DR_ALSOLAMI Telegram 1324
#مقال

فراغات الدرس الشرعي

كتب أهل العلم كتبًا مخصوصة بأدب الطلب ومناهج التعلُّم، ووضعوا سُلَّمًا دراسيًّا لكل علم من علوم الشريعة، واختلفت هذه السَّلالم الدراسية بحسب اجتهاد واضعها، وهي تهدف إلى الترقِّي في طلب العلم، والبدء بالمتون المختصرة، ثم الأعلى منها إلى ما فوقها.
وهي طرق علمية اجتهادية حسنة نافعة لمن يسلك جادة العلم وينهل من معينه العذب، ولكنَّها لا تكفي في تكوين شخصية علمية متكاملة النمو الشرعي، فهناك فراغات علميَّة يجب على طالب العلم استكمالها وإلا فإنَّ شخصيته العلميَّة ستكون مشوَّهة، ويعجز عن النَّظَر في الأمور بنظر شرعيٍّ مستقيم.
ولم يكن علماء الإسلام يكتفون بالمتون العلمية في الدراسة، بل هي مجرد بداية لتحصيل العلم، ثم يستكملونها بالدراسة العلمية الفاحصة لكتب المحقِّقين في علوم الشريعة، سواء كانت كتبًا متوسطة، أو مطوَّلة.
ومن ظنَّ أنَّ سُلَّم المتون العلمية وحده كافٍ في تكوين شخصية علميَّة متكاملة فهو مخطئ، فهناك قضايا شرعية ضرورية لا بُدَّ لطالب العلم من دراستها ليكتمل البناء العلمي، وهي ليست ضمن سُلَّم المتون.

وعلى هذا؛ فإنَّ هناك فراغات علميَّة في الدراسة الشرعية عن طريق المتون العلمية تحتاج إلى أن يملأها طالب العلم بالمعرفة المنهجية على أصول أهل السُّنَّة والجماعة، وهذه الأمور المنهجية الضرورية ليس لها متون مختصَّة بها، ومن هنا فيجب على أهل العلم استكمال الدرس الشرعي بمعرفة العلوم المنهجية الضرورية التي ليس لها متون علمية، ويقوم الطالب بدراستها وفهمها فهمًا تأصيليًّا ومنهجيًّا حتى تكتمل شخصيَّته العلميَّة، وبذلك تكون شخصيَّته متزنة ليس فيها اضطراب علمي أو منهجي.
ومن يتصدَّر لتدريس العلم والاشتغال بالدعوة، أو القضاء والإفتاء بمجرد دراسة المتون العلمية فقط فإنَّه سيقع في مضايق علمية، وقد يرتكب بعض التجاوزات، ويتبنى الآراء الشاذة، ممَّا يجعله بيئة خصبة للأهواء والبدع والأقوال الضالة.

ويمكن أن نشير باختصار إلى بعض الفراغات العلمية التي يحتاج إليها طالب العلم وليست ضمن المتون العلمية، فمنها:
🔹 أولًا: تأصيل فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، ومعرفة مستنداتها الشرعية، وقواعدها التطبيقية، وضوابطها المنهجية، وهو علم شريف نافع يعطي طالب العلم ملَكَة صحيحة في التعامل مع الأمور الملتبسة والمختلطة التي يكون في ظاهرها تعارض شرعي في الواقع.
🔹 ثانيًا: تأصيل فقه المآلات وأدلته، ومنهجية العمل به، وأصول تطبيقه على المسائل والوقائع.
🔹 ثالثًا: تأصيل فقه السياسة الشرعية وأدلتها، ومناهج الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في العمل بها.
🔹 رابعًا: تأصيل فقه التنزيل على الوقائع والحالات والأعيان، وشروطه وموانعه، ومنهجية تنقيح مناطات المسائل والحوادث، وتحقيق مناطها على أصول الشريعة دون تحكُّم ذاتي في التعامل مع المسائل والحوادث.
🔹 خامسًا: تأصيل قواعد الحسبة، وضوابطها وأدلتها وتطبيقاتها، وهي راجعة إلى السياسة الشرعية، وإن كانت السياسة الشرعية ألصق بالولايات، والحسبة أقرب إلى الأفراد، إلا إن قصد بها الحسبة كولاية من الولايات العامة.
🔹 سادسًا: مقاصد الشريعة الكلية وأدلتها، سواء كانت المقاصد متعلقة بالعقائد أو الشرائع، ومنهج العمل بها على أصول أهل السُّنَّة والجماعة، وثمراتها.
🔹 سابعًا: منهج التلقي والاستدلال، والتمييز بين المنهج السني والمنهج البدعي، وأدلة حجية منهج السلف، وبطلان التأويل الفاسد وما يترتَّب على ذلك من آثار.
🔹 ثامنًا: قواعد التعامل مع المخالفين، وشروطها وأدلتها، والفرق بين البدع والاجتهاد، وبين المبتدع والمخطئ، والداعي إلى بدعته وغير الداعي، وحقوق أهل القبلة في منازعتهم مع الكفار، وضوابط هجر أهل البدع والمعاصي ونحوها.

