ALKULIFE Telegram 11517
نقض شبهة الاستدلال بقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) للسماح بالمنكرات السياحية..

حين تطرح وجهة نظر إصلاحية شاملة سياسية اقتصادية اجتماعية وفق شعارات ليبرالية فعليك ألا تغفل أمرين:

الأول: أن تكون ليبراليًّا حقًّا، بمعنى أن تؤمن بموضوع (الرأي والرأي الآخر) لا أن رأيك هو وحده المقبول وما سواه يُتعامل مع صاحبه بمقمعية، ثم تتقدم بمشروعك هذا للغرب الليبرالي طالبًا إعجابهم بإصلاحاتك ذات النمط الليبرالي، هذا ينتمي لما يسمى بـ (الكوميديا السوداء).

ويذكرني بقصة قرأتها في بعض كتب الأدب عن امرأة ذهبت تشكو عقوق ولدها إلى القاضي فلما استدعاه القاضي وسأله عن دعوى أمه غضب وقال: إنها تكذب أيها القاضي، ثم التفت إليها مغضبًا وصفعها وسألها مستنكرًا: أنا أعقك؟

الثاني: ألا تخوض باستدلالات شرعية، فإن العلم الشرعي له متخصصون وسيضطرون إلى مناقشة كلامك إن كان خطأً، كون المرء سياسيًّا لا يجعله طبيبًا حاذقًا وكذلك لا يجعله فقيهًا مدققًا، وعجيب جدًّا الاستدلال بقاعدة (حكم الحاكم يرفع الخلاف) مع عدم فهمها وفهم مناطات تطبيقية ثم الحديث عن الذين يحتكرون فهم الدين لأنفسهم، ما من متخصص إلا ويضن بتخصصه على الدخلاء ولا مشكلة، وإنما المشكلة أن تكون عاميًّا في أحسن أحوالك وتريد أن تفصل بين العلماء وتنهي خلافهم باختيارات رغبوية!

والآن نشرع بالمقصود:

عامة الناس يتفقون على فضائل عامة، غير أن الإشكال الذي تتنوع من خلاله المذاهب هو عند تزاحم هذه الفضائل أيها يرجَّح؟

في العقلية الرأسمالية دائمًا المال هو المرجَّح، هو مقدم على الدين والعرض وحتى العقل، والمقصود بذلك المال ضمن سياق المؤسسة الرأسمالية.

ومقاصد الشريعة تشمل الدين والنفس والعرض والمال والعقل، فحين تبيح أمرًا فيه انتهاك للأعراض أو تيسير للفواحش في زمن فتن، وفي أزمنة الفتن يتأكد سد الذرائع، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الأسقية لمّا كان الناس حدثاء عهد بالخمر ونهى عن زيارة القبور لمّا كان الناس حدثاء عهد بوثنية، وقالت أم المؤمنين عائشة: لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء لمنعهن (أيْ من الخروج إلى المساجد).

فالسياحة بالمقاييس العالمية مِن أسُسِها تيسير الخمور والزنا، وهذا انتهاك للعقل والعرض، ولا يصح الاستدلال بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات هنا إلا إذا قلنا إن المال أهم من العرض والعقل، وما قالت بذلك العرب في كفرها ولا إسلامها.

فهذا باختصار كما قيل في الحجاج: يفسر تفسيرًا أزرقيًّا في طاعة شامية. نجد هنا أنه استخدام رأسمالي لقواعد أصولية، والرأسمالية قدمت المال على الدين والعرض والعقل لعدم إيمان أهلها بعلاقة الآخرة بالواقع المُعاش وزعمهم عدم حضور أي ضرر على وجود الفرد من الحرية المطلقة، وكل الشواهد تدفع بخلاف هذا، وما ضعف الخصوبة الذي تعيشه المجتمعات الغربية عنا ببعيد.

وإن كنت تصنع شيئًا بغير المعايير العالمية فلن تنافس بهذا بلدانًا مثل دبي وتركيا قبلت بلاءً مبينًا في هذا السياق.

هذا أولًا.

وثانيًا: الضرورة تُضبط بأنها أمر يتيقن دفعه للضرر وعادة ما تكون حالة فردية يكون فيها هلاك النفس أو المال أو العقل أو العرض متحققًا ما لم يُفعل هذا الأمر.

