوم الدينية أيضا: يكون في المبتدئين في العلوم من الجفاء والفظاظة وقلة الإعذار والجزم بالرأي - رغم الصدق والحماس - ما لا يكون في المنتهين. وكذلك الأمر في المتخصص إذا ما قورن بالمتفنن، فالمتخصص أضيق أفقا وأقل إعذارا، وأكثر جمودا وصلفا واعتقادا في نفسه وثقة بعلمه من المتفنن، مع أنه قد يكون متميزا في فنه لا يشق له غبار.
والله يصلحنا فقد نالنا من هذا الأثر الفاسد نصيب، وكل متخصص في علم يلحقه من هذا الأثر بقدر جهله بالقدر الضروري من العلوم الأخرى. فالدين علم واحد على الصحيح، وتفريعه إلى علوم لتسهيل فهمه لا للاجتزاء بعلم منها دون غيره. وأقرب الناس إلى التكامل في العلوم الدينية المشتغلون بتفسير القرآن الكريم، فهم لا بد أن يتعرضوا لجميع العلوم ويحسنوا القدر الضروري منها.
أيمن صالح
BY مستجدات الفقه وأصوله - القناة
Share with your friend now:
tgoop.com/alfikh/4374