tgoop.com/islamhis4/21726
Last Update:
عند اجتياح المغول للأمة الإسلامية، لم يكن الخطر مقتصرًا على التفوق العسكري والتكتيكي، بل كان الأشد فتكًا هو الانهيار النفسي الذي سبق المعارك، حتى أصبح مجرد ذكر التتار كفيلًا بزرع الرعب في القلوب قبل أن تصل جحافلهم.
يصف ابن الأثير، المؤرخ المعاصر لتلك الأحداث، هذه الحالة المأساوية نقلًا عمّن نجوا بأعجوبة من هجمات المغول الوحشية، فيروي أن الفارس التتري كان يدخل القرية وحده، وفيها عشرات أو مئات من المسلمين، فيبدأ بقتلهم واحدًا تلو الآخر، بينما يقف الآخرون بلا مقاومة، مشدوهين بالخوف، عاجزين حتى عن رفع أيديهم للدفاع عن أنفسهم.
ويحكي عن حادثة أخرى، حيث أمسك تتري بأحد المسلمين، لكنه لم يكن يحمل سيفًا، فأمره أن يضع رأسه على الأرض وينتظر، فامتثل الرجل المسكين، ثم مضى التتري ليحضر سيفه وعاد ليقتله دون أي مقاومة تُذكر!
وفي مشهد آخر، يخبرنا رجلٌ ممن كتب لهم النجاة أنه كان مع سبعة عشر رجلًا على الطريق، فداهمهم فارسٌ تتريٌّ واحد، وأمرهم أن يقيّد بعضهم بعضًا، فشرعوا في تنفيذ أوامره دون اعتراض، حتى قال لهم: "هذا رجل واحد، لماذا لا نهاجمه ونهرب؟" لكنهم أجابوا بخوف: "نخشى بطشه!"، فما كان منه إلا أن استل سكينًا وقتل الفارس بنفسه، وتمكن من الفرار، بينما كان الآخرون أسرى للخوف قبل أن يكونوا أسرى للعدو.
وقد شهدت أقاليم أذربيجان موقفًا يكشف مدى انهيار الروح القتالية لدى المسلمين، حيث دخل التتار إلى بلدة "بدليس"، التي كانت حصينة ولا يمكن الوصول إليها إلا عبر ممر جبلي ضيق، يكفي فيه عدد قليل من الفرسان لصد جيش بأكمله. لكن المفاجأة أن أهلها هربوا إلى الجبال دون أي مقاومة، وتركوا مدينتهم نهبًا للتتار، الذين لم يواجهوا أي صعوبة في إحراقها وتدميرها.
وامتدت الهزيمة النفسية إلى درجة أن المسلمين قبل قتلهم كانوا يستحلفون التتار بالله أن يتركوهم أحياء، حتى أن التتار سخروا منهم، وجعلوا من كلماتهم أغنية يتغنون بها بعد المذابح، قائلين: "لا بالله.. لا بالله"، كما نقل بعض الناجين الذين شاهدوا هذه المشاهد من نوافذ بيوت مهجورة كانوا يختبئون فيها.
لقد كانت تلك حقبة حالكة السواد في تاريخ الأمة، حيث لم يكن الانهيار في العتاد أو العدد، بل في القلوب التي لم تعد تؤمن بالنصر، فكانت الهزيمة قبل أن تبدأ المعركة. ولكن الله سبحانه وتعالى نبّه المسلمين إلى أن العلو والنصر لا يرتبطان بالقوة المادية وحدها، بل بالإيمان والثبات، كما قال:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] .
📚 المصادر :
1. ابن الأثير، الكامل في التاريخ ، حوادث سنة 628 هـ.
2. ابن كثير، البداية والنهاية ، الحديث عن اجتياح المغول لبلاد المسلمين.
3. ابن خلدون، المقدمة .
BY التاريخ الإسلامي islamic history
Share with your friend now:
tgoop.com/islamhis4/21726