IBNTAYMIYYAH728 Telegram 5610
معضلة المصلح المفسد (مفاتيح الإصلاح في كتاب الله عز وجل)

أخبر الله عز وجل في غير موضع من كتابه العزيز أن طائفة من الناس (يفسدون) وهم يظنون أنهم (مصلحون)، وحذرنا سبحانه وتعالى من صفاتهم وعرفنا سبيل الذين أنعم عليهم سبحانه حتى نقتدي بهم

فلم يقتصر ذكر المفسدين على ذكر فاسدي النيات، بل شمل صنفا آخر، هم الذين ذكرهم الله عز وجل في سورة الكهف: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يحسبون أنهم يحسنون صنعًا﴾

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة. "

وقد جاء تقرير هذا المعنى في آيات وأحاديث كثيرة،

فمن ذلك قول الله عز وجل: "عاملة ناصبة"

روى الحاكم بسنده: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب فناداه: يا راهب يا راهب. قال: فأشرف عليه فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: "ذكرت قول الله عز وجل في كتابه: ﴿عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية﴾ فذلك الذي أبكاني".

ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة».

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ."

ولذلك كانت البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها والبدعة يتقرب إلى الله عز وجل بها، وتقرير هذا الأصل في كلام أهل العلم كثير جدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء - مع وجود الاختلاف في قول كل منهما: - أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد، وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله، وإن لم يكن مطابقا، لكن اعتقادا ليس بيقيني، كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل، وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا، وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط، أو باتباع الظاهر، فيعتقد ما دل عليه ذلك، وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا، فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد، وإن كان قد يكون غير مطابق، وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط.

فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة: عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا،

بخلاف أصحاب الأهواء، فإنهم ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾ ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض، مع عدم العلم بجزمه، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده، لا باطنا ولا ظاهرا، ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده، ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه، فكانوا ظالمين، شبيها بالمغضوب عليهم، أو جاهلين، شبيها بالضالين.

فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق، وقد سلك طريقه، وأما متبع الهوى المحض: فهو من يعلم الحق ويعاند عنه.

وثم قسم آخر - وهم غالب الناس - وهو أن يكون له هوى، وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة، فتجتمع الشهوة والشبهة، ولهذا جاء في حديث مرسل عن النبي - ﷺ - أنه قال: «إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات».

فالمجتهد المحض مغفور له أو مأجور، وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب، وأما المجتهد الاجتهاد المركب على شبهة وهوى: فهو مسيء، وهم في ذلك درجات بحسب ما يغلب، وبحسب الحسنات الماحية.

وأكثر المتأخرين من المنتسبين إلى فقه أو تصوف مبتلون بذلك."

أقول: تأمل كلام هذا الخبير بأحوال السلف وأحوال المتأخرين، واعجب بعد ذلك لمن يزكي المتأخرين ويرفع قدرهم ويجعل السلف بمنزلة صالحي العوام ممن لم يحقق دقيق العلم، وإن أنكر ذلك بلسانه!

فكيف إذا تعدى حاله إلى تزكية نفسه وأصحابه بالإصلاح ووصف منازعيه بالمفسدين!

===



tgoop.com/ibntaymiyyah728/5610
Create:
Last Update:

معضلة المصلح المفسد (مفاتيح الإصلاح في كتاب الله عز وجل)

أخبر الله عز وجل في غير موضع من كتابه العزيز أن طائفة من الناس (يفسدون) وهم يظنون أنهم (مصلحون)، وحذرنا سبحانه وتعالى من صفاتهم وعرفنا سبيل الذين أنعم عليهم سبحانه حتى نقتدي بهم

فلم يقتصر ذكر المفسدين على ذكر فاسدي النيات، بل شمل صنفا آخر، هم الذين ذكرهم الله عز وجل في سورة الكهف: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يحسبون أنهم يحسنون صنعًا﴾

قال الإمام الطبري رحمه الله: "وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا، وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة. "

وقد جاء تقرير هذا المعنى في آيات وأحاديث كثيرة،

فمن ذلك قول الله عز وجل: "عاملة ناصبة"

روى الحاكم بسنده: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بدير راهب فناداه: يا راهب يا راهب. قال: فأشرف عليه فجعل عمر ينظر إليه ويبكي، قال: فقيل له: يا أمير المؤمنين ما يبكيك من هذا؟ قال: "ذكرت قول الله عز وجل في كتابه: ﴿عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية﴾ فذلك الذي أبكاني".

ومن ذلك قول الله عز وجل: ﴿إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون

ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة، رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك في النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو في النار، وقاض قضى بالحق فذلك في الجنة».

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ."

ولذلك كانت البدعة أحب إلى إبليس من المعصية؛ لأن المعصية يتاب منها والبدعة يتقرب إلى الله عز وجل بها، وتقرير هذا الأصل في كلام أهل العلم كثير جدا.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

"وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء - مع وجود الاختلاف في قول كل منهما: - أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد، وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله، وإن لم يكن مطابقا، لكن اعتقادا ليس بيقيني، كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل، وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا، وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط، أو باتباع الظاهر، فيعتقد ما دل عليه ذلك، وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقا، فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد، وإن كان قد يكون غير مطابق، وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط.

فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة: عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا،

بخلاف أصحاب الأهواء، فإنهم ﴿إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس﴾ ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزما لا يقبل النقيض، مع عدم العلم بجزمه، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده، لا باطنا ولا ظاهرا، ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده، ويجتهدون اجتهادا لم يؤمروا به، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه، فكانوا ظالمين، شبيها بالمغضوب عليهم، أو جاهلين، شبيها بالضالين.

فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق، وقد سلك طريقه، وأما متبع الهوى المحض: فهو من يعلم الحق ويعاند عنه.

وثم قسم آخر - وهم غالب الناس - وهو أن يكون له هوى، وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة، فتجتمع الشهوة والشبهة، ولهذا جاء في حديث مرسل عن النبي - ﷺ - أنه قال: «إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات».

فالمجتهد المحض مغفور له أو مأجور، وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب، وأما المجتهد الاجتهاد المركب على شبهة وهوى: فهو مسيء، وهم في ذلك درجات بحسب ما يغلب، وبحسب الحسنات الماحية.

وأكثر المتأخرين من المنتسبين إلى فقه أو تصوف مبتلون بذلك."

أقول: تأمل كلام هذا الخبير بأحوال السلف وأحوال المتأخرين، واعجب بعد ذلك لمن يزكي المتأخرين ويرفع قدرهم ويجعل السلف بمنزلة صالحي العوام ممن لم يحقق دقيق العلم، وإن أنكر ذلك بلسانه!

فكيف إذا تعدى حاله إلى تزكية نفسه وأصحابه بالإصلاح ووصف منازعيه بالمفسدين!

===

BY الفقير إلى رب البريات


Share with your friend now:
tgoop.com/ibntaymiyyah728/5610

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Telegram channels fall into two types: Telegram iOS app: In the “Chats” tab, click the new message icon in the right upper corner. Select “New Channel.” Judge Hui described Ng as inciting others to “commit a massacre” with three posts teaching people to make “toxic chlorine gas bombs,” target police stations, police quarters and the city’s metro stations. This offence was “rather serious,” the court said. Ng Man-ho, a 27-year-old computer technician, was convicted last month of seven counts of incitement charges after he made use of the 100,000-member Chinese-language channel that he runs and manages to post "seditious messages," which had been shut down since August 2020. To upload a logo, click the Menu icon and select “Manage Channel.” In a new window, hit the Camera icon.
from us


Telegram الفقير إلى رب البريات
FROM American