Telegram Web
أراني أبيتُ الليلَ صاحبَ عبرةٍ
مَشُوقًا أُراعي مُنجِداتِ الكواكبِ

‏أُراقبُ طولَ الليلِ حتى إذا انقضى‏
رَقَبتُ طلوعَ الشَّمسِ حتى المغاربِ

- البحتري
كان ‎العباس بن الحسن العَلَويُّ يقول: ما رأيتُ أصفى من وصلٍ بعد هجران، ولا أخلصَ من مِقَةٍ بعد شَنَآن، ولقد جرّبتُ ذلك وقلتُ:

ولم أر أبقى من وصالِ مُراجِعٍ
إلى الوُدِّ مِن بعدِ القِلى والتقاطُعِ

فإنَّ إخاءَ البَدْءِ تَعفو رُسومُه
ولا تُخلِقُ الأيامُ وُدَّ المُراجِعِ
قالَ صالح المُرِّيُّ: دخلتُ على الحسن البصري يومًا فسمعته يُنشِد:

ليسَ بمن ماتَ فاستراحَ بميِّتٍ
إنَّمَا المَيْتُ ميِّتُ الأحيَاءِ

إنَّمَا المَيْتُ مَن تراهُ كئيبًا
كَاسِفًا بالُهُ قليلَ الرَّجَاءِ!

وكانَ إذا أصبحَ وفرَغَ من تسبيحه، أنشد:

وما الدُّنيا بباقيةٍ لحيٍّ
ولا حيٌّ على الدُّنيا بباقي

وإذا أمسىٰ بكىٰ وتمثّلَ:

يَسُرُّ الفَتىٰ ما كانَ قدَّمَ من تُقىً
إذا عرفَ الداءَ الذي هو قاتِلُه
قد يعشق الشاعر فتاة وهو لم يرها قط، ولكن سمع عن جمالها ورقتها فيبدأ خياله برسم صورة لها وتلك الصورة الخيالية كافية بأن تكون ملهمة ولذلك يقول ابن مطروح:

أحببتكم مِن قبلِ رؤياكمُ
لطيبِ ذِكرٍ عنكمُ قد جرَى

كذلك الجنةُ مَحبوبةً
بوصفها مِن قبلِ أن تُبْصرا

ومن قبله قال بشار بن بُرْد:

يا قومِ، أُذْني لبَعضِ الحيِّ عاشِقةٌ
والأُذْنُ تَعشقُ قبلَ العينِ أحيانا

قالوا: بمَن لا تَرى تَهذِي، فقلتُ لهم:
الأُذْنُ كالعَينِ تُؤتي القلبَ ما كانا
أنشد أعرابي الأصمعي:

تعلَّقتُها بكرًا، وعُلِّقتُ حُبَّها
فقلبيَ عن كلِّ الورَى فارغٌ بِكرُ

إذا احتَجبَتْ لم يَكفِكَ البدرُ ضوءَها
وتَكفِيكَ ضوءَ البدرِ إن حُجبَ البدرُ!

وما الصَّبرُ عنها -إنْ صبرتُ- وجدتُهُ
جميلًا، وهل في مِثلِها يَحسُنُ الصَّبرُ؟!

وحسبُكَ مِن خَمرٍ يَفوتُكَ رِيقُها
وواللهِ ما مِن رِيقِها حسبُكَ الخَمرُ!

ولو أنَّ جِلدَ الذَّرِّ لامَسَ جِلدَها
لكانَ لِمَسِّ الذَّرِّ في جِلدِها أثْرُ

قال أبو نصر: قال لنا الأصمعي: اكتبوا ما سمعتم ولو بأطراف المُدى -السكاكين- في رقاق الأكباد!
نامَ الخَلِيُّ وبِتُّ الليلَ مُرتَفِقَا
أرعَى النجومَ عَميدًا مُثبَتًا أرِقَا

أسهو لِهَمِّي ودائي فهيَ تُسهِرُني
بانَت بِقَلبي وأمسَى عِندَها غَلِقَا

- الأعشى
«فيا سَلمى التي لا شكَّ فيها
‏وغيرُك يستوي
‏كذِبًا
‏وصِدقا

‏ستأخذكِ الرّياحُ الآنَ
‏منّي
‏ويا كَمْ يأخُذُ الأقسى
‏الأرَقَّا

‏ولكنّي وعدتُ
‏بأن أوالي
‏زيارةَ قصرِك الليليِّ
‏بَرقا

‏لهُ أن يغلقَ الأبوابَ
‏دوني
‏ولي أن أوجِعَ الأبوابَ
‏طَرقا»

- محمد عبدالباري
‏ألا ليتني كلُّ الذين عَلِقتَهم
‏وكلَّ امرئٍ ممّن تَعلَّقني أنتَ!

هذا ما قالته مارية الرفاعي

وللتعلّق حديث ذو شجن، غلب ارتباطه بالفراق أو عكس ما تمنّى الولِه المُحبّ.

ولا يمكن المرور بلا ذكر جميلة الأعشى التي اختصرَ فيها أفئدة المحبّين، وفسّر فيها نصيبَ العاشقين من دُنيا الطين إذ يقول:

عُلّقْتُهَا عَرَضًا، وعُلِّقتْ رَجلاً
غَيرِي، وعُلِّق أُخرَى غَيرَهَا الرَّجلُ

وعُلِّقتْهُ فَتاةٌ مَا يُحَاوِلهَا
 من أهلها مَيتٌ يهذي بِهَا وهِلُ

وعُلِّقتْنِي أُخَيْرَى مَا تُلائِمُنِي
فَاجتمَعَ الحب حب كُلّهُ تبِلُ

فَكُلّنَا مُغْرَمٌ يَهْذِي بِصَاحِبِهِ
نَاءٍ ودَانٍ، ومَحْبُولٌ ومُحْتبِلُ
وَلي كَبِدٌ لا يُصلحُ الطِبُّ سُقْمَها
مِن الوَجدِ مَا تنفكُّ داميةً حَرَّى

فيا ليتَ شِعري والظُّنونُ كثيرةٌ
أيشعرُ بِي مَن بتُّ أرعىٰ له الشِّعرَى!

- جحظة البرمكي
قيل: كانت بمَلَل -موضع- امرأة ينزل بها الناس، فنزل بها أبو عبيدة بن عبد اللّٰه بن زَمْعة، وعِمران بن عبد اللّٰه بن مُطيع، ونُصيْب الشاعر.
فلما رحلوا، وهب لها القُرشيَّان، ولم يكن مع نُصيْب شيء، فقال لها: اختاري: إن شئتِ أضمن لك مثل ما أعطياك إذا قدمت، وإن شئتِ قلتُ فيكِ أبياتًا تنفعك؟
قالت: بل الشِّعرُ أحبُّ إليَّ. فقال:

ألا حيِّ قبلَ البَينِ أُمَّ حَبيبِ
وإنْ لم تَكُنْ مِنَّا غدًا بقريبِ

لَئِنْ لم يَكُنْ حُبِّيكِ حُبًّا صَدَقْتُهُ
فما أحدٌ عِندي إذًا بحبيبِ

تَهَامٍ أصابتْ قَلبَهُ مَلَلِيَّةٌ
غَريبُ الهوى يا ويحَ كُلِّ غريبِ

فشهرها بذلك، وأصابتْ بقوله فيها خيرًا.
أقولُ إذا ضاقَت عليَّ مَذاهبي
‏وحلَّت بِقَلبِي لِلهُمومِ نُدوبُ

