AMR_BASIONI Telegram 1150
وهذه ولله الحمد طريقتنا، سلكنا فيها طريق الشافعي وابن تيمية ونحوهما من الأئمة المحققين في أصول العلم، فالشافعي في الأم قال إنه لا يقول على من أباح الأدبار والفضل والمتعة إنه استحل ما حرم الله، وهذا هو الإعذار، وإلا للزم إكفارهم أو تفسيقهم أو عقوبتهم، وليس معنى هذا أنه يسوغ الخلاف في ذلك، كما هو مبيَّن في تقرير فروعه، وكذا نص في باب الشهادات على قبول شهادات أهل الأهواء، وهذا إعذار لهم وإن لم يسوغ خلافهم
فالإعذار منفك عن عدم السواغ، والسواغ منفك عن وقوع الخلاف.
ومن خلط بين المقامات الثلاثة اضطربت أقواله وتناقضت ولا بد.
9-
فتحرر أن مجرد وقوع الخلاف، أو حتى وجود القول في مذهب من المذاهب الأربعة أو جميعها - وهذا الثالث أندر -، ليس مستلزما من حيث هو هو أنه سائغ، ولو سُلِّم أنه يسوغ كثيرا في حالة وقوعه في مذهب، أو غالبا أو دائما إن اتفق الأربعة عليه، لكنه يصح أن ألا يسوغ أحيانا أو قليلا أو نادرا، ولذلك اختلف علماء المذاهب في سواغ الخلاف بينهم في مسائل، ولم يسلموا أنه بمجرد وجود القول لدى مخالفيهم من مذهب آخر أنه يستلزم سواغه، لما قلناه لكم من أن وقوع الخلاف لا يستلزم سواغه.
فبعض الحنفية لا يسوغون خلاف الشافعي في أكل المذكى متروك التسمية عمدا، ويصرحون أنه خلاف غير سائغ، ولا يجوزون أكل هذه الذبيحة ولو حكم بها الحاكم، وهو قول أبي يوسف. وبعضهم يقول إن الرفع في الركوع غير سائغ وكذا القنوت في الفجر فلا يتابع فيه الإمام، ونظائر هذا معروفة في مظانها.
ولم يسوغ الحنابلة قتل مسلم بكافر، ولو قضى به القاضي نقض لمخالفته النص، وهو مذهب أبي حنيفة في الذمي، ونصُّ أحمد أنه لا يسوغ الاجتهاد في حل المسكر، وخالف فيه أبو يعلى، والحنبلي يحد الحنفي شارب العصير ولو لم يسكر في المشهور، بل وفي التفسيق ورد الشهادة به روايتان، ذكروا أن الأظهر عن أحمد تفسيقه وعدم الصلاة خلفه ورد شهادته وخولف في ذلك. وبينهم جميعا في تفاصيل الاقتداء في الصلاة خلاف بعضه مبني على ذلك.
وأمثلة ذلك كثيرة معروفة.
واتفاق المذاهب الأربعة على قول، أو على أقوال: لا يستلزم أن خلافه أو خلافها غير سائغ. وهذا أصله مسألة الخروج على المذاهب الأربعة.
فالمعازف محرمة في معتمد المذاهب الأربعة لكن كثيرا من أربابها يسوغون فيها الخلاف، وكثير لا يسوغونه.
المتعة محرمة عند عامة العلماء في المذاهب الأربعة وغيرها، ولكن رأى بعض العلماء كالعز بن عبد السلام أن الخلاف فيها سائغ لعدم خلوه عن مستند.
وإيقاع البدعي واحدا غير سائغ في معتمد الأربعة عند الجمهور، ولكن سوغه ابن كمال باشا، وهو اختيار الشيخ في الجملة كما لا يخفى.
والكلام في هذا يطول، لكن الغرض من الإطناب فيه تقريره وتوضيحه.
فمجرد الخلاف، ثم مجرد كونه في المذاهب الأربعة، أو بينها جملة وبين غيرها- وهذا أخص - ليس يصح ضابطا للسواغ طردا ولا عكسا.
ففي داخلها ما لا يسوغ عند بعضهم، وفي خارجها ما يسوغ عند بعضهم
كما تبين لك.
وهو في اختلاف الأربعة على أقوالٍ مبنيٌّ على القول بعدم جواز الخروج عن الأربعة، وهو قول باطل لبعض المتأخرين، وأقل ما يقال فيه إنه خلافي كما هو ثابت، ولو قيل إن هذا الخلاف فيه غير سائغ كان مصادرة أو دَورا، ثم على فرض ثبوته فمحله الفتوى لا الاختيار للعمل كما هو مبسوط في كتب المذاهب.
هذا في كونه لا يسوغ خلافها، أما في كونها إذا اتفقت على قول فيلزم أن يكون سائغًا، فهو مبني من جهةٍ على القول بعدم جواز الخروج على الأربعة، وقد تبين ما فيه، ومبني من جهة أدق على عدم تصور وقوع ذلك.
والحق أن اتفاق الأربعة على قول يكون غير سائغ - وأكرر التنبيهَ أن محل البحث أدق من كون قول غير الأربعة يسوغ فهذا قوي متجه بل الحق - يندر أو ينعدم، ولكن هذا من جهة الوقوع، والبحث بحث حُجيات، وحاصله أن دليل حجية الإجماع قاصر عن حجية إجماع الأربعة، كسائر الإجماعات الخاصة فاقدة الحجية، فليس هو حجة لأنه ليس إجماعا.
أما من جهة الوقوع فقد يندر أو لا يقع، ولكن هذا بحث مصداقي. كما قيل: إذا اتفق سفيان والأوزاعي ومالك على شيء فهو سنة. فهذا يعني من جهة المصداق لا الحجية، لتعذر المخالفة لأسباب غير ذاتية، أما الحجيات فهي ذاتية، أي تقع كبرى في مقدمات إثبات الأحكام.
فإن قيل ما الثمرة هنا في التفريق بين البحث الحُجي والمصداقي؟ قلت: هو ثمرة سائر البحث في الحجيات، أولًا: في صحة الإعذار، وثانيًا: في عدم جواز الاحتجاج بمجرد هذه الحجة على المطلوب إذا ثبت قصور حجيتها أو انعدامها، لأن الإثبات موقوف على الحجيات، فيستدل بالحجج فقط، فيرفع هذا من البحث ويصار إلى الأدلة.
==
أما بعد
فاعلم أن تحقيق هذه المقدمات التي ذُكرت خلاصتها فقط، وليس بحثها التفصيلي: كلها يتوقف عليه القول في عامة مسائل البدع التي اختلف فيها المتأخرون، لاسيما البدع الإضافية.



tgoop.com/amr_basioni/1150
Create:
Last Update:

وهذه ولله الحمد طريقتنا، سلكنا فيها طريق الشافعي وابن تيمية ونحوهما من الأئمة المحققين في أصول العلم، فالشافعي في الأم قال إنه لا يقول على من أباح الأدبار والفضل والمتعة إنه استحل ما حرم الله، وهذا هو الإعذار، وإلا للزم إكفارهم أو تفسيقهم أو عقوبتهم، وليس معنى هذا أنه يسوغ الخلاف في ذلك، كما هو مبيَّن في تقرير فروعه، وكذا نص في باب الشهادات على قبول شهادات أهل الأهواء، وهذا إعذار لهم وإن لم يسوغ خلافهم
فالإعذار منفك عن عدم السواغ، والسواغ منفك عن وقوع الخلاف.
ومن خلط بين المقامات الثلاثة اضطربت أقواله وتناقضت ولا بد.
9-
فتحرر أن مجرد وقوع الخلاف، أو حتى وجود القول في مذهب من المذاهب الأربعة أو جميعها - وهذا الثالث أندر -، ليس مستلزما من حيث هو هو أنه سائغ، ولو سُلِّم أنه يسوغ كثيرا في حالة وقوعه في مذهب، أو غالبا أو دائما إن اتفق الأربعة عليه، لكنه يصح أن ألا يسوغ أحيانا أو قليلا أو نادرا، ولذلك اختلف علماء المذاهب في سواغ الخلاف بينهم في مسائل، ولم يسلموا أنه بمجرد وجود القول لدى مخالفيهم من مذهب آخر أنه يستلزم سواغه، لما قلناه لكم من أن وقوع الخلاف لا يستلزم سواغه.
فبعض الحنفية لا يسوغون خلاف الشافعي في أكل المذكى متروك التسمية عمدا، ويصرحون أنه خلاف غير سائغ، ولا يجوزون أكل هذه الذبيحة ولو حكم بها الحاكم، وهو قول أبي يوسف. وبعضهم يقول إن الرفع في الركوع غير سائغ وكذا القنوت في الفجر فلا يتابع فيه الإمام، ونظائر هذا معروفة في مظانها.
ولم يسوغ الحنابلة قتل مسلم بكافر، ولو قضى به القاضي نقض لمخالفته النص، وهو مذهب أبي حنيفة في الذمي، ونصُّ أحمد أنه لا يسوغ الاجتهاد في حل المسكر، وخالف فيه أبو يعلى، والحنبلي يحد الحنفي شارب العصير ولو لم يسكر في المشهور، بل وفي التفسيق ورد الشهادة به روايتان، ذكروا أن الأظهر عن أحمد تفسيقه وعدم الصلاة خلفه ورد شهادته وخولف في ذلك. وبينهم جميعا في تفاصيل الاقتداء في الصلاة خلاف بعضه مبني على ذلك.
وأمثلة ذلك كثيرة معروفة.
واتفاق المذاهب الأربعة على قول، أو على أقوال: لا يستلزم أن خلافه أو خلافها غير سائغ. وهذا أصله مسألة الخروج على المذاهب الأربعة.
فالمعازف محرمة في معتمد المذاهب الأربعة لكن كثيرا من أربابها يسوغون فيها الخلاف، وكثير لا يسوغونه.
المتعة محرمة عند عامة العلماء في المذاهب الأربعة وغيرها، ولكن رأى بعض العلماء كالعز بن عبد السلام أن الخلاف فيها سائغ لعدم خلوه عن مستند.
وإيقاع البدعي واحدا غير سائغ في معتمد الأربعة عند الجمهور، ولكن سوغه ابن كمال باشا، وهو اختيار الشيخ في الجملة كما لا يخفى.
والكلام في هذا يطول، لكن الغرض من الإطناب فيه تقريره وتوضيحه.
فمجرد الخلاف، ثم مجرد كونه في المذاهب الأربعة، أو بينها جملة وبين غيرها- وهذا أخص - ليس يصح ضابطا للسواغ طردا ولا عكسا.
