GLODENAGENONPERVERT Telegram 256
طُبع ابن آدم على اللؤم: فمِن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد عنه، ويتباعد ممن يتقرب منه.
- الشافعي

طبيعة النفس أنها تتوق دائمًا إلى ما هو بعيد عنها، وتزهد في ما هو قريب منها، وكأنها تبحث عن العسير والمحال، مغفلة عن فضل القريب وسهل المنال.
وكأن في هذه النفس شهوةً خفية للمعاناة، بحثًا عن لذة لا تتأتى إلا من المشقة، فإذا كان الأمر قريبًا ميسورًا، استرخصته وملّته، وإذا كان بعيدًا شاقًا، استشعرته نفيسًا، وسعت إليه بكل ما تملك من جهد. تجري وراء السراب، تُمني نفسها بمجهولٍ لا تدري ما يحمل لها، سرور أم خيبة، بينما تترك خلفها النعمة القريبة، تلك التي ما إن أدركت فقدها حتى ناحت عليها، ندمًا على ما فرطت في جنبها.
الحقيقة المرة تكمن في أن النفس، حينما تنال ما سعت إليه، ينطفئ بريقه في عينيها شيئًا فشيئًا، فالضمان الذي تظن أنه نهاية الصراع ليس إلا بداية انحلال ما نالته إلى حالة باهتة، لا تثير في النفس إلا النفور والإشمئزاز، وكأن الفوز المطلق يحمل في طياته بذور الخيبة، فكلما استقر الشيء في يد صاحبه وفقد جاذبية الصراع، انكشف زيفه وزالت عنه الهالة التي كانت تحيطه، فما إن تضمنه بين يديها حتى تكتشف أن ما كان يوماً مرادها الأسمى قد بات عبئاً ثقيلًا لا يثير إلا مشاعر الأسف على الجهد المبذول في سبيله.
وهنا يتجلى الفارق بين اللئيم والكريم، فاللئيم بطبعه ينقلب على كل نعمة أدركها، ويبخس كل فضل ناله، يرى فيما بين يديه قليلاً تافهاً، وفيما بعد عنه غايةً تستحق السعي، أما الكريم، فهو من يدرك حقًا قيمة ما فاته، فيظل طوال حياته مدينًا لكل رغبة تحققت أو لم تتحقق، ولكل حوجاء ولوجاء نالها أو حالت الظروف بينه وبين نيلها، ولا ينسى ما اشتهاه ولم يدركه، ولا يُعرض عن ما أحبه وكَلِف به، وإن حال القدر بينه وبين تملكه، يُقدِّر ما كان يتوق إليه، لا ينقص من قدره ولو حصل عليه، يعلم أن النفس إذا ضمنت شيئًا، غلب عليها طبع الاستكبار والطمع، فتقلل من قيمة ما بين يديها، غير أنه يعاكس هذا الطبع، فيظل مدينًا شاكراً لكل ما ناله ولكل ما منعه، مقدرًا لكل لحظة لم يعشها مع ما كان يتوق إليه.
عكس اللئيم، الذي ما إن يُدرك شيئًا حتى يزدريه، ويظل ينظر إلى ما لم ينله بعين الطمع، جاحدا لكل نعمة ومُعرِضًا عن كل فضل.
الكرم والعزة والنبل لا يُنالها المرء إلا بمجاهدة النفس ومغالبة طباعها اللئيمة، فالنفس بطبعها تميل إلى الشح والبخل، وتستكين إلى الدعة والذل، وتميل إلى اللؤم وجحد الود والخل، وإنما تسمو النفوس بمجاهدة الطباع.



tgoop.com/glodenagenonpervert/256
Create:
Last Update:

طُبع ابن آدم على اللؤم: فمِن شأنه أن يتقرب ممن يتباعد عنه، ويتباعد ممن يتقرب منه.
- الشافعي

