ALGHAZI_M Telegram 2701
الغازي محمد
حنكشات نظرية حول قصة "الصياد ورجل -لامؤاخذة- الأعمال" [1] نشر مؤثر مشهور مقطعًا، ينتقد فيه أمثولة شعبية نجد لهًا نسخًا عديدة حول العالم عن قصة تدور بين صياد ورجل أعمال، يحاول فيها الصيّاد أن يعبر عن "نمط في الحياة" نسميه "نمط الكفاف" وبين نمط آخر هو نمط…
[3]
ذكرت أن هذا "النمط من الوجود" (أي: نمط الكفاف) هو نمط عاشه غالب البشر عبر التاريخ، وهنا أستعين بأحد كبرائها أيضًا، وهو ماكس فيبر، في كتاب ماكس فيبر "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" يحاول أن يطرح هو الآخر سؤالُا يوجه بحثه، لماذا نجد فرقًا في "الاستعداد للعمل" لدى نوعين من العمال، هم محل الدراسة عنده، وليس هذا ما يعنينا هنا، ما يعنينا هو تفسيره للمسألة، حين يشرح طرائق المقاولين (رجال الأعمال يعني إياهم) في تشجيع العمّال التقليديين على زيادة إنتاجيتهم في العمل برفع أجر الساعة الواحدة، وفشل ذلك، فيعلل الأمر كالتالي (ملخصًا): عندما يرفع الرأسمالي أجرة الساعة، كان ما يحدث هو أن العامل يعمل لساعات (أقل) .. نعم، بمعنى أنه لا يحاول زيادة "دخله" بل زيادة "وقت فراغه"، هل هذه ظاهرة غريبة على البشرية مثلًا (لماذا لم يسعى الصياد إلى تطوير عمله؟ هل عنده مشكلة في الطموح؟) يقول فيبر(بالمعني طبعًا): افرض أن هذا الرجل المسكين يحصد الفدان بمارك واحد، ويحتاج يوميًا لكفاية احتياجاته: ماركان ونصف، فسيحصد إذًا فدانين ونصف، فإذا رفعنا الأجر لمارك وربع، فلن يحصد المزيد، بل سيحصد فدانين وحسب، ويحصل على نفس الماركين ونصف.
الآن، هل هذا الرجل مجنون؟ لا يا أخي، يتابع فيبر: الرجل لا يسأل: كم سأجني إذا حصدت كذا، الرجل ببساطة يسأل: كم يجب أن أحصد لأجني ماركان ونصف، هما احتياجي ولا أزيد .. فإذا زادت الأجرة، قل العمل، هكذا ببساطة.
الآن، قد يبدو هذا سلوكًا غريبًا، هنا يظهر الفرق بين أهل العلم والموتى، حيث يقول فيبر التالي: "الإنسان لا يرغب "بطبيعته" في أن يكسب من المال أكثر فأكثر، بل أن يحيا حسب عادته ويكسب من المال ما يساعده على ذلك، وأينما لجأت الرأسمالية إلى زيادة إنتاجية العمل البشري بزيادة وتيرته، اصطدمت بمقاومة عنيدة من لازمة العمل هذه في الاقتصاد ما قبل الرأسمالي" ما المطلوب إذًا يا عم فيبر من أجل هذا؟ يجيبنا الرجل: "ينبغي أن يمارس العمل كما لو كان هدفًا في حد ذاته، والحقيقة أن مثل هذه العقلية ليست من نتائج الطبيعة" (أي تحتاج أن تكتسب بطرائق في التعليم والإرشاد وتغيير "الطبع" الإنساني)

وهنا تجدر الإشارة أيضًا إلى منشور آخر نشره من مدة أستاذ فاضل محترم عزيز، عن "تجربة سائقي التاكسي في نيويورك" والتي قدّم لها حلًا بأن يعمل السائق في أيام المطر أقل، وفي الأيام العادية أكثر، الآن، النقطة الأساسية في هذه الدراسة، نتيجتها التي جعلتها ذات شهرة واسعة أصلًا، أنها نقضت "الإنسان الاقتصادي Homo economicus" إذ يفترض في "إنسان اقتصادي" أن يفكّر في تعظيم منفعة الساعة (إنتاجية الساعة)، كما يقترح المنشور (لهذا سميت معضلة، ليس لأنها معضلة فعلًا فكما قلنا هذا هو الطبيعي)، لكنه في الحقيقة فكّر في "حد الكفّاف" الذي لو حصله اليوم، فلا داعي أبدًا لبذل مزيد من الجهد، ببساطة، تلك طبائع البشرية، على سائق التاكسي أن يأخذ دورة في "ريادة الأعمال" ليبدأ التفكير بهذه الطريقة التي سيراها ملتوية، ليس هدف العمل في معتاد البشر تعظيم المنافع، بل كما شرح فيبر أعلاه.
لا أريد أن أفصّل طويلًا في هذه النقطة، فقد أشبعتها ضربًا ولطمًا أيام تحدي العمل، فليراجع، وراجع كذلك كتاب: "وقت العمل" لعرض تاريخي أنثروبولوجي لشواهد هذا في غالب المجتمعات القديمة.

