tgoop.com/alghazi_m/2700
Last Update:
حنكشات نظرية
حول قصة "الصياد ورجل -لامؤاخذة- الأعمال"
[1]
نشر مؤثر مشهور مقطعًا، ينتقد فيه أمثولة شعبية نجد لهًا نسخًا عديدة حول العالم عن قصة تدور بين صياد ورجل أعمال، يحاول فيها الصيّاد أن يعبر عن "نمط في الحياة" نسميه "نمط الكفاف" وبين نمط آخر هو نمط "رجال الأعمال" (نعم، حان وقت استخدام الكلمة الحرام، أي: نمط رأسمالي)، وبدأ في انتقادها بأن هذا الرجل "عنده الوقت والطاقة/المساحة لتطوير نفسه وعمله ودخله، فلماذا -لا مؤاخذة- لا يفعل يعني؟، أهو كسول؟ أم عديم الطموح؟" وفي نظري أن المشكلة الأساسية في النقد الموجه للأمثولة هي في عدم فهمها من الأساس بل والنظر إليها بوصفها "نصيحة حياتية" وبالتالي نقدها من الناحية "العملية" على طريقة: لماذا لا تتحوط للمستقبل يا أخي؟ ألا تخشى الاستعمار والفقر والمرض وهكذا؟ بينما هي تعبير عن "فلسفة للعيش" بل عن "نمط وجود" فكّر فيه وعاش به غالب البشر عبر تاريخهم الطويل.
ولفهم هذه المسألة (معلش مضطرين نفهم، نعتذر عن هذا الإزعاج) نحتاج للعودة إلى حيث بدأت الحنكشة النظرية أصلًا، أي عند كبيرها ودكتورها: آدم سميث ..
[2]
في كتاب "نظرية المشاعر الأخلاقية" العمل المهجور لآدم سميث، ينقل سميث قصة سيستخدمها لمغزى بعينه، عن بلوطرخس المؤرخ اليوناني الكبير، تسير على هذا النحو: يخبر ملك إبيروس، بيروس الإبيري، نديمه بخطط الغزوات التي يخطط للقيام بها واحدة تلو أخرى، حتّى سرد خطته عن آخرها، وحينها سأله النديم: وماذا ستفعل بعد كل هذا يا سيدي؟ فيجيبه: حسنًا، لو تمّ لي هذا، فإنّي سأجلس مستمتعًا برفقة أصدقائي وندمائي ونعاقر الشراب، فقال له النديم: وما يمنع سيدي من أن يفعل هذا الآن؟
ما هدف سميث من سرد هذه القصة؟ كان يناقش "ثمن "تحسين حياتنا" (لاحظ التشابه العجيب بين الاعتراض وبين مشكلة سميث هنا)، ويقول في النهاية ما ملخصه: إن ثمن هذا السعي المحموم هو خسارة الطمأنينة، التي يمكن أن نجدها بسهولة ويسر في أشد أنماط الحياة تواضعًا (هذا والله كلام سميث :) )، وأنه: على إيه يعني كل دا؟، وخلص سميث من ذلك بقناعة أن "الناس العاديين/الطبيعيين" لن يظلوا في سعي محموم لمطاردة مصلحتهم الشخصية ما أن يصلوا إلى نقطة معينة من التحقق الاجتماعي والمادي، لأنه ببساطة "خسارة الطمأنينة" (هذا لفظه) لا تستحق كل هذا العناء، وانطلق بعدها في ممدحة فاخرة للشعور الجماعي ونحب بعض ونحس ببعض والسعي وراء المصلحة الشخصية مش حلو دايمًا، وحاجات كده .. بل يقول نصًا (باختصار وتصرّف): "تأمل في التاريخ الذي تعرفه كله، وفي خبراتك الشخصية، ستجد أن أتعس الناس هم أولئك الذين لم يعرفوا متى يجب عليهم أن يجلسوا قانعين وراضين بما معهم when it was proper for them to sit still and to be contented، (سبحان الله استخدام لفظ الجلوس مطمئنين ملائم تمامًا للأمثولة المعترض عليها :D) إن هذا [المغامر] الذي نقش على قبره: "لقد كانت أموري جيدة، لكنّي رغبت في الأحسن، وها أنا ذا قد انتهيت إلى هنا" يمكن أن يصلح هذا النقش وصفًا دقيقًا لكل الكروب التي نتجت عن الطمع والطموح الفاشل" (آدم سميث مين؟ بتاعنا؟ شكله هو كمان عنده مشكلة في الطموح 😁)
الآن: عبرة يدركها آدم سميث وتفوتك، إنه لأمر جلل! :)
[مش جلل ولا حاجة، الراجل أساسًا أستاذ فلسفة أخلاقية، بس يعني عبرة يدركها "آدم سميث المتخيّل" ولا تدركها لأمر جلل]
*بالمناسبة، بيروس هذا، قام بهذه الغزوات فعلًا، وانتصر فيها جميعًا، إلّا أنها كلفته الغالبية العظمى من جيشه وقواته وبالتالي كان نصرًا هو إلى الهزيمة أقرب، وانتهت بذلك حملته بلا جيش ولا قدرة على الفعل، وسمي باسمه مصطلح "النصر البيروسيPyrrhic victory"، ربما كان عليه أن يستمع لنصيحة نديمه جيدًا :)
يتبع..
BY الغازي محمد
Share with your friend now:
tgoop.com/alghazi_m/2700