‏لِطولِ جِناياتي وعُظْمِ خطيئتي:
‏هلكتُ، وما لي في المَتابِ نصيبُ

‏وأغرقُ في بحرِ المَخافةِ آيِسًا
‏وترجعُ نَفسي تارَةً فتَتُوبُ

‏تُذكِّرُني عفوَ الكريمِ عَنِ الوَرَى
‏فأحيا وأرجو عفوَهُ فأنيبُ

‏وأخضعُ في قولي، وأرغبُ سائلًا
‏عسى كاشفُ البَلوى عليَّ يتوبُ

- أبو نواس
طلق الوليد بن يزيد زوجته سُعدى، فلما تزوجت اشتدَّ عليه ذلك، وندِمَ على ما كان منه.
فدخلَ عليه أشعب، فقال له الوليد:
هل لك أن تبلغ سُعدى عني رسالة، ولك عندي خمسة آلاف درهم؟
قال: عجّلها.
فأمر له بها، فلما قبضها قال:
هاتِ رسالتَك.
قال: ائتِها وأنشدها:

أسُعدَى هل إليكِ لنا سبيلٌ
ولا حتَّى القيامةِ مِن تَلاقِ؟!

بلى، ولعلَّ دهرًا أن يُواتي
بمَوتٍ مِن خَليلِكِ أو فراقِ

فأتاها أشعب، فاستأذن عليها، فأذنت له، فقالت: ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب؟
فقال: أرسَلني إليك الوليد برسالة، وأنشدها الشعر.
فقالت لجواريها: عليكُنَّ بهذا الخبيث.
فلما هممن به قال لها: لقد جعل لي الوليدُ خمسةَ آلاف درهم إن أنا فعلت.
فقالت له: والله لئن لم تَرجع إليه برسالتي هذه لأُعاقبنَّك.
فقال أشعب: ياسيدتي اجعلي لي أجرا.
فقالت: لك بساطي هذا. فأخذه وقال: هاتِ رسالتك.
قالت: قل له:

أتَبكي على سُعدَى وأنتَ تَركتَها؟
لقد ذَهبَت سُعدَى، فما أنتَ صانعُ؟

فلما بلغت الرسالةُ الوليدَ، ضاق صدرُه واغتاظ غيظا شديدا، وقال لأشعب:
اختر مني ثلاثا: إما أن نقتلك، أو نطرحك من هذا القصر، وإما أن نُلقيك إلى هذه السباع.
فتحيَّر أشعب وأطرق، ثم رفع رأسه فقال:
"يا سيدي، ما كنت لتُعذِّبَ عينين نظرتا إلى سُعدى"

فتبسم الوليد وخلَّى سبيله.
وِصَالُكِ أشْهَى مِن مُعَاوَدَةِ الصِّبا
وأطيبُ مِن عيشِ الهَنِيِّ المُرَغَّدِ

عليكِ فَطَمْتُ العينَ عن لذَّةِ الكَرَى
وأخرجتُ قلبي طيِّبَ النفسِ عن يَدِي

- ابن سهل الأندلسي
وكان أشعر الشعراء عندي وأكتب الكتاب -سواءٌ في ذلك المتقدِّم والمتأخِّر، والنابه والخامل- اوصفهم لحالات نفسه أو أثر مشاهد الكون فيها، وأقدرهم على تمثيل ذلك وتصويره للناس تصويرًا صحيحًا كأنما هو يعرضه على انظارهم عرضًا، أو يضعه في أيديهم وضعًا.

لذلك كان أغزل الغزل عندي غزل العاشقين، وأفضل الرثاء رثاء الثاكلين، وأنبل المدح مدح الشاكرين، وأشرف العظات عظات المخلصين، وأجمل البكاء بكاء المنكوبين، واحسن الهجاء هجاء الصادقين، وأبرع الوصف وصف الرائين المشاهدين.

