ANSARMAGAZINE Telegram 3722
ولقد استدعتني القيادة العامة في غزة وناقشتني في تفاصيل الخطة، ثم أبدت موافقتها المطلقة على تنفيذها، وأذكر أن اللواء المواوي قد وعدني بكتابة خطاب إلى الأمانة العامة للجامعة العربية وإلى رئاسة أركان الحرب يطالب فيه تجنيد كتيبة من الإخوان عن طريق المركز العام والشعب وإرسالهم فوراً إلى الميدان ليتمكن من السيطرة على الموقف.

ولقد ذهبت من فوري إلى فضيلة الأستاذ محمد فرغلي رئيس الإخوان في فلسطين، وعضو مكتب الإرشاد العام، وأطلعته على تفاصيل الخطة. فسافر من فوره إلى مصر، ليعمل على تجهيز هذا العدد الكبير، وعمل الترتيبات اللازمة نحو ترحيلهم إلى الميدان.

وأذكر أن اللواء موسى لطفي -وكان يشرف على إدارة العمليات الحربية في الميدان- قابلني بعد ذلك وأبدى إعجابه الشديد بالمشروع، وأفهمني أن هذه الخطة لو نفذت بدقة وإحكام فسوف يكون لها الفضل الأول في حماية الجيش في هذه المرحلة الخطيرة، والاحتفاظ بهذه المنطقة الباقية من فلسطين، فوعدته خيراً ومضيت إلى المعسكرات لأعد العدة وأبدأ العمل.

جمعت الإخوان في ساحة التدريب بالمعسكر، وقلت لهم: إن الله قد فتح لهم باباً جديداً للجهاد، وإن الظروف قد ألقت على كواهلهم عبء المحافظة على الجيش وكرامته، وإنه لولا ثقتي في قوة إيمانهم ورغبتهم في الكفاح ما قبلت أداء هذه المهمة الشاقة التي أعلم فداحتها وخطرها .

ولن أستطيع أن أصور شعور الإخوان وهم يستمعون لهذه الأنباء، كانوا يقبلون في ابتهاج واضح وكأنهم يدعون لحفلة عرس أو نزهة خلوية، لا إلى ميدان القتال فيه من المشقة والخطر ما فيه!

ولقد خرج الإخوان المسؤولون في استكشاف حول المستعمرات وعاينوا المواقع التي رأوا احتلالها ثم عاد كل واحد منهم يعدّ "فصيلته" ليحتل بها مواقعه، وكانت مشكلة المشاكل إقناع أفراد من الإخوان بالتخلف عن فصائلهم والبقاء في المعسكر، ولست أنسى ما كان من أمر المجاهد الشاب (عبد الحميد بسيوني خطاب) نجل العالم الجليل الشيخ بسيوني خطاب، لقد كان هذا الشاب يبكي بكاء مراً حين أمره قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر، وما زال يبكي ويبعث بالوساطات حتى أشفقت عليه، فسمحت له بالخروج. وخرج من المعسكر وهو أشد ما يكون فرحاً وابتهاجاً، ولقد أخلص النية للجهاد، فاجتباه ربه وأكرمه، واتخذه شهيداً في إحدى المعارك المشهورة، التي جاءت بعد ذلك.

وأقيمت المواقع الجديدة حول المستعمرات، ولم تكن سيارة يهودية تجرؤ على التنقل بين مستعمرة وأخرى، إذ أقام الإخوان "الكمائن" على الطريق، وملأوا الأرض بالألغام، وأخذت دورياتهم المصفحة تجوب الصحراء الواسعة وتصل في طوافها حتى مدينة بئر السبع نفسها .

ولكي أصور أهمية هذه الحركة وأثرها يمكن أن أقول إن خمس عشرة سيارة مصفحة ودبابة قد دمرت خلال أسبوع واحد من بدء العمل، عدا أنابيب المياه التي كانت تدمر كل يوم مما اضطر اليهود إلى ملاقاة الإخوان وجهاً لوجه، فنشبت معارك رهيبة سقط فيها بعض الإخوان ولكنها جاءت بأحسن النتائج وأبرك الثمرات.

ولقد ضج اليهود بالشكوى وأبلغوا مراقبي الهدنة احتجاجاتهم أكثر من مرة، وعلقت "محطة إسرائيل" على هذه الحركات وهددت باستئناف القتال ضد الجيش إن لم تكف عصابات الإخوان عن نشاطها في هذه المنطقة.