هذه جملة يسيرة من العلوم المنهجية الضرورية لطالب العلم، ويوجد غيرها كثير، لا بُدَّ أن يستكمل طالب العلم دراستها، ومعرفة أدلتها، ومنهج العمل بها، فإنَّ إهمالها مضرٌ بتكوينه العلمي.
ولعل الاضطرابات والنزاعات التي حصلت في الأوساط العلمية الشرعية ترجع في كثير من صورها إلى الخلل المنهجي في تلقي العلم، ولهذا ظهرت تيارات الغلو والإرجاء في التعامل مع النوازل المعاصرة في حياة المسلمين.

..
https://www.tgoop.com/dr_alsolami/1324



tgoop.com/dr_alsolami/1324
Create:
Last Update:

#مقال

فراغات الدرس الشرعي

كتب أهل العلم كتبًا مخصوصة بأدب الطلب ومناهج التعلُّم، ووضعوا سُلَّمًا دراسيًّا لكل علم من علوم الشريعة، واختلفت هذه السَّلالم الدراسية بحسب اجتهاد واضعها، وهي تهدف إلى الترقِّي في طلب العلم، والبدء بالمتون المختصرة، ثم الأعلى منها إلى ما فوقها.
وهي طرق علمية اجتهادية حسنة نافعة لمن يسلك جادة العلم وينهل من معينه العذب، ولكنَّها لا تكفي في تكوين شخصية علمية متكاملة النمو الشرعي، فهناك فراغات علميَّة يجب على طالب العلم استكمالها وإلا فإنَّ شخصيته العلميَّة ستكون مشوَّهة، ويعجز عن النَّظَر في الأمور بنظر شرعيٍّ مستقيم.
ولم يكن علماء الإسلام يكتفون بالمتون العلمية في الدراسة، بل هي مجرد بداية لتحصيل العلم، ثم يستكملونها بالدراسة العلمية الفاحصة لكتب المحقِّقين في علوم الشريعة، سواء كانت كتبًا متوسطة، أو مطوَّلة.
ومن ظنَّ أنَّ سُلَّم المتون العلمية وحده كافٍ في تكوين شخصية علميَّة متكاملة فهو مخطئ، فهناك قضايا شرعية ضرورية لا بُدَّ لطالب العلم من دراستها ليكتمل البناء العلمي، وهي ليست ضمن سُلَّم المتون.

وعلى هذا؛ فإنَّ هناك فراغات علميَّة في الدراسة الشرعية عن طريق المتون العلمية تحتاج إلى أن يملأها طالب العلم بالمعرفة المنهجية على أصول أهل السُّنَّة والجماعة، وهذه الأمور المنهجية الضرورية ليس لها متون مختصَّة بها، ومن هنا فيجب على أهل العلم استكمال الدرس الشرعي بمعرفة العلوم المنهجية الضرورية التي ليس لها متون علمية، ويقوم الطالب بدراستها وفهمها فهمًا تأصيليًّا ومنهجيًّا حتى تكتمل شخصيَّته العلميَّة، وبذلك تكون شخصيَّته متزنة ليس فيها اضطراب علمي أو منهجي.
ومن يتصدَّر لتدريس العلم والاشتغال بالدعوة، أو القضاء والإفتاء بمجرد دراسة المتون العلمية فقط فإنَّه سيقع في مضايق علمية، وقد يرتكب بعض التجاوزات، ويتبنى الآراء الشاذة، ممَّا يجعله بيئة خصبة للأهواء والبدع والأقوال الضالة.

ويمكن أن نشير باختصار إلى بعض الفراغات العلمية التي يحتاج إليها طالب العلم وليست ضمن المتون العلمية، فمنها:
🔹 أولًا: تأصيل فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد، ومعرفة مستنداتها الشرعية، وقواعدها التطبيقية، وضوابطها المنهجية، وهو علم شريف نافع يعطي طالب العلم ملَكَة صحيحة في التعامل مع الأمور الملتبسة والمختلطة التي يكون في ظاهرها تعارض شرعي في الواقع.
🔹 ثانيًا: تأصيل فقه المآلات وأدلته، ومنهجية العمل به، وأصول تطبيقه على المسائل والوقائع.
🔹 ثالثًا: تأصيل فقه السياسة الشرعية وأدلتها، ومناهج الصحابة والتابعين وعلماء المسلمين في العمل بها.
🔹 رابعًا: تأصيل فقه التنزيل على الوقائع والحالات والأعيان، وشروطه وموانعه، ومنهجية تنقيح مناطات المسائل والحوادث، وتحقيق مناطها على أصول الشريعة دون تحكُّم ذاتي في التعامل مع المسائل والحوادث.
🔹 خامسًا: تأصيل قواعد الحسبة، وضوابطها وأدلتها وتطبيقاتها، وهي راجعة إلى السياسة الشرعية، وإن كانت السياسة الشرعية ألصق بالولايات، والحسبة أقرب إلى الأفراد، إلا إن قصد بها الحسبة كولاية من الولايات العامة.
🔹 سادسًا: مقاصد الشريعة الكلية وأدلتها، سواء كانت المقاصد متعلقة بالعقائد أو الشرائع، ومنهج العمل بها على أصول أهل السُّنَّة والجماعة، وثمراتها.
🔹 سابعًا: منهج التلقي والاستدلال، والتمييز بين المنهج السني والمنهج البدعي، وأدلة حجية منهج السلف، وبطلان التأويل الفاسد وما يترتَّب على ذلك من آثار.
🔹 ثامنًا: قواعد التعامل مع المخالفين، وشروطها وأدلتها، والفرق بين البدع والاجتهاد، وبين المبتدع والمخطئ، والداعي إلى بدعته وغير الداعي، وحقوق أهل القبلة في منازعتهم مع الكفار، وضوابط هجر أهل البدع والمعاصي ونحوها.

هذه جملة يسيرة من العلوم المنهجية الضرورية لطالب العلم، ويوجد غيرها كثير، لا بُدَّ أن يستكمل طالب العلم دراستها، ومعرفة أدلتها، ومنهج العمل بها، فإنَّ إهمالها مضرٌ بتكوينه العلمي.
ولعل الاضطرابات والنزاعات التي حصلت في الأوساط العلمية الشرعية ترجع في كثير من صورها إلى الخلل المنهجي في تلقي العلم، ولهذا ظهرت تيارات الغلو والإرجاء في التعامل مع النوازل المعاصرة في حياة المسلمين.

..
https://www.tgoop.com/dr_alsolami/1324

BY قناة أ.د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي


Share with your friend now:
tgoop.com/dr_alsolami/1324

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

The group’s featured image is of a Pepe frog yelling, often referred to as the “REEEEEEE” meme. Pepe the Frog was created back in 2005 by Matt Furie and has since become an internet symbol for meme culture and “degen” culture. For crypto enthusiasts, there was the “gm” app, a self-described “meme app” which only allowed users to greet each other with “gm,” or “good morning,” a common acronym thrown around on Crypto Twitter and Discord. But the gm app was shut down back in September after a hacker reportedly gained access to user data. Healing through screaming therapy Don’t publish new content at nighttime. Since not all users disable notifications for the night, you risk inadvertently disturbing them. Hashtags are a fast way to find the correct information on social media. To put your content out there, be sure to add hashtags to each post. We have two intelligent tips to give you:
from us


Telegram قناة أ.د. عبدالرحيم بن صمايل السلمي
FROM American