Telegram Web
-

شَرَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ الوصيَّةَ لُطفًا بعِبادِه
ورَحمةً بهم عِندما جَعَلَ للمسـلمِ نَصيبًا
مِن مالِه يُوصي به قبلَ وَفاتِه في
أعمالِ البِرِّ التي تَعودُ على غيرِه بالخيرِ،
وتَعودُ على الموصي بالأجرِ والثَّـوابِ.


وفي هذا الحديثِ حثَّ النَّبـيُّ ﷺ وأكَّدَ
على المُبادَرةِ بكِتابةِ الوَصيَّـةِ قبلَ
مُباغَتةِ الموتِ، وبيَّنَ أنَّه لَيس لائقًا
بالمسلمِ -سَـواءٌ كان رجُلًا أو امرأةً- وله
شَيءٌ يُوصي فيه مِن الأموالِ، والبَنينَ
الصِّغـارِ، والحُقوقِ التي له، وعليه؛ مِن
ديونٍ، وكفَّاراتٍ، وزَكَواتٍ فرَّطَ فيها، أن
تَمضيَ عليه لَيلتانِ أو أكثرُ؛ إلَّا ووَصيَّتُه
بهذا الشَّيءِ مَكتوبةٌ ومَحفوظةٌ عِندَه،
فإذا وصَّى بذلك أُخرِجَت الدِّيـونُ مِن
رَأسِ المالِ، وأُخرِجَ غيرُها مِن ثُلثِه.

قال الحافظ ابـن حجر رحمه الله:

وفي الحَديـثِ مَنقَبةٌ لِابنِ عُمَرَ لِمُبادَرَتِهِ
لِامتِثَالِ قَولِ الشَّارِعِ ومواظَبَتِهِ عَلَيهِ،
وفيهِ النَّدبُ إِلَى التَّأَهُّبِ لِلمَوتِ
والِاحتِرازِ قَبلَ الفَوتِ لِأَنَّ الإِنسـانَ
لا يَـدري مَتى يَفجَؤُهُ المَوتُ لِأَنَّهُ ما مِن
سِنٍّ يُفرَضُ إِلَّا وَقَد ماتَ فيهِ جَمعٌ جَمٌّ
وكُلُّ واحِدٍ بِعَينِهِ جائِزٌ أَن يَموتَ في
الحالِ فَيَنبَغي أَن يَكونَ مُتَأَهِّبـًا لِذَلِكَ
فَيكتب وَصيَّتَهُ ويَجمَعَ فيها ما يَحصُلُ
لَهُ بِهِ الأَجرُ ويُحبِطُ عَنهُ الـوِزرَ مِن
حُقوقِ اللَّهِ وحُقوقِ عِبـادِهِ
واللَّهُ المُسـتَعان. [ فتح الباري شرح
صحيح البخاري ٤١٩/٥ ]


قال الإمام الشافعي رحمه الله:
"من صواب الأمر للمـرء أن لاتفارقه
وصيته". [ الترغيب والترهيب،
لقوام السنة ٢٦٥/٣ ]

وقال بكر المزني: إن استطاع أحدكم
أن لايبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوب
فليفعل، فإنه لايـدري لعله أن يبيت في
أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة.

اللهــم أعن على إحياء السنن،
وأحي اللهــم قلوبنـا بذكر الموت
وأخذ الأهبة له.


-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
عقوق الوالدين من الكبائر

عن المُغيرةِ بنِ شُعبةَ، قالَ:
قالَ النَّبــيُّ ﷺ:
«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيكُم: عُقوقَ الأُمَّهاتِ،
ووَأْدَ البَنـاتِ، ومَنَعَ وَهاتِ».

ـ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ـ
-

في هذا الحديثِ يَروي المُغيرةِ
بنِ شُعبةَ أنَّ النَّبـي ﷺ قالَ: "إن الله
حرم عليكم عقوق الأمهات": بالإساءة
إليهن وعدم الإحسان لهن، وعدم برهن،
وكذلك حرم عقوق الآباء، وهذا تغليب،
وخص الأمهـات بالذكر لأن برهن مقدم
على بر الأب في التلطف والحنو؛
لضعفهن، ولشدة عواطفهن واحتياجهن
إلى الرحمتة، وهو تخصيص الشيء
بالذكر إظهارًا لتعظيم موقعـه.

