tgoop.com/amr_basioni/1163
Last Update:
(1)
تكلمت عن أنظمة التراث السني المتأخر مرارًا من قبل، وأنها إجمالًا إما الغزالي أو التيمي.
ثمة نظامان للتفكير في التراث إذن، يُتعامل بهما مع المصادر الأصلية للدين، يقومان على مرتكزات معينة، فتمتد تبعًا لذلك إلى مديات معينة، ثم يكون لها مؤديات معينة.
المنظور الأول نَفْسِي في عامته، شكوكي، يحتار ويعظم الحيرة، ضيّق ومضيِّق، ومن ثم مغلَق.
المنظور الثاني موضوعي في عامته، عملي (برجماتي)، واسع، مفتوح.
نركز هنا على زاوية واحد من الملامح المشار إليها باختزال أمين.
(2)
قال الإمام الغزالي رحمه الله:
"المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدى به لا محالة ليهديه إلى سواء السبيل؛ فإن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان كثيرة ظاهرة، فمن لم يكن له شيخ يهديه؛ قاده الشيطان إلى طرقه لا محالة".
وقال الإمام الغزالي في السياق نفسه:
"فليتمسك [المريد] به [بالشيخ] تمسك الأعمى على شاطيء النهر بالقائد، بحيث يفوض أمره إليه بالكلية، ولا يخالفه في ورده ولا صدره، ولا يُبْقي في متابعته شيئًا ولا يذر، وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه لو أخطأ؛ أكثر من نفعه في صواب نفسه لو أصاب".
(3)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"من أمكنه الهدى من غير انتساب إلى شيخ معين؛ فلا حاجة به إلى ذلك، ولا يستحب له ذلك، بل يُكره له.
وأما إن كان لا يمكنه أن يعبد الله بما أمره إلا بذلك: مثل أن يكون في مكان يضعف فيه الهدى والعلم والإيمان، والذين يعلمونه ويؤدبونه لا يبذلون له ذلك إلا بانتساب إلى شيخهم، أو يكون انتسابه إلى شيخ يزيد في دينه وعلمه؛ فإنه يفعل الأصلح لدينه.
وهذا لا يكون في الغالب إلا لتفريطه.
وإلا فلو طلب الهدى على وجهه؛ لوجده.
فأما الانتساب الذي يفرق بين المسلمين، وفيه خروج عن الجماعة والائتلاف إلى الفرقة وسلوك طريق الابتداع ومفارقة السنة والاتباع؛ فهذا مما ينهى عنه ويأثم فاعله ويخرج بذلك عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم".
=
(4)
يرتكز تصور الغزالي على وجوب اتباع الشيخ كوجوب اقتداء المأموم بالإمام، وقد قاسه على التقليد في الفروع أصالة: على أن سبيل الدين غامض، وسبل الشيطان ظاهرة. (هنا لابد أن نستحضر قول الفخر الرازي إن الحق صعب جدًّا).
فاتباع الشيخ عند الغزالي تفويض الحال إليه بالكلية، كالميت بين يدي غاسله،. وأنه على تقدير خطأ الشيخ فإنه ينتفع به أكثر من صواب نفسه. وذلك مقتبس من أن الصواب بالرأي غير مخلّص.
قلت: ولكن أصل ذلك كله إذا رجع على الشيخ نفسه، يعني كيف وصل الشيخ بعد السلوك، مرورا بشيخه إلى رسول الله، تبين أن متابعة رسول الله في الأصل تكفي، وكل واسطة من بعده ليس لها إلا البلاغ، وليس لها منصب عصمته فلا يجوز التفويض بالكلية لغير المعصوم.
والمعنى الأساس الذي يرتكز عليه التصور الصوفي، وعبر عنه الغزالي بعد أن ارتد على طريقة العقل والكلام كما صرح لابن العربي الذي ردّ عليه في ذلك بمرارة: هو الوصول الواقعي، فالمدعى عندهم أن الواصل لما وصل قد تحقق له الحق بالعيان أو حتى بالمباشرة، كمن دخل الحجرة وشاهد، كما يمثل الغزالي نفسه، فهو يأخذ بيد المريد السالك، وهنا غفل: عن أن المدعى أنه الواقع ليس بدليل أصلًا لأن صاحبه ليس بمعصوم فلا يكون المحل القابل معصومًا ويحتمل أن يتطرق إليه الخلل في تصوره وتصديقه، وهذا كثير جدًّا وعامة الشطح والأحوال المفضولة بسببه، كما ان هذا السبيل قصاراه أنه يفيد الإمكان، والإمكان ليس الوجوب، فليس هو كعلاقة الدلالة بالدليل، التي فيها الجبر العلي والمعلولي. وإذا كان كذلك كان اتباع هذه الطريقة نفسه من اتباع الرأي، فلا يخلّص.
==
(5)
يقدم ابن تيمية الرؤية المقابلة: فهو يضاد الاستدلال الأنطولوجي الواقعي في الشرعيات، لأنها فاقدة للحجية من جهة، ولأنها معرضة لكثير من الزلل من غير معصومين، وبسببها يرى أنه وقع فساد عريض في (الدول) والأديان. ويقدم ابن تيمية الرؤية التفاؤلية - حقا لقد كان الغزالي والرازي يعانيان من اكتئاب بدرجة ما -، فيرى أن الحق واضح، وكلما كانت الحاجة إليه أعم كان بيانه أظهر، ومهما اعترضه من معارضات فإنه يرى إمكان الوصول إلى الحق إذا بُذل الوسع، ومن ثم تجريد الاتباع للنبي لأنه المعصوم في البلاغ.
وهو ما يبلوره ابن القيم كعادته، ليقول في قلب النص الصوفي لمدارج السالكين: " فتجعل الرسول شيخك وأستاذك، ومعلمك ومربيك ومؤدبك. وتسقط الوسائط بينك وبينه إلا في التبليغ. كما تسقط الوسائل بينك وبين المرسل في العبودية. ولا تثبت وساطة إلا في وصول أمره ونهيه ورسالته إليك.
وهذان التجريدان: هما حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله. والله وحده هو المعبود المألوه، الذي لا يستحق العبادة سواه، ورسوله: المطاع المتبع، المهتدى به، الذي لا يستحق الطاعة سواه. ومن سواه: فإنما يطاع إذا أمر الرسول بطاعته. فيطاع تبعا للأصل".
BY قناة الشيخ / عمرو بسيوني
Share with your friend now:
tgoop.com/amr_basioni/1163