tgoop.com/assdais/1484
Last Update:
الجود بالعلم من أعلى مراتب الجود
قال ابن القيم: «الجود بالعلم وبذْله، وهو من أعلى مراتب الجود، والجودُ به أفضلُ من الجود بالمال؛ لأنّ العلم أشرف من المال.
والنّاس في الجود به على مراتب متفاوتةٍ، وقد اقتضت حكمةُ الله وتقديره النّافذ أن لا ينفعَ به بخيلًا أبدًا.
ومن الجود به: أن تبذله لمن لم يسألك عنه، بل تَطْرحه عليه طَرْحًا ومن الجود به: أنّ السّائل إذا سألك عن مسألةٍ استقصيتَ له جوابَها شافيًا، لا يكون جوابك له بقدرِ ما تُدفع به الضّرورة، كما كان بعضهم يكتب في جواب الفتيا «نعم» أو «لا»، مقتصرًا عليها.
ولقد شاهدتُ من شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك أمرًا عجيبًا: كان إذا سُئل عن مسألةٍ حكميّةٍ، ذكر في جوابها مذاهبَ الأئمّة الأربعة إذا قدَرَ عليه، ومأخذَ الخلاف، وترجيحَ القول الرّاجح، وذكر متعلّقاتِ المسألة التي ربّما تكون أنفعَ للسّائل من مسألته، فيكون فرحُه بتلك المتعلّقات واللّوازم أعظمَ من فرحه بمسألته.
وهذه فتاواه بين النّاس، فمن أحبَّ الوقوفَ عليها رأى ذلك.
فمن جود الإنسان بالعلم: أنّه لا يقتصر على مسألة السّائل، بل يذكر له نظيرَها ومتعلَّقها ومأخذَها، بحيث يشفيه ويكفيه.
وقد سأل الصّحابة -رضي الله عنهم- النّبيَّ ﷺ عن التَّوضِّي بماء البحر؟ فقال: «هو الطَّهور ماؤه، الحلُّ مَيتتُه».
فأجابهم عن سؤالهم، وجاد عليهم بما لعلَّهم في الأحيان إليه أحوجُ ممّا سألوه عنه.
وكانوا إذا سألوه عن الحكم نبَّهَهم على علّته وحكمته، كما سألوه عن بيع الرُّطَب بالتّمر؟
فقال: «أيَنقُصُ الرُّطَب إذا جَفَّ؟»، قالوا: نعم. قال: «فلا إذَنْ».
ولم يكن يخفى عليه ﷺ نقصان الرُّطب بجفافه، ولكن نبَّههم على علّة الحكم.
وهذا كثيرٌ جدًّا في أجوبته ﷺ، مثل قوله: «إن بِعتَ من أخيك ثَمَرًا فأصابتْها جائحةٌ، فلا يحلُّ لك أن تأخذ من مال أخيك شيئًا، بِمَ يأخذُ أحدكم مالَ أخيه بغير حقٍّ؟».
وفي لفظٍ: «أرأيتَ إن منعَ الله الثّمرة بِمَ يأخذ أحدكم مالَ أخيه بغير حقٍّ؟».
فصرّح بالعلّة التي يَحرُم لأجلها إلزامُه بالثّمن، وهي منعُ اللهِ الثّمرة الذي ليس للمشتري فيه صنعٌ.
وكان خصومه [أي: ابن تيمية] يعيبونه بذلك، ويقولون: يسأله السّائل عن طريق مصر مثلًا، فيذكر له معها طريق مكّة والمدينة وخراسان والعراق والهند، وأيُّ حاجةٍ بالسّائل إلى ذلك؟!
ولَعَمرُ الله ليس ذلك بعيبٍ، وإنّما العيب: الجهل والكبر، وهذا موضع المثل المشهور:
لَقَّبوه بحامضٍ وهو حُلْوٌ ... مثلَ من لم يَصِلْ إلى العُنْقود».
«مدارج السالكين» ٦/٣-٩.
BY قناة عبدالرحمن السديس
Share with your friend now:
tgoop.com/assdais/1484