وحرم كذلك "وأد البنات": دفنهن وهن
أحياء وكان الرجل يدفن ابنتـه ويقول:
"القبر نِعم الصِهر "يفعلون ذلك: أنفة
وغَيرة فربما استُرِقَّت بسـبب الحروب،
كما أنهم يـرون أنها لا تُزوِّد ولا تَحمي!!
وبعضهم يفعل ذلك بخلًا وخَشيةَ الفَقرِ،
فحرَّمَه اللهُ وقال لهم:

{وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَـةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ
نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا
كَبِيرًا} [الإسراء: ٣١]، وهو منَ الكبائرِ
المُوبِقاتِ؛ لأنَّه قتلُ نفـسٍ بغيرِ حقٍّ،
ويَتضمَّنُ أيضًا قطيعـةَ الرَّحِمِ، وإنَّما
اقتصَرَ على البنـاتِ؛ لأنَّه المُعتادُ الذي
كانتِ الجاهليَّةُ تَفعَلُه غالبًا.

"ومنع وهات"، قوله: وَمنع، أَي: وَحرم
عَليكُم منع ما عَلَيكُم إِعطاؤُهُ.
قَوله: وهات، أَي: وَحرم عَلَيكُم طلب
ما لَيسَ لكم أَخذه، وقيل: نهى عَن منع
الواجِب من ماله وأقواله وأفعاله
وأخلاقه من الحُقوق اللَّازِمة فيها،
ونهى عَن استدعاء ما لا يجب عَلَيهِم
من الحُقوق، وتكليفه إيَّاهُم بِالقيامِ بِما
لا يجب عَلَيهِم، فَكَأَنَّهُ ينتصف
ولا ينصف، وهَذا من أسمج الخلال.

وقالَ إِسحاق بن مَنصور: قلت
لِأَحمَد بن حَنبَل: ما معنى منع وهات؟
قالَ: أَن تمنع مَا عندك فَلا تَتَصَدَّق
ولا تُعطي فتمد يدك فتأخذ من النَّاس.


-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
لا تطلـب الادارة

عن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه، قـالَ:
قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أَلا تَستَعمِلُني؟ قالَ:
فَضَرَبَ بيَـدِهِ عَلى مَنكِبي، ثُمَّ قالَ:
يـا أَبا ذَرٍّ، إنَّكَ ضَعيفٌ، وإنَّها أَمانةُ،
وإنَّها يَومَ القيامـةِ خِزيٌ ونَدامةٌ، إلَّا مَن
أَخَذَها بحَقِّها، وأَدَّى الَّذي عَلَيهِ فيها.

صحيح مسلم ١٨٢٥
-

تَولِّي المرءِ للولاياتِ العامَّةِ مِن الأُمورِ
الخطيرةِ الشَّأنِ؛ لِما فيها مِن المسؤوليَّةِ
عن إقامةِ الحقِّ والعدلِ بيـن النَّاسِ،
ويَترتَّبُ على ذلك تَحمُّلُ الوالـي تَبِعاتِ
ذلك في الدُّنيا والآخرةِ، وهو ما يُعرِّضُه
للخُسرانِ إن لم يَقُم بواجباتِ الولايـةِ
على وَجهِها بالعدلِ.


وفي هذا الحديثِ يَروي أبو ذَرٍّ
رَضيَ اللهُ عنه أنَّه قال للنَّبـيِّ ﷺ: «ألَا
تَستَعمِلُنِي؟» أي: ألَا تَجعَلُني عـامِلًا
وأميرًا على بَعِض الولاياتِ، فضرَب ﷺ
بِيَدِه على مَنكِبِـه -وهو مُجتمَعُ رأْسِ
العَضُدِ والكتِفِ لأنَّه يُعتمَدُ عليه-، وهو
ضَربَ لُطفٍ وشَفَقةٍ، ثُمَّ قال
-ناصحًا له-: يا أبا ذَرٍّ، إنَّك ضَعيفٌ، أي:
عن تحمُّلِ مِثلِ هذا العَمَلِ.