وأما إن كان الأمر مترددًا فهناك آية جامعة {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

وبيان ذلك أن السنة النبوية فيها النهي عن التداوي بالمحرم ومن ذلك التداوي بالخمر، مع أن الناس لا يختلفون في أن المرء إذا غص في لقمة وكاد يموت ولم يوجد أمامه إلا خمر جاز له شرب الخمر بالقدر المحتاج إليه فحسب، فالضرورة تُقدَّر بقدرها.

وأمر الرزق كأمر التداوي أمر له طرق كثيرة وليست حتمية ولا فردية، ولهذا تتفاوت فيه آراء الناس وملكاتهم ومقدرتهم على التحصيل.

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (24/ 268): "والذين جَوَّزوا التداوي بالمحرَّم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات: كالميتة والدم للمضطر وهذا ضعيف لوجوه:
أحدها: أن المضطر يحصل مقصوده يقينًا بتناول المحرمات فإنه إذا أكلها سدَّت رمقه وأزالت ضرورته وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشفاء بها فما أكثر من يتداوى ولا يشفى".

ثالثًا: اللجوء إلى المحرمات أو المشتبهات يكون بعد استفراغ الوسائل الشرعية وإعطاء كل ذي حق حقه، فلا يصلح عند وجود الفساد الإداري أو الاستئثار بأي درجة من الدرجات الحديث عن ضرورة تبيح المحظورات في حق الإنسان العادي الذي سُلِب حقه الشرعي ثم يقال له هذا الكلام.
=



tgoop.com/alkulife/11517
Create:
Last Update:

نقض شبهة الاستدلال بقاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) للسماح بالمنكرات السياحية..

حين تطرح وجهة نظر إصلاحية شاملة سياسية اقتصادية اجتماعية وفق شعارات ليبرالية فعليك ألا تغفل أمرين:

الأول: أن تكون ليبراليًّا حقًّا، بمعنى أن تؤمن بموضوع (الرأي والرأي الآخر) لا أن رأيك هو وحده المقبول وما سواه يُتعامل مع صاحبه بمقمعية، ثم تتقدم بمشروعك هذا للغرب الليبرالي طالبًا إعجابهم بإصلاحاتك ذات النمط الليبرالي، هذا ينتمي لما يسمى بـ (الكوميديا السوداء).

ويذكرني بقصة قرأتها في بعض كتب الأدب عن امرأة ذهبت تشكو عقوق ولدها إلى القاضي فلما استدعاه القاضي وسأله عن دعوى أمه غضب وقال: إنها تكذب أيها القاضي، ثم التفت إليها مغضبًا وصفعها وسألها مستنكرًا: أنا أعقك؟

الثاني: ألا تخوض باستدلالات شرعية، فإن العلم الشرعي له متخصصون وسيضطرون إلى مناقشة كلامك إن كان خطأً، كون المرء سياسيًّا لا يجعله طبيبًا حاذقًا وكذلك لا يجعله فقيهًا مدققًا، وعجيب جدًّا الاستدلال بقاعدة (حكم الحاكم يرفع الخلاف) مع عدم فهمها وفهم مناطات تطبيقية ثم الحديث عن الذين يحتكرون فهم الدين لأنفسهم، ما من متخصص إلا ويضن بتخصصه على الدخلاء ولا مشكلة، وإنما المشكلة أن تكون عاميًّا في أحسن أحوالك وتريد أن تفصل بين العلماء وتنهي خلافهم باختيارات رغبوية!

والآن نشرع بالمقصود:

عامة الناس يتفقون على فضائل عامة، غير أن الإشكال الذي تتنوع من خلاله المذاهب هو عند تزاحم هذه الفضائل أيها يرجَّح؟

في العقلية الرأسمالية دائمًا المال هو المرجَّح، هو مقدم على الدين والعرض وحتى العقل، والمقصود بذلك المال ضمن سياق المؤسسة الرأسمالية.

