tgoop.com/fahadalajlan/363
Last Update:
كنتُ أتساءل وأنا أقرأ عبارة ابن تيمية المعروفة: (والناس يعلمون أنه كان بين الحنبلية والأشعرية وحشةٌ ومنافرةٌ. وأنا كنت من أعظم الناس تأليفًا لقلوب المسلمين وطلبًا لاتفاق كلمتهم، واتباعًا لما أمرنا به من الاعتصام بحبل الله، وأزلتُ عامة ما كان في النفوس من الوحشة).
ما الذي فعله ابن تيمية حتى يحقق هذا المقصد في إزالة الوحشة، وتأليف القلوب، مع الاعتصام بالحق والسنة؟
لا أعرف للشيخ موضعًا شرح فيه هذا الأمر مفصَّلًا، وإنما ذكر الشيخ بعد هذا كلامًا كان يقوله لهم، يمكن بواسطته، وبمعرفة منهج الشيخ العام في التعامل مع الخلاف العقدي أن نلخص أبرز ما فعله الشيخ في المعالم التالية:
الأول: التوسُّع في إعذار المسلمين، وعدم تكفيرهم بما وقعوا فيه بسبب التأوُّل، وهو مسلكٌ ظاهرٌ في تأكيد الشيخ على ضرورة التفريق بين الوصف والعين، وعدم تنزيل أحكام الأوصاف على أعيان المجتهدين والمتأولين إلا بعد إقامة الحجة وانتفاء الشبهة، وأثر ذلك في رفع أوصاف الكفر والفسق والتأثيم، وتبع ذلك منهجه العملي في تحقيق هذا التأصيل الكلي في تعامله معهم،
وهذا من أعظم المسالك في إزالة الشحناء والوحشة بين المسلمين، ولهذا اعتنى الشيخ به عناية شديدة واسعة، ولهذا المسلك أثرٌ مهمٌ آخر وهو:
الثاني: حفظ حقوق الإسلام لمن يختلف معهم، فالشيخ يؤكد دائمًا على هذا المعنى، وهو ما يجمع النفوس على الحق ويقربهم إليه.
الثالث: التأكيد على الأصل المشترك الذي يجب أن يكون حكمًا عند الاختلاف، فالفيصل هو الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، وهو ما يجب دعوة الناس إليه، وتعليمهم إياه، وهو ما يجب عليهم اعتقاده واتباعه، وأما ما لم يوجد من مثل العبارات المجملة، أو المسائل والنزاعات التفصيلية التي أحدثت بعد ذلك فلا يلزم المسلم معرفتها،
وإذا جاء الشيخ إلى هذه المسائل والأقوال فصَّلها وبيَّن ما فيها من حق وباطل بعدلٍ، فيجمع بين أمرين: أنه يفصل هذه المسائل حتى يتضح ما فيها من صواب وخطأ، وحق وباطل، ثم يؤكد في نفس الأمر أنه لا يلزم الناس العلم بهذه المسائل المتأخرة، وإنما يكفي الرجوع إلى الكتاب والسنة.
الرابع: كفُّ اللسان عن الخوض في أعراض الأموات من المسلمين، وإحسان القول فيهم، وتفويض أمرهم إلى الله، فلا ينشغل معهم بخصومات تثير النفوس وتحرك الأهواء بلا ثمرة، بل تكون صادة عن اتباع الحق.
الخامس: الاستناد إلى قول معظَّمي كل طائفةٍ من العباد والعلماء والصالحين، فتجد عند الشيخ حرصًا ظاهرًا على إبراز ما عند مقدَّمي كل طائفة من الحق وموافقة السنة حتى يقرب الحق إلى أتباعهم.
السادس: ترك محاكمة الناس إلى الأشخاص، وردهم إلى نصوص الكتاب والسنة، فلا يجعل الشيخ لأي أحدٍ من الناس مهما كان معظمًا الفيصل بين الحق والباطل، ولا أن يمتحن الناس به، وهو ما يخفِّف الخصومات ويسكِّن المفاسد.
السابع: العدل في الحكم على مذهبهم وأعيانهم ومقولاتهم، فلا ينسب إليهم إلا ما هو ثابت عنهم، ويظهر ما عندهم من حق ويثني عليه، ويرد ما فيه من باطل من دون تجاوزٍ أو بغي، ويميز بين فئات المنتسبين إليهم فيتعامل مع كل فئةٍ بحسب قربها من الحق.
الثامن: ملاحظة ما يقومون به من نصرةٍ للدين، وقيامٍ بالعدل، وأمرٍ بالمعروف ونهي عن المنكر، ويعينهم على ما فيه حفظٌ لمصالح الناس في دينهم ودنياهم.
التاسع: العلم بمقولاتهم، ومآلاتها، وتفاصيل النزاع بينهم، فهو يحدثهم حديث عارفٍ خبيرٍ بها، بل يدلهم في بعض الأحيان على ما يجهلون من ذلك، ولا شك أنَّ هذا له أثرٌ عظيمٌ في تقريب الناس إلى الحق، أو تخفيف تعصبهم للباطل.
العاشر: مجيء كل هذا في قالب النصح، وإرادة الخير، والصدق في دلالة الخلق على الحق، الذي يريد وجه الله والدار الآخرة، فيتغافل عن حقوقه، ولا يغضب لنفسه، مع رفقٍ في الخطاب، ورحمة لهم معاملة بالحسنى، بما يحث النفوس على قبول الحق، والانقياد إليه، ويجتنب مسالك الخصومات التي تحرك الأهواء الصادة عن الحق.
تلك عشرة كاملة.
هي من المعالم التي يتضح بها أنَّ واسع العقل والعلم قادر على تعظيم المصالح وتخفيف المفاسد، من دون أن يؤثر هذا على أصل الحق الذي عنده، ولا لوازم بيان هذا الحق، أو الأحكام المترتبة عليه،
وهي معالم ترجع إلى سعةٍ في العلم، وعدلٍ في القول والحكم، وصدق ونصح للخلق، وحكمة في سياسة الناس، وسعي فيما يحقق مصلحة دينهم ودنياهم.
=
BY قناة د.فهد بن صالح العجلان
Share with your friend now:
tgoop.com/fahadalajlan/363