tgoop.com/alnatheerr/11185
Last Update:
ورَد في كتاب" الاستيعاب في معرفة الأصحاب" لابن عبد البر: أن كعب بن سَور كَانَ جالسا عِنْدَ عُمَر بْن الخطاب، فجاءت امرأة فقالت: مَا رأيتُ رجلا قَطّ أفضلَ من زوجي، إنه لَيبِيتُ ليلَه قائما، ويظلُّ نهاره صائما فِي اليوم الحارّ مَا يُفطر، فاستغفر لَهَما عُمَر، وأثنى عليهما، وَقَالَ: مِثلُكِ أثنى بالخير وقالَه.
فاستحيَتِ المرأة، وقامت راجعةً، فَقَالَ كَعْب بْن سور: يَا أمير المؤمنين، هلَّا أنصفتَ المرأة من زوجها إذ جاءتك تشكوه! فَقَالَ: أكذلك أرادت؟ قَالَ: نعم.
قَالَ: رُدُّوا عليَّ المرأة. فرُدَّت، فقال لَهَا: لا بأس بالحقِّ أن تقوليه، إن هَذَا يزعم أنك جئتَ تشتكين أَنَّ زوجكِ يجتنِب فراشك.
قالت: أجلْ، إِنِّي امرأة شابة، وإني أبتغي مَا تبتغيه النساء.
فأرسل عُمر إِلَى زوجها، فجاء، فَقَالَ عمر لكعب: اقض بينهما، فقال: أمير المؤمنين أحقُّ بأن يقضي بينهما.
فقال: عزمتُ عليك لَتقضِيَنَّ بينهما، فإنك فهمتَ من أمرهما مَا لم أفهم.
قال: فإني أرى أن لَهَا يوما من أربعة أيام، كأن زوجها لَهُ أربع نسوة، فإذا لم يكن لَهُ غيرها فإني أقضي لَهُ بثلاثة أيام ولياليهن يتعبَّد فيهن، ولها يَوْم وليلة.
فقال عُمَر: والله مَا رأيُك الأول بأعجبَ من الآخر، اذهب فأنت قاضٍ على أهل البصرة.اه.
-----
يمكن أن يُستفاد من هذه الحكاية بعض الأمور المهمة، منها:
١ - أنه قد تخفى على العالِم مسائل يُدركها غيرُه ممن هو دونه في العلم، فإن هذا الرجل أدرَك من حال المرأة ما لم يُدركه عمر، مع أنه أعلم وأفقه، ولا يضرُّه هذا؛ فإن العلم مواهب إلهية ومِنَح اختصاصية، وقد يُدرك منه المفضول بعضَ ما عسُر على الفاضل.
٢ - لا يلزم أن يكون العالِم بضربٍ من المعارف عالما بغيره؛ فإن عمر رضي الله عنه مع فقهه وعلمه وورعه لم يجد نفسه أهلا للقضاء بين هذه المرأة وزوجها، وأوكل غيره بالحكم بينهما، ولعل هذا فيه تنبيه على مسألة " التخصص" لا سيما في العلاقات الاجتماعية والأمور الزوجية والشؤون النفسية ونحو ذلك؛ فإنها تحتاج إلى متخصصين وعارفين بهذه الأبواب جيدا، تحتاج إلى قدر زائد على مجرد معرفة الأحكام الشرعية.
٣ - أنه يجب أن تكون العلاقة الزوجية قائمة على المصارحة والوضوح، وأن لا يكون فيها دخَن، وأن يتفقَّد كل واحد احتياجاتِ صاحبه؛ فإنه أحيانا ما يكون خلْف الصمت براكين من الاحتياج ولهيبٌ من الحِرمان، فلا يصح أن تكون حاضرا بجسمك غائبا عن صاحبك بروحك وعواطفك، منشغلا عنه بخاصّة نفسك.
٤ - الصلاح والتقوى شيء ضروري في حياة الإنسان، ولكنه وحده ليس كافيا في نجاح العلاقة الزوجية؛ بل لابد معه من الذكاء العاطفي وحُسن الرعاية والمعرفة بأسباب نجاح العلاقة؛ فإن كثيرا من الرجال والنساء أهل صلاة وقرآن وصيام وعبادة- وهي أشياء جميلة وعظيمة ومطلوبة- ولكنهم ليس عندهم ذكاء اجتماعي ولا يعرفون أن نجاح الزواج يتطلب أمورا أخرى فوق ذلك، ويترتب على عدم معرفتهم بها الفشلُ في الحياة الزوجية، أو اضطرابها على الأقل.
BY الدُّرّ النَّثِير
Share with your friend now:
tgoop.com/alnatheerr/11185