من أجمل، وأمتع، وأفضل ما قرأت في قصة آدم عليه السلام واستخلاص العبر منها ما ذكره ابن القيم في كتاب الفوائد، قال:
وتأمل كيف كتب سبحانه عُذْرَ آدم قبل هبوطه إلى الأرض، ونبه الملائكة على فضلِهِ وشرفه، ونوَّه باسمه قبل إيجادِهِ بقوله : ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة/ ٣٠].
وتأمل كيف وَسَمَهُ بالخلافة، وتلك ولاية له قبل وجوده، وأقام عُذْرَهُ قبل الهبوط بقوله: ﴿فِي الْأَرْضِ)؛ والمحبُّ يُقيم عُذْرَ المحبوب قبل جنايته.
فلما صوَّره ألقاه على باب الجنة أربعين سنة؛ لأنَّ دأب المحب الوقوف على باب الحبيب.
رَمَى به في طريق ذلَّ (لَمْ يَكُن شَيْئًا﴾ لئلا يُعْجَبَ يومَ (اسْجُدُوا).
وكان إبليس يمر على جسده، فيعجب منه ويقول: لأمر قد خُلِقتَ! ثم يدخل من فيه ويخرج من دُبُرِهِ ويقول: لئن سُلِّطْتُ عليك لأهلكنَّك، ولئن سُلِّطْتَ عليَّ لأعصينك! ولم يَعلَمْ أنَّ هلاكه على يده. رأى طينا مجموعا فاحتقره، فلما صُوِّرَ الطين صورةً دَبَّ فيه داءُ الحسد، فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد. فلمَّا بُسِطَ له بساطُ العِزّ عُرِضَتْ عليه المخلوقات، فاسْتُحْضِرَ مدَّعي (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ﴾ إلى حاكم (أَنْبِئونِي)، وقد أخفى الوكيل عنه بينةَ (وَعَلَّمَ)، فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور الإقرار، فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادي: (اسْجُدُوا)، فتطهروا من حَدَثِ دعوى ﴿وَنَحْنُ﴾ بماء العذر في آنية (لَا عِلْمَ لَنَا﴾، فسجدوا على طهارة التسليم. وقام إبليس ناحيةً لم يَسجُدْ؛ لأنَّه خَبَثْ، وقد تلوَّث بنجاسة الاعتراض، وما كانتْ نجاسته تُتلافى بالتطهير؛ لأنَّها عينية.
فلما تم كمال آدم قيل: لابد من خالِ جمالٍ على وجه (اسْجُدُوا)، فجرى القدرُ بالذَّنْبِ؛ ليتبيَّن أثر العبودية في الذُّلِّ .
يا آدم! لو عُفِيَ لك عن تلك اللُّقْمَةِ لقال الحاسدون: كيف فُضّل ذو شَرَه لم يصبر على شجرة؟!
لولا نزولك ما تصاعدتْ صُعداء الأنفاس، ولا نزلت رسائل «هل من سائل »، ولا فاحت روائح «ولخُلُوفُ فم الصائم»؛ فتبين حينئذ أن ذلك التناول لم يكن عن شره .
يا آدم! ضَحِكُك في الجنة لك، وبكاؤك في دار التكليف لنا.
ما ضُرَّ مَن كَسرَهُ عزّي إذا جَبَرَهُ فَضْلي. إنما تليقُ خِلْعَةُ العِزّ ببدن الانكسار. أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي.
ما زالت تلك الأكلةُ تُعادُّه حتى استولى داؤه على أولاده، فأرسل إليهم اللطيف الخبير الدواء على أيدي أطباء الوجودِ :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾، فحماهم الطبيب بالمناهي، وحَفِظَ القوة بالأوامر، واستفرغ أخلاطهم الرديئة بالتوبة، فجاءت العافية من كل ناحية .
فيا من ضَيَّع القوة ولم يحفظها، وخَلَّط في مرضه وما احتمى ولا صبر على مرارة الاستفراغ! لا تُنكر قُرب الهلاك؛ فالداء مترام إلى الفساد! لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة؛ ظَفِرْتَ بأنواع اللَّذَّات وأصنافِ المشتهيات، ولكن بخار الشهوة غطَّى عين البصيرة، فظننت أن الحزم بيعُ الوعدِ بالنقدِ.
