tgoop.com/alkulife/10855
Last Update:
هل المذهبية تساوي: لا إنكار في مسائل الخلاف؟
من الأمور التي لاحظتها عند بعض النشطين في الدعوة للمذهبية أنهم يوصلون للقاريء فكرة أن الإنكار في مسائل الخلاف خصوصية عند غير المذهبيين أو جماعة من السلفية المعاصرة.
وأن المتمذهبين لا ينكرون على غيرهم في مسائل الخلاف، فالحنبلي لا ينكر على الحنفي، ولا المالكي على الشافعي
وإنما ينكر التلفيق أو الخروج عن كل المذاهب، وقلة منهم ينبه على إشكالية تتبع رخص المذاهب، بل بعضهم للأسف يروج للمذهبية عن طريق نشر رخص كل مذهب!
وتضييق دائرة الإنكار أمر مطلوب في الثقافة العصرية، فهم يسمون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وصاية) وتدخل في خصوصيات الناس، وإذا خير إنسان متغذ بالثقافة العصرية بين القول بالإنكار في مسائل الخلاف وعدم الإنكار، لاختار الأولى، لا من خلال النظر بالأدلة ولكن لأن الأولى أنسب مع الثقافة العصرية.
وهي خطوة جيدة لكسر شدة المتشدد (في نظرهم) ثم بعد ذلك يأخذونه خطوة خطوة إلى (أنت حر ما لم تضر)
فإن قال قائل: هل تريد تشويه قول من يقول (لا إنكار في مسائل الخلاف) عن طريق تشبيهه بالليبرالية مع أنهم أصلاً يقولون بالإنكار في مسائل الإجماع؟
فيقال: ليس هذا المراد، فحقاً هم ينكرون في مسائل الإجماع، ولكن بعض من لا خَلاق لهم ينتفعون بهذا القول ويدعمونه لهذا الداعي بصفته مرحلة انتقالية، ثم إن هذا القول أصلاً مبني على أصل فلسفي، يلتقي من بعض الوجوه بالأصل الفلسفي القائل بنسبية الحقيقة أو تكافؤ الأدلة.
فإن قيل: كيف هذا؟
فيقال: قبل أن نشرح الأمر لا بد من التنبيه على أن المسائل الفقهية الخلافية على نوعين، نوع فيه خلاف قوي، فهذه تسمى اجتهادية، وهذه التي لا ينكر فيها مقلد على مقلد، وإنما يدور فيها الحوار والأخذ والعطاء بين المتأهلين.
وهناك المسائل التي الخلاف فيها ضعيف، فهذه ينكر فيها الإمام والمتأهل، بل ويرشدون من يقلدهم -بعد تعليمه الدليل- إلى الإنكار على أصحاب القول الضعيف. هذا في قول من يقول بالإنكار في مسائل الخلاف.
يرى ابن تيمية أن قول من قال (لا إنكار في مسائل الخلاف) عائد إلى أصل عقدي في استفادة البراهين من العقل فقط، ولما كانت المسائل الفقهية إنما تستفاد من الأدلة الشرعية، وعامتها ظني، كان الأمر هكذا لا إنكار في مسائل الخلاف.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (19/ 143): "فذهب فريق من أهل الكلام مثل أبي علي وأبي هاشم والقاضي أبي بكر والغزالي إلى قول مبتدع يشبه في المجتهدات قول الزنادقة الإباحية في المنصوصات، وهو أنه ليس لهذه الحادثة حكم عند الله في نفس الأمر وإنما حكمه في حق كل مكلف يتبع اجتهاده واعتقاده، فمن اعتقد وجوب الفعل فهو واجب عليه، ومن اعتقد تحريمه فهو حرام عليه، وبنوا ذلك على مقدمتين: إحداهما: أن الحكم إنما يكون بالخطاب فما لا خطاب فيه لا حكم لله فيه فإذا لم يكن للعقل فيه حكم إما لعدم الحكم العقلي مطلقا أو في هذه الصورة علم أنه لا حكم فيه يكون من أصابه مصيبا ومن أخطأه مخطئا. الثاني: أنه قد علم أن من اعتقد وجوب شيء فعليه فعله، ومن اعتقد تحريمه فعليه اجتنابه، فالحكم فيه يتبع الاعتقاد. قالوا: والأحكام الشرعية تختلف باختلاف أحوال المكلفين في اجتهاداتهم وغير اجتهاداتهم بدليل اتفاق الفقهاء وأهل السنة على أن الاجتهاد والاعتقاد يؤثر في رفع الإثم والعقاب كما جاءت به النصوص، وأن الوجوب والتحريم يختلف بالإقامة والسفر والطهارة والحيض والعجز والقدرة وغير ذلك، فيجوز أن تختلف الأحكام باختلاف الاعتقادات ويكون الحكم في حق المجتهد عند عدم النص ما اعتقده. هذا ملخص قولهم. وأما السلف والفقهاء والصوفية والعامة وجمهور المتكلمين فعلى إنكار هذا القول وأنه مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف بل هو مخالف للعقل الصريح حتى قال أبو إسحاق الإسفراييني وغيره هذا المذهب أوله سفسطة وآخره زندقة"
أقول: هنا ابن تيمية لا يتكلم عن مطلق المسائل الخلافية، بل يتكلم عن المسائل التي لا نص فيها، وذكر أن طائفة من أهل الكلام ذهبوا إلى أن هذه المسائل الحق فيها يتبع الاعتقاد، بمعنى أنه لا يوجد فيها حق موضوعي عند الله عز وجل.
ولاحظ أن ابن تيمية قال أن قول هؤلاء المتكلمين هو نظير هو قول الزنادقة الإباحية في المنصوصات، والزنادقة الإباحية وارثهم اليوم العالمانية، الذين يقولون في كل خلاف ولو كان فيه دليل (وجهات نظر) و (لا أحد يحتكر الحقيقة) وهكذا.
وكون هذا القول سفسطة لأن الأقوال المتناقضة لا تكون كلها حقاً إلا إذا كان الخلاف لفظياً (وفي الخلاف اللفظي لا تناقض) وفي الحديث (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد فأصاب له أجران) فعلم أن هناك حقاً.
وقد جاء بعض الناس وعمموا هذا القول على كل الفقه الخلافي حتى لو كان في المسألة نص وقالوا (كل مجتهد مصيب) وبنوا على هذا القول بأنه لا إنكار في مسائل الخلاف.
=
BY قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي
Share with your friend now:
tgoop.com/alkulife/10855