tgoop.com/ibntaymiyyah728/5568
Last Update:
قوله سبحانه: ﴿يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات﴾:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأجزل مثوبته:
خص سبحانه برفعه الأقدار والدرجات الذين أوتوا العلم والإيمان، واستشهد بهم في قوله: ﴿شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم﴾.
وأخبر عنهم أنهم هم الذين يرون ما أنزل إلى رسوله هو الحق، بقوله: ﴿ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق﴾، فدل على أن تعلم الحجة والقيام بها يرفع الله به درجات من يرفعها، كما قال: ﴿نرفع درجات من نشاء﴾
وقال زيد بن أسلم: «بالعلم ترفع الأقدار والدرجات، على قدر معاملة القلوب بالعلم والإيمان، وكم من يختم القرآن في اليوم مرة أو مرتين، وآخر لا ينام الليل، وآخر لا يفطر، وغيرهم أقل عبادة منهم، وأرفع قدرا في قلوب الأمة».
فهذا كرز ابن وبرة، وكهمس، وابن طارق، كانوا يختمون القرآن في الشهر تسعين مرة، وحال سعيد بن المسيب وابن سيرين والحسن وغيرهم في القلوب أرفع؛ ولذلك ترى كثيرا ممن يلبس الصوف، ويهجر الشهوات، ويتقشف، وغيره مما لا يدانيه في ذلك،
وأهل العلم والإيمان أعظم في القلوب منه وأجل عند النفوس، وما ذاك إلا لقوة المعامله الباطنة وصفائها، وخلوصها من شهوات النفوس وأكدار البشرية، وطهارتها من الذنوب التي تكدر معاملة أولئك.
وإنما نالوا ذلك بقوة يقينهم بما جاء به الرسول ﷺ وكمال تصديقه في قلوبهم، ووداده ومحبته، وأن يكون الدين كله لله.
فإن من أرفع درجات القلوب، فرحها التام بما جاء به الرسول ﷺ وابتهاجها وسرورها، كما قال تعالى: ﴿والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك﴾،
وقال: ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا﴾، ففضل الله ورحمته: القرآن والإيمان.
فمن فرح بأعظم مفروح بغيره، فقد فرح بأعظم مفروح به; ومن فرح بغيره، فقد ظلم نفسه، ووضع الفرح في غير موضعه.
فإذا استقر في القلب، وتمكن منه العلم بكفايته لعبده، ورحمته له، وحلمه عنه، وبره به، وإحسانه إليه على الدوام، أوجب له الفرح والسرور به، أعظم من فرح كل محب بكل محبوب سواه، فلا يزال مترقيا في درجات العلوم والارتفاع بحسب رقيه في هذه المعارف، هذا في باب معرفة الأسماء والصفات.
وأما في باب فهم القرآن، فهذا دائم التفكر في معانيه والتدبر لألفاظه، واستغنائه بمعاني القرآن وحكمه، عن غيره من كلام الناس؛ وإذا سمع شيئا من كلام الناس، وعلومهم عرضه على القرآن، فإن شهد له بالتزكية والعدالة قبله، وإلا رده؛ وإن لم يشهد له بقبول ولا رد وقفه. وهمته عاكفة على مراد ربه من كلامه.
ولا يجعل همته وقصده في تحصيل ما حجب به أكثر الناس من العلوم عن حقائق القرآن بالوسوسة في خروج حروف، وترقيقها وتفخيمها وإمالتها، والنطق بالمد الطويل والقصير والمتوسط وغير ذلك؛ فإن هذا حائل للقلوب، وقاطع لها عن فهم مراد الرب من كلامه.
وكذلك شغل النطق بـ ﴿أءنذرتهم﴾ ووجوهها، وضم الميم من ﴿عليهم﴾، ووصلها بالوصل، وكسر الهاء وضمها ونحو ذلك، من شغل الزمان وتنقية النطق وصفاتها، معرضها عن المقصود، وكذلك مراعاة النغم وتحسين الصوت.
وكذلك تتبع أوجه الإعراب، واستخراج التأويلات المستكرهة، التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالبيان، وكذلك صرف الذهن إلى حكاية أقوال الناس، ونتائج أفكارهم.
وكذلك تنزيل القرآن على قول من قلده في دينه أو مذهبه، فهو يتعسف بكل طريق، حتى يجعل القرآن تبعا لمذهبهم، وتقوية لقول إمامه، وكل محجوبون بما لديهم عن فهم مراد الله من كلامه، في كثير من ذلك أو أكثره.
وكذلك ظن من ظن ممن لم يقدر القرآن حق قدره، أنه غير كاف ولا شاف، ولا هاد في معرفة التوحيد، والأسماء والصفات، وما يجب لله وما ينزه عنه، بل الكافي في ذلك عقول المتهوسين الحيارى الذين كلامهم قد خالف صريح القرآن مخالفة ظاهرة، وهؤلاء من أغلظ الناس حجابا عن فهم كتاب الله.
[الدرر السنية في الأجوبة النجدية (١٣ / ٤١٢ - ٤١٥)]
وأصله في [مجموع الفتاوى (١٦ / ٤٨ - ٥١)]
.
BY الفقير إلى رب البريات
Share with your friend now:
tgoop.com/ibntaymiyyah728/5568