والظَّاهرُ أنَّه أراد ضَعفَ الرَّأيِ والتَّدبيـرِ،
لا ضَعفَ الجسمِ، أي: إنَّك لا تَستطيعُ
أن تَتحمَّلَ أثقالَ الولايةِ وتَكاليفَها، وإنَّ
الإمارةَ أمانةٌ ممَّا ائتَمَـنَ اللهُ تعالَى بها
عِبادَه، فهي مَسؤوليةٌ عُظمى، ومُراعاةُ
هذه الأمانةِ -لِكَونِها ثقيلةً صعبةً-
لا يَخرُج عن عُهدَتِهـا إلَّا كلُّ قَويٍّ.

وإنَّ الإمارةَ يومَ القيامةِ خِزيٌ -أي: ذُلٌّ
وهَوانٌ وحُزنٌ وأسَفٌ- ونَدامةٌ يَندَمُ بها،
ويَتمنَّى أن لو لم يَتولَّهـا، والخِزيُ
والنَّدامةُ يكونـانِ في حقِّ مَن لم يكُن
أهلًا لها وضَعُفَ عن أداءِ حَقِّها ولم يَقُم
لرَعيَّتِه بما أوجَبَه اللهُ عليه، فيُخزِيه
اللهُ تعالَى يومَ القيامةِ ويَفضَحُه،
ويَندَمُ على ما فرَّط.

«إلَّا مَن أخَذها بحقِّها» وهو الحاكِمُ
العادِلُ في رَعيَّتِه، الَّذي يُحافِظُ على
حُقوقِهم، ويَرعى مَصالِحَهم، ويَحكُمُ
فيهم بشَريعـةِ اللهِ، ويَدخُلُ فيه كلُّ مَن
وَليَ أمرًا مِن أُمورِ المسلِميـن، فهذا له
فضلٌ عظيمٌ، تَظاهَرَت به الأحاديـثُ
الصحيحـةُ، كحديث أبي هُرَيرةَ
المتَّفَقِ عليه، عن النَّبيِّ ﷺ، قال:
«سَبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّـه يومَ لا ظِلَّ
إلَّا ظِلُّـه: الإمامُ العادلُ..».

فالإمـارة خطرها عظيم، فإذا بُلِيَ بها
الإنسانُ وصبر واستعان بالله عليها أُجِرَ
وأمَّا السؤال فلا ينبغي له أن يسألها.

قال ﷺ: إنَّكُم سَتَحرِصونَ عَلى الإمارةِ،
وسَتَكونُ نَدامةً يَومَ القيامـةِ، فَنِعمَ
المُرضِعةُ وبِئْسَتِ الفاطِمةُ.
ـ صحيح البخاري ٧١٤٨ ـ

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
استشعار عظم الذنب وهوله

عن ابـنِ مَسعودٍ رضي الله عنه، قالَ:
"إنَّ المُؤمِنَ يَرَى ذُنوبَهُ كَأنَّهُ قاعِدٌ تَحتَ
جَبَلٍ يَخافُ أن يَقَعَ عَلَيهِ،
و إنَّ الفاجِرَ يَرَى ذُنوبَهُ كَذُبابٍ مَرَّ عَلى
أنفِـهِ فَقالَ بِهِ هَكَذا".

صحيح البخاري ٦٣٠٨
-

الإيمـانُ الحقيقيُّ يُعرِّفُ صاحِبَه بعَظَمةِ
اللهِ تعالى، فيُبعِدُهُ عن التَّجاوُزِ في
معصيتِهِ أو الاستِمرارِ في ذلك.


وفي هذا الحَديثِ وصَفَ عبدُ اللهِ بنُ
مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه حالَ المُؤمِنِ مع
ذُنوبِه، وشبَّهه برجُلٍ قاعدٍ تحتَ جبَلٍ
يَخافُ أن يَقَعَ عليه؛ ومَن وقَعَ عليه
الجبلُ فلا يُظَنُّ له نَجاةٌ، فـالمُؤمِنُ ينظُرُ
إلى عَظَمةِ اللهِ عزَّ وجَلَّ، وجَلالِـه، وعِزِّ
سُلطانِه، وغناه عن خَلقِه، وفَقرِ خَلقِه
إليه، وأنَّ يَسيرَ المعصيةِ له جَلَّ جَلالُه
ليس بيسيرٍ عند المُؤمِنِ؛ فلذلك يرى
كأنَّه قاعدٌ تحت جَبَلٍ؛ مِن خَوفِ ما أتى

بينَما يَنظُرُ الفاجِرُ -وهو الفاسِقُ
المُستهترُ- لذُنوبِه باستخفافٍ، حتى إنَّه
يرى كبائِرَ الذُّنـوبِ سَهلةً يسيرةً، فكأنَّها
ذُبابٌ مرَّ على أنفِه فأشار بيَدِه، فذَهَب
الذُّبابُ ولم يُؤثِّر فيه، لا لخِفَّةِ ذُنوبِه،
ولـكِن لخِفَّةِ إيمانِه باللهِ سُبحانَه.

قـالَ ابنُ أَبي جَمرةَ رحمه الله:
الـسَّبَبُ في ذَلِكَ أَنَّ قَلبَ الفاجِرِ مُظلِمٌ؛
فَوُقوعُ الذَّنبُ خَفيفٌ عِندَهُ؛ ولِهَذا تَجِدُ
مَن يَقَعُ في المَعصيةِ إِذا وُعِظَ يَقولُ:
هَذا سَهلٌ.
[ فتح الباري شرح صحيح البخاري ]
ــ ١٠٩/١ ــ

والشيطان لا يرضى منك بذنبٍ حقير
واحد ولا ريبَ؛ وإنما يستدرِجُك شيئًا
فشيئًا حتى تفعل ذنبًا وراءه ذنبٌ،
ولا تزال الذنـوبُ تتراكم بعضُها على
بعض دون توبـةٍ واستغفار، وهذا هو
الهلاك والخسران، أعاذنا الله مِن ذلك.

قـال الفُضَيلُ بنُ عياضٍ رحمه الله:
"بِقَدرِ ما يَصغُرُ الذَّنبُ عِندَكَ يَعظُمُ
عِندَ اللَّهِ ، وبِقَدرِ ما يَعظُمُ عِندَكَ يَصغُرُ
عِندَ اللَّهِ".
[شعب الإيمان للبيهقي ٤٢٨/٥]

فَينبَغي أن يَكونَ المُؤمنُ عَظيمَ الخَوفِ
مِنَ اللهِ تعالى مِن كُلِّ ذَنبٍ، صَغيـرًا كانَ
أو كَبيـرًا؛ لأنَّ اللهَ تعالى قد يُعذِّبُ على
القَليل، قـال تعالى:
﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْخَاسِـرُونَ﴾ [الأعراف: ٩٩].

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
فضيلـة المشي إلى المساجـد
في الظلم

عن ٲنَسِ بنِ مالِكٍ رضي الله عنه،
أنَّ رَجُلَينِ مِن أصحابِ النَّبيِّ ﷺ خَرَجا
مِن عِندِ النَّبـيِّ ﷺ في لَيلةٍ مُظلِمةٍ،
ومَعهُما مِثلُ المِصباحَينِ يُضيئَانِ بَينَ
أيديهِما، فَلَمَّا افتَرَقا صارَ مَعَ كُلِّ واحِدٍ
مِنهُما واحِدٌ حَتَّى أتَى أهلَهُ.

صحيح البخاري ٤٦٥
-

في هذا الحديثِ
يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه
عن كَرامةٍ وَقَعَت لِرَجُلينِ مِن أصحابِ
النبـيِّ ﷺ، وهما عبَّادُ بنُ بِشرٍ وأُسيدُ
بن حُضيـرٍ رضي الله عنهما، حيثُ كانا
عندَ النبـيِّ ﷺ في "لَيلةٍ مُظلمةٍ" مِن
لَيالي آخِر الشهـر حالِكة الظَلام لا أثَر
فيها لِضَوء القَمر، فلمَّا خرَجَا مِن عندِه،
"ومَعهُما مِثلُ المِصباحَيـنِ يُضيئَانِ بَينَ
أيديهِما"، أي: فأمدهما الله بِنور مِن
عِنده، فصار يَسيرُ مَعهُما مِثل
المِصباحَينِ يُنيرانِ لَهُما الطَريق.