طبيعة النفس أنها تتوق دائمًا إلى ما هو بعيد عنها، وتزهد في ما هو قريب منها، وكأنها تبحث عن العسير والمحال، مغفلة عن فضل القريب وسهل المنال.
وكأن في هذه النفس شهوةً خفية للمعاناة، بحثًا عن لذة لا تتأتى إلا من المشقة، فإذا كان الأمر قريبًا ميسورًا، استرخصته وملّته، وإذا كان بعيدًا شاقًا، استشعرته نفيسًا، وسعت إليه بكل ما تملك من جهد. تجري وراء السراب، تُمني نفسها بمجهولٍ لا تدري ما يحمل لها، سرور أم خيبة، بينما تترك خلفها النعمة القريبة، تلك التي ما إن أدركت فقدها حتى ناحت عليها، ندمًا على ما فرطت في جنبها.
الحقيقة المرة تكمن في أن النفس، حينما تنال ما سعت إليه، ينطفئ بريقه في عينيها شيئًا فشيئًا، فالضمان الذي تظن أنه نهاية الصراع ليس إلا بداية انحلال ما نالته إلى حالة باهتة، لا تثير في النفس إلا النفور والإشمئزاز، وكأن الفوز المطلق يحمل في طياته بذور الخيبة، فكلما استقر الشيء في يد صاحبه وفقد جاذبية الصراع، انكشف زيفه وزالت عنه الهالة التي كانت تحيطه، فما إن تضمنه بين يديها حتى تكتشف أن ما كان يوماً مرادها الأسمى قد بات عبئاً ثقيلًا لا يثير إلا مشاعر الأسف على الجهد المبذول في سبيله.
وهنا يتجلى الفارق بين اللئيم والكريم، فاللئيم بطبعه ينقلب على كل نعمة أدركها، ويبخس كل فضل ناله، يرى فيما بين يديه قليلاً تافهاً، وفيما بعد عنه غايةً تستحق السعي، أما الكريم، فهو من يدرك حقًا قيمة ما فاته، فيظل طوال حياته مدينًا لكل رغبة تحققت أو لم تتحقق، ولكل حوجاء ولوجاء نالها أو حالت الظروف بينه وبين نيلها، ولا ينسى ما اشتهاه ولم يدركه، ولا يُعرض عن ما أحبه وكَلِف به، وإن حال القدر بينه وبين تملكه، يُقدِّر ما كان يتوق إليه، لا ينقص من قدره ولو حصل عليه، يعلم أن النفس إذا ضمنت شيئًا، غلب عليها طبع الاستكبار والطمع، فتقلل من قيمة ما بين يديها، غير أنه يعاكس هذا الطبع، فيظل مدينًا شاكراً لكل ما ناله ولكل ما منعه، مقدرًا لكل لحظة لم يعشها مع ما كان يتوق إليه.
عكس اللئيم، الذي ما إن يُدرك شيئًا حتى يزدريه، ويظل ينظر إلى ما لم ينله بعين الطمع، جاحدا لكل نعمة ومُعرِضًا عن كل فضل.
الكرم والعزة والنبل لا يُنالها المرء إلا بمجاهدة النفس ومغالبة طباعها اللئيمة، فالنفس بطبعها تميل إلى الشح والبخل، وتستكين إلى الدعة والذل، وتميل إلى اللؤم وجحد الود والخل، وإنما تسمو النفوس بمجاهدة الطباع.

BY Groundless Ground


Share with your friend now:
tgoop.com/glodenagenonpervert/256

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to Create a Private or Public Channel on Telegram? The Channel name and bio must be no more than 255 characters long More>> How to Create a Private or Public Channel on Telegram? Ng was convicted in April for conspiracy to incite a riot, public nuisance, arson, criminal damage, manufacturing of explosives, administering poison and wounding with intent to do grievous bodily harm between October 2019 and June 2020.
from us


Telegram Groundless Ground
FROM American