Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
يأتي في مقدمة أهم مشاريع الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ مشروع دعوة الأعاجم غير المسلمين، وقد يظن البعض أن مناط المشروع لا يتعلق بشيء في الطوفان، والأمر بخلاف ذلك تماماً، حيث رافق #طوفان_الأقصى انتشار الوعي بحقيقة قضية فلسطين، والسؤال عن جوهر الإسلام، وأثمر ذلك إقبالاً كبيراً في الدخول للإسلام
من مقال الافتتاحية.. "هيئة الأنصار في خندق الطوفان"
بقلم الشيخ محمد الصغير رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
استمع الآن إلى المقال كاملاً 🎧
من مقال الافتتاحية.. "هيئة الأنصار في خندق الطوفان"
بقلم الشيخ محمد الصغير رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
استمع الآن إلى المقال كاملاً 🎧
"أنا قلت وأكرر: إن كنا نخشى الموت، فنحن نخشى الموت على فراشنا كما يموت البعير، نخشى أن نموت في حوادث الطرق، أو بجلطة دماغية، أو بسكتة قلبية، لكننا لا نخشى أن نُقتل في سبيل ديننا، وفي سبيل وطننا، وفي سبيل مقدساتنا، فدماؤنا وأرواحنا ليست أغلى من دماء وأرواح أصغر شهيد قدّم روحه الغالية في سبيل هذا الوطن وهذا الدين وهذه المقدسات".
القائد #يحيى_السنوار في لقاء في برنامج (من النكبة.. إلى العودة) عام 2018 على قناة الجزيرة.
وكأن هذا المعنى كان حاضراً على الدوام في ذهن وعقل المجاهد البطل القائد المغوار يحيى السنوار -تقبله الله- يهتم له، وينشغل به، فقد تواتر في كثير من لقاءاته وكلماته المأثورة، بعبارات مختلفة، تفيد في مجملها حرصه الشديد على نيل الشهادة في الميدان، مجاهداً في سبيل دينه، ومقاوماً لتحرير وطنه ومقدساته.
وجاءت تلك اللحظة التي طالما تمناها -ويتمناها كل مجاهد- وذلك في عصر يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر 2024، حين اشتبك القائد الشهيد واثنان من رفاقه مع مجموعة من جنود العدو من اللواء 828 العامل في منطقة (تل السلطان) بـ(رفح)، ليرتقي على إثر هذا الاشتباك القائد يحيى السنوار شهيداً إلى ربه، في ملحمة بطولية ومشاهد وأحداث أسطورية، قدّر الله لها الخلود والبقاء حية في وجدان الأمة وذاكرة الأجيال.
سعى الاحتلال سعياً حثيثاً منذ السابع من أكتوبر المجيد إلى الوصول إلى القائد يحيى السنوار بصفته مهندس معركة (الطوفان) وقائدها، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً على مدار أكثر من عام، وحين حانت اللحظة المقدرة، لم يكن السنوار مختبئاً في الأنفاق، ولا محيطاً نفسه بالمتفجرات وأسرى العدو -ولو فعل ذلك فإنه لا يعيبه بطبيعة الحال- كما لم يكن وسط المدنيين يتخذهم دروعاً بشرية، كما دأبت على افتراء ذلك أبواق النفاق، بل كان في أشد جبهات الاشتباك مع العدو، في منطقة خالية من السكان منذ أكثر من خمسة أشهر قبل استشهاده، ثم يكون قتاله لهم ومواجهته لجنودهم بجسارة غير مسبوقة، فيصيب منهم ببندقيته، ثم يردهم بقنابله اليدوية على الرغم من جسده المثخن بالجراح، حتى قصفوه بالدبابات، ثم أرسلوا طائرة الاستطلاع لترصد نتيجة القصف، لنرى جميعاً بعيونها بطلنا قد جلس على كرسي، مثخناً بالجراح، مضرجاً بالدماء، ملثماً كي لا يُعرَف، فيسعون في أخذه أسيراً، مفضلاً الشهادة على محاولة الاختباء أو الوقوع في الأسر، ثم يرمي طائرتهم بعصاه الخالدة، في رمزية أسطورية على مثابرته في قتال عدوه حتى الرمق الأخير، ولو بالعصا، وما دون العصا.
وكان من بين المشاهد التي لفتت الأنظار إليها بعد اكتشاف العدو أنه قتل يحيى السنوار (بالصدفة)، هو ما نُشر من صور المقتنيات التي كانت بحوزة الشهيد القائد -تقبله الله- وفي السطور القادمة نقف سوياً مع أبرز هذه المقتنيات في خواطر ودروس مختصرة.
الكلاشنكوف AK-47
كان من أبرز ما تركه القائد أبو إبراهيم هو سلاحه الشخصي (الكلاشنكوف)، ويُعد سلاح الكلاشنكوف، أوAK-47، أحد أشهر الأسلحة في حروب العصابات، وهو بندقية هجومية صممها المهندس العسكري (ميخائيل كلاشنكوف) في الاتحاد السوفيتي عام 1947م، ويتميز هذا السلاح ببنائه القوي وقلة أعطاله، مع بساطته وسهولة صيانته وفكه وتركيبه وتنظيفه، مما يجعله سلاحًا فعالًا في البيئات الصعبة، مع كفاءة عالية في العمل والأداء في الظروف المناخية المختلفة، وقد وُجد ضمن مقتنيات القائد السنوار مخزنين للذخيرة، كل منهما سعة 30طلقة، ويستخدم الكلاشنكوف ذخيرة من عيار 7.62×39 ملم، وهي ذخيرة قوية توفر اختراقاً عالياً ومدى مؤثراً يصل إلى حوالي 400 متر، ويتميز هذا العيار بفعاليته في الاشتباكات القريبة والمتوسطة، ويمنح السلاح قوة ارتداد معتدلة نسبياً، مما يسهل على المقاتلين التحكم به في ظروف القتال المتنوعة، ولهذه الأسباب يُعد (الكلاشنكوف) السلاح الرسمي لأغلب الجماعات المسلحة حول العالم.
وبالنظر إلى السلاح الشخصي لأي مقاتل فإنه يمثل أكثر من مجرد أداة للقتال؛ فهو يعتبر امتداداً لقوته ورمزاً لإصراره على الدفاع عن نفسه ومبادئه، والسلاح في المعركة يمنح صاحبه شعورًا بالثقة والأمان والسيطرة الميدانية، من خلال القدرة على الاشتباك ورد الاعتداء وعدم الوقوع في الأسر ما دامت يده قابضة على سلاحه.
ويُعد سلاح الكلاشنكوف في الحروب الحديثة بمثابة السيف في الحروب القديمة، إذ هو سلاح قتال شخصي، يستخدم في الالتحامات المباشرة بين الأفراد، وكان رسول الله ﷺ وأصحابه يحرصون على اقتناء السيوف الجيدة، ويعتنون بها عناية خاصة، وقد كان لرسول الله ﷺ تسعة أسياف، وكان لكثير من قادة الصحابة وفرسانهم عدد من الأسياف المشهورة بأسمائها، وكما أن أشهر سيوف العرب قديماً هو "صمصامة عمرو" فإن بندقية السنوار تستحق أن تكون هي أكرم سلاح لمقاومٍ في هذا العصر.
القائد #يحيى_السنوار في لقاء في برنامج (من النكبة.. إلى العودة) عام 2018 على قناة الجزيرة.
وكأن هذا المعنى كان حاضراً على الدوام في ذهن وعقل المجاهد البطل القائد المغوار يحيى السنوار -تقبله الله- يهتم له، وينشغل به، فقد تواتر في كثير من لقاءاته وكلماته المأثورة، بعبارات مختلفة، تفيد في مجملها حرصه الشديد على نيل الشهادة في الميدان، مجاهداً في سبيل دينه، ومقاوماً لتحرير وطنه ومقدساته.
وجاءت تلك اللحظة التي طالما تمناها -ويتمناها كل مجاهد- وذلك في عصر يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر 2024، حين اشتبك القائد الشهيد واثنان من رفاقه مع مجموعة من جنود العدو من اللواء 828 العامل في منطقة (تل السلطان) بـ(رفح)، ليرتقي على إثر هذا الاشتباك القائد يحيى السنوار شهيداً إلى ربه، في ملحمة بطولية ومشاهد وأحداث أسطورية، قدّر الله لها الخلود والبقاء حية في وجدان الأمة وذاكرة الأجيال.
سعى الاحتلال سعياً حثيثاً منذ السابع من أكتوبر المجيد إلى الوصول إلى القائد يحيى السنوار بصفته مهندس معركة (الطوفان) وقائدها، لكنه فشل في ذلك فشلاً ذريعاً على مدار أكثر من عام، وحين حانت اللحظة المقدرة، لم يكن السنوار مختبئاً في الأنفاق، ولا محيطاً نفسه بالمتفجرات وأسرى العدو -ولو فعل ذلك فإنه لا يعيبه بطبيعة الحال- كما لم يكن وسط المدنيين يتخذهم دروعاً بشرية، كما دأبت على افتراء ذلك أبواق النفاق، بل كان في أشد جبهات الاشتباك مع العدو، في منطقة خالية من السكان منذ أكثر من خمسة أشهر قبل استشهاده، ثم يكون قتاله لهم ومواجهته لجنودهم بجسارة غير مسبوقة، فيصيب منهم ببندقيته، ثم يردهم بقنابله اليدوية على الرغم من جسده المثخن بالجراح، حتى قصفوه بالدبابات، ثم أرسلوا طائرة الاستطلاع لترصد نتيجة القصف، لنرى جميعاً بعيونها بطلنا قد جلس على كرسي، مثخناً بالجراح، مضرجاً بالدماء، ملثماً كي لا يُعرَف، فيسعون في أخذه أسيراً، مفضلاً الشهادة على محاولة الاختباء أو الوقوع في الأسر، ثم يرمي طائرتهم بعصاه الخالدة، في رمزية أسطورية على مثابرته في قتال عدوه حتى الرمق الأخير، ولو بالعصا، وما دون العصا.
وكان من بين المشاهد التي لفتت الأنظار إليها بعد اكتشاف العدو أنه قتل يحيى السنوار (بالصدفة)، هو ما نُشر من صور المقتنيات التي كانت بحوزة الشهيد القائد -تقبله الله- وفي السطور القادمة نقف سوياً مع أبرز هذه المقتنيات في خواطر ودروس مختصرة.
الكلاشنكوف AK-47
كان من أبرز ما تركه القائد أبو إبراهيم هو سلاحه الشخصي (الكلاشنكوف)، ويُعد سلاح الكلاشنكوف، أوAK-47، أحد أشهر الأسلحة في حروب العصابات، وهو بندقية هجومية صممها المهندس العسكري (ميخائيل كلاشنكوف) في الاتحاد السوفيتي عام 1947م، ويتميز هذا السلاح ببنائه القوي وقلة أعطاله، مع بساطته وسهولة صيانته وفكه وتركيبه وتنظيفه، مما يجعله سلاحًا فعالًا في البيئات الصعبة، مع كفاءة عالية في العمل والأداء في الظروف المناخية المختلفة، وقد وُجد ضمن مقتنيات القائد السنوار مخزنين للذخيرة، كل منهما سعة 30طلقة، ويستخدم الكلاشنكوف ذخيرة من عيار 7.62×39 ملم، وهي ذخيرة قوية توفر اختراقاً عالياً ومدى مؤثراً يصل إلى حوالي 400 متر، ويتميز هذا العيار بفعاليته في الاشتباكات القريبة والمتوسطة، ويمنح السلاح قوة ارتداد معتدلة نسبياً، مما يسهل على المقاتلين التحكم به في ظروف القتال المتنوعة، ولهذه الأسباب يُعد (الكلاشنكوف) السلاح الرسمي لأغلب الجماعات المسلحة حول العالم.