فلمَّا افتَرَقا ليَذهَبَ كلُّ واحدٍ مِنهُما إلى
بَيتِه صارَ مع كُلِّ واحِدٍ مِنهُما هذا النَّورُ
إلى أن ذهَبَ إلى بَيتِهِ، كَأنَّ الله قد
عَجَّل لهما في الدنيـا ما أخره لعباده
الصالحين في الآخرة، ووعدهم به
في كتابه، وبشرهم به على لسان
رسولـه ﷺ؛ فقال عز وجل:
(نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ)
وقـال ﷺ: «بَشِّرِ المَشَّائينَ في الظُّلَمِ
إلى المساجدِ بالنُّورِ....»

السائرون إلى صلاة الجماعـة في
ظلمات الليل إن لم يجدوا نوراً حسياً
ينير لهم الطريـق وجدوا نوراً في
وجوههم وبصائرهم في الدنيا، ونوراً
بين أيديهم يوم القيامة.


روي عن سعيد بن المسيب، أنه قال
لقوم معهم ضوء يمشون به إلى
المساجد: ضوء الله خير من ضوئكم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتح الباري شرح صحيح البخاري
(١/٥ جـ٢)


-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
۝ اغتِباطُ التَّالي للقرآن ۝

عن أَبي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُـولَ اللَّهِ ﷺ،
قالَ: « لا حَسَدَ إِلَّا في اثنَتَينِ:
رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُـرآنَ، فَهوَ يَتلوهُ آناءَ
اللَّيلِ، وآناءَ النَّهارِ، فَسَمِعَهُ جارٌ لَهُ،
فَقالَ: لَيتَني أُوتيتُ مِثلَ ما أُوتيَ فُلانٌ،
فَعَمِلتُ مِثلَ مـا يَعمَلُ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ
مالًا فَهوَ يُهلِكُهُ في الحَقِّ، فَقالَ رَجُلٌ:
لَيتَني أُوتيتُ مِثلَ ما أُوتيَ فُلانٌ،
فَعَمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ ».

صحيح البخـاري ٥٠٢٦
-

الحَسَدُ أنواعٌ مختلِفة: فمِنه: حَسَدٌ
مَذمومٌ محرَّمٌ شرعًا، وهو أن يَتمنَّى
المرءُ زَوالَ النِّعمةِ عن أخيهِ. ومنه:
حَسَدٌ مَحمـودٌ مُستحَبٌّ شرعًا، وهو أن
يرَى نِعمةً دينيَّةً عندَ غيرِه، فيَتمنَّاها
لنفسِه مِن غيرِ تَمنِّي زَوالِها عن صاحبِها
ويُسمَّى الغِبطةَ، وهو ما عَنَاه النَّبيُّ ﷺ
في هذا الحَديثِ بقولِه:

«لا حَسَدَ إلَّا في اثنتَين»، أي: إنَّ
الحسدَ لا يكونُ مَحمودًا إلَّا في أمرَين؛
فالأوَّلُ: «رجلٌ علَّمه اللهُ القـرآنَ، فهو
يَتلـوه آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهارِ»، أي:
يَتلُوه على الدَّوامِ ويستَمِرُّ على ذلك
في ساعاتِ الليل والنهار، «فسَمِعه جارٌ
له، فقال: لَيتني أُوتِيتُ مِثلَ ما أُوتيَ
فُلانٌ، فعَمِلتُ مِثلَ ما يَعمَلُ»، يعني:
فرَتَّلتُه وقرأتُه مِثلَ جاري.

«ورجلٌ آتاهُ اللـهُ مالًا» حلالًا، «فهو
يُهلِكُه في الحقِّ» فيُنفِقُه كلَّه في
الطَّاعاتِ والبِرِّ، فيما ينفَعُه وينفَعُ غيرَه،
ويُرضي ربَّه، «فقال رجُلٌ: لَيتني أُوتيتُ
مِثلَ ما أُوتيَ فلانٌ، فعَمِلتُ مِثلَ ما
يَعمَلُ»، أي: يتمنَّى الفقيرُ أن يكونَ مِثلَ
الرَّجُلِ الغنيِّ، ويَغبِطُه على هذه النِّعمةِ،
فهذا ليس مَذمومًا شرعًا، بل هو ممَّا
يَنبغي للمُسلميـن التَّسارُعُ فيه؛
ليُحصِّلوا الأجرَ والثَّوابَ.