- المنفلوطي
أأحبابَنا هل ذَلِكَ العَيشُ عائِدٌ
كما كانَ إذ أنتُم وَنَحنُ جَميعُ؟

وَقُلتُم رَبيعٌ مَوعِدُ الوَصلِ بَينَنا
فهذا رَبيعٌ قَد مَضى وَرَبيعُ

فلا تَقرَعوا بِالعَتْبِ قَلبي فَإنَّهُ
وَحَقِّكُمُ مِثلُ الزُّجاجِ صَدِيعُ!

سأبكي وإنْ تَنْفَد دُموعي عَلَيكُمُ
بَكَيتُ بِشِعرٍ رَقَّ فهوَ دُموعُ

وما ضاعَ شِعري فيكُمُ حينَ قُلتُهُ
بَلى وَأبيكُم ضاعَ فهوَ يَضوعُ!

- بهاء الدين زهير

يضوع: يفوح وينتشر، مثل المِسك.
خلا ديوان أسامة بن مُنقذ من الهجاء برغم الدوافع التي كانت تسوقه إلى أن يهجو، حتى لقد قال:

ظلمتُ شِعري وليسَ الظُّلمُ مِن شِيَمي
يُطيعُني حِينَ أدعُوهُ وأعصِيهِ

يَهُمُّ أنْ يذكرَ القومَ اللئامَ بِما
فيهم، فأزجُرهُ عنهم وأثْنِيهِ

وليسَ مِن خُلُقي ثَلبُ الغَنيِّ وإنْ
جَنَى، ولا ذكرُ ذي نَقصٍ بِما فيهِ

وفي ذلك مسحة من ترفّع الإمارة التي تحول بينه وبين النزول إلى مستوى التشاتم والمهاترة!
كما يقول محقق ديوانه أحمد بدوي.
سَلِي البانةَ الغَنَّاءَ بالأجْرَعِ الذي
بهِ البانُ هل حَيَّيْتُ أطلالَ دارِكِ

وهل قُمتُ في أظلالِهنَّ عَشِيَّةً
مَقامَ أخي البأساءِ واخترتُ ذلِكِ

وهل همَلَتْ عيناي في الدارِ غُدوةً
بدمعٍ كنظمِ اللؤلؤِ المُتهالِكِ؟

أرىٰ الناسَ يرجونَ الرَّبيعَ وإنما
ربيعِي -الذي أرجو- نوالُ وصالِكِ

أرىٰ الناسَ يخشونَ السنينَ وإنما
سنيَّ -التي أخشىٰ- صروفُ احتمالكِ

لَئنْ ساءني أنْ نِلتِني بمَساءةٍ
لقد سرَّني أني خطرتُ ببالكِ!

لِيَهْنِكِ إمساكي بكفِّي على الحَشَا
ورَقْراقُ دَمعي رَهْبةً مِن زِيَالِكِ

- ابن الدُّمينة
يقول زهير بن أبي سُلمى:

والسِّترُ دونَ الفاحِشاتِ وما
يلقاكَ دونَ الخَيرِ مِن سِتْرِ

يريد أن ممدوحه -هرم بن سنان- بينه وبين الفاحشات ستر من الحياء والتقى، ولا ستر بينه وبين الخير يحجبه عنه.

وحُكي أن عمر بن الخطاب -رضي اللّٰه عنه- لما أُنشد هذا البيت قال: «ذاك رسول اللّٰه ﷺ».
أبو نواس في حوارٍ مع قلبه:

ناديتُ قلبي بحُزنٍ ثمَّ قلتُ لهُ:
يا مَن يُبالي حبيبًا لا يُباليهِ

هذا الذي كنتَ تَهواهُ وَتَمنَحَهُ
صفوَ المودَّةِ قد غالَت دَواهيهِ

فرَدَّ قَلبي على طَرفي بحُرقتِهِ
هذا البلاءُ الذي دلَّيتَني فيهِ

أرهقتَني في هوى من ليسَ يُنصِفُني
وليسَ ينفَكُّ من زهوٍ ومِن تيهِ
2025/07/09 03:03:26
Back to Top
HTML Embed Code: