Notice: file_put_contents(): Write of 1232 bytes failed with errno=28 No space left on device in /var/www/tgoop/post.php on line 50

Warning: file_put_contents(): Only 12288 of 13520 bytes written, possibly out of free disk space in /var/www/tgoop/post.php on line 50
فَوَائِدٌ وَشَوَارِدٌ@f_tarajim P.91
F_TARAJIM Telegram 91
حيدر: كوكب السَّحر الذي فُجعت به حوزة النجف الأشرف!

يعيش بعض الأشخاص فترة قصيرة في هذه الدنيا فيتركون أثراً طيّباً في نفوس محبيهم وكأنهم خُلقوا ليشيعوا المحبة والإحسان والصدق ثم يرحلون بشكل مفاجئ "ليخلفوا في سويد القلب نيراناً" لكنّ من أنعاه قد بالغ في الإحسان والإخلاص والمودة والوفاء؛ فكان حقاً عليّ أن أرثيه بقلب مفجوع وبيد لم ينفض عنها تراب قبره حيث واريناه الثرى فجر يوم أمس في وادي السلام..

منذ سنوات ليست بالبعيدة جمعتني به جلسة في أحد بيوت طلبة العلم في النجف الأشرف فتبادلنا العناوين والأرقام حتى لم تمضي إلا أيّاماً قليلة فأصبح هذا الشاب من صفوة الأصدقاء لي ولأصدقائي في مجموعتنا الخاصة في النجف الأشرف، وكما يعبّر الشاعر:

وإذا صَفا لكَ من زمانِكَ واحِدٌ
فهو المُراد وعِش بذاكَ الواحدِ

وبدأت رحلة الصداقة والأخوّة فكان هو المراد والحبيب وكأنه هدية الدهر لنا، وتمضي الأيام وتزداد العلقة يوماً بعد يوم حتى بات أخاً وخليلاً وفيّاً قضينا سويةً ليالي وأيّاماً طوال كان يزيّن جمالها وجوده وكلماته وآرائه السديدة والحكيمة وصوته الشجي ومحياه الباسم، فلم أجده إلّا ورعاً وعفيفاً وكريماً ومنظّماً وزاهداً ومخلصاً أشد الإخلاص.

تميّز -رحمه الله- بانشغاله والتزامه بالدرس الحوزويّ وشدّة تعلّقه واحترامه لأساتذته حتى أنّه إذا ذُكروا أمامه كان يتحدث عنهم وهو يهيم بمحبتهم وعظيم منزلتهم عنده، كما أنّه كان شديد المودة لزملائه وأصدقائه فما إن يلتقي أحدهم حتى تجده معانقاً له عناقاً حاراً قد يُخيّل لمن يرى المشهد بأنّ أحدهما قد قدِم من سفر بعيد في حين أنه كان قد فارقه أيّاماً قليلة، ولذلك كان الأسى واضحاً على محيا كل من عرفه ولو من بعيد؛ إذ أنّه رُزق بمحبة المؤمنين له بشكل لافت وإن كان قد عرفه من بعيد، حتى أنني وخلال التهيؤ للذهاب لاستقبال الجنازة ليلاً وردني اتصال من صديق في بلاد المهجر كان قد تعرّف على سماحة الشيخ عند زيارته لي في النجف الأشرف خلال آخر زيارة له للعراق قبل سفره بساعات؛ إذ جمعَته مع الشيخ جلسة قصيرة وإذا به يتصل بي صارخاً باكياً عند سماعه خبر وفاته وهو في مقر عمله -إذ كان الوقت نهاراً عندهم- غير آبهٍ بتعجّب زملائه لما حل به؛ فكان جازعاً مفجوعاً وكأنّه قد عاشره لسنوات طويلة.

سمع شيخنا الفقيد نداء الحوزة العلمية بعد انتهاء التعطيل الرمضاني لاستئناف الدرس الحوزويّ فسافر من مدينة الناصرية ملبياً لنداء طلب العلم لكن المنية كانت في طريق السماوة حيث تضمّخت عمامته البيضاء بدمه الزكي بسبب حادث سير مؤلم؛ فوفد إلى ربه سالكاً طريق العلم وكما ورد في الحديث الشريف: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة"

عاش شيخنا الفقيد وحيداً لا أخوة له من أمه وأبيه؛ لكنّه عاش أخاً وفيّاً للمئات من المؤمنين الّذين خلّفهم بعد مصابه أسارى للحزن والأسى يطحن أفئدتهم وينغّص ذكره عيشهم، إذ كانوا يتمنّون الحضور في حفل زفافه لا مراسم تشييعه، ومما نقل عن أحد الفضلاء من أساتذة الحوزة العلميّة حين رأى شهادة وفاته يوم أمس أنّه قال ما مضمونه: كنت أتمنى أن أكتب عقد زواجه بيدي لا أن أمسك بشهادة وفاته!