يا لها بصيرةً عمياء! جَزِعَتْ من صبر ساعة، واحتملت ذُلَّ الأبد! سافرت في طلب الدُّنيا وهي عنها زائلةٌ، وقعدت عن السفر إلى الآخرة وهي إليها راحلة .
وتأمل كيف كتب سبحانه عُذْرَ آدم قبل هبوطه إلى الأرض، ونبه الملائكة على فضلِهِ وشرفه، ونوَّه باسمه قبل إيجادِهِ بقوله : ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة/ ٣٠].
وتأمل كيف وَسَمَهُ بالخلافة، وتلك ولاية له قبل وجوده، وأقام عُذْرَهُ قبل الهبوط بقوله: ﴿فِي الْأَرْضِ)؛ والمحبُّ يُقيم عُذْرَ المحبوب قبل جنايته.
فلما صوَّره ألقاه على باب الجنة أربعين سنة؛ لأنَّ دأب المحب الوقوف على باب الحبيب.
رَمَى به في طريق ذلَّ (لَمْ يَكُن شَيْئًا﴾ لئلا يُعْجَبَ يومَ (اسْجُدُوا).
وكان إبليس يمر على جسده، فيعجب منه ويقول: لأمر قد خُلِقتَ! ثم يدخل من فيه ويخرج من دُبُرِهِ ويقول: لئن سُلِّطْتُ عليك لأهلكنَّك، ولئن سُلِّطْتَ عليَّ لأعصينك! ولم يَعلَمْ أنَّ هلاكه على يده. رأى طينا مجموعا فاحتقره، فلما صُوِّرَ الطين صورةً دَبَّ فيه داءُ الحسد، فلما نفخ فيه الروح مات الحاسد. فلمَّا بُسِطَ له بساطُ العِزّ عُرِضَتْ عليه المخلوقات، فاسْتُحْضِرَ مدَّعي (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ﴾ إلى حاكم (أَنْبِئونِي)، وقد أخفى الوكيل عنه بينةَ (وَعَلَّمَ)، فنكسوا رؤوس الدعاوى على صدور الإقرار، فقام منادي التفضيل في أندية الملائكة ينادي: (اسْجُدُوا)، فتطهروا من حَدَثِ دعوى ﴿وَنَحْنُ﴾ بماء العذر في آنية (لَا عِلْمَ لَنَا﴾، فسجدوا على طهارة التسليم. وقام إبليس ناحيةً لم يَسجُدْ؛ لأنَّه خَبَثْ، وقد تلوَّث بنجاسة الاعتراض، وما كانتْ نجاسته تُتلافى بالتطهير؛ لأنَّها عينية.
فلما تم كمال آدم قيل: لابد من خالِ جمالٍ على وجه (اسْجُدُوا)، فجرى القدرُ بالذَّنْبِ؛ ليتبيَّن أثر العبودية في الذُّلِّ .
يا آدم! لو عُفِيَ لك عن تلك اللُّقْمَةِ لقال الحاسدون: كيف فُضّل ذو شَرَه لم يصبر على شجرة؟!
لولا نزولك ما تصاعدتْ صُعداء الأنفاس، ولا نزلت رسائل «هل من سائل »، ولا فاحت روائح «ولخُلُوفُ فم الصائم»؛ فتبين حينئذ أن ذلك التناول لم يكن عن شره .
يا آدم! ضَحِكُك في الجنة لك، وبكاؤك في دار التكليف لنا.
ما ضُرَّ مَن كَسرَهُ عزّي إذا جَبَرَهُ فَضْلي. إنما تليقُ خِلْعَةُ العِزّ ببدن الانكسار. أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي.
ما زالت تلك الأكلةُ تُعادُّه حتى استولى داؤه على أولاده، فأرسل إليهم اللطيف الخبير الدواء على أيدي أطباء الوجودِ :﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾، فحماهم الطبيب بالمناهي، وحَفِظَ القوة بالأوامر، واستفرغ أخلاطهم الرديئة بالتوبة، فجاءت العافية من كل ناحية .