ففي داخلها ما لا يسوغ عند بعضهم، وفي خارجها ما يسوغ عند بعضهم
كما تبين لك.
وهو في اختلاف الأربعة على أقوالٍ مبنيٌّ على القول بعدم جواز الخروج عن الأربعة، وهو قول باطل لبعض المتأخرين، وأقل ما يقال فيه إنه خلافي كما هو ثابت، ولو قيل إن هذا الخلاف فيه غير سائغ كان مصادرة أو دَورا، ثم على فرض ثبوته فمحله الفتوى لا الاختيار للعمل كما هو مبسوط في كتب المذاهب.
هذا في كونه لا يسوغ خلافها، أما في كونها إذا اتفقت على قول فيلزم أن يكون سائغًا، فهو مبني من جهةٍ على القول بعدم جواز الخروج على الأربعة، وقد تبين ما فيه، ومبني من جهة أدق على عدم تصور وقوع ذلك.
والحق أن اتفاق الأربعة على قول يكون غير سائغ - وأكرر التنبيهَ أن محل البحث أدق من كون قول غير الأربعة يسوغ فهذا قوي متجه بل الحق - يندر أو ينعدم، ولكن هذا من جهة الوقوع، والبحث بحث حُجيات، وحاصله أن دليل حجية الإجماع قاصر عن حجية إجماع الأربعة، كسائر الإجماعات الخاصة فاقدة الحجية، فليس هو حجة لأنه ليس إجماعا.
أما من جهة الوقوع فقد يندر أو لا يقع، ولكن هذا بحث مصداقي. كما قيل: إذا اتفق سفيان والأوزاعي ومالك على شيء فهو سنة. فهذا يعني من جهة المصداق لا الحجية، لتعذر المخالفة لأسباب غير ذاتية، أما الحجيات فهي ذاتية، أي تقع كبرى في مقدمات إثبات الأحكام.
فإن قيل ما الثمرة هنا في التفريق بين البحث الحُجي والمصداقي؟ قلت: هو ثمرة سائر البحث في الحجيات، أولًا: في صحة الإعذار، وثانيًا: في عدم جواز الاحتجاج بمجرد هذه الحجة على المطلوب إذا ثبت قصور حجيتها أو انعدامها، لأن الإثبات موقوف على الحجيات، فيستدل بالحجج فقط، فيرفع هذا من البحث ويصار إلى الأدلة.
==
أما بعد
فاعلم أن تحقيق هذه المقدمات التي ذُكرت خلاصتها فقط، وليس بحثها التفصيلي: كلها يتوقف عليه القول في عامة مسائل البدع التي اختلف فيها المتأخرون، لاسيما البدع الإضافية.

BY قناة الشيخ / عمرو بسيوني


Share with your friend now:
tgoop.com/amr_basioni/1150

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

A Telegram channel is used for various purposes, from sharing helpful content to implementing a business strategy. In addition, you can use your channel to build and improve your company image, boost your sales, make profits, enhance customer loyalty, and more. Clear Ng was convicted in April for conspiracy to incite a riot, public nuisance, arson, criminal damage, manufacturing of explosives, administering poison and wounding with intent to do grievous bodily harm between October 2019 and June 2020. Image: Telegram. fire bomb molotov November 18 Dylan Hollingsworth yau ma tei
from us


Telegram قناة الشيخ / عمرو بسيوني
FROM American