tgoop.com/alghazi_m/2733
Last Update:
إذا قيل «كتاب تأسيسي» فهو ذاك.. هذا الكتاب هو تمرين نظري فاخرٌ جدًا..
استغرقتني قراءته عدّة أشهر، لا في قراءة الكتاب نفسه، بل لأنه يحيل إلى الكثير من «الأدبيات» التأسيسية في معرض مناقشته لها وبعضها كنت قد قرأته فعدتُ له متفحصًا وباحثًا عن أوجه التفكيك أو النقد التي أكسبني إيّاها الكتاب.
وعندما أقول «أدبيات تأسيسية» فأنا أعني هذا تمامًا، فيندر أن تجد اسمًا عَلَمًا في الموضوع الذي يناقشه الكتاب إلّا ويرد في الكتاب عرضًا أو نقدًا ..
وفي الحقيقة، كتب على ظهر الغلاف الخارجي كلمة، لو قرأتها قبل أن اقرأ الكتاب، لقلت هي قطعًا من قبيل المبالغات التسويقية المحضة، إذ لا يمكن أن يكون لكتاب مثل هذا الطموح الجسيم، فقد كُتب على ظهر الغلاف ما نصّه: «يندر أن يكون هناك مفهوم جوهري من مفاهيم العلوم الاجتماعية لا يُلقي عليه هذا العمل ضوءًا جديدًا»، كلمة مهولة جدًا، لكن المفاجأة السّارة جدًا، أن هذه العبارة - لحسن الحظّ - لا تبعد كثيرًا عن توصيف الكتاب بالفعل.
ومن هنا يصعب حصر موضوع الكتاب في عنوانه حتّى، فهو من ناحية «مراجعة أدبيات» (literature review) نقدية متقنة للمقولات النظرية الكبرى في تفسير نشوء الرأسمالية من ناحية، وفي تفسير ظاهرة «التخلّف»، وكذلك هو مراجعة أدبيات حصيفة جدًا لأدبيات حقل «دراسات التنمية»، ثم هو مع ذلك يتحمّل مهمة مناقشة مقولات تأسيسية في العلوم الاجتماعية من قبيل الدولة والطبقة والقومية والجماعة والبنية والفعال والإمبريالية، التحول البرجوازي، نمط الإنتاج، وغيرها كثيرٌ جدًا!، ثم هو مع ذلك مراجعة أدبيات الاقتصاد السياسي العربي وتحليل بنية الدولة والاقتصاد والمجتمع في المشرق وكذلك هنا يندر أن تجد اسمًا علمًا في هذا الحقل إلّا وهو في الكتاب عرضًا أو تفكيكًا أو نقدًا. ثم هو مع ذلك لا يقتصر على هذا، بل يدلي بدلوه في الدِلاء أيضًا مقدّمًا نماذج تفسيرية بديلة.
ثم إن هذا «النزال النظري» الثقيل الذي تراه عبر صفحات الكتاب، يجري «برشاقة» عجيبة، كأن صاحبها «يغرف من بحر»، بالرغم من أن كتابًا بهذا الطموح وبهذا النطاق الممتد من الموضوعات والمناقشات هو كتابٌ قد يكون في طموحه مقتله ومَهلكه، إلّا أنك لا تشعر بهذا «الخطر» في حركة الكاتب الرشيقة جدًا والمُتمكِنَة.
سيبدو الهامش - المُحِق - الذي يُقال عادة بعد مثل هذه العبارات من أنه «بالتأكيد ما من كتاب يخلو من ملاحظات أو مآخذ» تافهًا وسخيفًا، لأنه وإن كان صحيحًا أن الأمر كذلك، وإن كان صحيحًا أن طموح الكتاب الكبير وتصدّيه لكل هذه الموضوعات الكبيرة دفعة واحدة قد يترك الكثير من الثغرات والمزيد من علامات الاستفهام (البنّاءة في الحقيقة)، إلّا أنه هامش لا داعي له أبدًا، لأن القارئ في هذه المناقشات والموضوعات، الذي سيستفيد من الكتاب، سيدرك هذا وحده وبالضرورة، مع ما سيدركه من التميّز النظري الكبير والفارق الذي للكتاب، أما لو لم يكن، فأي «ملاحظات ومآخذ» يا رجل؟ ثم إن هذه بلا شك لا هي مراجعة للكتاب ولا هي عرض أو مناقشة لموضوعاته.
شكري وامتناني العميق جدًا للأستاذ مصطفى عبد الظاهر، إذ بترشيحه عرفت الكتاب، إذ أنه كان قد رشح الكتاب من سنين عددًا، بل قد رشّحه مرتين، مرّة في فعالية شارك فيها كل يوم كتابًا يحبه، ومرّة في قائمة وضعها في العلوم الاجتماعية.
BY الغازي محمد

Share with your friend now:
tgoop.com/alghazi_m/2733