فيا من ضَيَّع القوة ولم يحفظها، وخَلَّط في مرضه وما احتمى ولا صبر على مرارة الاستفراغ! لا تُنكر قُرب الهلاك؛ فالداء مترام إلى الفساد! لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة؛ ظَفِرْتَ بأنواع اللَّذَّات وأصنافِ المشتهيات، ولكن بخار الشهوة غطَّى عين البصيرة، فظننت أن الحزم بيعُ الوعدِ بالنقدِ.
يا لها بصيرةً عمياء! جَزِعَتْ من صبر ساعة، واحتملت ذُلَّ الأبد! سافرت في طلب الدُّنيا وهي عنها زائلةٌ، وقعدت عن السفر إلى الآخرة وهي إليها راحلة .
كم جاءَ الثوابُ يَسعَى إليك، فوقف بالباب، فردَّه بوَّابُ (سوفَ) و(لعلَّ) و(عسى)..!
- ابن القيم
- ابن القيم
كيف الفلاحُ بين إيمانٍ ناقصٍ،
وأمل زائدٍ،
ومرضٍ لا طبيب له ولا عائد،
وهوىً مستيقظ،
وعقلٍ راقدٍ؛
ساهيًا في غمرته،
عَمِهًا في سكرته،
سابحًا في لُجَّةِ جهلِهِ،
مستوحشًا من ربِّه،
مُستأنسًا بخَلقِهِ،
ذِكرُ الناس فاكهته وقوتُه،
وذِكْرُ الله حبْسُهُ وموْتُهُ،
لله منه جزءٌ يسيرُ من ظاهرِهِ،
وقلبُهُ ويقينُه لغيرِهِ؟!
-ابن القيم
وأمل زائدٍ،
ومرضٍ لا طبيب له ولا عائد،
وهوىً مستيقظ،
وعقلٍ راقدٍ؛
ساهيًا في غمرته،
عَمِهًا في سكرته،
سابحًا في لُجَّةِ جهلِهِ،
مستوحشًا من ربِّه،
مُستأنسًا بخَلقِهِ،
ذِكرُ الناس فاكهته وقوتُه،
وذِكْرُ الله حبْسُهُ وموْتُهُ،
لله منه جزءٌ يسيرُ من ظاهرِهِ،
وقلبُهُ ويقينُه لغيرِهِ؟!
-ابن القيم
حاشاه أن يخلق عبدًا ثم ينساه..!
"وما كان ربك نسيًا"
ولكن العبد ضعيف،
قليل الصبر،
يستغرق في اللحظة، ولا يرى ما وراءها،
فيظن أن ربه قلاه..!
"وما كان ربك نسيًا"
ولكن العبد ضعيف،
قليل الصبر،
يستغرق في اللحظة، ولا يرى ما وراءها،
فيظن أن ربه قلاه..!
كان يعقوب موقنًا بالفرج، عالمًا بالبلاء، ولكن ذلك لم يمنع حزنه..
ولا قدح ما وجد في نفسه من ألم الفرقة في رضاه عن ربه وثقته في حكمته،
ولكنه بشرٌ؛ يضعُف ويتألم ويحزن، ويجد مرارة الفقد، ويستوحش بفقد الحبيب،
والله يرحم فينا هذا الضعف، ولا يؤاخذنا عليه، بل يقدّره ويثيب عليه، ويسري عن عباده وأوليائه المقربين؛
فسرّى عن مريم عليها السلام لما وجدت ألم المخاض وجاءت اللحظة الحاسمة فتمنت أن لم تكن شيئًا رغم ما بُشرت به "فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَاۤ أَلَّا تَحۡزَنِی قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِیࣰّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا" ولم يعنفها ولم يوبخها..!
ولما توجه موسى تلقاء مدين هائمًا على وجهه خائفًا شاردًا وحيدًا سخّر له من يُطمئنه "لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"،
ثم بعد أن كلمه ربه، وأراه الآيات الباهرة الدالة على قوته وقهره وعزته وأمره بالتوجه إلى فرعون ونهاه عن الخوف وبشره بتأييده ومعيته مع ذلك كله لما رأى موسى صنيع السحرة أوجس في نفسه خيفةً، فرحم الله ضعفه وأعاد عليه "لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ"، فلم ينهره، ولم يعاقبه لما وجد في نفسه من الخوف بعد كل ما رأى وسمع..!