فكانت ليلة الأمس حزينة كئيبة حيث الفجيعة قد خيّمت على طلبة العلم في مدينة النجف الأشرف؛ إذ كانت العمائم في باحة المغتسل مجتمعة لانتظار إكمال تغسيله وتكفينه وهي بين نائح وصارخ حتى حُمل نعشه إلى قبر أمير المؤمنين -عليه السلام- ليطاف به في المرقد الشريف ويصلي عليه أستاذه المفجوع به، ثم كان الوقت قد دنى من وقت صلاة الفجر فكانت الجنازة قد وضعت على شفير القبر لانتظار إكمال حفر القبر واصطفت تلك العمائم لتصلي صلاة الفجر جماعة قرب قبره بإمامة أستاذه، فكان مكانه خالياً في صفوف تلك الجماعة المثكولة به، حتى أكملنا الصلاة وواريناه الثرى بعد إقامة مجلس على سيّد الشهداء -عليه السلام- عند قبره لنودع أخاً عاش نقياً ومات نقيّاً دفنت معه ذكريات وآمال ومشاريع علميّة وتبليغيّة، ثم عادت أجسادنا إلى بيوتنا لكنّ قلوبنا بقيت هناك عنده كما سيبقى قلب أمه المفجوعة بوحيدها، وإلى هنا يجف قلم أخيك الذي كان يأمل أن يكتب قريباً في مناسبة سعيدة لك، فسكن إلى هنا القلم ليكتم أسراراً ومشاهد شتى تحتشد بها الذاكرة وترقد فيها كما رقدت في وادي السلام؛ لكنّها إرادة السماء ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم!

أخوك المفجوع بك: محمد تقي الشمري
الخامس من شهر شوّال لسنة ١٤٤٥ هـ



tgoop.com/f_tarajim/91
Create:
Last Update:

حيدر: كوكب السَّحر الذي فُجعت به حوزة النجف الأشرف!

يعيش بعض الأشخاص فترة قصيرة في هذه الدنيا فيتركون أثراً طيّباً في نفوس محبيهم وكأنهم خُلقوا ليشيعوا المحبة والإحسان والصدق ثم يرحلون بشكل مفاجئ "ليخلفوا في سويد القلب نيراناً" لكنّ من أنعاه قد بالغ في الإحسان والإخلاص والمودة والوفاء؛ فكان حقاً عليّ أن أرثيه بقلب مفجوع وبيد لم ينفض عنها تراب قبره حيث واريناه الثرى فجر يوم أمس في وادي السلام..

منذ سنوات ليست بالبعيدة جمعتني به جلسة في أحد بيوت طلبة العلم في النجف الأشرف فتبادلنا العناوين والأرقام حتى لم تمضي إلا أيّاماً قليلة فأصبح هذا الشاب من صفوة الأصدقاء لي ولأصدقائي في مجموعتنا الخاصة في النجف الأشرف، وكما يعبّر الشاعر:

وإذا صَفا لكَ من زمانِكَ واحِدٌ
فهو المُراد وعِش بذاكَ الواحدِ

وبدأت رحلة الصداقة والأخوّة فكان هو المراد والحبيب وكأنه هدية الدهر لنا، وتمضي الأيام وتزداد العلقة يوماً بعد يوم حتى بات أخاً وخليلاً وفيّاً قضينا سويةً ليالي وأيّاماً طوال كان يزيّن جمالها وجوده وكلماته وآرائه السديدة والحكيمة وصوته الشجي ومحياه الباسم، فلم أجده إلّا ورعاً وعفيفاً وكريماً ومنظّماً وزاهداً ومخلصاً أشد الإخلاص.

