tgoop.com/knashataldremy/8382
Last Update:
عاشت المرأة المصرية حقبة من دهرها مطمئنة في بيتها، راضية عن نفسها وعن عيشها، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها، أو وقفة تقفها بين يدي ربها، أو عطفة تعطفها على ولدها، أو جلسة تجلسها إلى جارتها تبثها ذات نفسها، وتستبثها سريرة قلبها. وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها وائتمارها بأمر زوجها، ونزولها عند رضاهما.
وكانت تفهم معنى الحب، وتجهل معنى الغرام، فتحب زوجها لأنه زوجها، كما تحب ولدها لأنه ولدها. فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج، رأت هي أن الزواج أساس الحب.
فقلتم لها: إنَّ هؤلاء الذين يستبدون بأمرك من أهلك، ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأياً، ولا أقدر على النظر لك من نظرك لنفسك، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك.
فازدرت أباها، وتمردت على زوجها، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرساً من الأعراس الضاحكة، مناحة قائمة، لا تهدأ نارها، ولا يخبو أوارها.
وقلتم لها: لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك.
فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها، فلم يزد عمر سعادتها على يوم وليلة، ثم الشقاء الطويل بعد ذلك، والعذاب الأليم.
وقلتم لها: إن الحب أساس الزواج.
فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة، حتى شغلها الحب عن الزواج فعنيت به عنه.
وقلتم لها: إن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها.
وما كانت تعرف إلا أن الزواج غير العشيق، فأصبحت تطلب في كل يوم زوجاً جديداً يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم. فلا قديماً استبقت ولا جديداً أفادت.
وقلتم لها: لا بد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك، والقيام على شؤون بيتك.
فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها، والقيام على شؤون بيتها.
وقلتم لها: نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها، ويلائم ذوقها ذوقنا، وشعورها شعورنا.
فرأت أن لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم، ومباهج أنظاركم، لتتجمل لكم بما تحبون، فراجعت فهرس حياتكم، صفحة صفحة، فلم تر فيه غير أسماء الخليعات المستهترات، والضاحكات اللاعبات، والإعجاب بهن والثناء على ذكائهن وفطنتهن.
فتخلعت، واستهترت لتبلغ رضاكم، وتنزل عند محبتكم. ثم مشت إليكم بهذا الثوب الرقيق الشفاف، تعرض نفسها عليكم عرضاً، كما تُعرض الأَمَةُ في سوق الرقيق. فأعرضتم عنها ونَبَوتُم بها،
وقلتم لها:
- إنا لا نتزوج النساء العاهرات.
كأنكم لا تبالون أن يكون نساء الأمة جميعاً ساقطات، إذا سلمت لكم نساؤكم. فرجعت أدراجها خائبة منكسرة، وقد أباها الخليع، وترفع عنها المحتشم، فلم تجد بين يديها غير باب السقوط فسقطت.
وكذلك انتشرت الريبة في نفوس الأمة جميعاً، وتمشت الظنون بين رجالها ونسائها، فتعاجز الفريقان، وأظلم الفضاء بينهما، وأصبحت البيوت كالأديرة لا يرى فيها الرائي إلا رجالاً مترهبين، ونساءً عانسات.
ذلك بكاؤكم على المرأة أيها الراحمون، وهذا رثاؤكم لها وعطفكم عليها!
نحن نعلم كما تعلمون أن المرأة في حاجة إلى العلم، فليهذبها أبوها أو أخوها، فالتهذيب أنفع لها من العلم. وإلى اختيار الزوج العادل الرحيم، فليحسن الآباء اختيار الأزواج لبناتهم وليجمل الأزواج عِشرة نسائهم.
وإلى النور والهواء تبرز إليهما، وتتمتع فيهما بنعمة الحياة، فليأذن لها أولياؤها بذلك، وليرافقها رفيق منهم في غدواتها وروحاتها، كما يرافق الشاةَ راعيها، خوفاً عليها من الذئاب.
فإن عجزنا عن أن نأخذ الآباء والأخوة والأزواج بذلك، فلننفض أيدينا من الأمة جميعها، نسائها ورجالها، فليست المرأة بأقدر على إصلاح نفسها من الرجل على إصلاحها.
أعجب ما أعجب له في شؤونكم أنكم تعلمتم كل شيء، إلا شيئاً واحداً هو أدنى إلى مدارككم أن تعلموه قبل كل شيء، وهو أن لكل تربة نباتاً ينبت فيها، ولكل نبات زمناً ينمو فيه.
إنا نضرع إليكم باسم الشرف الوطني والحرمة الدينية، أن تتركوا تلك البقية الباقية من نساء الأمة مطمئنات في بيوتهن، ولا تزعجوهن بأحلامكم وآمالكم كما أزعجتم من قبلهن.
فكل جرح من جروح الأمة له دواء، إلا جرح الشرف، فإن أبيتم إلا أن تفعلوا، فانتظروا بأنفسكم قليلاً ريثما تنتزع الأيام من صدوركم هذه الغيرة التي ورثتموها عن آبائكم وأجدادكم، لتستطيعوا أن تعيشوا في حياتكم الجديدة سعداء آمنين.
الحجاب للمنفلوطي، بتصرف يسير
#كناشة_الدرعمي
BY كُنَّاشَة الدَرعَمِيِّ
Share with your friend now:
tgoop.com/knashataldremy/8382