tgoop.com/fahadalajlan/337
Last Update:
ذُكر العابد الزاهد الشهير معروف الكرخي مرَّة في مجلس الإمام أحمد بن حنبل، فقال بعض الحضور: هو قصير العلم. فقال أحمد: (أمسك عافاك الله، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف).
وقال عبد الله بن أحمد لأبيه الإمام: هل كان مع معروف شيءٌ من العلم؟ قال: (يا بنيَّ، كان معه رأس العلم خشية الله).
ما ألطف هذه الطريقة التي سلكها الإمام رحمه الله، فهو لم يجب عن السؤال المتعلق بعلم معروف الكرخي، ولم ينسبه إلى العلم، وإنما صرف الكلام إلى الثناء عليه، وبيان فضله، فنهى عن الخوض في هذا المعنى مطلقًا، ولفت نظرهم مع ذلك إلى المعنى الذي يجب أن يسعى له أهل العلم وهو تحقيق خشية الله.
هو منهج تربويٌ عظيمٌ في كفِّ اللسان عن الخوض الذي لا ثمرة منه، خاصة حين يطال أهل العلم والفضل والتقوى، فالبحث في كون الرجل الصالح عالمًا أو غير عالمٍ لا يجنى منه حفظ دين ولا صلاح معتقد، وإنما ذكر أفاضل أهل الإسلام بنقصٍ أو ذمٍ بلا أدنى مصلحة.
ما أجمل أن يربي المسلم نفسه ويشيع فيمن حوله مثل هذا الخلق العظيم الذي امتثله الإمام أحمد فيمسك لسانه عن كل خوضٍ لا يرى فيه مصلحة حقيقة ظاهرة في حفظ دين الناس.
وعلى كل حالٍ، فليس المقصود هو الحديث عن فائدة هذه الواقعة الجميلة.
وإنما لفت النظر إلى أهمية العناية بكتب السنَّة والآثار والمسائل والتراجم المتقدمة التي تظهر مثل هذه الحوادث البديعة، فتظهر أقوال علمائنا الأوائل وقصصهم ومواقفهم وصفاتهم، فهي منجم لا ينضب من الكنوز النفيسة.
وهذه الكنوز لا تقتصر على الجانب العلمي والاعتقادي منها، بل فيها مادةٌ خصبةٌ عظيمةٌ يجب أن لا يغفل عنها لاستخراج معانٍ بديعةٍ من المقولات والحوادث الدالة على:
-الحكمة وسعة العقل ولطائف الإدراك وحسن التصرف.
-السياسة المصلحية للنفس والأهل والمجتمع.
-الأخلاق الحسنة والمعاني الفاضلة التي يتحلون بها.
-العناية بالتعبد وسلامة الصدر وأعمال القلوب.
-الصدق والتجرد للحق والسلامة من الهوى.
ومجالات أخرى تزيد وتنقص بحسب حاجة كل قارئ ومقصده.
BY قناة د.فهد بن صالح العجلان
Share with your friend now:
tgoop.com/fahadalajlan/337