tgoop.com/badrth313/301
Last Update:
درس من ابن رجب:
————————-
القراءة المركزة لتراث عالمٍ تمنحك صحبة معنوية له، تعرف لازماته اللفظية، وتستشرف زوايا تفكيره، وتكوّن تصورًا لطبيعته النفسية؛ كنت قد كتبت عن ابن حزم، والطوفي، واليوم سأقول لكم كيف أرى الحافظ ابن رجب -رحم الله الجميع-.
هذا الرجل لم يكن ممن يحرص على تقديم نفسه بصورة المدقق؛ كان مقتصد الألفاظ، بسيطًا في مجالسه، لا يتفاصح، ولا يمد بساط الدعاوي العلمية.
تملكتني غصة حين قرأت للمرة الأولى كلام ابن المبرد عنه، صنع ذيلًا على ذيله على طبقات الحنابلة، وترجم له.
سرد مؤلفات الزين ابن رجب، ثم قال هذا الملمح الذي يخبرنا أن الكبار أرسخ جذورًا مما تظهره ثمارهم:
"وكتاب «القواعد الفقهية»، مجلدٌ كبيرٌ، وهو كتاب نافعٌ من عجائبِ الدهرِ حتّى أنه استُكثِرَ عليه، حتّى زَعم بعضُهم أنه وجَدَ قواعدَ مبدّدة لشيخ الِإسلام ابن تَيمِية فجمعها، وليس الأمر كذلك، بل كان رحمه تعالى فوق ذلك"[1]
استكثروا عليه تأليف كتاب القواعد، ورأوا في الأوراق التي تركها تحريرات فريدة، وهو الذي كان لا يهتم بتسويق نفسه.
ومن أدل المواقف التي تدل على تساميه عن حظوظ النفس، ومواقف الاستعراض، وشهوات البروز= هذا الموقف العجيب.
يقول ابن المبرد -رحمه الله-:
"أُخبرت عن القاضي علاء الدين ابن اللحام أنه قال: ذكرَ لنا مرة الشيخُ [أي: الحافظ ابن رجب] مسألة فأطنب فيها، فعجبت من ذلك، ومن إتقانه لها، فوقعت بعد ذلك في محضر من أرباب المذاهب، وغيرهم فلم يتكلم فيها الكلمة الواحدة.
فلما قام قلتُ له: أليس قد تكلمت فيها بذلك الكلام؟!
قال: إنما أتكلم بما أرجو ثوابه، وقد خفتُ من الكلام في هذا المجلس" [2]
لم ينتفض خشية أن يوصف بقلة العلم بين أقرانه، ولا تأول لصورته المعلقة في نفوس الآخرين.
إيهٍ يا نسيم المخلصين، إيهٍ يا عرف الأسوياء.
—————
[1] الجوهر المنضد لابن المَبرَد الحنبلي (1/ 49-50)
[2] السابق (1/ 52)
BY قناة بدر آل مرعي
Share with your friend now:
tgoop.com/badrth313/301