ومقاصد الشريعة تشمل الدين والنفس والعرض والمال والعقل، فحين تبيح أمرًا فيه انتهاك للأعراض أو تيسير للفواحش في زمن فتن، وفي أزمنة الفتن يتأكد سد الذرائع، كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في الأسقية لمّا كان الناس حدثاء عهد بالخمر ونهى عن زيارة القبور لمّا كان الناس حدثاء عهد بوثنية، وقالت أم المؤمنين عائشة: لو أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدثت النساء لمنعهن (أيْ من الخروج إلى المساجد).

فالسياحة بالمقاييس العالمية مِن أسُسِها تيسير الخمور والزنا، وهذا انتهاك للعقل والعرض، ولا يصح الاستدلال بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات هنا إلا إذا قلنا إن المال أهم من العرض والعقل، وما قالت بذلك العرب في كفرها ولا إسلامها.

فهذا باختصار كما قيل في الحجاج: يفسر تفسيرًا أزرقيًّا في طاعة شامية. نجد هنا أنه استخدام رأسمالي لقواعد أصولية، والرأسمالية قدمت المال على الدين والعرض والعقل لعدم إيمان أهلها بعلاقة الآخرة بالواقع المُعاش وزعمهم عدم حضور أي ضرر على وجود الفرد من الحرية المطلقة، وكل الشواهد تدفع بخلاف هذا، وما ضعف الخصوبة الذي تعيشه المجتمعات الغربية عنا ببعيد.

وإن كنت تصنع شيئًا بغير المعايير العالمية فلن تنافس بهذا بلدانًا مثل دبي وتركيا قبلت بلاءً مبينًا في هذا السياق.

هذا أولًا.

وثانيًا: الضرورة تُضبط بأنها أمر يتيقن دفعه للضرر وعادة ما تكون حالة فردية يكون فيها هلاك النفس أو المال أو العقل أو العرض متحققًا ما لم يُفعل هذا الأمر.

وأما إن كان الأمر مترددًا فهناك آية جامعة {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

وبيان ذلك أن السنة النبوية فيها النهي عن التداوي بالمحرم ومن ذلك التداوي بالخمر، مع أن الناس لا يختلفون في أن المرء إذا غص في لقمة وكاد يموت ولم يوجد أمامه إلا خمر جاز له شرب الخمر بالقدر المحتاج إليه فحسب، فالضرورة تُقدَّر بقدرها.

وأمر الرزق كأمر التداوي أمر له طرق كثيرة وليست حتمية ولا فردية، ولهذا تتفاوت فيه آراء الناس وملكاتهم ومقدرتهم على التحصيل.

قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (24/ 268): "والذين جَوَّزوا التداوي بالمحرَّم قاسوا ذلك على إباحة المحرمات: كالميتة والدم للمضطر وهذا ضعيف لوجوه:
أحدها: أن المضطر يحصل مقصوده يقينًا بتناول المحرمات فإنه إذا أكلها سدَّت رمقه وأزالت ضرورته وأما الخبائث بل وغيرها فلا يتيقن حصول الشفاء بها فما أكثر من يتداوى ولا يشفى".

ثالثًا: اللجوء إلى المحرمات أو المشتبهات يكون بعد استفراغ الوسائل الشرعية وإعطاء كل ذي حق حقه، فلا يصلح عند وجود الفساد الإداري أو الاستئثار بأي درجة من الدرجات الحديث عن ضرورة تبيح المحظورات في حق الإنسان العادي الذي سُلِب حقه الشرعي ثم يقال له هذا الكلام.
=

BY قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي


Share with your friend now:
tgoop.com/alkulife/11517

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

3How to create a Telegram channel? 4How to customize a Telegram channel? It’s yet another bloodbath on Satoshi Street. As of press time, Bitcoin (BTC) and the broader cryptocurrency market have corrected another 10 percent amid a massive sell-off. Ethereum (EHT) is down a staggering 15 percent moving close to $1,000, down more than 42 percent on the weekly chart. During a meeting with the president of the Supreme Electoral Court (TSE) on June 6, Telegram's Vice President Ilya Perekopsky announced the initiatives. According to the executive, Brazil is the first country in the world where Telegram is introducing the features, which could be expanded to other countries facing threats to democracy through the dissemination of false content. With Bitcoin down 30% in the past week, some crypto traders have taken to Telegram to “voice” their feelings.
from us


Telegram قناة | أبي جعفر عبدالله الخليفي
FROM American