فما أرحم الله بنا،
وما أعظم حلمه ورأفته..!
ولا قدح ما وجد في نفسه من ألم الفرقة في رضاه عن ربه وثقته في حكمته،
ولكنه بشرٌ؛ يضعُف ويتألم ويحزن، ويجد مرارة الفقد، ويستوحش بفقد الحبيب،
والله يرحم فينا هذا الضعف، ولا يؤاخذنا عليه، بل يقدّره ويثيب عليه، ويسري عن عباده وأوليائه المقربين؛
فسرّى عن مريم عليها السلام لما وجدت ألم المخاض وجاءت اللحظة الحاسمة فتمنت أن لم تكن شيئًا رغم ما بُشرت به "فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَاۤ أَلَّا تَحۡزَنِی قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِیࣰّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا" ولم يعنفها ولم يوبخها..!
ولما توجه موسى تلقاء مدين هائمًا على وجهه خائفًا شاردًا وحيدًا سخّر له من يُطمئنه "لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"،
ثم بعد أن كلمه ربه، وأراه الآيات الباهرة الدالة على قوته وقهره وعزته وأمره بالتوجه إلى فرعون ونهاه عن الخوف وبشره بتأييده ومعيته مع ذلك كله لما رأى موسى صنيع السحرة أوجس في نفسه خيفةً، فرحم الله ضعفه وأعاد عليه "لَا تَخَفۡ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡأَعۡلَىٰ"، فلم ينهره، ولم يعاقبه لما وجد في نفسه من الخوف بعد كل ما رأى وسمع..!
فما أرحم الله بنا،
وما أعظم حلمه ورأفته..!
كم من شدة ظنناها لطول مُكثها لا تزول أبدًا، فصارت الآن ذكريات وأحاديث..!
ولكن خُلِق الإنسان من عَجَلْ،
والله لا يَعْجَل بعَجَلَةِ أحد..!
ولكن خُلِق الإنسان من عَجَلْ،
والله لا يَعْجَل بعَجَلَةِ أحد..!
﴿وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ ٱلۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَیۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ﴾ [آل عمران ١٤٣]
قال أبو جعفر: وإنما قيل:"ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه"، لأن قومًا من أصحاب رسول الله ﷺ ممن لم يشهد بدرًا، كانوا يتمنون قبل أحد يومًا مثل يوم بدر، فيُبْلُوا الله من أنفسهم خيرًا، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر. فلما كان يوم أحد فرّ بعضهم، وصبرَ بعضهم حتى أوفَى بما كان عاهد الله قبل ذلك، فعاتب الله من فرّ منهم فقال:"ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه"، الآية، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم.
—————————
يُخيفني هذا العتاب..!
فكم من ثَغْر نتمنى الوقوف عليه، والمجاهدة فيه، ونُطالع الواقفين عليه بعين الغِبطة ولسان حالنا يقول: لو كُنّا معكم..! ولكنا نخشى أن تَخذُلنا أنفُسنا إذا لقيناه..!
ولكنا مع ذلك نرجو من الله الفلاح، ونرجو منه العون، ونرجو من الثبات، وإلا فلو وكِلنا إلا أنفسنا فلن نجد إلا الخزي والخسارة..!
والإنسان يؤمّل ويرجو السبق والفوز، والله كريم، وعطاؤه واسع، وفضله كبير..
قال أبو جعفر: وإنما قيل:"ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه"، لأن قومًا من أصحاب رسول الله ﷺ ممن لم يشهد بدرًا، كانوا يتمنون قبل أحد يومًا مثل يوم بدر، فيُبْلُوا الله من أنفسهم خيرًا، وينالوا من الأجر مثل ما نال أهل بدر. فلما كان يوم أحد فرّ بعضهم، وصبرَ بعضهم حتى أوفَى بما كان عاهد الله قبل ذلك، فعاتب الله من فرّ منهم فقال:"ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه"، الآية، وأثنى على الصابرين منهم والموفين بعهدهم.
—————————
يُخيفني هذا العتاب..!