[4]
في تحدي العمل أيضًا تكلمنا عن كيف كان من أهداف "الاستعمار" الأساسية تعليم الشعوب المستعمَرة "أنماط السلوك" الجديدة التي تخدم هدف "الإنتاجية" وكيف كان "خطاب الكسل/انعدام الطموح" جزءًا أصيلًا من خطاب المستعمرين، لأن أنماط هذه "الشعوب المتخلفة" في المعيشة لا تلائم "العقلية الجديدة" (تلك التي يصفها فيبر بغير الطبيعية) ..

[5]
انتصارًا للصياد من رجل الأعمال، ومن ناقده أيضًا، أقول: ما الهدف النهائي للجهد الاقتصادي أصلًا؟ (هذا بالمناسبة السؤال الذي كان يسأله سميث والذي بدأنا به الكلام)، ببساطة: أن يعيش المجتمع وحاجاته ملباة بأيسر و"أكثر الطرق فعالية"، في مقالته التأسيسية والكلاسيكية "مجتمع الوفرة الأصلي" يحاول الأنثروبولوجي الكبير مارشال ساهلينز قلب السردية التاريخية الشائعة عن المجتمعات البدائية (مجتمع الصياد وأمثاله) ويثبت فيها أنه ببساطة، في مثل هذه المجتمعات وعالمها، فإن إشباع الحاجات المادية لأفرادها هو أسهل ما يكون، وذلك ببساطة لأن الجميع يطلب "مستوى الكفاف" (كما في حالة الصياد هنا)، أما تفكير رجل الأعمال (الذي يحتاج فيه المرء ليشبع حاجة بسيطة مثل الجلوس أمام البحيرة أن يوظّف نصف جزيرة وعشرات الآلات وبلا بلا بلا) فهو نفسه التفكير الجديد، التفكير - بحسب تعبير فيبر - في "العمل كما لو كان هدفًا في ذاته" .. (انظر تقريظ ديفيد جريبر للكتاب للاستزادة)
ولساهيلنز نسخة مختلفة من هذه القصة نفسها (أي قصة الصياد ورجل الأعمال، تدور بين مبشّر وبين رجل من شعب الساماوا يستبدل فيها الصيد بتجفيف جوز الهند، لكن المضمون هو نفسه).

يتبع..



tgoop.com/alghazi_m/2701
Create:
Last Update:

[3]
ذكرت أن هذا "النمط من الوجود" (أي: نمط الكفاف) هو نمط عاشه غالب البشر عبر التاريخ، وهنا أستعين بأحد كبرائها أيضًا، وهو ماكس فيبر، في كتاب ماكس فيبر "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" يحاول أن يطرح هو الآخر سؤالُا يوجه بحثه، لماذا نجد فرقًا في "الاستعداد للعمل" لدى نوعين من العمال، هم محل الدراسة عنده، وليس هذا ما يعنينا هنا، ما يعنينا هو تفسيره للمسألة، حين يشرح طرائق المقاولين (رجال الأعمال يعني إياهم) في تشجيع العمّال التقليديين على زيادة إنتاجيتهم في العمل برفع أجر الساعة الواحدة، وفشل ذلك، فيعلل الأمر كالتالي (ملخصًا): عندما يرفع الرأسمالي أجرة الساعة، كان ما يحدث هو أن العامل يعمل لساعات (أقل) .. نعم، بمعنى أنه لا يحاول زيادة "دخله" بل زيادة "وقت فراغه"، هل هذه ظاهرة غريبة على البشرية مثلًا (لماذا لم يسعى الصياد إلى تطوير عمله؟ هل عنده مشكلة في الطموح؟) يقول فيبر(بالمعني طبعًا): افرض أن هذا الرجل المسكين يحصد الفدان بمارك واحد، ويحتاج يوميًا لكفاية احتياجاته: ماركان ونصف، فسيحصد إذًا فدانين ونصف، فإذا رفعنا الأجر لمارك وربع، فلن يحصد المزيد، بل سيحصد فدانين وحسب، ويحصل على نفس الماركين ونصف.
الآن، هل هذا الرجل مجنون؟ لا يا أخي، يتابع فيبر: الرجل لا يسأل: كم سأجني إذا حصدت كذا، الرجل ببساطة يسأل: كم يجب أن أحصد لأجني ماركان ونصف، هما احتياجي ولا أزيد .. فإذا زادت الأجرة، قل العمل، هكذا ببساطة.
الآن، قد يبدو هذا سلوكًا غريبًا، هنا يظهر الفرق بين أهل العلم والموتى، حيث يقول فيبر التالي: "الإنسان لا يرغب "بطبيعته" في أن يكسب من المال أكثر فأكثر، بل أن يحيا حسب عادته ويكسب من المال ما يساعده على ذلك، وأينما لجأت الرأسمالية إلى زيادة إنتاجية العمل البشري بزيادة وتيرته، اصطدمت بمقاومة عنيدة من لازمة العمل هذه في الاقتصاد ما قبل الرأسمالي" ما المطلوب إذًا يا عم فيبر من أجل هذا؟ يجيبنا الرجل: "ينبغي أن يمارس العمل كما لو كان هدفًا في حد ذاته، والحقيقة أن مثل هذه العقلية ليست من نتائج الطبيعة" (أي تحتاج أن تكتسب بطرائق في التعليم والإرشاد وتغيير "الطبع" الإنساني)

وهنا تجدر الإشارة أيضًا إلى منشور آخر نشره من مدة أستاذ فاضل محترم عزيز، عن "تجربة سائقي التاكسي في نيويورك" والتي قدّم لها حلًا بأن يعمل السائق في أيام المطر أقل، وفي الأيام العادية أكثر، الآن، النقطة الأساسية في هذه الدراسة، نتيجتها التي جعلتها ذات شهرة واسعة أصلًا، أنها نقضت "الإنسان الاقتصادي Homo economicus" إذ يفترض في "إنسان اقتصادي" أن يفكّر في تعظيم منفعة الساعة (إنتاجية الساعة)، كما يقترح المنشور (لهذا سميت معضلة، ليس لأنها معضلة فعلًا فكما قلنا هذا هو الطبيعي)، لكنه في الحقيقة فكّر في "حد الكفّاف" الذي لو حصله اليوم، فلا داعي أبدًا لبذل مزيد من الجهد، ببساطة، تلك طبائع البشرية، على سائق التاكسي أن يأخذ دورة في "ريادة الأعمال" ليبدأ التفكير بهذه الطريقة التي سيراها ملتوية، ليس هدف العمل في معتاد البشر تعظيم المنافع، بل كما شرح فيبر أعلاه.
لا أريد أن أفصّل طويلًا في هذه النقطة، فقد أشبعتها ضربًا ولطمًا أيام تحدي العمل، فليراجع، وراجع كذلك كتاب: "وقت العمل" لعرض تاريخي أنثروبولوجي لشواهد هذا في غالب المجتمعات القديمة.

[4]
في تحدي العمل أيضًا تكلمنا عن كيف كان من أهداف "الاستعمار" الأساسية تعليم الشعوب المستعمَرة "أنماط السلوك" الجديدة التي تخدم هدف "الإنتاجية" وكيف كان "خطاب الكسل/انعدام الطموح" جزءًا أصيلًا من خطاب المستعمرين، لأن أنماط هذه "الشعوب المتخلفة" في المعيشة لا تلائم "العقلية الجديدة" (تلك التي يصفها فيبر بغير الطبيعية) ..

[5]
انتصارًا للصياد من رجل الأعمال، ومن ناقده أيضًا، أقول: ما الهدف النهائي للجهد الاقتصادي أصلًا؟ (هذا بالمناسبة السؤال الذي كان يسأله سميث والذي بدأنا به الكلام)، ببساطة: أن يعيش المجتمع وحاجاته ملباة بأيسر و"أكثر الطرق فعالية"، في مقالته التأسيسية والكلاسيكية "مجتمع الوفرة الأصلي" يحاول الأنثروبولوجي الكبير مارشال ساهلينز قلب السردية التاريخية الشائعة عن المجتمعات البدائية (مجتمع الصياد وأمثاله) ويثبت فيها أنه ببساطة، في مثل هذه المجتمعات وعالمها، فإن إشباع الحاجات المادية لأفرادها هو أسهل ما يكون، وذلك ببساطة لأن الجميع يطلب "مستوى الكفاف" (كما في حالة الصياد هنا)، أما تفكير رجل الأعمال (الذي يحتاج فيه المرء ليشبع حاجة بسيطة مثل الجلوس أمام البحيرة أن يوظّف نصف جزيرة وعشرات الآلات وبلا بلا بلا) فهو نفسه التفكير الجديد، التفكير - بحسب تعبير فيبر - في "العمل كما لو كان هدفًا في ذاته" .. (انظر تقريظ ديفيد جريبر للكتاب للاستزادة)
ولساهيلنز نسخة مختلفة من هذه القصة نفسها (أي قصة الصياد ورجل الأعمال، تدور بين مبشّر وبين رجل من شعب الساماوا يستبدل فيها الصيد بتجفيف جوز الهند، لكن المضمون هو نفسه).

يتبع..

BY الغازي محمد


Share with your friend now:
tgoop.com/alghazi_m/2701

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Telegram offers a powerful toolset that allows businesses to create and manage channels, groups, and bots to broadcast messages, engage in conversations, and offer reliable customer support via bots. The Channel name and bio must be no more than 255 characters long A vandalised bank during the 2019 protest. File photo: May James/HKFP. fire bomb molotov November 18 Dylan Hollingsworth yau ma tei The group’s featured image is of a Pepe frog yelling, often referred to as the “REEEEEEE” meme. Pepe the Frog was created back in 2005 by Matt Furie and has since become an internet symbol for meme culture and “degen” culture.
from us


Telegram الغازي محمد
FROM American