tgoop.com/khadambidouneojra67/1239
Last Update:
المقتضى الأول هذه المصنوعات إنما تخلق وتوجد بالصفات المطلقة لحاكم حكيم كبير كامل، وبأسمائه المطلقة وبعلمه غير المحدود وبقدرته غير المتناهية. يشهد على هذا ما هو ماثل أمامنا من الأفعال الحكيمة
والتصاريف البصيرة للأمور الجارية في هذا الكون.
نعم، يفهم ويُعلم قطعا بحدس قطعي من هذه الآثار بل يُشاهد: أن ذلك الصانع له حاكمية وآمرية بدرجة الربوبية العامة، وله كبرياء وعظمة بدرجة الجبروتية المطلقة، وله كمال واستغناء عن غيره بدرجة الألوهية المطلقة
وله فعالية وسلطنة لا تتناهى ولا يحدها حد ولا يقيدها قيد.
فالحاكمية والكبرياء والكمال والاستغناء عن الغير والإطلاق والإحاطة وعدم التناهي وعدم الحد، كلها تستلزم الوحدانية وتضاد الشرك.
فشهادة الحاكمية والأمرية على التوحيد والوحدانية قد أثبتت في مواضع كثيرة من رسائل النور، نورد زبدة خلاصتها على النحو الآتي:
إن شأن الحاكمية ومقتضاها الاستقلال والانفراد ورد مداخلة الآخرين، حتى إن الإنسان المحتاج فطرة إلى معاونة الآخرين لعجزه، يرد مداخلة غيره في شؤونه بظل من تلك الحاكمية حفاظا على استقلاله؛ لذا فلا يوجد
سلطانان في بلد، ولا واليان في ولاية، ولا
#22
مديران في ناحية، بل ولا مختاران في قرية. وإذا ما وجد سلطانان في بلد فالأمور تضطرب ويختل النظام ويحدث الهرج والمرج.
فلئن كان ظل حاكمية في الإنسان العاجز المحتاج إلى المعاونة يرد مداخلة الآخرين ويرفض اشتراكهم رفضا باتا إلى هذه الدرجة، فلا تقبل قطعا حاكمية في ربوبية مطلقة للقدير المطلق المنزه عن العجز مداخلة سواها واشتراكه بل تردّه ردا قويا، وتطرد من ديوانها من يتوهم الشرك ويعتقد
به طردا عنيفا.
ومن هذه الحقيقة ينبثق الزجر العنيف الذي يزجر القرآن الكريم به المشركين ويردهم.
أما شهادة الكبرياء والعظمة والجلال على الوحدانية، فهي الأخرى قد بينت براهينها الساطعة في رسائل النور. لذا يشار إلى فحواها في اختصار
شدید.
مثال: كما أن عظمة نور الشمس، وكبرياء ضيائها لا تدعان حاجةً إلى أنوار ضعيفة أخرى بقربها وبلا حائل، ولا تمنح لها تأثيرا يذكر؛ كذلك عظمة القدرة الإلهية وكبرياؤها لا تدعان حاجة إلى أية قدرة أخرى وإلى أية قوة أخرى، ولا تفوضان إليهما أي إيجاد كان ولا أي تأثير حقيقي كان، ولاسيما في ذوي الحياة والشعور من المخلوقات التي تتمركز فيها جميع المقاصد الربانية في الكون وتدور عليها. فلا يمكن أن تدع تلك العظمة والكبرياء شيئا منها إلى الأغيار قطعا. وكذا الأحوال والثمرات والنتائج التي هي في جزئيات ذوي الحياة والتي تتظاهر فيها غايات خلق الإنسان وغايات إيجاد النعم التي لا تعد ولا تحصى، فلا يمكن إحالتها إلى يد الأغيار قطعا.
فمثلا: الامتنان الحقيقي والرضى الحقيقي الذي ينبعث من كائن حي نتيجة شفاء جزئي من مرض، أو رزق جزئي أتاه أو اهتداء إلى الله، لا يمكن أن يتوجه إلا إليه تعالى. فتقديم الحمد والثناء إلى غيره تعالى يمس عظمة الربوبية وكبرياء الألوهية ويتجاوز على عزة المعبودية المطلقة والجلال.
أما إشارة الكمال إلى سر الوحدانية فهي الأخرى قد وضحت في رسائل النور ببراهينها الساطعة.
#23
وخلاصة مختصرة لفحواها هي أن خلق السماوات والأرض يقتضي بالبداهة قدرة مطلقة في منتهى الكمال، بل إن الأجهزة العجيبة لكل كائن حي تقتضي كذلك قدرة في كمال مطلق والكمال الذي هو في القدرة المطلقة المنزهة عن العجز والمبرأة عن القيد يستلزم الوحدانية بلا شك. إذ بخلافه يعتري كماله النقص وإطلاقه القيد، ويعني إنهاء لا تناهيه، وإسقاط أقوى قدرة إلى أضعف عجز، ويستلزم إنهاء قدرة لا تتناهى وفي لا تناهيه بشيء متناه. وهذا محال في محال بخمسة وجوه.
أما شهادة الإطلاق والإحاطة وعدم التناهي على الوحدانية فهي الأخرى قد ذكرت مفصلا في رسائل "سراج النور" ومضمونها المختصر هو: أن كل فعل من الأفعال الجارية في الكون بانتشار أثره في جميع النواحي انتشارا مستوليا يبين أنه محيط وطليق ولا حدود له ولا قيد يقيده. وأن الشرك والاشتراك يجعل تلك الإحاطة تحت الانحصار وذلك الإطلاق تحت القيد وتلك اللا محدودية تحت الحد، فيفسد حقيقة الإطلاق وماهية الإحاطة... فلابد أن الشرك محال في تلك الأفعال التي هي مطلقة ومحيطة بكل شيء، ولا وجود له حتما.
نعم، إن ماهية الإطلاق ضد الشرك، لأن معنى الإطلاق حتى لو كان في شيء متناه ومادي ومحدود، فإنه ينتشر انتشار استيلاء واستقلال إلى جميع الأطراف كالهواء والضياء والنور والحرارة بل حتى الماء، إذا ما نال أي من هذه الأشياء صفة الإطلاق فإنه ينتشر إلى جميع الأطراف والجهات.
فما دامت جهة الإطلاق حتى لو كانت في الشيء الجزئي تجعل الأشياء المادية والمحدودة مستولية على هذه الصورة، فلابد أن الإطلاق الحقيقي الكلي يمنح الصفات اللانهائية والمنزهة عن المادة والتي لا تحدها حدود والمبرأة عن القصور، يمنحها استيلاء وإحاطةً كاملة إلى حد لا يمكن أن تقبل الشرك والاشتراك بأية جهة كانت ولا يمكن أن يكون لهما احتمال
قطعا.
BY مقتطفات إيمانية من رسائل النور
Share with your friend now:
tgoop.com/khadambidouneojra67/1239