ولقد فكر بعض كبار الضباط في زيارة تلك المواقع البعيدة الواقعة حول وادي الشلالة وتل جمعة والرابية والشعوث وكان يرافقهم أحد الإخوان يدلهم على الطريق، فلما رأوا أنفسهم يتوغلون في الصحراء مبتعدين عن خطوط الجيش لأكثر من خمسة عشر كيلو متراً إلى الشرق، وهالهم أن رأوا المستعمرات اليهودية خلفهم، داخلهم شيء من الشك والريبة، ومال أحدهم على الجندي المرافق لهم يسأله: أتراك ضللت الطريق؟ فلما أخبره أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، قال لهم إني أعتقد أنكم متفقون مع اليهود وإلا لما جرؤتم على التوغل في مناطقهم بهذه الصورة الجنونية! وضحك الأخ المرافق وضحك الضباط جميعاً، وحين رجعوا إلى معسكراتهم أخذوا يشيدون بما رأوا من بسالة الإخوان وشدة بأسهم.

ويجدر بي -قبل أن أنتهي من الكلام عن هذه العمليات الناجحة التي قام بها الإخوان والتي أفادت فائدة كبرى في سير الأمور- أن أذكر المعونة القيمة التي قدمتها لنا القبائل العربية من البدو خاصة عشائر الترابين والحناجرة والنصيرات والتياها والمعالقة، الذين وضعوا كل شبابهم تحت تصرف الإخوان وكل ما لديهم من سلاح وذخيرة وسيارات.

ولقد تمت عمليات الانسحاب وبدأ الجيش يستقر في المواقع الجديدة التي اختارها، وبضياع المناطق الجديدة السالفة الذكر وضحت نهاية الحرب وأصبح من اليسير التنبؤ بنتيجتها، ويمكن تلخيص ما أسلفناه فيما يلي:

أولاً: توغل الجيش المصري في فلسطين دون أن يضع خطة عملية لفض الجيوب اليهودية الخطرة، التي توزعت في صحراء النقب كان أساساً لكل ما حدث بعد ذلك من أخطاء.

ثانياً: قبول الهدنة الأولى والثانية أعطى لليهود فرصة نادرة لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات والدبابات وغيرها، فوق أنه أثر تأثيراً عكسياً في روح جنودنا المعنوية.



tgoop.com/ansarmagazine/3722
Create:
Last Update:

ولقد استدعتني القيادة العامة في غزة وناقشتني في تفاصيل الخطة، ثم أبدت موافقتها المطلقة على تنفيذها، وأذكر أن اللواء المواوي قد وعدني بكتابة خطاب إلى الأمانة العامة للجامعة العربية وإلى رئاسة أركان الحرب يطالب فيه تجنيد كتيبة من الإخوان عن طريق المركز العام والشعب وإرسالهم فوراً إلى الميدان ليتمكن من السيطرة على الموقف.

ولقد ذهبت من فوري إلى فضيلة الأستاذ محمد فرغلي رئيس الإخوان في فلسطين، وعضو مكتب الإرشاد العام، وأطلعته على تفاصيل الخطة. فسافر من فوره إلى مصر، ليعمل على تجهيز هذا العدد الكبير، وعمل الترتيبات اللازمة نحو ترحيلهم إلى الميدان.

وأذكر أن اللواء موسى لطفي -وكان يشرف على إدارة العمليات الحربية في الميدان- قابلني بعد ذلك وأبدى إعجابه الشديد بالمشروع، وأفهمني أن هذه الخطة لو نفذت بدقة وإحكام فسوف يكون لها الفضل الأول في حماية الجيش في هذه المرحلة الخطيرة، والاحتفاظ بهذه المنطقة الباقية من فلسطين، فوعدته خيراً ومضيت إلى المعسكرات لأعد العدة وأبدأ العمل.

جمعت الإخوان في ساحة التدريب بالمعسكر، وقلت لهم: إن الله قد فتح لهم باباً جديداً للجهاد، وإن الظروف قد ألقت على كواهلهم عبء المحافظة على الجيش وكرامته، وإنه لولا ثقتي في قوة إيمانهم ورغبتهم في الكفاح ما قبلت أداء هذه المهمة الشاقة التي أعلم فداحتها وخطرها .

ولن أستطيع أن أصور شعور الإخوان وهم يستمعون لهذه الأنباء، كانوا يقبلون في ابتهاج واضح وكأنهم يدعون لحفلة عرس أو نزهة خلوية، لا إلى ميدان القتال فيه من المشقة والخطر ما فيه!

ولقد خرج الإخوان المسؤولون في استكشاف حول المستعمرات وعاينوا المواقع التي رأوا احتلالها ثم عاد كل واحد منهم يعدّ "فصيلته" ليحتل بها مواقعه، وكانت مشكلة المشاكل إقناع أفراد من الإخوان بالتخلف عن فصائلهم والبقاء في المعسكر، ولست أنسى ما كان من أمر المجاهد الشاب (عبد الحميد بسيوني خطاب) نجل العالم الجليل الشيخ بسيوني خطاب، لقد كان هذا الشاب يبكي بكاء مراً حين أمره قائد فصيلته بالبقاء في المعسكر، وما زال يبكي ويبعث بالوساطات حتى أشفقت عليه، فسمحت له بالخروج. وخرج من المعسكر وهو أشد ما يكون فرحاً وابتهاجاً، ولقد أخلص النية للجهاد، فاجتباه ربه وأكرمه، واتخذه شهيداً في إحدى المعارك المشهورة، التي جاءت بعد ذلك.

وأقيمت المواقع الجديدة حول المستعمرات، ولم تكن سيارة يهودية تجرؤ على التنقل بين مستعمرة وأخرى، إذ أقام الإخوان "الكمائن" على الطريق، وملأوا الأرض بالألغام، وأخذت دورياتهم المصفحة تجوب الصحراء الواسعة وتصل في طوافها حتى مدينة بئر السبع نفسها .

ولكي أصور أهمية هذه الحركة وأثرها يمكن أن أقول إن خمس عشرة سيارة مصفحة ودبابة قد دمرت خلال أسبوع واحد من بدء العمل، عدا أنابيب المياه التي كانت تدمر كل يوم مما اضطر اليهود إلى ملاقاة الإخوان وجهاً لوجه، فنشبت معارك رهيبة سقط فيها بعض الإخوان ولكنها جاءت بأحسن النتائج وأبرك الثمرات.

ولقد ضج اليهود بالشكوى وأبلغوا مراقبي الهدنة احتجاجاتهم أكثر من مرة، وعلقت "محطة إسرائيل" على هذه الحركات وهددت باستئناف القتال ضد الجيش إن لم تكف عصابات الإخوان عن نشاطها في هذه المنطقة.

ولقد فكر بعض كبار الضباط في زيارة تلك المواقع البعيدة الواقعة حول وادي الشلالة وتل جمعة والرابية والشعوث وكان يرافقهم أحد الإخوان يدلهم على الطريق، فلما رأوا أنفسهم يتوغلون في الصحراء مبتعدين عن خطوط الجيش لأكثر من خمسة عشر كيلو متراً إلى الشرق، وهالهم أن رأوا المستعمرات اليهودية خلفهم، داخلهم شيء من الشك والريبة، ومال أحدهم على الجندي المرافق لهم يسأله: أتراك ضللت الطريق؟ فلما أخبره أنهم يسيرون في الطريق الصحيح، قال لهم إني أعتقد أنكم متفقون مع اليهود وإلا لما جرؤتم على التوغل في مناطقهم بهذه الصورة الجنونية! وضحك الأخ المرافق وضحك الضباط جميعاً، وحين رجعوا إلى معسكراتهم أخذوا يشيدون بما رأوا من بسالة الإخوان وشدة بأسهم.

ويجدر بي -قبل أن أنتهي من الكلام عن هذه العمليات الناجحة التي قام بها الإخوان والتي أفادت فائدة كبرى في سير الأمور- أن أذكر المعونة القيمة التي قدمتها لنا القبائل العربية من البدو خاصة عشائر الترابين والحناجرة والنصيرات والتياها والمعالقة، الذين وضعوا كل شبابهم تحت تصرف الإخوان وكل ما لديهم من سلاح وذخيرة وسيارات.

ولقد تمت عمليات الانسحاب وبدأ الجيش يستقر في المواقع الجديدة التي اختارها، وبضياع المناطق الجديدة السالفة الذكر وضحت نهاية الحرب وأصبح من اليسير التنبؤ بنتيجتها، ويمكن تلخيص ما أسلفناه فيما يلي:

أولاً: توغل الجيش المصري في فلسطين دون أن يضع خطة عملية لفض الجيوب اليهودية الخطرة، التي توزعت في صحراء النقب كان أساساً لكل ما حدث بعد ذلك من أخطاء.

ثانياً: قبول الهدنة الأولى والثانية أعطى لليهود فرصة نادرة لاستجلاب أحدث أنواع الطائرات والدبابات وغيرها، فوق أنه أثر تأثيراً عكسياً في روح جنودنا المعنوية.

BY مجلة أنصار النبي ﷺ


Share with your friend now:
tgoop.com/ansarmagazine/3722

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Developing social channels based on exchanging a single message isn’t exactly new, of course. Back in 2014, the “Yo” app was launched with the sole purpose of enabling users to send each other the greeting “Yo.” Your posting frequency depends on the topic of your channel. If you have a news channel, it’s OK to publish new content every day (or even every hour). For other industries, stick with 2-3 large posts a week. Image: Telegram. Don’t publish new content at nighttime. Since not all users disable notifications for the night, you risk inadvertently disturbing them. Telegram users themselves will be able to flag and report potentially false content.
from us


Telegram مجلة أنصار النبي ﷺ
FROM American