الفقير إلى رب البريات

كتب الفتاوى شاهدة على معاملة جميلة ما زال بعض التجار يعملون بها ...

جاء في كتاب أحكام السوق ليحيى بن عمر المالكي (ت ٢٨٩ هجرية) [ص ١٣٧ - ١٣٨]

أنه سئل: "عن الجزارين والبقالين يخلون السوق لواحد منهم يبيع فيه اللحم وحده يوما أو يومين، ولا يبيع باقي أهل السوق في ذلك اليوم أخلوه لذلك الرجل وحده، وإذا صنعوا ذلك رفقا بذلك الرجل إذ أفنى ما في يده أو أراد أن يتزوج فيقوى بذلك الربح الذي أمسك هؤلاء عنه، هل ترى ذلك جائزا لهم ولذلك الرجل أو لا إذا لم ينقص من السعر شيئا؟

أو لا يجوز ذلك له ولهم، لأنهم إذا أخلوه لذلك الرجل فباع ذلك الرجل وحده بقي السوق خاليا من اللحم والبقل إلا ما عنده، واحتاج أهل السوق إلى شراء اللحم أو البقل فلم يجدوه؟"

فأجاب الفقيه المالكي: "إذا أخلى أهل السوق السوق لهذا الرجل كما ذكرت وكان مضرة على العامة نهوا عن ذلك وإن لم ينقص من السعر شيئا، وإن لم يكن على العامة فيه ضرر فذلك لهم".

أقول: تأمل هذه (الحيلة) الحسنة وما فيها من التكافل من غير منة العطاء ولا ذلة المعونة، بل يؤثر جميع الجيران من أهل الصناعة الواحدة جارهم ليعينوه على تكاليف زواجه أو دينه أو غير ذلك.

وهذه المعاني الرفيعة لا يدرك غورها من يعيش في جحيم الرأسمالية حيث يرى المنافس أي ضائقة مالية لمنافسه فرصة لا تعوض لاستغلاله وطرده من السوق.

ثم تأمل مراعاة الفقيه لحال عامة المسلمين؛ فليس عمل الخير مبررا للإضرار بالصالح العام، وهذا من كمال الشرع الشريف ودقة نظر فقهاء الدين.

ذكر المحقق في الحاشية نقلا عن بعض كتب الجاحظ يؤكد شيوع هذه المعاملة: "وإنّه ليبلغني أنّ رجلا من القصابين يكون في سوقه، فيتلف ما في يديه، فيخلّي له القصّابون سوقهم يوما، ويجعلون له أرباحهم، فيكون بربحها منفردا، وبالبيع مفردا، فيسدّون بذلك خلّته، ويجبرون منه كسره".

.

www.tgoop.com/ibntaymiyyah728/5572

2.8K viewsedited  Sep 16, 2023 at 18:46

كتب الفتاوى شاهدة على معاملة جميلة ما زال بعض التجار يعملون بها ...

جاء في كتاب أحكام السوق ليحيى بن عمر المالكي (ت ٢٨٩ هجرية) [ص ١٣٧ - ١٣٨]

أنه سئل: "عن الجزارين والبقالين يخلون السوق لواحد منهم يبيع فيه اللحم وحده يوما أو يومين، ولا يبيع باقي أهل السوق في ذلك اليوم أخلوه لذلك الرجل وحده، وإذا صنعوا ذلك رفقا بذلك الرجل إذ أفنى ما في يده أو أراد أن يتزوج فيقوى بذلك الربح الذي أمسك هؤلاء عنه، هل ترى ذلك جائزا لهم ولذلك الرجل أو لا إذا لم ينقص من السعر شيئا؟

أو لا يجوز ذلك له ولهم، لأنهم إذا أخلوه لذلك الرجل فباع ذلك الرجل وحده بقي السوق خاليا من اللحم والبقل إلا ما عنده، واحتاج أهل السوق إلى شراء اللحم أو البقل فلم يجدوه؟"

فأجاب الفقيه المالكي: "إذا أخلى أهل السوق السوق لهذا الرجل كما ذكرت وكان مضرة على العامة نهوا عن ذلك وإن لم ينقص من السعر شيئا، وإن لم يكن على العامة فيه ضرر فذلك لهم".

أقول: تأمل هذه (الحيلة) الحسنة وما فيها من التكافل من غير منة العطاء ولا ذلة المعونة، بل يؤثر جميع الجيران من أهل الصناعة الواحدة جارهم ليعينوه على تكاليف زواجه أو دينه أو غير ذلك.

وهذه المعاني الرفيعة لا يدرك غورها من يعيش في جحيم الرأسمالية حيث يرى المنافس أي ضائقة مالية لمنافسه فرصة لا تعوض لاستغلاله وطرده من السوق.

ثم تأمل مراعاة الفقيه لحال عامة المسلمين؛ فليس عمل الخير مبررا للإضرار بالصالح العام، وهذا من كمال الشرع الشريف ودقة نظر فقهاء الدين.

ذكر المحقق في الحاشية نقلا عن بعض كتب الجاحظ يؤكد شيوع هذه المعاملة: "وإنّه ليبلغني أنّ رجلا من القصابين يكون في سوقه، فيتلف ما في يديه، فيخلّي له القصّابون سوقهم يوما، ويجعلون له أرباحهم، فيكون بربحها منفردا، وبالبيع مفردا، فيسدّون بذلك خلّته، ويجبرون منه كسره".

.

BY الفقير إلى رب البريات