وبالنظر إلى السلاح الشخصي لأي مقاتل فإنه يمثل أكثر من مجرد أداة للقتال؛ فهو يعتبر امتداداً لقوته ورمزاً لإصراره على الدفاع عن نفسه ومبادئه، والسلاح في المعركة يمنح صاحبه شعورًا بالثقة والأمان والسيطرة الميدانية، من خلال القدرة على الاشتباك ورد الاعتداء وعدم الوقوع في الأسر ما دامت يده قابضة على سلاحه.
ويُعد سلاح الكلاشنكوف في الحروب الحديثة بمثابة السيف في الحروب القديمة، إذ هو سلاح قتال شخصي، يستخدم في الالتحامات المباشرة بين الأفراد، وكان رسول الله ﷺ وأصحابه يحرصون على اقتناء السيوف الجيدة، ويعتنون بها عناية خاصة، وقد كان لرسول الله ﷺ تسعة أسياف، وكان لكثير من قادة الصحابة وفرسانهم عدد من الأسياف المشهورة بأسمائها، وكما أن أشهر سيوف العرب قديماً هو "صمصامة عمرو" فإن بندقية السنوار تستحق أن تكون هي أكرم سلاح لمقاومٍ في هذا العصر.
ولقد كان رجال هذه الأمة عبر تاريخها يملكون أسلحتهم القتالية الشخصية، ويجيدون استخدامها بمهارة وكفاءة عالية، ليكونوا دائماً على أهبة الاستعداد للنفير في سبيل الله متى دعا داعي الجهاد، ولتكون سيوفهم أداة إقامة الحق، ودفع الظلم، وصون الحرمات، حتى جاءت الدولة الحديثة، فجردت الأمة من سلاحها، لتحتكر هي حق تصنيعه وحيازته واستخدامه، ليسهل عليها إخضاع الناس والبطش بهم، دون أن يكون لها رادع من سيف يُرفع أو رمح يُشرع.
المسدس (غلوك)
من أشهر صور القائد الشهيد السنوار -تقبّله الله- صورته وهو يضع مسدساً من نوع (غلوك) مزودا بكاتم صوت في حزامه، وهو على منصة احتفالية في إحدى المؤتمرات الشعبية، كما تفاخر بهذا المسدس رافعاً إياه في كثير من المناسبات، والسبب في ذلك يعود لقصة هذا المسدس.
المسدس يعود لضابط القوات الخاصة الإسرائيلي الدرزي محمود خير الدين، وهو ضابط برتبة (مقدم) يعمل في وحدة (ميتكال) التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وتُعد وحدة (ميتكال) التي تأسست عام 1957م من نخبة الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي، إذ تركز على استقطاب أفراد يتمتعون بقدرات جسدية وذهنية عالية، ويخضعون لتدريبات صارمة، وتتمثل مهامها الأساسية في جمع المعلومات الاستخباراتية، والقيام بمهام استطلاعية خلف خطوط العدو، وفي إحدى هذه المهام التي كان يقوم بها المقدم محمود خير الدين على رأس مجموعة متخفية من 7 أفراد في خان يونس عام 2018، استطاعت كتيبة خان يونس بقيادة الشيخ الشهيد نور بركة كشف المجموعة وإفشال مهمتها والاشتباك معها، حيث قُتل قائد المجموعة الإسرائيلية وغنم المجاهدون مسدسه، ليقتنيه القائد السنوار، ويتفاخر به أمام العدو في رسالة مفادها أننا أفشلنا مهمتكم، وسنفشلها على الدوام.
ظهر المسدس قريباً من جثمان الشهيد القائد في الصور التي نشرها الاحتلال، وكأني به يتمسك به في لحظاته الأخيرة، فقد كان أثيراً على نفسه، إذ هو غنيمة من عدوه، وحين يكون السلاح غنيمة من العدو، فإن لذلك شعوراً خاصاً في نفس المجاهد، ويذكرني ذلك بسيف رسول الله ﷺ "ذي الفقار" الذي تنفله يوم بدر، وكان لا يكاد يفارقه، وهو الذي أُرِيَ فيه الرؤيا يوم أُحد، ودخل به مكة يوم الفتح وهو مرصعٌ بالذهب والفضة -كما أورد كل ذلك ابن القيم في زاد المعاد-، فكأني بالقائد السنوار وهو لا يكاد يفارق مسدسه يتمثل هدي رسول الله ﷺ مع سيفه ذي الفقار.
يختلف المسدس عن الكلاشنكوف في كونه صغير الحجم، حيث يُمثل رفيق المجاهد والمقاوم دائماً، سواء في بيئة العمليات أو خارجها، ويتميز بسهولة حمله وإخفائه تحت الثياب، وسرعة إشهاره واستخدامه عند الضرورة، وهو فعال في المواجهات القريبة، ويضمن إصابات دقيقة من المسافات القصيرة، في حال كان حامله متمرساً، ويُعد جزءاً لا يتجزأ من عتاد الأمان والمفاجأة.
ومسدس القائد السنوار هو من نوع (غلوك) النمساوي الشهير، والذي يتميز بخفة وزنه ومتانته، مع تصميم مقاوم للصدأ، وهو معروف بقوته ودقته وسهولة صيانته، لذلك فإنه يعد من أفضل مسدسات الحماية الشخصية في العالم.
ولعل أقرب الأسلحة شبهاً بالمسدس من التراث الحربي هو الخنجر، فقد كان سلاحًا جانبيًا خفيفًا يمكن حمله وإخفاؤه بسهولة، مثل المسدس اليوم، كما كان يُستخدم في الدفاع عن النفس في الالتحامات المباشرة القريبة، حيث يمنح المقاتل فرصة للرد بسرعة في لحظات الخطر، كما ارتبط الخنجر بروح الشجاعة والجاهزية للحماية، كما المسدس في عصرنا الحالي رمزاً للحماية الشخصية والأمن والدفاع الذاتي.
ولئن عجز رجال الأمة اليوم عن امتلاك أسلحة القتال الشخصية التي تمكنهم من الجهاد في سبيل الله، ورفع الظلم عن المسلمين، فليس أقل من اقتناء وإجادة استخدام أسلحة الحماية الشخصية، التي يدفع بها المسلم عن نفسه وحريمه، أن تمتد إليهم يد البغي والظلم والعدوان.
الجعبة
من أكثر التعليقات رواجاً عن الشهيد السنوار تقبله الله مع بداية نشر صور جثمانه الأولى، أنه قُتل وهو يرتدي جعبته، والجعبة هي وعاء الذخيرة، فكانت قديماً وعاءً من جلد توضع فيه السهام، ويعلقها الفارس على ظهره أو في سرج فرسه، وهي اليوم صديري -من القماش غالباً- يرتديه المقاتل، وقد جعلت فيها أماكن خاصة لمخازن الذخيرة والقنابل اليدوية، وأحياناً لمزيد من معدات ولوازم القتال، كمواد الإسعافات الأولية وغيرها.
والجعبة للمقاتل اليوم، كما كنانة السهام وحمائل السيوف والخناجر قديماً، يستخدمها لحمل مخازن الرصاص وأدوات القتال الضرورية، فتكون كأنها رفيقة صامتة للمقاتل في خضم المعركة، تضم في طياتها كل ما يحتاجه من ذخيرة وقوة، تنظم له أدواته، وتتيح له الوصول السريع إليها، وكأنها شريكة في دقة الحركة وسرعة الاستجابة، يرتديها المقاتل كجزءٍ من روحه، ويستمد منها شعور الثبات والدفء، إذ تبقى معه دومًا كأمينة على احتياجاته في لحظات المواجهة الصعبة.
المسدس (غلوك)
من أشهر صور القائد الشهيد السنوار -تقبّله الله- صورته وهو يضع مسدساً من نوع (غلوك) مزودا بكاتم صوت في حزامه، وهو على منصة احتفالية في إحدى المؤتمرات الشعبية، كما تفاخر بهذا المسدس رافعاً إياه في كثير من المناسبات، والسبب في ذلك يعود لقصة هذا المسدس.
المسدس يعود لضابط القوات الخاصة الإسرائيلي الدرزي محمود خير الدين، وهو ضابط برتبة (مقدم) يعمل في وحدة (ميتكال) التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، وتُعد وحدة (ميتكال) التي تأسست عام 1957م من نخبة الوحدات القتالية في الجيش الإسرائيلي، إذ تركز على استقطاب أفراد يتمتعون بقدرات جسدية وذهنية عالية، ويخضعون لتدريبات صارمة، وتتمثل مهامها الأساسية في جمع المعلومات الاستخباراتية، والقيام بمهام استطلاعية خلف خطوط العدو، وفي إحدى هذه المهام التي كان يقوم بها المقدم محمود خير الدين على رأس مجموعة متخفية من 7 أفراد في خان يونس عام 2018، استطاعت كتيبة خان يونس بقيادة الشيخ الشهيد نور بركة كشف المجموعة وإفشال مهمتها والاشتباك معها، حيث قُتل قائد المجموعة الإسرائيلية وغنم المجاهدون مسدسه، ليقتنيه القائد السنوار، ويتفاخر به أمام العدو في رسالة مفادها أننا أفشلنا مهمتكم، وسنفشلها على الدوام.
ظهر المسدس قريباً من جثمان الشهيد القائد في الصور التي نشرها الاحتلال، وكأني به يتمسك به في لحظاته الأخيرة، فقد كان أثيراً على نفسه، إذ هو غنيمة من عدوه، وحين يكون السلاح غنيمة من العدو، فإن لذلك شعوراً خاصاً في نفس المجاهد، ويذكرني ذلك بسيف رسول الله ﷺ "ذي الفقار" الذي تنفله يوم بدر، وكان لا يكاد يفارقه، وهو الذي أُرِيَ فيه الرؤيا يوم أُحد، ودخل به مكة يوم الفتح وهو مرصعٌ بالذهب والفضة -كما أورد كل ذلك ابن القيم في زاد المعاد-، فكأني بالقائد السنوار وهو لا يكاد يفارق مسدسه يتمثل هدي رسول الله ﷺ مع سيفه ذي الفقار.
يختلف المسدس عن الكلاشنكوف في كونه صغير الحجم، حيث يُمثل رفيق المجاهد والمقاوم دائماً، سواء في بيئة العمليات أو خارجها، ويتميز بسهولة حمله وإخفائه تحت الثياب، وسرعة إشهاره واستخدامه عند الضرورة، وهو فعال في المواجهات القريبة، ويضمن إصابات دقيقة من المسافات القصيرة، في حال كان حامله متمرساً، ويُعد جزءاً لا يتجزأ من عتاد الأمان والمفاجأة.
ومسدس القائد السنوار هو من نوع (غلوك) النمساوي الشهير، والذي يتميز بخفة وزنه ومتانته، مع تصميم مقاوم للصدأ، وهو معروف بقوته ودقته وسهولة صيانته، لذلك فإنه يعد من أفضل مسدسات الحماية الشخصية في العالم.
ولعل أقرب الأسلحة شبهاً بالمسدس من التراث الحربي هو الخنجر، فقد كان سلاحًا جانبيًا خفيفًا يمكن حمله وإخفاؤه بسهولة، مثل المسدس اليوم، كما كان يُستخدم في الدفاع عن النفس في الالتحامات المباشرة القريبة، حيث يمنح المقاتل فرصة للرد بسرعة في لحظات الخطر، كما ارتبط الخنجر بروح الشجاعة والجاهزية للحماية، كما المسدس في عصرنا الحالي رمزاً للحماية الشخصية والأمن والدفاع الذاتي.
ولئن عجز رجال الأمة اليوم عن امتلاك أسلحة القتال الشخصية التي تمكنهم من الجهاد في سبيل الله، ورفع الظلم عن المسلمين، فليس أقل من اقتناء وإجادة استخدام أسلحة الحماية الشخصية، التي يدفع بها المسلم عن نفسه وحريمه، أن تمتد إليهم يد البغي والظلم والعدوان.
الجعبة
من أكثر التعليقات رواجاً عن الشهيد السنوار تقبله الله مع بداية نشر صور جثمانه الأولى، أنه قُتل وهو يرتدي جعبته، والجعبة هي وعاء الذخيرة، فكانت قديماً وعاءً من جلد توضع فيه السهام، ويعلقها الفارس على ظهره أو في سرج فرسه، وهي اليوم صديري -من القماش غالباً- يرتديه المقاتل، وقد جعلت فيها أماكن خاصة لمخازن الذخيرة والقنابل اليدوية، وأحياناً لمزيد من معدات ولوازم القتال، كمواد الإسعافات الأولية وغيرها.
والجعبة للمقاتل اليوم، كما كنانة السهام وحمائل السيوف والخناجر قديماً، يستخدمها لحمل مخازن الرصاص وأدوات القتال الضرورية، فتكون كأنها رفيقة صامتة للمقاتل في خضم المعركة، تضم في طياتها كل ما يحتاجه من ذخيرة وقوة، تنظم له أدواته، وتتيح له الوصول السريع إليها، وكأنها شريكة في دقة الحركة وسرعة الاستجابة، يرتديها المقاتل كجزءٍ من روحه، ويستمد منها شعور الثبات والدفء، إذ تبقى معه دومًا كأمينة على احتياجاته في لحظات المواجهة الصعبة.
ولم تكن جعبة القائد السنوار كتلك الجعب الفخمة الضخمة التي يرتديها جنود العدو، مجهزة بكل ما يحتاجه المقاتل الإسرائيلي، ومزودة بدروع حماية واقية من الرصاص، بل كانت جعبة بسيطة خفيفة -وهو القائد!- دون كثير جيوب وعلائق، ودون درع واقية من الرصاص بطبيعة الحال، وكأني به يتمثل قول عوف بن الحارث لرسول الله ﷺ يوم بدر: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: "غمسه يده في العدو حاسراً، فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قُتل".
مطوية: من الأذكار النبوية اليومية
قد يتساءل البعض متعجباً: ما حاجة المقاتل في الميدان لمطوية الأذكار؟
والجواب: أن حاجته إليها لا تقل عن حاجته لبندقيته ورصاصه، فالأذكار هي ذخيرة المجاهد الإيمانية، وغذاء روحه التي يربط بها على قلبه، ويتعلق بها بربه، فلا يبقى خوف ولا وجل ولا ضعف ولا جُبن يغشى قلبه أو يساور نفسه.
الأذكار والأوراد للمجاهد هي زاد سماوي يغمر روحه بنور الطمأنينة، ويملأ قلبه يقينًا في ميدان الصراع مع النفس والشيطان. وسط أزيز الرصاص، وأصوات القذائف والقنابل، وفي أحلك المواقف، يلهج قلب المجاهد ولسانه بالأذكار فتهب كأنها نسمات رحمة تلامس القلب، فتربط المجاهد بربه في كل حركة وسكنة، ويستشعر معها قوة المعية الإلهية تحفّه وتشد من أزره، وكأن الأذكار أسلحة خفية تجدد في قلبه العزيمة، وتُلبسه درعًا من نور الإيمان، يحميه من تردد النفس وزيغ الخوف، فتسمو روحه ثابتةً مؤمنةً، لا يزعزعها بأس الأعداء ولا رهبة الحتوف.
وفي احتفاظ القائد السنوار بمطوية الأذكار النبوية دلالة على حرصه على الحفاظ على الأذكار النبوية الثابتة، متتبعاً هدي رسول الله ﷺ، متبركاً بترداد الأذكار الواردة عنه، يقتفي أثره، ويتبع سنته، قائداً مجاهداً، وعابداً ذاكراً، ومتبتلاً أواباً، ولعمري هذا فعل الرجال الصادقين، المجاهدين بالسنن وعلى السنن حقيقة لا ادعاءً!
(وللحديث بقية في المقالات القادمة إن شاء الله)
مطوية: من الأذكار النبوية اليومية
قد يتساءل البعض متعجباً: ما حاجة المقاتل في الميدان لمطوية الأذكار؟
والجواب: أن حاجته إليها لا تقل عن حاجته لبندقيته ورصاصه، فالأذكار هي ذخيرة المجاهد الإيمانية، وغذاء روحه التي يربط بها على قلبه، ويتعلق بها بربه، فلا يبقى خوف ولا وجل ولا ضعف ولا جُبن يغشى قلبه أو يساور نفسه.
الأذكار والأوراد للمجاهد هي زاد سماوي يغمر روحه بنور الطمأنينة، ويملأ قلبه يقينًا في ميدان الصراع مع النفس والشيطان. وسط أزيز الرصاص، وأصوات القذائف والقنابل، وفي أحلك المواقف، يلهج قلب المجاهد ولسانه بالأذكار فتهب كأنها نسمات رحمة تلامس القلب، فتربط المجاهد بربه في كل حركة وسكنة، ويستشعر معها قوة المعية الإلهية تحفّه وتشد من أزره، وكأن الأذكار أسلحة خفية تجدد في قلبه العزيمة، وتُلبسه درعًا من نور الإيمان، يحميه من تردد النفس وزيغ الخوف، فتسمو روحه ثابتةً مؤمنةً، لا يزعزعها بأس الأعداء ولا رهبة الحتوف.
وفي احتفاظ القائد السنوار بمطوية الأذكار النبوية دلالة على حرصه على الحفاظ على الأذكار النبوية الثابتة، متتبعاً هدي رسول الله ﷺ، متبركاً بترداد الأذكار الواردة عنه، يقتفي أثره، ويتبع سنته، قائداً مجاهداً، وعابداً ذاكراً، ومتبتلاً أواباً، ولعمري هذا فعل الرجال الصادقين، المجاهدين بالسنن وعلى السنن حقيقة لا ادعاءً!
(وللحديث بقية في المقالات القادمة إن شاء الله)
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
قبل 3 أعوام تأسست الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ، للدفاع عن الجناب النبوي الشريف، ونصرة أمته في قضاياها الكبرى، وجاءت هذه الذكرى متزامنة مع مرور عام كامل على #طوفان_الأقصى المبارك، الذي انخرطت فيه الهيئة بكل رموزها ومؤسساتها صبيحة نصر السابع من أكتوبر المجيد
من مقال الافتتاحية.. "هيئة الأنصار في خندق الطوفان"
بقلم الشيخ محمد الصغير رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
استمع الآن إلى المقال كاملاً 🎧
من مقال الافتتاحية.. "هيئة الأنصار في خندق الطوفان"
بقلم الشيخ محمد الصغير رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
استمع الآن إلى المقال كاملاً 🎧
مقال في غمرات الطوفان (1) - متى نصر الله؟
بقلم: الشيخ محمد بن محمد الأسطل
في تمام الساعة 06:30 من صبيحة يوم السابع من أكتوبر 2023 أصبحنا على أصوات خمسة آلاف صاروخ تتجه باتجاه الكيان الصهيوني، وبدء عملية تعد أكبر العمليات العسكرية في تاريخ المقاومة في #فلسطين، وهي أكبر معاركنا ومعارك الكيان الصهيوني من لحظة الاحتلال وحتى اليوم....
بقلم: الشيخ محمد بن محمد الأسطل
في تمام الساعة 06:30 من صبيحة يوم السابع من أكتوبر 2023 أصبحنا على أصوات خمسة آلاف صاروخ تتجه باتجاه الكيان الصهيوني، وبدء عملية تعد أكبر العمليات العسكرية في تاريخ المقاومة في #فلسطين، وهي أكبر معاركنا ومعارك الكيان الصهيوني من لحظة الاحتلال وحتى اليوم....
وقد نجح المجاهدون بفضل الله في تجاوز حدود العدو، وتعطيل منظومة الاتصال والتصوير في أكبر عملية خداع للعدو لن ينساها في تاريخه، ووصلوا إلى القواعد العسكرية، وانقضوا على جنود العدو، فقتلوا نحوًا من ألفين، وأسروا زيادةً عن مائتين.
وما إن استوعب العدو ما جرى حتى بدأ في حربٍ مجنونةٍ لم تخف وطأتها حتى اليوم على مدار سنةٍ كاملة.
لقد قرر الكيان الصهيوني أن يسحق المجاهدين، ويفتك بالبلد، ويدمر فيه كلَّ شيء، وتوافد كثيرٌ من رؤساء دول العالم على مؤازرته في ذلك، وتسليحه بما يريد، وإعطائه الغطاء الكامل ليفعل ما يريد.
وبدأت حرب الإبادة، واستشهد الآلاف في بضعة أيام، وصارت الأخبار تأتي بقصف المساجد والمؤسسات والجامعات والكليات والشركات والمصانع وكثيرٍ من الأبراج والبيوت السكنية، وغير ذلك مما يشق تتبعه، وكان الذي نراه من البأس في المعارك السابقة في شهرٍ يمكن أن نراه في هذه المعركة في يومٍ أو بعض يوم.
ولم نكن قد جربنا قتال الولايات المتحدة الأمريكية حدَّ الاشتباك المباشر، وإذ بألفي جنديٍّ من جنود الأمريكان يحضرون إلى الكيان، مع طاقمٍ قيادي يتولى جزءًا من إدارة المعركة، ووصلت البوارج الأمريكية حاملة الطائرات، وبدا واضحًا من جملة ما تسطر وغيره أن النظام الدولي الحاكم -ممثلًا بالولايات المتحدة وكبرى الدول الأوروبية- قد قرر سحق غزة سحقًا تامًّا، ليتم الانتهاء تمامًا من هذه البقعة التي تقوم بالتشغيب بينٍ وقتٍ وآخر.
ثم إنَّ كلَّ ما قرأت كان نزهةً بالقياس مع بدء الحرب البرية!
ومع الدخول البري ونية العدو في تهجير أهل البلد إلى سيناء، والبدء في القصف البركاني المجنون كثر القتل، واشتد الخوف، وعظم الكرب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلالًا شديدًا.
إي والله.
حتى صارت المناطق التي لم تشهد قتالًا قط من أول الانتفاضة ساحة حرب، لا يسهل أن تعرف معالمها؛ بل ولا ملامحها في بعض الأحيان.
وعلى المستوى الشخصي فقد بدأ كثيرٌ من الناس في توديع أحبابهم، وكتابة وصاياهم، وهُرع الناس إلى الاستغاثة بالله في دعاء القنوت وغيره.
ومع شدة البأس غير المسبوق، والسرعة الجنونية في عداد الشهداء اليومي، وقصف البيوت على رؤوس أصحابها بما لم نعهده من قبل.. أخذ بعض الدعاة يبشرون الناس بنصرٍ قريبٍ؛ أخذًا من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف: 110]؛ إذ تفيد الآية أن النصر قرين اليأس، وأنه متى بلغ الضيق مبلغ الاستيئاس فالنصر قريب.
وهذا يعني -على ما نفهمه من الآية- أنه لا يفصلنا عن نهاية المعركة إلا أيامٌ معدودة، ولهذا كان الرجل إذا سُئل: متى تتوقع أن تنتهي الحرب؟ وقال بعد شهرٍ مثلًا.. فإن ذلك من شأنه أن يُنزلَ الضيقَ بالسائل حدَّ التبرم.
وأذكر في شهر 12 الماضي أنَّ بعض الناس كانوا يدندنون حول صفقةٍ متوقعةٍ سُتبرم في غضون أسبوعين، فكان ذلك قاسيًا على النفوس، ولكأن المدة المتبقية بضعةُ شهورٍ أو سنين!
ومضى وقتٌ كأن اليوم فيه شهر، والشهر الذي انصرم كأنه يوم؛ لأنَّ النفس تطيل التأمل في يومها وتكون ذاهلةً عما مضى من أمسها فيختل النظر.