فكم من ثَغْر نتمنى الوقوف عليه، والمجاهدة فيه، ونُطالع الواقفين عليه بعين الغِبطة ولسان حالنا يقول: لو كُنّا معكم..! ولكنا نخشى أن تَخذُلنا أنفُسنا إذا لقيناه..!
ولكنا مع ذلك نرجو من الله الفلاح، ونرجو منه العون، ونرجو من الثبات، وإلا فلو وكِلنا إلا أنفسنا فلن نجد إلا الخزي والخسارة..!
والإنسان يؤمّل ويرجو السبق والفوز، والله كريم، وعطاؤه واسع، وفضله كبير..
غزة جرحها كبير..!
ربنا أفرغ عليهم صبرًا،
وثبت أقدامهم،
وانصرهم على القوم الكافرين..
ربنا أفرغ عليهم صبرًا،
وثبت أقدامهم،
وانصرهم على القوم الكافرين..
﴿فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥۤۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِیزࣱ ذُو ٱنتِقَامࣲ﴾ [إبراهيم ٤٧]
آمنّا بالله،
وبأنه عزيز ذو انتقام،
وبأنه عزيز حكيم،
وبأن وعده الحق،
وأنه ناصر أولياءه، وإن عظم البلاء واشتد وطال، ولكن وعده آت آت وإن استبطأناه..
آمنّا بالله،
وبأنه عزيز ذو انتقام،
وبأنه عزيز حكيم،
وبأن وعده الحق،
وأنه ناصر أولياءه، وإن عظم البلاء واشتد وطال، ولكن وعده آت آت وإن استبطأناه..
قلوب العباد بين يديه؛
يُمد عبيده وأوليائه بقوته،
وينزل عليهم السكينة والأَمنة في وسط الخوف،
ويجبر قلوب كسيرهم،
ويثبتهم ويصبرهم في وسط الزلازل والفتن ..
هذا إيماننا ويقيننا بالله،
ولولا هذه المعاني لتصدعت قلوبنا،
ولأذاب الهمّ أفئدتنا..
يُمد عبيده وأوليائه بقوته،
وينزل عليهم السكينة والأَمنة في وسط الخوف،
ويجبر قلوب كسيرهم،
ويثبتهم ويصبرهم في وسط الزلازل والفتن ..
هذا إيماننا ويقيننا بالله،
ولولا هذه المعاني لتصدعت قلوبنا،
ولأذاب الهمّ أفئدتنا..
﴿وَلَاۤ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ رَبِّی شَیۡـࣰٔاۚ وَسِعَ رَبِّی كُلَّ شَیۡءٍ عِلۡمًاۚ﴾ [الأنعام ٨٠]
وجعل الزمخشري ومتابعوه الاستثناء متصلا أي لا أخاف ما تشركون به أبدا، إلا وقت مشيئة ربي شيئا أخافه من شركائكم، أي بأن يسلط ربي بعضها علي فذلك من قدرة ربي بواسطتها لا من قدرتها علي.
وجملة ﴿وسع ربي كل شيء علما﴾ استئناف بياني لأنه قد يختلج في نفوسهم: كيف يشاء ربك شيئا تخافه وأنت تزعم أنك قائم بمرضاته ومؤيد لدينه فما هذا إلا شك في أمرك..
فلذلك فصلت، أي إنما لم آمن إرادة الله بي ضرا وإن كنت عبده وناصر دينه لأنه أعلم بحكمة إلحاق الضر أو النفع بمن يشاء من عباده. وهذا مقام أدب مع الله تعالى ﴿فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون﴾ [الأعراف: ٩٩].
- الطاهر بن عاشور
#محكمات
#إيمان
#يقين
#غزة
وجعل الزمخشري ومتابعوه الاستثناء متصلا أي لا أخاف ما تشركون به أبدا، إلا وقت مشيئة ربي شيئا أخافه من شركائكم، أي بأن يسلط ربي بعضها علي فذلك من قدرة ربي بواسطتها لا من قدرتها علي.
وجملة ﴿وسع ربي كل شيء علما﴾ استئناف بياني لأنه قد يختلج في نفوسهم: كيف يشاء ربك شيئا تخافه وأنت تزعم أنك قائم بمرضاته ومؤيد لدينه فما هذا إلا شك في أمرك..
