tgoop.com/dr_alsolami/1320
Last Update:
#مقال
فتح الشام
من رحمة الله ولطفه أنّه كلَّما اشتَدَّ البلاء بالأمة جاء بعده الرخاء والفرج، ويكون ذلك بعد الصبر والعمل والتعلُّق بالله، والتخلي عن علائق البشر، فإذا جاء الفرج وجب الحمد والشكر بالطاعة وترك المعصية لتدوم النِّعَم.
ومن أعظم النِّعَم على الأمة الإسلامية اليوم: ما تحقق من «فتح الشام» وهي أرض الأنبياء، ومعقل الإسلام، وموطن الملاحم، وديار خيار العلماء، وهي عقر دار المؤمنين، وفيها تحطمتْ هامات الطغاة المجرمين، وفيها ينزل عيسى بن مريم -عليه السلام- ويقتل الدجال، وتكون نهاية الفتن.
وقد جاء فتح الشام اليوم بعد أن استولت عليه طائفة كافرة ظالمة مجرمة، فلم يمر على المسلمين في العصر الحديث أقبح من حكم النُّصيرية الباطنية لسورية، فعاثوا فيها كفرًا وفسادًا وطغيانًا لا مثيل له؛ حتى طهَّر الله الأرض من رجسهم، وغسل البلاد من نجسهم، وأنزل رحمته ولطفه على الأمة كلها، ولم يبقَ مسلم إلا فرح بهذه النِّعمة العظمى.
والفتح يكون بزوال الطاغوت والطغيان، وإنّ زوال حكم الباطنية والرافضة عن بلاد المسلمين كزوال حكم اليهود والنَّصارى والمشركين عنها، وسُمي الفتحُ فتحًا لأنَّ الأمور كانت قبله مغلقة حتى جاء الله تعالى بنعمته وفضله، فأزال الكفر والظلم والطغيان والعدوان، ورفع البأس والألم والأذى عن المسلمين.
إنَّ سقوط النُّصيرية الباطنية فتحٌ عظيم، وبدايات لانطلاقة كبرى للأمة الإسلامية بإذن الله تعالى، وبه تظهر بركة الشام، فبلاد الشام هي عمود الكتاب والإسلام، وهي خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرة عباده، وقد تكفَّل الله بالشام وأهله، وهي عقر دار المؤمنين، ومنافقوها لا يغلبوا مؤمنيها كما في الحديث، وقد ظهر مصداق هذه الفضائل والمناقب للشام وأهله في زمن التتار، وهو يظهر اليوم بعد زوال الباطنية.
وسقوط الباطنية مقدِّمة لسقوط اليهود كما حصل لصلاح الدين الأيوبي، فإنَّه لم يتمكَّن من فتح بيت المقدس حتى فتح الله له مصر من الباطنية الإسماعيلية.
والفرح بسلامة أهل الإسلام من الظلم والعدوان وزوال الظَّلمة والطغاة؛ عبادة جليلة، يقول تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:3-4]، ويقول تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].
وواجب كل المسلمين موالاة إخوانهم المسلمين في كل بلد، والموالاة تعني: النُّصرة بالقول والعمل، وهذه الموالاة داخلة في أصل الدين، فإنَّ من لوازم التوحيد: موالاة أهله والبراءة من الشرك وأهله.
والواجب أن لا نعكّر صفاء الفرح بفَرَج المسلمين، وزوال السوء عنهم بالتحليلات والظنون والأوهام عن المستقبل، وعلى المسلم أن يُحسن الظن بالمسلمين، ولا يتكلم إلا بالأدلة الظاهرة دون توقعات ظنية قائمة على أساس موهوم وكأن أي أمر عظيم لا يحصل إلا بتدبير ومؤامرة من أعداء الإسلام، فالظن أكذب الحديث.
وفي هذه الأوقات -التي تحصل فيها النِّعم والخيرات وانتصارات المسلمين- ينبغي الإكثار من شكر الله وحمده، والاستغفار والتوبة الصادقة، وكثرة الأعمال الصالحة، والبعد عن المعاصي الظاهرة والباطنة.
ومَن كان في قلبه مرض النفاق فإنَّه يكون ضد المسلمين في وقت البلاء، ولا يشاركهم الأفراح وقت النَّعماء.
وقد ابتُليت الأمة بقومٍ لا يفقهون، يقفون ضد المسلمين في حربهم مع اليهود أو الباطنية بحجة وجود ذنوب أو بدع، ولا يفرحون بانتصارهم بالحجة ذاتها، ومن ذاق طعم العلم والإيمان يعلم أنَّ المعاصي والبدع لا يزال صاحبها مسلمًا، له حقوق المسلم، ومن أهمها: موالاته ونصرته على الكافر، ولكن الجهال يُعظِّمون الإنكار على بعض البدع أو بعض الطوائف أو الجماعات، فيتعاملون معهم أسوأ من التعامل مع المشركين الكافرين، فيحزنهم انتصارهم على الكافرين، ويفرحون بهزيمتهم على يد المشركين، وهذا من النفاق البيِّن الذي لا مرية فيه.
ومن أعظم الباطل: أن ينسب هذا إلى السُّنَّة، فلا يوجد أحد من علماء أهل السُّنَّة والجماعة يفرح بهزيمة أهل البدع من المسلمين على يد الكفار أو المرتدين، أو يحزن بانتصار أهل البدع من المسلمين على الكفار أو المرتدين، هذا إذا كانوا أهل بدع ظاهرة، فكيف إذا كانت تهمة البدعة مظنونة وغير مستيقنة، وهي إلى الإدِّعاء أقرب.
BY قناة أ.د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي
Share with your friend now:
tgoop.com/dr_alsolami/1320