ومن المعلوم أنه عقب التهدئة التي جرت بعد 48 يومًا من بدء المعركة جاءت معاناة النزوح، وتبين للناس أن التحصل على خيمة يشبه التحصل على بيتٍ فخم، وكان البرد شديدًا، واشتد معه الجوع، وفقدت السلع، وكثيرٌ من الأدوية، وشرب الناس الماء الملوث، وقُطِعَت وسائل الاتصال، وكذلك الانترنت، وقد قطع التيار الكهربائي من ثالث أيام المعركة من قبل، وسكن السواد الأعظم من الناس الخيام، وتساوى الناس، وصار من الممكن أن ترى صاحب الشركة أو المصنع الذي كان يملك من المقدرات ملايين الدولارات يبحث عن قوت يومه، ويقف مع الناس في طابور التحصل على صحنٍ من الطبيخ.
وفي التفاصيل لقد جرَّب الناس أصنافًا من البلاء لم تخطر لهم ببال، حتى إنه ليمكن عد الحروب السابقة نزهةً حقيقيةً بالقياس عما نرى، وصرنا نستذكر ما بلغنا عن إخواننا من قبل في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها من بلاد الإسلام.
إن الحزامات النارية مثلًا التي قد يأتي ذكرها باردًا في الأخبار هي فتنةٌ بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى، ولو كانت القيامة عبارةً عن حزاماتٍ ناريةٍ لكانت رعبًا يستحق أن يتعب الإنسان مدة الدنيا في التعبد وفعل البر ليكون من الذين يأتون آمنين منه يوم القيامة، ويأخذ في تتبع النصوص التي تُبشر بعض الفئات بالأمن والأنس والاستظلال في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.
وحتى قصف البيوت وإن كان معتادًا من قبل إلا أنه كثيرًا ما كان يُسبق بالإنذار المبكر من خلال اتصالٍ هاتفيٍّ بأهل البيت، أو بصاروخ زَنَّانة -مُسيَّرة- يسبق الصاروخ المُدمِّر، أما في هذه المعركة فيتم قصف البيت من غير سابق إنذار.
وما إن استوعب العدو ما جرى حتى بدأ في حربٍ مجنونةٍ لم تخف وطأتها حتى اليوم على مدار سنةٍ كاملة.
لقد قرر الكيان الصهيوني أن يسحق المجاهدين، ويفتك بالبلد، ويدمر فيه كلَّ شيء، وتوافد كثيرٌ من رؤساء دول العالم على مؤازرته في ذلك، وتسليحه بما يريد، وإعطائه الغطاء الكامل ليفعل ما يريد.
وبدأت حرب الإبادة، واستشهد الآلاف في بضعة أيام، وصارت الأخبار تأتي بقصف المساجد والمؤسسات والجامعات والكليات والشركات والمصانع وكثيرٍ من الأبراج والبيوت السكنية، وغير ذلك مما يشق تتبعه، وكان الذي نراه من البأس في المعارك السابقة في شهرٍ يمكن أن نراه في هذه المعركة في يومٍ أو بعض يوم.
ولم نكن قد جربنا قتال الولايات المتحدة الأمريكية حدَّ الاشتباك المباشر، وإذ بألفي جنديٍّ من جنود الأمريكان يحضرون إلى الكيان، مع طاقمٍ قيادي يتولى جزءًا من إدارة المعركة، ووصلت البوارج الأمريكية حاملة الطائرات، وبدا واضحًا من جملة ما تسطر وغيره أن النظام الدولي الحاكم -ممثلًا بالولايات المتحدة وكبرى الدول الأوروبية- قد قرر سحق غزة سحقًا تامًّا، ليتم الانتهاء تمامًا من هذه البقعة التي تقوم بالتشغيب بينٍ وقتٍ وآخر.
ثم إنَّ كلَّ ما قرأت كان نزهةً بالقياس مع بدء الحرب البرية!
ومع الدخول البري ونية العدو في تهجير أهل البلد إلى سيناء، والبدء في القصف البركاني المجنون كثر القتل، واشتد الخوف، وعظم الكرب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزُلزلوا زلالًا شديدًا.
إي والله.
حتى صارت المناطق التي لم تشهد قتالًا قط من أول الانتفاضة ساحة حرب، لا يسهل أن تعرف معالمها؛ بل ولا ملامحها في بعض الأحيان.
وعلى المستوى الشخصي فقد بدأ كثيرٌ من الناس في توديع أحبابهم، وكتابة وصاياهم، وهُرع الناس إلى الاستغاثة بالله في دعاء القنوت وغيره.
ومع شدة البأس غير المسبوق، والسرعة الجنونية في عداد الشهداء اليومي، وقصف البيوت على رؤوس أصحابها بما لم نعهده من قبل.. أخذ بعض الدعاة يبشرون الناس بنصرٍ قريبٍ؛ أخذًا من قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ [يوسف: 110]؛ إذ تفيد الآية أن النصر قرين اليأس، وأنه متى بلغ الضيق مبلغ الاستيئاس فالنصر قريب.
وهذا يعني -على ما نفهمه من الآية- أنه لا يفصلنا عن نهاية المعركة إلا أيامٌ معدودة، ولهذا كان الرجل إذا سُئل: متى تتوقع أن تنتهي الحرب؟ وقال بعد شهرٍ مثلًا.. فإن ذلك من شأنه أن يُنزلَ الضيقَ بالسائل حدَّ التبرم.
وأذكر في شهر 12 الماضي أنَّ بعض الناس كانوا يدندنون حول صفقةٍ متوقعةٍ سُتبرم في غضون أسبوعين، فكان ذلك قاسيًا على النفوس، ولكأن المدة المتبقية بضعةُ شهورٍ أو سنين!
ومضى وقتٌ كأن اليوم فيه شهر، والشهر الذي انصرم كأنه يوم؛ لأنَّ النفس تطيل التأمل في يومها وتكون ذاهلةً عما مضى من أمسها فيختل النظر.
ومن المعلوم أنه عقب التهدئة التي جرت بعد 48 يومًا من بدء المعركة جاءت معاناة النزوح، وتبين للناس أن التحصل على خيمة يشبه التحصل على بيتٍ فخم، وكان البرد شديدًا، واشتد معه الجوع، وفقدت السلع، وكثيرٌ من الأدوية، وشرب الناس الماء الملوث، وقُطِعَت وسائل الاتصال، وكذلك الانترنت، وقد قطع التيار الكهربائي من ثالث أيام المعركة من قبل، وسكن السواد الأعظم من الناس الخيام، وتساوى الناس، وصار من الممكن أن ترى صاحب الشركة أو المصنع الذي كان يملك من المقدرات ملايين الدولارات يبحث عن قوت يومه، ويقف مع الناس في طابور التحصل على صحنٍ من الطبيخ.
وفي التفاصيل لقد جرَّب الناس أصنافًا من البلاء لم تخطر لهم ببال، حتى إنه ليمكن عد الحروب السابقة نزهةً حقيقيةً بالقياس عما نرى، وصرنا نستذكر ما بلغنا عن إخواننا من قبل في العراق وأفغانستان وسوريا وغيرها من بلاد الإسلام.
إن الحزامات النارية مثلًا التي قد يأتي ذكرها باردًا في الأخبار هي فتنةٌ بكلِّ ما تحمله الكلمة من معنى، ولو كانت القيامة عبارةً عن حزاماتٍ ناريةٍ لكانت رعبًا يستحق أن يتعب الإنسان مدة الدنيا في التعبد وفعل البر ليكون من الذين يأتون آمنين منه يوم القيامة، ويأخذ في تتبع النصوص التي تُبشر بعض الفئات بالأمن والأنس والاستظلال في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله.
وحتى قصف البيوت وإن كان معتادًا من قبل إلا أنه كثيرًا ما كان يُسبق بالإنذار المبكر من خلال اتصالٍ هاتفيٍّ بأهل البيت، أو بصاروخ زَنَّانة -مُسيَّرة- يسبق الصاروخ المُدمِّر، أما في هذه المعركة فيتم قصف البيت من غير سابق إنذار.
وأذكر من الأخبار التي جاءت: بيت فلان قُصف، واستشهد في البيت 36 شخصًا، وبيت فلان قُصف، واستشهد فيه 58 شخصًا، وبيت فلان قُصف، واستشهد فيه 70 شخصًا، وكثرة الأعداد راجعةٌ لكثافة النازحين إلى هذا البيت من الأقارب والمعارف أو من غيرهم.
والكلام هنا ليس مجرد أرقام كما يمكن أن يستقبل الخبر من هم خارج البلد من أبناء الأمة؛ بل الحديث هنا كثيرًا ما يكون عن أصدقاء أو أقارب أو معارف، فالمشاعر ضاغطةٌ جدًّا.
والعائلة الواحدة قد تكون متفرقةً لاعتبارات شتى، فيستشهد أكثر الأفراد كل واحدٍ في منطقة في ظروفٍ مختلفة.
وهذا أمرٌ يعمل في المشاعر عملَه.
وتقريبًا للصورة: نظرت قبل مدة في الأسماء التي حصل بيني وبينها تواصل في الأيام الأخيرة قبل المعركة أو في أيامها الأولى، فهالني كثرة من فيهم من الشهداء، فأخذت في العد، وأخذت عينة من ذلك 15 شخصًا، فوجدت الذين استشهدوا منهم 11 شخصًا هم من أقرب الناس إليَّ وأعزهم وخيارهم.
لقد صار القتل قريبًا، وهانت الدنيا على الناس، وصار الكرب يُرى ويُحس في الشوارع، حتى تغيرت هيأة كثيرٍ من الناس!
وأذكر قبل ما يزيد عن شهرين أني رأيت بعضَ من لم أكن قد رأيتهم من أول الحرب، وإذ بالواحد كأنه زاد في العمر خمس سنين أو يزيد.
بل مما تحتار معه أن تضحك أو أن تبكي أن بصمة الوجه لم تعد فعالة في بعض الهواتف؛ لعدم تعرف الجوال على هيئة صاحبه بعد الذي أصاب الوجه من التغير، سواء من التعب والإنهاك وكرب العيش، أو من أثر الجوع لا سيما في مناطق مدينة غزة والشمال!
وفي ثنايا المعركة تأتيك أخبارٌ كبرى من البأس من مثل قصف المستشفى المعمداني واستشهاد 500 شخص، وقصف ثلاثين برجًا في مدينة الزهرة حتى أبيدت عن آخرها، وغير ذلك مما هو قريبٌ منه أو دونه.
والأشد من هذا كله ما كان يتردد في الأجواء من بداية المعركة من شبح التهجير إلى سيناء، وهو الأمر الذي تفاعل جدًّا عقب التهدئة وبدء حركة النزوح باتجاه الجنوب مطلقًا ثم باتجاه رفح خاصة، ولقد مضت علينا أيامٌ صعبةٌ في ذلك.
وكان يكلمني بعض الأفاضل ويذكرون أنهم على يقينٍ من حصول التهجير كما تشير القرائن بذلك، وكنت أقول لهم: قلبي مليءٌ بالتوجس؛ لأنَّ أكثرَ من نصف سكان قطاع غزة هم الآن على الحدود المصرية مباشرة، ولكني على يقينٍ بالله من عدمه.
وكنت أرى أن عامة آيات القرآن التي تتكلم عن الإخراج من الديار آتيةٌ في سياق كونه نجاة وإن كان هو في نفس الأمر ابتلاءً من حيث كونه مغادرةً للديار والأهل، فكيف ينتهي هذا المشهد الجهادي من شدةٍ إلى ما هو أشد؟!
ومن الأدعية التي كنت أرددها كثيرًا:
اللهم إنا نعوذ بك من الذلة بعد العزة، ومن الخوف بعد الأمن، ومن النقص بعد الزيادة.
اللهم كما أدخلتنا المعركة مدخل صدقٍ فأخرجنا منها مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.
وبعد؛ فما تَسَطَّرَ من أول المقالة معلومٌ لأكثر الناس، وقد عانوه وعاينوه بأنفسهم فكيف أحكي قصةً لصاحبها الذي جرت معه!
ولكني إنما ذكرتُ ذلك لأتمهد به إلى ما بعده مما هو مقصودُ الكلام.
إنَّ أجواءَ المعركة التي أتيتُ على طرفٍ من كلياتها دون الجزئيات والتفاصيل قد أوجدت رزمةً من الأسئلةِ على السطح، وصار كثيرٌ من الناس في ظل الإبادات اليومية التي لا تنقطع يسأل:
- أين نصر الله؟
- إن الآيات تبشر بنصرٍ قريبٍ وأنه يأتي حين اليأس وقد حصل اليأس، فلماذا لم يأت نصر الله؟!
- فهل تعطَّلت فاعلية الآيات؟
- ثم إنَّ فقه السنن يقرر نصرة الله للمظلوم وانتقامه من الظالم فهل توقفت فاعلية فقه السنن؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا؟
- ولماذا لا تستجاب الأدعية وقد التمسنا أوقات الإجابة وأحوالها؟
هذه الأسئلة وما دار في فلكها أفضى إلى موجةٍ عارمةٍ من اليأس والإحباط، وشك بعض الناس في وعد ربهم، بل بلغ الحال ببعض الناس إلى التكلم بما هو كفرٌ في نفسه والعياذ بالله.
وإذا كان الناظر من أبناء الأمة في أي بلدٍ يرى على نشرات الأخبار مشاهد الإبادة وبجانبها المقاطع الجهادية التي فيها إثخان المجاهدين في عدوهم فيعتدل عنده المشهد لاقتران الألم بالأمل.. فإنَّ شراسةَ المجازر هنا قد تجعل الذي يعاني ذاهلًا عما يجري على الأرض من إنجازاتٍ عسكرية، وحين تأتي فكأنها ومضة قد يُضعِفُ أثرَها شدةُ البأس ومعاناة تدبر أمر العيش، ولهذا من فضل الله على المجاهدين أنهم أخرجوا العمليات موثقةً لتبقى محفوظةً في الهواتف تؤدي فاعليتها من التحريض وبث الأمل كلما نظر إليها ناظر.
ومع شدة الجوع، وقصد العدو لتقرير حالة الانفلات في البلد، وبروز ظاهرة قطع الطريق والسرقة تبعًا لذلك فقد تكاثفت الأسئلة وكثرت، وكلها تتمحور حول اليأس، وفقد الأمل، وشدة الإحباط، خاصة أن هذا الخطاب قد وصل لبعض النخب من مثل الأساتذة والأكاديميين والدعاة والمشايخ وأولي الهيئات.
والكلام هنا ليس مجرد أرقام كما يمكن أن يستقبل الخبر من هم خارج البلد من أبناء الأمة؛ بل الحديث هنا كثيرًا ما يكون عن أصدقاء أو أقارب أو معارف، فالمشاعر ضاغطةٌ جدًّا.
والعائلة الواحدة قد تكون متفرقةً لاعتبارات شتى، فيستشهد أكثر الأفراد كل واحدٍ في منطقة في ظروفٍ مختلفة.
وهذا أمرٌ يعمل في المشاعر عملَه.
وتقريبًا للصورة: نظرت قبل مدة في الأسماء التي حصل بيني وبينها تواصل في الأيام الأخيرة قبل المعركة أو في أيامها الأولى، فهالني كثرة من فيهم من الشهداء، فأخذت في العد، وأخذت عينة من ذلك 15 شخصًا، فوجدت الذين استشهدوا منهم 11 شخصًا هم من أقرب الناس إليَّ وأعزهم وخيارهم.
لقد صار القتل قريبًا، وهانت الدنيا على الناس، وصار الكرب يُرى ويُحس في الشوارع، حتى تغيرت هيأة كثيرٍ من الناس!
وأذكر قبل ما يزيد عن شهرين أني رأيت بعضَ من لم أكن قد رأيتهم من أول الحرب، وإذ بالواحد كأنه زاد في العمر خمس سنين أو يزيد.
بل مما تحتار معه أن تضحك أو أن تبكي أن بصمة الوجه لم تعد فعالة في بعض الهواتف؛ لعدم تعرف الجوال على هيئة صاحبه بعد الذي أصاب الوجه من التغير، سواء من التعب والإنهاك وكرب العيش، أو من أثر الجوع لا سيما في مناطق مدينة غزة والشمال!
وفي ثنايا المعركة تأتيك أخبارٌ كبرى من البأس من مثل قصف المستشفى المعمداني واستشهاد 500 شخص، وقصف ثلاثين برجًا في مدينة الزهرة حتى أبيدت عن آخرها، وغير ذلك مما هو قريبٌ منه أو دونه.
والأشد من هذا كله ما كان يتردد في الأجواء من بداية المعركة من شبح التهجير إلى سيناء، وهو الأمر الذي تفاعل جدًّا عقب التهدئة وبدء حركة النزوح باتجاه الجنوب مطلقًا ثم باتجاه رفح خاصة، ولقد مضت علينا أيامٌ صعبةٌ في ذلك.
وكان يكلمني بعض الأفاضل ويذكرون أنهم على يقينٍ من حصول التهجير كما تشير القرائن بذلك، وكنت أقول لهم: قلبي مليءٌ بالتوجس؛ لأنَّ أكثرَ من نصف سكان قطاع غزة هم الآن على الحدود المصرية مباشرة، ولكني على يقينٍ بالله من عدمه.
وكنت أرى أن عامة آيات القرآن التي تتكلم عن الإخراج من الديار آتيةٌ في سياق كونه نجاة وإن كان هو في نفس الأمر ابتلاءً من حيث كونه مغادرةً للديار والأهل، فكيف ينتهي هذا المشهد الجهادي من شدةٍ إلى ما هو أشد؟!
ومن الأدعية التي كنت أرددها كثيرًا:
اللهم إنا نعوذ بك من الذلة بعد العزة، ومن الخوف بعد الأمن، ومن النقص بعد الزيادة.
اللهم كما أدخلتنا المعركة مدخل صدقٍ فأخرجنا منها مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطانًا نصيرًا.
وبعد؛ فما تَسَطَّرَ من أول المقالة معلومٌ لأكثر الناس، وقد عانوه وعاينوه بأنفسهم فكيف أحكي قصةً لصاحبها الذي جرت معه!
ولكني إنما ذكرتُ ذلك لأتمهد به إلى ما بعده مما هو مقصودُ الكلام.
إنَّ أجواءَ المعركة التي أتيتُ على طرفٍ من كلياتها دون الجزئيات والتفاصيل قد أوجدت رزمةً من الأسئلةِ على السطح، وصار كثيرٌ من الناس في ظل الإبادات اليومية التي لا تنقطع يسأل:
- أين نصر الله؟
- إن الآيات تبشر بنصرٍ قريبٍ وأنه يأتي حين اليأس وقد حصل اليأس، فلماذا لم يأت نصر الله؟!
- فهل تعطَّلت فاعلية الآيات؟
- ثم إنَّ فقه السنن يقرر نصرة الله للمظلوم وانتقامه من الظالم فهل توقفت فاعلية فقه السنن؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا؟
- ولماذا لا تستجاب الأدعية وقد التمسنا أوقات الإجابة وأحوالها؟
هذه الأسئلة وما دار في فلكها أفضى إلى موجةٍ عارمةٍ من اليأس والإحباط، وشك بعض الناس في وعد ربهم، بل بلغ الحال ببعض الناس إلى التكلم بما هو كفرٌ في نفسه والعياذ بالله.
وإذا كان الناظر من أبناء الأمة في أي بلدٍ يرى على نشرات الأخبار مشاهد الإبادة وبجانبها المقاطع الجهادية التي فيها إثخان المجاهدين في عدوهم فيعتدل عنده المشهد لاقتران الألم بالأمل.. فإنَّ شراسةَ المجازر هنا قد تجعل الذي يعاني ذاهلًا عما يجري على الأرض من إنجازاتٍ عسكرية، وحين تأتي فكأنها ومضة قد يُضعِفُ أثرَها شدةُ البأس ومعاناة تدبر أمر العيش، ولهذا من فضل الله على المجاهدين أنهم أخرجوا العمليات موثقةً لتبقى محفوظةً في الهواتف تؤدي فاعليتها من التحريض وبث الأمل كلما نظر إليها ناظر.
ومع شدة الجوع، وقصد العدو لتقرير حالة الانفلات في البلد، وبروز ظاهرة قطع الطريق والسرقة تبعًا لذلك فقد تكاثفت الأسئلة وكثرت، وكلها تتمحور حول اليأس، وفقد الأمل، وشدة الإحباط، خاصة أن هذا الخطاب قد وصل لبعض النخب من مثل الأساتذة والأكاديميين والدعاة والمشايخ وأولي الهيئات.
وصار من الأسئلة التي ترد إليَّ:
هذه المعركة التي أبيد فيها كل شيء، واستشهد فيها عشرات الآلاف واعتقل الآلاف وقصف أو نُسف أكثر من ثُلُثَي البيوت والمنازل السكنية هل لها من فائدةٍ أو ثمرةٍ سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي توازي ما تمت خسارته؟
وهل يمكن أن ننتصر ونحن نرى ما نرى من مظاهر الذنوب كالسرقة والجرأة على بعض الحرمات وكحالة الاستغلال من التجار؟
وهل ما حصل بالبلد من ذنوبٍ ومخالفات كالسرقة وقطع الطريق والابتزاز كالذي يجري من بعض التجار جعلنا في سياق سنة الاستبدال؟
وهل ما يجري الآن هو ابتلاءٌ وكرامةٌ واستعمالٌ وهو نتيجةٌ طبيعيةٌ للجهاد والثبات والصبر أم أنه بلاءٌ ومهانةٌ واستبدال بسبب ما وقع بنا من ذنوبٍ وخبثٍ وتقصير؟
وهل هذا الذي حصل لنا من إبادةٍ حصل لأحدٍ قبلنا لنأنس بذلك؟ أم أننا بما نقع به من تقصيرٍ أو بما يوجد فينا من مذنبين بتنا معاقبين بما لم يُعاقب به أحدٌ قبلنا؟
وأين لطف الله مما يجري؟
وما الذي يمكن أن يحصل في المستقبل القريب؟
وكيف يمكن أن تنتهي المعركة؟
هذا ما أجيب عنه في هذه الرسالة بإفراد القول في كل سؤالٍ بجوابٍ لا يطول إلا الكلامَ في الثمرات؛ فإني أبسط القول فيها لا لطول الكلام في كل بندٍ؛ ولكن لكثرة البنود وتشعبها على مختلف الأصعدة كما سترى، كما أنَّ جزءًا من مادتها يعد خادمًا لإجابة عددٍ من الأسئلة بعدها.
ومن الله استمدادُ التوفيق والإصابة والسداد.
هذه المعركة التي أبيد فيها كل شيء، واستشهد فيها عشرات الآلاف واعتقل الآلاف وقصف أو نُسف أكثر من ثُلُثَي البيوت والمنازل السكنية هل لها من فائدةٍ أو ثمرةٍ سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي توازي ما تمت خسارته؟
وهل يمكن أن ننتصر ونحن نرى ما نرى من مظاهر الذنوب كالسرقة والجرأة على بعض الحرمات وكحالة الاستغلال من التجار؟
وهل ما حصل بالبلد من ذنوبٍ ومخالفات كالسرقة وقطع الطريق والابتزاز كالذي يجري من بعض التجار جعلنا في سياق سنة الاستبدال؟
وهل ما يجري الآن هو ابتلاءٌ وكرامةٌ واستعمالٌ وهو نتيجةٌ طبيعيةٌ للجهاد والثبات والصبر أم أنه بلاءٌ ومهانةٌ واستبدال بسبب ما وقع بنا من ذنوبٍ وخبثٍ وتقصير؟
وهل هذا الذي حصل لنا من إبادةٍ حصل لأحدٍ قبلنا لنأنس بذلك؟ أم أننا بما نقع به من تقصيرٍ أو بما يوجد فينا من مذنبين بتنا معاقبين بما لم يُعاقب به أحدٌ قبلنا؟
وأين لطف الله مما يجري؟
وما الذي يمكن أن يحصل في المستقبل القريب؟
وكيف يمكن أن تنتهي المعركة؟
هذا ما أجيب عنه في هذه الرسالة بإفراد القول في كل سؤالٍ بجوابٍ لا يطول إلا الكلامَ في الثمرات؛ فإني أبسط القول فيها لا لطول الكلام في كل بندٍ؛ ولكن لكثرة البنود وتشعبها على مختلف الأصعدة كما سترى، كما أنَّ جزءًا من مادتها يعد خادمًا لإجابة عددٍ من الأسئلة بعدها.
ومن الله استمدادُ التوفيق والإصابة والسداد.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
خلال ثوانٍ دار ذلك الشريط الطويل بذكريات السريرة في ذاكرتي وأنا أتكئ على أحد الكراسي إلى جواري، هم من حولي يضحكون ويشربون القهوة والشاي ويقهقهون في غاية السعادة والسرور، كثيرة تلك الذكريات المريرة التي انطبعت في ذاكرتي ولن تنمحي أبداً، والتي سرعان ما تقفز لقطات منها أمام مخيلتي أمام أي حدث يفجر ينبوع الذكريات.
من مقال "غوص في نفسية الفلسطيني"
بقلم القائد الشهيد #يحيى_السنوار - تقبّله الله
استمع الآن إلى المقال كاملاً 🎧
من مقال "غوص في نفسية الفلسطيني"
بقلم القائد الشهيد #يحيى_السنوار - تقبّله الله
استمع الآن إلى المقال كاملاً 🎧
لقد شعرنا وشعر الأحرار في يوم السابع من أكتوبر 2023م شعورًا حقيقيًا بمعنى العزة والكرامة، وتنفسنا الصعداء فرحًا ونشوةً وسرورًا، وهتفنا من أعماقنا: الله أكبر الله أكبر، أحقًا ما رأينا وسمعت آذاننا؟ أحقًا اقتحم الأسود سلكًا كلف المليارات؟ واقتحمت صواريخهم قبة صوروها لنا أنها تصطاد الحشرات؟ أحقًا أسر أبطالنا أكثر من مئتي وخمسين خنزيرًا صهيونيًا في لحظات قليلة وقتلوا أكثر من ألف وثلاثمئة آخرين؟ أحقًا يفر المستوطنون خوفًا وفزعًا؟ ويهجر الآلاف منهم أرض الميعاد المزعومة؟ نعم هذا كله وغيره أشعرنا بعزة الإسلام، وكرامة المسلم، وبهجة النصر العظيم.
وما زلنا طوال هذا العام ونحن نشعر بالعزة رغم الألم، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]. أنتم الأعلون حتى في لحظة الهزيمة، فكيف بكم في حالة النصر؟! في حالة النصر أنتم الأعلون وتشعرون بالعزة والكرامة ونشوة النصر.
نشعر بالعزة كلما سمعنا عن قتل خنزير فكيف بقتل المجموعات منهم؟ نشعر بالعزة كلما شاهدنا صورة للميركفاة وهي مشتعلة بمن فيها، نشعر بالعزة كلما رأينا منزلًا يفجر بالخنازير، نشعر بالعزة كلما سمعنا (النتن) يصرخ كالمجنون ويتهدد ويتوعد ووجهه مكفهر من آثار الهزيمة، نشعر بالعزة وهم يقولون نحن ننتظر ردّ المقاومة بالموافقة على الصفقة من عدمه، نشعر بالعزة ونحن نرى العالم كله على قدم وساق والمقاومون في هدوئهم وثباتهم.
هذه حالة يشعر بها الأحرار من الناس، ولا يشعر بها العبيد منهم، فالأحرار سعداء تسموا أرواحهم، وإن كانت تمطرهم القنابل، وما رأيناه وما زلنا نراه من أهل غزة يدعونا دائمًا للعزة والكرامة.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾
لقد تعلمنا أن لنا أولويات في كل شيء، أولوية في الولاء وفي البراء وفي السلم وفي الحرب، أولوية فيما نسمع وفيما نتكلم، وحتى في الطعام والشراب والنوم وغير ذلك، واليوم نحن أمام أخطر قضية عرفها التاريخ الحديث وهي قضية القرن الواحد والعشرين، وهي قضية (طوفان الأقصى)، والتي سطرت ملحمة جديدة وعظيمة وغريبة على التاريخ المعاصر، ولزاماً علينا أن نجعلها أولويتنا العظمى، وأن نقف في صفها وأن ندعمها وأن لا ننشغل عن دعمها بأي أمر آخر وإن عظم قدره، وأكثر ما يريده بني صهيون هو أن ننشغل بقضية غيرها، وخاصة أن ننشغل بقضايا خلافنا مع بعضنا أو مع بعض المحيطين والمتربصين بنا، ولو انجررنا للنزاعات مع بعضهم، فسننسى قضيتنا الأساسية، وينفرد الذئب بالضحية يفعل بها ما يشاء.
وإن أولى ما ننصر به قضيتنا (قضية الطوفان) هي وحدتنا وترك الخلافات بيننا، فوحدة قلوبنا سبب للنصرة، لقوله تعالى: ﴿لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَثَـٰبَهُمۡ فَتۡحࣰا قَرِیبࣰا﴾ [الفتح: ١٨]، فلولا تآلف قلوبهم ووحدتهم على الحق لما استحقوا السكينة ولا الفتح القريب، ولذلك فإخواننا في غزة يجاهدون المحتل ويتنزل عليهم النصر بوحدتنا معهم وتآلف قلوبنا.. وهذا يدفعنا للدعاء لهم، فنصرهم عائد على الأمة كلها لذا هم في حاجة ماسة لوحدة قلوبنا، وإنا لنخشى والله أن نكون سببًا في تأخير النصر عن إخواننا بسبب تنازعنا واختلاف قلوبنا، عافانا الله وإخواننا من ذلك!
عام من العزة والكرامة
كثير من الناس يعيشون في الأرض معيشة الأنعام -أعزكم الله-، فلا يرون الحياة إلا علفًا يؤكل، وماء يُشرب، ولذة تُقضى، وإن داروا في فلك الساقية ليل نهار، وإن أذلهم صاحب البستان وأمطرهم بوابل من الشتائم وأحيانًا بعض السياط، المهم عندهم أنهم نجوا من السكين وإن عاشوا ذليلين خاضعين، وتلك هي حياة العبيد.
والبعض الآخر وهم القلة، لا يرضون بمثل هذه الحياة الذليلة مهما كان الثمن، فهم يرضون بالفقر والجوع والعذاب بل والموت، والمهم أن يكونوا أعزة مرفوعي الرؤوس، يعيشون بكرامة وإباء، ويموتون بكرامة وإباء، وهم يعلمون أن عزتهم وكرامتهم لا تقصر لهم عمرًا.
يقول عنترة بن شداد واصفاً هذا الشعور بالكرامة والعزة:
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها وَاقدِم إِذا حَقَّ اللقا في الأَوّلِ
وَاختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ حِصنٌ وَلَو شَيّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزةٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إلى أن قال:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلّة بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
وما زلنا طوال هذا العام ونحن نشعر بالعزة رغم الألم، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]. أنتم الأعلون حتى في لحظة الهزيمة، فكيف بكم في حالة النصر؟! في حالة النصر أنتم الأعلون وتشعرون بالعزة والكرامة ونشوة النصر.
نشعر بالعزة كلما سمعنا عن قتل خنزير فكيف بقتل المجموعات منهم؟ نشعر بالعزة كلما شاهدنا صورة للميركفاة وهي مشتعلة بمن فيها، نشعر بالعزة كلما رأينا منزلًا يفجر بالخنازير، نشعر بالعزة كلما سمعنا (النتن) يصرخ كالمجنون ويتهدد ويتوعد ووجهه مكفهر من آثار الهزيمة، نشعر بالعزة وهم يقولون نحن ننتظر ردّ المقاومة بالموافقة على الصفقة من عدمه، نشعر بالعزة ونحن نرى العالم كله على قدم وساق والمقاومون في هدوئهم وثباتهم.
هذه حالة يشعر بها الأحرار من الناس، ولا يشعر بها العبيد منهم، فالأحرار سعداء تسموا أرواحهم، وإن كانت تمطرهم القنابل، وما رأيناه وما زلنا نراه من أهل غزة يدعونا دائمًا للعزة والكرامة.
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾
لقد تعلمنا أن لنا أولويات في كل شيء، أولوية في الولاء وفي البراء وفي السلم وفي الحرب، أولوية فيما نسمع وفيما نتكلم، وحتى في الطعام والشراب والنوم وغير ذلك، واليوم نحن أمام أخطر قضية عرفها التاريخ الحديث وهي قضية القرن الواحد والعشرين، وهي قضية (طوفان الأقصى)، والتي سطرت ملحمة جديدة وعظيمة وغريبة على التاريخ المعاصر، ولزاماً علينا أن نجعلها أولويتنا العظمى، وأن نقف في صفها وأن ندعمها وأن لا ننشغل عن دعمها بأي أمر آخر وإن عظم قدره، وأكثر ما يريده بني صهيون هو أن ننشغل بقضية غيرها، وخاصة أن ننشغل بقضايا خلافنا مع بعضنا أو مع بعض المحيطين والمتربصين بنا، ولو انجررنا للنزاعات مع بعضهم، فسننسى قضيتنا الأساسية، وينفرد الذئب بالضحية يفعل بها ما يشاء.
وإن أولى ما ننصر به قضيتنا (قضية الطوفان) هي وحدتنا وترك الخلافات بيننا، فوحدة قلوبنا سبب للنصرة، لقوله تعالى: ﴿لَّقَدۡ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ إِذۡ یُبَایِعُونَكَ تَحۡتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِی قُلُوبِهِمۡ فَأَنزَلَ ٱلسَّكِینَةَ عَلَیۡهِمۡ وَأَثَـٰبَهُمۡ فَتۡحࣰا قَرِیبࣰا﴾ [الفتح: ١٨]، فلولا تآلف قلوبهم ووحدتهم على الحق لما استحقوا السكينة ولا الفتح القريب، ولذلك فإخواننا في غزة يجاهدون المحتل ويتنزل عليهم النصر بوحدتنا معهم وتآلف قلوبنا.. وهذا يدفعنا للدعاء لهم، فنصرهم عائد على الأمة كلها لذا هم في حاجة ماسة لوحدة قلوبنا، وإنا لنخشى والله أن نكون سببًا في تأخير النصر عن إخواننا بسبب تنازعنا واختلاف قلوبنا، عافانا الله وإخواننا من ذلك!
عام من العزة والكرامة
كثير من الناس يعيشون في الأرض معيشة الأنعام -أعزكم الله-، فلا يرون الحياة إلا علفًا يؤكل، وماء يُشرب، ولذة تُقضى، وإن داروا في فلك الساقية ليل نهار، وإن أذلهم صاحب البستان وأمطرهم بوابل من الشتائم وأحيانًا بعض السياط، المهم عندهم أنهم نجوا من السكين وإن عاشوا ذليلين خاضعين، وتلك هي حياة العبيد.
والبعض الآخر وهم القلة، لا يرضون بمثل هذه الحياة الذليلة مهما كان الثمن، فهم يرضون بالفقر والجوع والعذاب بل والموت، والمهم أن يكونوا أعزة مرفوعي الرؤوس، يعيشون بكرامة وإباء، ويموتون بكرامة وإباء، وهم يعلمون أن عزتهم وكرامتهم لا تقصر لهم عمرًا.
يقول عنترة بن شداد واصفاً هذا الشعور بالكرامة والعزة:
وَإِذا الجَبانُ نَهاكَ يَومَ كَريهَةٍ خَوفاً عَلَيكَ مِنَ اِزدِحامِ الجَحفَلِ
فَاعصِ مَقالَتَهُ وَلا تَحفِل بِها وَاقدِم إِذا حَقَّ اللقا في الأَوّلِ
وَاختَر لِنَفسِكَ مَنزِلاً تَعلو بِهِ أَو مُت كَريماً تَحتَ ظُلِّ القَسطَلِ
فَالمَوتُ لا يُنجيكَ مِن آفاتِهِ حِصنٌ وَلَو شَيّدتَهُ بِالجَندَلِ
مَوتُ الفَتى في عِزةٍ خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَبيتَ أَسيرَ طَرفٍ أَكحَلِ
إلى أن قال:
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلّة بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
وهذا هو العربي الأصيل وإن كان يعيش في جاهلية قبل الإسلام، فكيف بالعربي لو أسلم؟ فالأصل أنه يزداد حبًا وتمسكًا بكرامته وعزته، خاصة والإسلام يدعوه لأن يكون عزيزًا كريمًا، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [المنافقون: ٨] أي: حصرًا وقصرًا عليهم، ومعنى هذا أن الذي يرضى بالذل والهوان ليس مؤمنًا، بل إن الذي يرضى بالاستضعاف دون عذر فإن الله تعالى يتوعده بالعذاب وإن ادعى الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ ظَالِمِیۤ أَنفُسِهِمۡ قَالُوا۟ فِیمَ كُنتُمۡۖ قَالُوا۟ كُنَّا مُسۡتَضۡعَفِینَ فِی ٱلۡأَرۡضِۚ قَالُوۤا۟ أَلَمۡ تَكُنۡ أَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةࣰ فَتُهَاجِرُوا۟ فِیهَاۚ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ مَأۡوَىٰهُمۡ جَهَنَّمُۖ وَسَاۤءَتۡ مَصِیرًا﴾ [النساء: ٩٧-٩٩] وهؤلاء مسلمون وربما من الصحابة، لكن جريمتهم أنهم رضوا بالاستضعاف، والرضا بالاستضعاف ينافي التمسك بالعزة والكرامة.
ولو تأملنا حال بلال -رضي الله عنه- وهو يستعذب البلاء في سبيل الله تعالى، وهو يصرخ في وجه عدوه قائلًا: "أَحد أَحد"، ثم يقول: "لو كنت أعلم كلمة هي أغيظ لهم منها لقلتها". إنه سمو الروح وحب العزة والكرامة، وإن أدى ذلك للقتل أو الموت.
عام من الحصار والمقاطعة
وبرغم ما في العام من عزة وكرامة ونشوة بالنصر، إلا أنه عام من الألم والجوع لأعز أناس على قلوبنا -أهل غزة الأبطال- يذكّرنا أبطال غزة بما فعلوه في السابع من أكتوبر 2023م وما تلا ذلك اليوم، يذكروننا بكثير من مواقف السيرة النبوية المطهرة، على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم، فاليوم نتذكر شِعب أبي طالب، ذاك الشعب الذي ضم بداخله بني هاشم وبني المطلب، دونَ قريش كلها، وقفوا استجابة لدعوة أبي طالب لهم، استجابة للنخوة والرجولة والشهامة، عرَّضوا أنفسهم وذراريهم للمقاطعة والجوع والحرمان دون أن يتخلوا عن شهامتهم ومروءتهم.. وقوفًا أمام قومهم لما رأوا منهم ظلمًا وعدوانًا لا مبرر له، في حين انحازت بقية القبائل لصف الصلف والجور مع أبي جهل ومَن معه، حتى أبناء العمومة كالمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعتبة وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، هؤلاء تخلوا عن بني عمومتهم ووقفوا في صف الطغيان.
وتستمر المقاطعة ثلاث سنوات متواصلة، يحرم فيها بنو هاشم وبنو المطلب من كل حقوقهم في البيع والشراء والمناكحة وحتى من التجول والخروج سوى في الأشهر الحرم، كل هذا لأجل عدم التفريط في ابنهم والمسلمين معه، وما منع أبا جهل وعصابته من قتل محمد ﷺ إلا خوفه من سيلان بحور الدم ممن ناصروه ومن بني هاشم والمطلب المدافعين عن رسول الله ﷺ.
لكن تلك المقاطعة كانت تتخلق بأخلاق الجاهلية الأولى (وأقصد بذلك مدحًا لها لا قدحًا فيها) فبرغم الحصار لهم كانوا يحافظون على بعض أخلاقهم التي تربوا عليها، فبنو هاشم والمطلب ما دخلوا في حلف أبي طالب إلا لحفاظهم على عاداتهم من عدم التخلي عن ابنهم، ومن مناصرتهم للمظلوم وإن كلفهم ذلك حياتهم، وحتى المحَاصِرون -بكسر الراء- كانوا يخشون رغم ظلمهم أن يؤثَر عنهم أنهم تخلوا عن أعرافهم، ولذلك قاموا هم أنفسهم ينقضون الصحيفة التي كتبها صناديدهم، فرأينا هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية المخزومي، ومطعم بن عدي، وأبا البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، يتمالؤون بالليل سرًا على نقض الصحيفة، ولو أرادوا توسعة دائرتهم لوجدوا العشرات معهم، ممن يرفضون الظلم والقطيعة.
حصار غزة ليس له مثيل
ولكن جاهلية القرن الواحد والعشرين جاهلية جهلاء، لا تعرف قيمًا ولا أخلاقًا وليس لها من العادات ما تحترمه، وليس من بينهم من يستطيع تقليد المطعم أو زهير، لذلك حصار ومقاطعة أهل غزة أشد بكثير من حصار أبي جهل للمسلمين الأول، حصار اليوم تنصب فيه الحمم صبًا على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ والضعفاء، حصار اليوم لا يوجد فيه من يقول للظالم أنت ظالم، لا يوجد فيه زهير ليطوف بالبيت ثم يقول: "أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة"، لأن اليوم دار ندوتهم -وما يسمونه مجلس أمنهم- لا يعرف شيئًا عن الأخلاق والعادات الكريمة، ولأن زعماء جاهليتنا ليس فيهم أمثال المطعم ولا زمعة ولا هشام، وغاب عنهم حكيم بن حزام الذي كان يمد عمته خديجة بالليل سرًا بالطعام والشراب.
ولو تأملنا حال بلال -رضي الله عنه- وهو يستعذب البلاء في سبيل الله تعالى، وهو يصرخ في وجه عدوه قائلًا: "أَحد أَحد"، ثم يقول: "لو كنت أعلم كلمة هي أغيظ لهم منها لقلتها". إنه سمو الروح وحب العزة والكرامة، وإن أدى ذلك للقتل أو الموت.
عام من الحصار والمقاطعة
وبرغم ما في العام من عزة وكرامة ونشوة بالنصر، إلا أنه عام من الألم والجوع لأعز أناس على قلوبنا -أهل غزة الأبطال- يذكّرنا أبطال غزة بما فعلوه في السابع من أكتوبر 2023م وما تلا ذلك اليوم، يذكروننا بكثير من مواقف السيرة النبوية المطهرة، على صاحبها أفضل صلاة وأتم تسليم، فاليوم نتذكر شِعب أبي طالب، ذاك الشعب الذي ضم بداخله بني هاشم وبني المطلب، دونَ قريش كلها، وقفوا استجابة لدعوة أبي طالب لهم، استجابة للنخوة والرجولة والشهامة، عرَّضوا أنفسهم وذراريهم للمقاطعة والجوع والحرمان دون أن يتخلوا عن شهامتهم ومروءتهم.. وقوفًا أمام قومهم لما رأوا منهم ظلمًا وعدوانًا لا مبرر له، في حين انحازت بقية القبائل لصف الصلف والجور مع أبي جهل ومَن معه، حتى أبناء العمومة كالمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وعتبة وشيبة ابني ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، هؤلاء تخلوا عن بني عمومتهم ووقفوا في صف الطغيان.
وتستمر المقاطعة ثلاث سنوات متواصلة، يحرم فيها بنو هاشم وبنو المطلب من كل حقوقهم في البيع والشراء والمناكحة وحتى من التجول والخروج سوى في الأشهر الحرم، كل هذا لأجل عدم التفريط في ابنهم والمسلمين معه، وما منع أبا جهل وعصابته من قتل محمد ﷺ إلا خوفه من سيلان بحور الدم ممن ناصروه ومن بني هاشم والمطلب المدافعين عن رسول الله ﷺ.
لكن تلك المقاطعة كانت تتخلق بأخلاق الجاهلية الأولى (وأقصد بذلك مدحًا لها لا قدحًا فيها) فبرغم الحصار لهم كانوا يحافظون على بعض أخلاقهم التي تربوا عليها، فبنو هاشم والمطلب ما دخلوا في حلف أبي طالب إلا لحفاظهم على عاداتهم من عدم التخلي عن ابنهم، ومن مناصرتهم للمظلوم وإن كلفهم ذلك حياتهم، وحتى المحَاصِرون -بكسر الراء- كانوا يخشون رغم ظلمهم أن يؤثَر عنهم أنهم تخلوا عن أعرافهم، ولذلك قاموا هم أنفسهم ينقضون الصحيفة التي كتبها صناديدهم، فرأينا هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية المخزومي، ومطعم بن عدي، وأبا البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، يتمالؤون بالليل سرًا على نقض الصحيفة، ولو أرادوا توسعة دائرتهم لوجدوا العشرات معهم، ممن يرفضون الظلم والقطيعة.
حصار غزة ليس له مثيل
ولكن جاهلية القرن الواحد والعشرين جاهلية جهلاء، لا تعرف قيمًا ولا أخلاقًا وليس لها من العادات ما تحترمه، وليس من بينهم من يستطيع تقليد المطعم أو زهير، لذلك حصار ومقاطعة أهل غزة أشد بكثير من حصار أبي جهل للمسلمين الأول، حصار اليوم تنصب فيه الحمم صبًا على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ والضعفاء، حصار اليوم لا يوجد فيه من يقول للظالم أنت ظالم، لا يوجد فيه زهير ليطوف بالبيت ثم يقول: "أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى؟ والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة"، لأن اليوم دار ندوتهم -وما يسمونه مجلس أمنهم- لا يعرف شيئًا عن الأخلاق والعادات الكريمة، ولأن زعماء جاهليتنا ليس فيهم أمثال المطعم ولا زمعة ولا هشام، وغاب عنهم حكيم بن حزام الذي كان يمد عمته خديجة بالليل سرًا بالطعام والشراب.
ونحن والله على ثقة بأن الله الذي أرسل الأرضة التي أكلت الصحيفة غير باسمك اللهم، قادر سبحانه أن يرسل جنودًا من عنده -وما يعلم جنوده إلا هو- لنصرة أهل المسرى وأهل غزة، ولكن كما قال ربنا: ﴿ذَ ٰلِكَۖ وَلَوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَـٰكِن لِّیَبۡلُوَا۟ بَعۡضَكُم بِبَعۡضࣲۗ﴾ [محمد: ٤]، وكما قال أيضًا: ﴿لِیَمِیزَ ٱللَّهُ ٱلۡخَبِیثَ مِنَ ٱلطَّیِّبِ وَیَجۡعَلَ ٱلۡخَبِیثَ بَعۡضَهُۥ عَلَىٰ بَعۡضࣲ فَیَرۡكُمَهُۥ جَمِیعࣰا فَیَجۡعَلَهُۥ فِی جَهَنَّمَۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡخَـٰسِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٧].
فسارِع أيها المؤمن لتكون في صف الطيبين، وإن أصابك ما أصابك من بلاء، وأبعد نفسك عن صف الخبيثين، وكن واثقًا في نصر الله المبين، وكن أنت حامل اللواء والمدافع عن إخوانك، حتى يأتي النصر وأنت في خندق المؤمنين، أو يأتيك الأجل وأنت ثابت على طريق الموحدين.
وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله تعالى.
فسارِع أيها المؤمن لتكون في صف الطيبين، وإن أصابك ما أصابك من بلاء، وأبعد نفسك عن صف الخبيثين، وكن واثقًا في نصر الله المبين، وكن أنت حامل اللواء والمدافع عن إخوانك، حتى يأتي النصر وأنت في خندق المؤمنين، أو يأتيك الأجل وأنت ثابت على طريق الموحدين.
وللحديث بقية في العدد القادم إن شاء الله تعالى.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
م. محمد إلهامي -رئيس تحرير مجلة أنصار النبي ﷺ- يتحدث عن دور المجلة ويحث الجميع على التفاعل معها، خلال مؤتمر الذكرى الثالثة لانطلاق الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
#مؤتمر_الأنصار_والطوفان
#مؤتمر_الأنصار_والطوفان
دأبت الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ على منح وسام "شيخ الأنصار" في كل عام لشخصية من الشخصيات المؤثرة في العالم الإسلامي، وتشرفنا في العام الثالث بمنح الوسام لاسم الشيخ الشهيد إسماعيل هنية، ابن الأزهر الشريف والجامعة الإسلامية، وتسلم الوسام نجله الأكبر عبد السلام هنية، الذي ذكّر بمشوار والده العلمي، ومواقفه مع شيوخه وأساتذته، حتى وصل إلى قيادة (حماس) كبرى الحركات الإسلامية المجاهدة.
مقال: هيئة الأنصار في خندق الطوفان
بقلم د. محمد الصغير - رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/awW
مقال: هيئة الأنصار في خندق الطوفان
بقلم د. محمد الصغير - رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبي ﷺ
اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/awW
"أي بطولة يفخر بها المرء إذ يستطيع أن يقتل بإلقاء القنابل، وهو في طائرة تعلو آلاف الأميال على قومٍ من العُزَّل الذين لا يطالونه، أو حتى يقتل وهو في مركز للتحكم وقد أرسل طائرة مُسَيَّرة يتحكم فيها كما يتحكم في الألعاب الإلكترونية، يرى الناس من حيث لا يرونه، ويفتك بهم من حيث لا يدركونه؟!"
من مقال: سنوار مان!.. حاشية على رثاء أبي إبراهيم!
بقلم: م. محمد إلهامي -رئيس تحرير مجلة أنصار النبي ﷺ
اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/vWW
من مقال: سنوار مان!.. حاشية على رثاء أبي إبراهيم!
بقلم: م. محمد إلهامي -رئيس تحرير مجلة أنصار النبي ﷺ
اقرأ المقال كاملاً: https://ishortie.com/vWW
قبل 48 سنة بالضبط قال لي بدوي من أهل الحجاز المعمّرين، الذين زاروا ديارنا المقدسة قبل احتلالها ويعلم حجم المعاناة التي يعانيها أهلنا في ظل الاحتلال، في سبعينات القرن الماضي: "لو كنا مكانكم ما تحملنا ما تتحملون...". يومها قلت له: ماذا تقول؟ ألا تعلم أن أرضنا مباركة (بحجرها وشجرها وبشرها)؛ كيف نتركها؟
بعد هذه الكلمة ازداد تعلقي بـ #فلسطين الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا لِلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: ٧١].
تعلمت وبدأت أقرأ عن أفضلية بيت المقدس وأكنافه؛ عن الطائفة المنصورة؛ والتي قال ﷺ في أهلها وأمثالهم: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي منصورين لا يضرهم مَن خذلهم حتى تقوم الساعة".
وأحاديث كثيرة حددها ببيت المقدس وأكنافه؛ ولقد عشنا سنوات شديدة من البؤس والحرمان؛ صغاراً وكباراً، وتغربنا وطال بنا المقام؛ ورأينا الوجع على أصوله، والألم والحرمان بأنواعه وأشكاله، مررنا بحروب كارثية؛ إلا أن معركة طوفان الأقصى، وما بعدها من حرب ضروس طاحنة، رأينا خلالها كل أنواع القنابل والدمار والموت الذي مر بجانبنا وما زال في العمر بقية.
مرّ بها كل الشعب دون استثناء؛ بأوقات وحوادث كارثية، ما لا يمكن وصفها! ولا يمكن تحملها إلا مَن منَّ الله عليه وأذن له بالصبر والثبات والتحمل..
حتى تذكرت كلام صاحبي الحجازي المعمر؛ تذكرته ونحن نتعرض لأبشع أنواع القتل، وأقذر حرب يخوضها الأنذال ضد الأبرياء؛ وهذا الخذلان العجيب والغريب؛ ومع ذلك يصبر الناس على اللأواء ويثبّت الرجال الرجال بمقاومتهم في وجه أشرس آلة عسكرية مدمرة؛ ويثخنون في العدو الجراح؛ ليمر عام وأكثر الآن من الصبر والثبات والصمود والتحمل والتحدي والمواجهة.
وكأننا بثباتنا وصمودنا وصبرنا وتحملنا يذكرنا رسول الله ﷺ باشتياقه ويقول: "ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا". وفي حديث آخر يبيّن مَن هؤلاء الإخوان؛ فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُم"؟! قَالَ: "بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"1.
لن نناقش في موضوع الأفضلية، فالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين خير وأفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام، ولهم الخيرية والأفضلية بصحبة النبي ﷺ ورؤيته، وهذه مزيّة لا ولن يصلها أحد من الناس مطلقاً مهما صنعوا وعملوا، ومع ذلك قال النبي ﷺ: "الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ".
الصبر.. ثم القبض على الجمر! صبر لا يوصف؛ فدقّة المعنى لا يُعلم إلا من خلال السياق: "الصبر فيهن مثل القبض على الجمر"؛ مَن يستطيع أن يقبض على جمر النار؟!
أهل #غزة لهم أكثر من سنة يقبضون على جمر النار!
أكثر من سنة من الموت المتواصل والدمار الشامل يحيطهم والتشريد والنزوح يشملهم، والحر والغلاء والقلّة والفاقة والحرمان يغلي بهم، بلا طعام ولا ماء ولا غذاء ولا دواء..
بل رأينا المرأة وهي تحترق دون أن ترفع صوتها؛ وتتحرك ببطء تنتظر فرج الله بقرب ولوج جنة الله؛ كأنها وهي تحترق ترى الجنة!
إن المرء لا يتحمل هذا العيش يومين أو ثلاثة؛ أسبوعاً أو أسبوعين... شهراً بالكثير!
معظم الدول التي حاربت في الحرب العالمية الثانية لم يتحملوا الحرب، من خمسة أيام لعدة أسابيع ثم استسلموا.. أما غزة!
غزة وحدها حكاية؛ ليأخذ الصابرون أجرهم بغير حساب؛ أجر العامل الصابر فيها أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين..
أعلمتم ماذا تعني غزة وأهلها؟
إنها الطائفة المنصورة؛ أجر المقيم الصابر العامل المحتسب فيها راضياً بأجر خمسين من الصحابة؛ فكيف بالمجاهد المرابط؟
اللهم لا تحرمنا أجرهم وصحبتهم!
بعد هذه الكلمة ازداد تعلقي بـ #فلسطين الأرض التي بارك الله فيها للعالمين؛ قال الله تعالى: ﴿وَنَجَّیۡنَـٰهُ وَلُوطًا إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِی بَـٰرَكۡنَا فِیهَا لِلۡعَـٰلَمِینَ﴾ [الأنبياء: ٧١].
تعلمت وبدأت أقرأ عن أفضلية بيت المقدس وأكنافه؛ عن الطائفة المنصورة؛ والتي قال ﷺ في أهلها وأمثالهم: "لا تزالُ طائفةٌ من أمتي منصورين لا يضرهم مَن خذلهم حتى تقوم الساعة".
وأحاديث كثيرة حددها ببيت المقدس وأكنافه؛ ولقد عشنا سنوات شديدة من البؤس والحرمان؛ صغاراً وكباراً، وتغربنا وطال بنا المقام؛ ورأينا الوجع على أصوله، والألم والحرمان بأنواعه وأشكاله، مررنا بحروب كارثية؛ إلا أن معركة طوفان الأقصى، وما بعدها من حرب ضروس طاحنة، رأينا خلالها كل أنواع القنابل والدمار والموت الذي مر بجانبنا وما زال في العمر بقية.
مرّ بها كل الشعب دون استثناء؛ بأوقات وحوادث كارثية، ما لا يمكن وصفها! ولا يمكن تحملها إلا مَن منَّ الله عليه وأذن له بالصبر والثبات والتحمل..
حتى تذكرت كلام صاحبي الحجازي المعمر؛ تذكرته ونحن نتعرض لأبشع أنواع القتل، وأقذر حرب يخوضها الأنذال ضد الأبرياء؛ وهذا الخذلان العجيب والغريب؛ ومع ذلك يصبر الناس على اللأواء ويثبّت الرجال الرجال بمقاومتهم في وجه أشرس آلة عسكرية مدمرة؛ ويثخنون في العدو الجراح؛ ليمر عام وأكثر الآن من الصبر والثبات والصمود والتحمل والتحدي والمواجهة.
وكأننا بثباتنا وصمودنا وصبرنا وتحملنا يذكرنا رسول الله ﷺ باشتياقه ويقول: "ودِدْتُ أنَّا قدْ رَأَيْنا إخْوانَنا". وفي حديث آخر يبيّن مَن هؤلاء الإخوان؛ فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ".
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُم"؟! قَالَ: "بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ"1.
لن نناقش في موضوع الأفضلية، فالصحابة رضوان الله عليهم أجمعين خير وأفضل الناس بعد الأنبياء عليهم السلام، ولهم الخيرية والأفضلية بصحبة النبي ﷺ ورؤيته، وهذه مزيّة لا ولن يصلها أحد من الناس مطلقاً مهما صنعوا وعملوا، ومع ذلك قال النبي ﷺ: "الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ".
الصبر.. ثم القبض على الجمر! صبر لا يوصف؛ فدقّة المعنى لا يُعلم إلا من خلال السياق: "الصبر فيهن مثل القبض على الجمر"؛ مَن يستطيع أن يقبض على جمر النار؟!
أهل #غزة لهم أكثر من سنة يقبضون على جمر النار!
أكثر من سنة من الموت المتواصل والدمار الشامل يحيطهم والتشريد والنزوح يشملهم، والحر والغلاء والقلّة والفاقة والحرمان يغلي بهم، بلا طعام ولا ماء ولا غذاء ولا دواء..
بل رأينا المرأة وهي تحترق دون أن ترفع صوتها؛ وتتحرك ببطء تنتظر فرج الله بقرب ولوج جنة الله؛ كأنها وهي تحترق ترى الجنة!
إن المرء لا يتحمل هذا العيش يومين أو ثلاثة؛ أسبوعاً أو أسبوعين... شهراً بالكثير!
معظم الدول التي حاربت في الحرب العالمية الثانية لم يتحملوا الحرب، من خمسة أيام لعدة أسابيع ثم استسلموا.. أما غزة!
غزة وحدها حكاية؛ ليأخذ الصابرون أجرهم بغير حساب؛ أجر العامل الصابر فيها أجر خمسين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين..
أعلمتم ماذا تعني غزة وأهلها؟
إنها الطائفة المنصورة؛ أجر المقيم الصابر العامل المحتسب فيها راضياً بأجر خمسين من الصحابة؛ فكيف بالمجاهد المرابط؟
اللهم لا تحرمنا أجرهم وصحبتهم!