فتاوى وإجابات الشيخ أ.د. حاكم المطيري

📩 س/ شيخنا، كيف يصح استدلالك بآية ‏﴿غُلبت الرومُ﴾ على نهاية وجودهم في الشام اليوم، وهم يسيطرون عليه؟

▫️ج/ فصلت القول في هذه الآية في كتابي (نظرات قرآنية) والظاهر عندي أن الصيغة دعاء عليهم ‏﴿غُلبت الرومُ﴾، فهي آية مستقلة وحدها، يصح الوقف عليها، تفيد معنى تاما، كقوله تعالى: ‏﴿قُتل الإنسانُ﴾ وقوله: ‏﴿قتل الخراصون﴾ دعاء عليهم بالهلك والفناء.
وكذا ‏﴿غُلبت الرومُ﴾، ثم قيد هذا الدعاء عليهم بأرض مخصوصة وهي الأرض المباركة أرض الشام ‏﴿في أدنى الأرض﴾، فقد كتب الله عليهم أن يُغلبوا وألا يبقى لهم فيها دولة ولا سيادة دائمة بعد ظهور الإسلام وبعثة النبي ﷺ، كما أخبر النبي ﷺ في الصحيحين (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله)، قال الشافعي -كما في فتح الباري-: (المراد لا يبقى كسرى في العراق، ولا قيصر في الشام).
فالآية دعاء عليهم وبشارة للمؤمنين ‏﴿ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله﴾، فقد كان الروم آنذاك أعظم أمة وإمبراطورية ترهب العالم، وكانت السورة إعلانا عن نهايتها، ووراثة المؤمنين لسلطانها في الشام والقدس وهو ما تحقق بعد نزول هذه السورة المكية بعشرين سنة فقط حيث نزلت والمسلمون مستضعفون مضطهدون في مكة!
وقد قرئت الآية أيضا بالفتح على المبني للمعلوم ‏﴿غَلبت الروم﴾ ولا تحتمل هذه الصيغة إلا الإخبار والمعنى أنها غلبت على الشام وهزمت فارس ‏و﴿سيُغلبون﴾ وذلك أن فارس قد هزمتها أولا حيث غزا كسرى الثاني الدولة الرومانية البيزنطية سنة ٦٠٢م ووصل إلى حدود القسطنطينية سنة ٦٠٨ ودخل دمشق ٦١٣ والقدس سنة ٦١٤ وأخذ الصليب المقدس حتى احتل مصر ٦١٩م ثم استولى هرقل القرطاجي على السلطة في القسطنطينية وواجه الفرس سنة ٦٢٢م، وذلك في بداية الهجرة النبوية التي كانت في ٢١ يونيو إلى ٢ يوليو ٦٢٢م -وهزم هرقل الفرس- وصادف ذلك غزوة بدر ١٧ رمضان ٢ هج ويوافق ١٣ مارس ٦٢٢م - وكانت المعركة الحاسمة في نينوى سنة ٦٢٧- ٦٢٨م وبلغ خبرها المسلمين بعد صلح الحديبية..
ثم أخبر الله في السورة عن الروم ‏﴿وهم من بعد غلبهم سيغلبون﴾ فلم يفرح الروم بالنصر والغلب حتى هزمهم المسلمون في اليرموك بعد ٨ سنين وذلك سنة ١٥ هج - ٦٣٦م.
قال الزمخشري في تفسيره (وقرئ: غَلبت الروم، بالفتح. وسيُغلبون، بالضم. ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون في بضع سنين. وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم، وإضافة غلبهم تختلف باختلاف القراءتين، فهي في إحداهما إضافة المصدر إلى المفعول. وفي الثانية إضافته إلى الفاعل).
وقال ابن حيان في تفسيره البحر المحيط عن الآية: (وقرأ علي، وأبو سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية بن قرة، والحسن: غَلبت الروم: مبنيا للفاعل، سيُغلبون مبنيا للمفعول.
والجمهور مبنيا للمفعول، سيَغلبون مبنيا للفاعل. وتأويل ذلك على ما فسره ابن عمران: الروم غلبت على أدنى ريف الشأم، وتأوله أبو حاتم على أن الروم غَلبت يوم بدر، فعز ذلك على كفار قريش، وسر المؤمنون، وبشر الله عباده بأنهم سيُغلبون في بضع سنين. انتهى. فيكون قد أخبر عن الروم بأنهم قد غَلبوا، وبأنهم سيُغلبون، فيكون غلبهم مرتين.
قال ابن عطية: والقراءة بضم الغين أصح. وأجمع الناس على سيَغلبون بفتح الياء، يراد به الروم. وروي عن ابن عمر أنه قرأ سيُغلبون بضم الياء، وفي هذه القراءة قلب المعنى الذي تظاهرت به الروايات. انتهى. وقوله: وأجمعوا، ليس كذلك. ألا ترى أن الذين قرأوا غَلبت بفتح الغين هم الذين قرأوا سيُغلبون بضم الياء وفتح اللام، وليست هذه مخصوصة بابن عمر.
وقرأ الجمهور: غَلَبهم، بفتح الغين واللام:
وعلي، وابن عمر، ومعاوية بن قرة: بإسكانها والقياس عن ابن عمر: وغلابهم، على وزن كتاب).