هذا الحديث يدلُّ دلالة واضحة على
أنَّ صاحب القرآن -الذي يتلوه آناء
اللَّيل وآناء النَّهار- في غِبطةٍ عظيمـة؛
أي: في فَرحٍ وَحُسنِ حال.
فإذا أعطى الله الإنسان القـرآن، وعلَّمه
معانيه، ووُفِّق لتصديقه، والعمل به،
فهذا الذي لا يعدلـه شيء من الدنيا
أبدًا، وأكثر الناس عن هذه غافلون،
وإنما يقرؤون القـرآن من باب التبرُّك
وطلب الثواب في قراءته، أما أن
يقرؤوه على أنه غنيمة وغبطة، فهذا
قليل، ولكن ليس معدومـًا، والحمد لله.

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
-
سُنَّةُ الفَجرِ وفضلها

عن عائِشةَ رضي الله عنها، قالَت: لَم
يَكُنِ النَّبيُّ ﷺ عَلى شَيءٍ مِنَ النَّوافِلِ
أشَـدَّ مِنهُ تَعاهُدًا عَلى رَكعَتَيِ الفَجرِ.

ـ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ ـ
-

كان النبيُّ ﷺ حَريصًا على النَّوافِلِ
مُواظِبًا عليها، وكان ﷺ أشـدَّ حِرصًا
ومُواظبةً على ركعَتَي الفَجرِ، كما يُبيِّنُ
هذا الحديثُ، حيثُ تَذكُرُ أمُّ المؤمنيـنَ
عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النبـيَّ ﷺ لم
يكُن أشدَّ «تَعَاهُدًا»، أي: حِرصًا وحِفاظًا
ومُتابَعـةً، مِن حِرصهِ وتَعاهُدِه على
رَكعتَيِ الفَجرِ، وهما الرَّكعتانِ بين
الأذانِ والإقامةِ لصَلاةِ الصُّبحِ.

فقد كان ﷺ شَديدَ المُعاهَدةِ على
النَّوافلِ جَميعِها، إلَّا أنَّ شِـدَّةَ تَعاهُدِه
على رَكعتَيِ الفَجرِ يَزيدُ على غَيرِها مِن
النوافلِ؛ فكان ﷺ لا يدَعُهما قَطُّ سواءٌ
في حضَرٍ أو سفَرٍ، وكان ﷺ يَقضيهما
إن فاتَتا أداءً.

قال ابن القيِّم رحمه الله:
"وكان تعاهده ومحافظتـه على سنة
الفجر أشد من جميع النوافل ولذلك لم
يكن يدعها هي والوتر سفرًا وحضرًا
وكان في السـفر يواظب على سنة
الفجر والوتر أشـد من جميع النوافل
دون سائر السنن ولم ينقل عنه في
السفر أنه صلى سنة راتبة غيرهمـا".
[ زاد المعاد ٣١٥/١ ]

وقال أيضًا: "سمعتُ شيخ الإسلام
ابن تيمية يقول: سُنة الفجر تَجري
مجرى بداية العمل، والوتر خاتمتـه
ولذلك كان النبيُّ ﷺ يُصلِّي سنة الفجر
والوتـر بسورتي الإخلاص: [قُلْ يَا أيُّهَا
الكَافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ]، وهما
الجامعتان لتوحيدِ العلم والعمل،
وتوحيد المعرفـة والإرادة، وتوحيد
الاعتقاد والقصد".
[ زاد المعـاد ٣١٦/١ ]

وفي فضلها قال النَّبِـيِّ ﷺ:
(رَكعَتا الفَجرِ خَيرٌ مِن الدُّنيا وما فيها).
[ رواه مسلم ٧٢٥ ]

وأخرج ابن مبارك من طريق مسـعر بن
كدام، قال: حدثنا عبيدالله أو عبدالله
ابن القبطية، عن ابن أبي ربيعة
القرشي: "أنه فاتته الركعتان قبل الفجر
فأعتق رقبة". [ الزهد والرقائق - ٥٢٨ ]

»» فهذا دأب القوم الأوائل كانوا أشد
مواظبة على ركعتي الفجـر، وذلك لما
روي فيها من الفضائل والمناقب
العظيمة.

وانَّ إهمال من أهملهما -على سهولتهما
وعظم أجرهما وحث الشارع عليهما-
يدل على ضعف دينه، وحرمانه من
الخير العظيـم.

-
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
2024/12/23 08:22:03
Back to Top
HTML Embed Code: