tgoop.com/ibntaymiyyah728/5317
Last Update:
مسألة الأحوال والقتل بالعين قصاصا
قال الإمام أبو عبد الله ابن القيم رحمه الله [مدارج السالكين (٢ / ٧ - ٨)]:
"وإذا عرف الرجل بالأذى بالعين ساغ بل وجب حبسه وإفراده عن الناس, ويطعم ويسقى حتى يموت. ذكر ذلك غير واحد من الفقهاء، ولا ينبغي أن يكون في ذلك خلاف؛ لأن هذا من نصيحة المسلمين ودفع الأذى عنهم، ولو قيل فيه غير ذلك لم يكن بعيدا من أصول الشرع.
فإن قيل: فهل تقيدون منه إذا قتل بعينه؟
قيل: إن كان ذلك بغير اختياره بل غلب على نفسه لم يقتص منه وعليه الدية، وإن عمد ذلك وقدر على رده وعلم أنه يقتل به ساغ للولي أن يقتله بمثل ما قتل به، فيعينه إن شاء كما عان هو المقتول. وأما قتله بالسيف قصاصا فلا، لأن هذا ليس مما يقتل غالبا ولا هو مماثل لجنايته.
وسألت شيخنا أبا العباس ابن تيمية ــ قدس الله روحه ــ عن القتل بالحال هل يوجب القصاص؟ فقال: للولي أن يقتله بالحال كما قتل به.
فإن قيل: فما الفرق بين هذا وبين القتل بالسحر حيث توجبون القصاص به بالسيف؟
قلنا: الفرق من وجهين:
أحدهما: أن السحر الذي يقتل به هو السحر الذي يقتل مثله غالبا، ولا ريب أن هذا كثير في السحر، وفيه مقالات وأبواب معروفة للقتل عند أربابه.
الثاني: أنه لا يمكن أن يقتص منه بمثل ما فعل لكونه محرما لحق الله، فهو كما لو قتله باللواط وتجريع الخمر، فإنه يقتص منه بالسيف."
وقال الحافظ أبو الفداء ابن كثير رحمه الله [تفسيره (١ / ٣٦٧ - ٣٦٨)]:
"التصرف بالحال، وهو على قسمين:
تارة تكون حالا صحيحة شرعية يتصرف بها فيما أمر الله ورسوله ﷺ، ويترك ما نهى الله عنه ورسوله، وهذه الأحوال مواهب من الله تعالى وكرامات للصالحين من هذه الأمة، ولا يسمى هذا سحرا في الشرع.
وتارة تكون الحال فاسدة لا يمتثل صاحبها ما أمر الله ورسوله ﷺ ولا يتصرف بها في ذلك. فهذه حال الأشقياء المخالفين للشريعة، ولا يدل إعطاء الله إياهم هذه الأحوال على محبته لهم، كما أن الدجال -لعنه الله-له من الخوارق العادات ما دلت عليه الأحاديث الكثيرة، مع أنه مذموم شرعا لعنه الله. وكذلك من شابهه من مخالفي الشريعة المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام. وبسط هذا يطول جدا، وليس هذا موضعه."
قلت: وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حالا ثالثا:
قال شيخ الإسلام [جامع المسائل (٧ / ٤٩٨)]:
"وأرباب الأحوال النفسانية: قوم لهم جوع وسَهَر وخَلوة، فيحصل لهم نوع من الكشف والتأثير، وإن كانوا كفارًا، كما يحصل للرهبان".
وقال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله [القائد إلى تصحيح العقائد ~ ضمن آثاره (١١ / ٣٧٨ - ٣٧٩)]:
"الكشف التصوفي، فقد مضى القرن الأول ولا يعرف المسلمون للتصوف اسما ولا رسما، خلا أنه كان منهم أفراد صادقو الحب لله تعالى والخشية له، يحافظون على التقوى والورع على حسب ما ثبت في الكتاب والسنة. فقد يبلغ أحدهم أن تظهر مزيته في استجابة الله عز وجل بعض دعائه أو عنايته به على ما يقل في العادة، ويلقى الحكمة في الوعظ والنصيحة والترغيب في الخير. وإذا كان من أهل العلم ظهرت مزيته في فهم الكتاب والسنة، فقد يفهم من الآية أو الحديث معنى صحيحا، إذا سمعه العلماء وتدبروا وجدوه حقا، ولكنهم كانوا غافلين عنه حتى نبههم ذلك العبد الصالح.
ثم جاء القرن الثاني، فتوغل أفراد في العبادة والعزلة، وكثرة الصوم والسهر، وقلة الأكل لعزة الحلال في نظرهم، فجاوزوا ما كان عليه الحال في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فوقعوا في طرف من الرياضة، فظهرت على بعضهم بعض آثارها الطبيعية كالإخبار بأن فلانا الغائب قد مات أو سيقدم وقت كذا، وأن فلانا يضمر في نفسه كذا، وما أشبه ذلك من الجزئيات القريبة، فكان الناس يظنون أن جميع ذلك من الكرامات.
والواقع أن كثيرا منه كان من آثار الرياضة، وهي آثار طبيعية غريبة تحصل لكل من كان في طبعه استعداد، وتعانى الرياضة بشروطها، سواء أكان مسلما - صالحا أو فاجرا - أم كافرا، فأما الكرامات الحقيقية فلا دخل فيها لقوى النفس.
فلما وقعوا في ذلك وجد الشيطان مسلكا للسلطان على بعض أولئك الأفراد بمقدار مخالفتهم للسنة، فمنهم من كان عنده من العلم ما دافع به عن دينه، كما نقل عن أبي سليمان الداراني أنه قال: «ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما، فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة». ذكرها ونحوها من كلامهم أبو إسحاق الشاطبي في «الاعتصام».
ومنهم من سلم لهم أصل الإيمان، لكن وقع في البدع العملية.
ومنهم من كان سلطان الشيطان عليه أشد، فأوقعه في أشد من ذلك، كما ترى الإشارة إلى بعضه في ترجمة رياح بن عمرو القيسي من «لسان الميزان»¹.
ثم صار كثير من الناس يتحرون العزلة والجوع والسهر لتحصيل تلك الآثار، فقوي سلطان الشيطان عليهم. ثم نقلت مقالات الأمم الأخرى، ومنها الرياضة وشرح ما تثمره من قوة الإدراك والتأثير، فضمها هواتها إلى ما سبق، ملصقين لها بالعبادات الشرعية، وكثر تعاطيها من الخائضين في الكلام والفلسفة.
===
BY الفقير إلى رب البريات
Share with your friend now:
tgoop.com/ibntaymiyyah728/5317