📬 15/ 4/ 2018م

•┈┈┈┈••❁••┈┈┈┈•
https://www.tgoop.com/askDrHakem

Telegram

فتاوى وإجابات الشيخ أ.د. حاكم المطيري

قناة تختص بنشر فتاوى وإجابات فضيلة الشيخ أ.د.حاكم العبيسان المطيري-حفظه الله-

www.tgoop.com/askDrHakem/1232

303 viewsDec 14 at 04:38

📩 س/ شيخنا، كيف يصح استدلالك بآية ‏﴿غُلبت الرومُ﴾ على نهاية وجودهم في الشام اليوم، وهم يسيطرون عليه؟

▫️ج/ فصلت القول في هذه الآية في كتابي (نظرات قرآنية) والظاهر عندي أن الصيغة دعاء عليهم ‏﴿غُلبت الرومُ﴾، فهي آية مستقلة وحدها، يصح الوقف عليها، تفيد معنى تاما، كقوله تعالى: ‏﴿قُتل الإنسانُ﴾ وقوله: ‏﴿قتل الخراصون﴾ دعاء عليهم بالهلك والفناء.
وكذا ‏﴿غُلبت الرومُ﴾، ثم قيد هذا الدعاء عليهم بأرض مخصوصة وهي الأرض المباركة أرض الشام ‏﴿في أدنى الأرض﴾، فقد كتب الله عليهم أن يُغلبوا وألا يبقى لهم فيها دولة ولا سيادة دائمة بعد ظهور الإسلام وبعثة النبي ﷺ، كما أخبر النبي ﷺ في الصحيحين (إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله)، قال الشافعي -كما في فتح الباري-: (المراد لا يبقى كسرى في العراق، ولا قيصر في الشام).
فالآية دعاء عليهم وبشارة للمؤمنين ‏﴿ويومئذ يفرح المؤمنون. بنصر الله﴾، فقد كان الروم آنذاك أعظم أمة وإمبراطورية ترهب العالم، وكانت السورة إعلانا عن نهايتها، ووراثة المؤمنين لسلطانها في الشام والقدس وهو ما تحقق بعد نزول هذه السورة المكية بعشرين سنة فقط حيث نزلت والمسلمون مستضعفون مضطهدون في مكة!
وقد قرئت الآية أيضا بالفتح على المبني للمعلوم ‏﴿غَلبت الروم﴾ ولا تحتمل هذه الصيغة إلا الإخبار والمعنى أنها غلبت على الشام وهزمت فارس ‏و﴿سيُغلبون﴾ وذلك أن فارس قد هزمتها أولا حيث غزا كسرى الثاني الدولة الرومانية البيزنطية سنة ٦٠٢م ووصل إلى حدود القسطنطينية سنة ٦٠٨ ودخل دمشق ٦١٣ والقدس سنة ٦١٤ وأخذ الصليب المقدس حتى احتل مصر ٦١٩م ثم استولى هرقل القرطاجي على السلطة في القسطنطينية وواجه الفرس سنة ٦٢٢م، وذلك في بداية الهجرة النبوية التي كانت في ٢١ يونيو إلى ٢ يوليو ٦٢٢م -وهزم هرقل الفرس- وصادف ذلك غزوة بدر ١٧ رمضان ٢ هج ويوافق ١٣ مارس ٦٢٢م - وكانت المعركة الحاسمة في نينوى سنة ٦٢٧- ٦٢٨م وبلغ خبرها المسلمين بعد صلح الحديبية..
ثم أخبر الله في السورة عن الروم ‏﴿وهم من بعد غلبهم سيغلبون﴾ فلم يفرح الروم بالنصر والغلب حتى هزمهم المسلمون في اليرموك بعد ٨ سنين وذلك سنة ١٥ هج - ٦٣٦م.
قال الزمخشري في تفسيره (وقرئ: غَلبت الروم، بالفتح. وسيُغلبون، بالضم. ومعناه أن الروم غلبوا على ريف الشام وسيغلبهم المسلمون في بضع سنين. وعند انقضاء هذه المدّة أخذ المسلمون في جهاد الروم، وإضافة غلبهم تختلف باختلاف القراءتين، فهي في إحداهما إضافة المصدر إلى المفعول. وفي الثانية إضافته إلى الفاعل).
وقال ابن حيان في تفسيره البحر المحيط عن الآية: (وقرأ علي، وأبو سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، ومعاوية بن قرة، والحسن: غَلبت الروم: مبنيا للفاعل، سيُغلبون مبنيا للمفعول.
والجمهور مبنيا للمفعول، سيَغلبون مبنيا للفاعل. وتأويل ذلك على ما فسره ابن عمران: الروم غلبت على أدنى ريف الشأم، وتأوله أبو حاتم على أن الروم غَلبت يوم بدر، فعز ذلك على كفار قريش، وسر المؤمنون، وبشر الله عباده بأنهم سيُغلبون في بضع سنين. انتهى. فيكون قد أخبر عن الروم بأنهم قد غَلبوا، وبأنهم سيُغلبون، فيكون غلبهم مرتين.
قال ابن عطية: والقراءة بضم الغين أصح. وأجمع الناس على سيَغلبون بفتح الياء، يراد به الروم. وروي عن ابن عمر أنه قرأ سيُغلبون بضم الياء، وفي هذه القراءة قلب المعنى الذي تظاهرت به الروايات. انتهى. وقوله: وأجمعوا، ليس كذلك. ألا ترى أن الذين قرأوا غَلبت بفتح الغين هم الذين قرأوا سيُغلبون بضم الياء وفتح اللام، وليست هذه مخصوصة بابن عمر.
وقرأ الجمهور: غَلَبهم، بفتح الغين واللام:
وعلي، وابن عمر، ومعاوية بن قرة: بإسكانها والقياس عن ابن عمر: وغلابهم، على وزن كتاب).


📬 15/ 4/ 2018م

•┈┈┈┈••❁••┈┈┈┈•
https://www.tgoop.com/askDrHakem

BY فتاوى وإجابات الشيخ أ.د. حاكم المطيري