تميّز -رحمه الله- بانشغاله والتزامه بالدرس الحوزويّ وشدّة تعلّقه واحترامه لأساتذته حتى أنّه إذا ذُكروا أمامه كان يتحدث عنهم وهو يهيم بمحبتهم وعظيم منزلتهم عنده، كما أنّه كان شديد المودة لزملائه وأصدقائه فما إن يلتقي أحدهم حتى تجده معانقاً له عناقاً حاراً قد يُخيّل لمن يرى المشهد بأنّ أحدهما قد قدِم من سفر بعيد في حين أنه كان قد فارقه أيّاماً قليلة، ولذلك كان الأسى واضحاً على محيا كل من عرفه ولو من بعيد؛ إذ أنّه رُزق بمحبة المؤمنين له بشكل لافت وإن كان قد عرفه من بعيد، حتى أنني وخلال التهيؤ للذهاب لاستقبال الجنازة ليلاً وردني اتصال من صديق في بلاد المهجر كان قد تعرّف على سماحة الشيخ عند زيارته لي في النجف الأشرف خلال آخر زيارة له للعراق قبل سفره بساعات؛ إذ جمعَته مع الشيخ جلسة قصيرة وإذا به يتصل بي صارخاً باكياً عند سماعه خبر وفاته وهو في مقر عمله -إذ كان الوقت نهاراً عندهم- غير آبهٍ بتعجّب زملائه لما حل به؛ فكان جازعاً مفجوعاً وكأنّه قد عاشره لسنوات طويلة.

سمع شيخنا الفقيد نداء الحوزة العلمية بعد انتهاء التعطيل الرمضاني لاستئناف الدرس الحوزويّ فسافر من مدينة الناصرية ملبياً لنداء طلب العلم لكن المنية كانت في طريق السماوة حيث تضمّخت عمامته البيضاء بدمه الزكي بسبب حادث سير مؤلم؛ فوفد إلى ربه سالكاً طريق العلم وكما ورد في الحديث الشريف: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنّة"

عاش شيخنا الفقيد وحيداً لا أخوة له من أمه وأبيه؛ لكنّه عاش أخاً وفيّاً للمئات من المؤمنين الّذين خلّفهم بعد مصابه أسارى للحزن والأسى يطحن أفئدتهم وينغّص ذكره عيشهم، إذ كانوا يتمنّون الحضور في حفل زفافه لا مراسم تشييعه، ومما نقل عن أحد الفضلاء من أساتذة الحوزة العلميّة حين رأى شهادة وفاته يوم أمس أنّه قال ما مضمونه: كنت أتمنى أن أكتب عقد زواجه بيدي لا أن أمسك بشهادة وفاته!

فكانت ليلة الأمس حزينة كئيبة حيث الفجيعة قد خيّمت على طلبة العلم في مدينة النجف الأشرف؛ إذ كانت العمائم في باحة المغتسل مجتمعة لانتظار إكمال تغسيله وتكفينه وهي بين نائح وصارخ حتى حُمل نعشه إلى قبر أمير المؤمنين -عليه السلام- ليطاف به في المرقد الشريف ويصلي عليه أستاذه المفجوع به، ثم كان الوقت قد دنى من وقت صلاة الفجر فكانت الجنازة قد وضعت على شفير القبر لانتظار إكمال حفر القبر واصطفت تلك العمائم لتصلي صلاة الفجر جماعة قرب قبره بإمامة أستاذه، فكان مكانه خالياً في صفوف تلك الجماعة المثكولة به، حتى أكملنا الصلاة وواريناه الثرى بعد إقامة مجلس على سيّد الشهداء -عليه السلام- عند قبره لنودع أخاً عاش نقياً ومات نقيّاً دفنت معه ذكريات وآمال ومشاريع علميّة وتبليغيّة، ثم عادت أجسادنا إلى بيوتنا لكنّ قلوبنا بقيت هناك عنده كما سيبقى قلب أمه المفجوعة بوحيدها، وإلى هنا يجف قلم أخيك الذي كان يأمل أن يكتب قريباً في مناسبة سعيدة لك، فسكن إلى هنا القلم ليكتم أسراراً ومشاهد شتى تحتشد بها الذاكرة وترقد فيها كما رقدت في وادي السلام؛ لكنّها إرادة السماء ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم!

أخوك المفجوع بك: محمد تقي الشمري
الخامس من شهر شوّال لسنة ١٤٤٥ هـ

BY فَوَائِدٌ وَشَوَارِدٌ


Share with your friend now:
tgoop.com/f_tarajim/91

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Those being doxxed include outgoing Chief Executive Carrie Lam Cheng Yuet-ngor, Chung and police assistant commissioner Joe Chan Tung, who heads police's cyber security and technology crime bureau. Administrators 2How to set up a Telegram channel? (A step-by-step tutorial) During a meeting with the president of the Supreme Electoral Court (TSE) on June 6, Telegram's Vice President Ilya Perekopsky announced the initiatives. According to the executive, Brazil is the first country in the world where Telegram is introducing the features, which could be expanded to other countries facing threats to democracy through the dissemination of false content. To delete a channel with over 1,000 subscribers, you need to contact user support
from us


Telegram فَوَائِدٌ وَشَوَارِدٌ
FROM American