فلذلك فصلت، أي إنما لم آمن إرادة الله بي ضرا وإن كنت عبده وناصر دينه لأنه أعلم بحكمة إلحاق الضر أو النفع بمن يشاء من عباده. وهذا مقام أدب مع الله تعالى ﴿فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون﴾ [الأعراف: ٩٩].
- الطاهر بن عاشور
#محكمات
#إيمان
#يقين
#غزة
والله لولا محكمات كتاب الله التي يُفزع إليها في أوقات الابتلاء والشدة لكاد الحُزن والأسى يُهلك الإنسان ويمزقه..!
فلولا إيماننا ويقيننا بأن الله حكيم؛ يقدّر كل شيءٍ بحكمة ولحكمة، لما وجد الصبر والرضى إلى قلوبنا سبيلًا..!
ولولا إيماننا ويقيننا بأن الله عليم؛ يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا، لهلكنا من شدة الخوف والأسى..!
ولولا إيماننا بأن الله عدل لا يُظلم عنده أحد، لما سكنت نفوسنا ولا هدأت ولا استكانت ولا اطمأنت..!
فوالله إن هذه المُحكمات هي المفزَعُ الآمن الذي تأوي إليه نفوسنا حين تتخطفنا رياح الأقدار والابتلاءات المؤلمة..!
آمنّا بالله، وبحكمته وعزته وعلمه وعدله ورحمته، وبأسمائه وصفاته كلّها،
ورضينا به ربًا رؤوفًا كريمًا برًا رحيمًا حكيمًا عليمًا،
رضينا به وبأقداره، ونسبحه ونقدسه وننزهه سبحانه من خواطر السوء التي تتسرب إلينا في لحظات ضعفنا..
نسبحه ونحمده، سبحانه وبحمده لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبر.
ونستغفره ونتوب إليه، ونرجو عفوه ورضاه..
فلولا إيماننا ويقيننا بأن الله حكيم؛ يقدّر كل شيءٍ بحكمة ولحكمة، لما وجد الصبر والرضى إلى قلوبنا سبيلًا..!
ولولا إيماننا ويقيننا بأن الله عليم؛ يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا، لهلكنا من شدة الخوف والأسى..!
ولولا إيماننا بأن الله عدل لا يُظلم عنده أحد، لما سكنت نفوسنا ولا هدأت ولا استكانت ولا اطمأنت..!
فوالله إن هذه المُحكمات هي المفزَعُ الآمن الذي تأوي إليه نفوسنا حين تتخطفنا رياح الأقدار والابتلاءات المؤلمة..!
آمنّا بالله، وبحكمته وعزته وعلمه وعدله ورحمته، وبأسمائه وصفاته كلّها،
ورضينا به ربًا رؤوفًا كريمًا برًا رحيمًا حكيمًا عليمًا،
رضينا به وبأقداره، ونسبحه ونقدسه وننزهه سبحانه من خواطر السوء التي تتسرب إلينا في لحظات ضعفنا..
نسبحه ونحمده، سبحانه وبحمده لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبّار المتكبر.
ونستغفره ونتوب إليه، ونرجو عفوه ورضاه..
الله مُطلع على قلوبنا،
يرى ما يخطه الحُزن والألم فيها،
يرى ذلك ولا يُضيعه سبحانه وبحمده،
يرى ذلك ويعلمه، ويثيب الصابر ويأجره،
يراه ويربينا ويهدينا به إليه،
يرى تألمنا، ويرحم في ذلك ضعفنا،
ويتجاوز عنّا برحمته وفضله،
ويخلف الصابر والراضي بخير الخُلف والثواب والأجر حتى ليتمنى أن لو طال ابتلاءه قليلاً لعظم ما وجد من العوض والأجر..
يرى ما يخطه الحُزن والألم فيها،
يرى ذلك ولا يُضيعه سبحانه وبحمده،
يرى ذلك ويعلمه، ويثيب الصابر ويأجره،
يراه ويربينا ويهدينا به إليه،
يرى تألمنا، ويرحم في ذلك ضعفنا،
ويتجاوز عنّا برحمته وفضله،
ويخلف الصابر والراضي بخير الخُلف والثواب والأجر حتى ليتمنى أن لو طال ابتلاءه قليلاً لعظم ما وجد من العوض والأجر..
ربنا سبحانه وبحمده هو الملك المتصرف في ملكه بمشيئته وإرادته،
ولا شيء يحصل في ملكوته إلا إذا شاء وأراد،
وهو مع ذلك الملك الوحيد المحمود في كل ما يُقدِّر ويفعل مهما بدا تقديره مؤلمًا أو صعبًا،
فكل ما يقع في ملكوته دائر بين الفضل والعدل ولا يخرج عنهما أبدًا،
وما من قَدَر تراه في نفسك أو في غيرك إلا وهو فضل أو عدل، فكيف بعد ذلك لا يُحمد سبحانه وبحمده..!
ولكنه ضعف الإنسان وجهله وقلة صبره..
ولا شيء يحصل في ملكوته إلا إذا شاء وأراد،
وهو مع ذلك الملك الوحيد المحمود في كل ما يُقدِّر ويفعل مهما بدا تقديره مؤلمًا أو صعبًا،
فكل ما يقع في ملكوته دائر بين الفضل والعدل ولا يخرج عنهما أبدًا،
وما من قَدَر تراه في نفسك أو في غيرك إلا وهو فضل أو عدل، فكيف بعد ذلك لا يُحمد سبحانه وبحمده..!
ولكنه ضعف الإنسان وجهله وقلة صبره..
﴿لَّا یَضِلُّ رَبِّی وَلَا یَنسَى﴾ [طه ٥٢]
يقول: لا يخطئ ربي في تدبيره وأفعاله، فإن كان عذّب تلك القرون في عاجل، وعجل هلاكها، فالصواب ما فعل،
وإن كان أخر عقابها إلى القيامة، فالحقّ ما فعل، هو أعلم بما يفعل، لا يخطئ ربي ﴿ولا يَنْسَى﴾ فيترك فعل ما فعْله حكمة وصواب.
الطبري
يقول: لا يخطئ ربي في تدبيره وأفعاله، فإن كان عذّب تلك القرون في عاجل، وعجل هلاكها، فالصواب ما فعل،
وإن كان أخر عقابها إلى القيامة، فالحقّ ما فعل، هو أعلم بما يفعل، لا يخطئ ربي ﴿ولا يَنْسَى﴾ فيترك فعل ما فعْله حكمة وصواب.
الطبري
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِیࣰّا﴾ [مريم ٦٤]
لا والله ما نسي ضعفك،
ولا والله ما نسي ألمَك،
ولا نسي جِهادك،
ولا نسي بكاءك،
ولا نسي أنين قلبك،
ولا نسي تعبك،
ولا نسي نَصَبَك،
ولا نسي مُحاولاتك،
ولا نسي عثراتك وقوماتك في الطريق،
ولا نسي شكواكَ،
ولا نسي دعواكَ،
ولا نسيك ربك ولا ودّعكَ ولا قلاك،
ولكنه الشيطان؛ يريد أن يحزُن الذين ءامنوا فيستغل طول البلاء، وشدّة الألم، وضعف القوة ليبثُ وساوسه وظنونه، فلا تسمع له..!
لا والله ما نسي ضعفك،
ولا والله ما نسي ألمَك،
ولا نسي جِهادك،
ولا نسي بكاءك،
ولا نسي أنين قلبك،
ولا نسي تعبك،
ولا نسي نَصَبَك،
ولا نسي مُحاولاتك،
ولا نسي عثراتك وقوماتك في الطريق،
ولا نسي شكواكَ،
ولا نسي دعواكَ،
ولا نسيك ربك ولا ودّعكَ ولا قلاك،
ولكنه الشيطان؛ يريد أن يحزُن الذين ءامنوا فيستغل طول البلاء، وشدّة الألم، وضعف القوة ليبثُ وساوسه وظنونه، فلا تسمع له..!
خير القرون؛ ما أطيبها من سلسلة لا أملُّ من تكرارها..
هذه السلسلة لم تأخذ حقها من الاعتناء والتعريف، وهي والله سلسلة غنية بالفوائد والدروس الإيمانية والعبر، وهي منهلٌ للخير والحكمة والقدوات الصالحة، وفيها النموذج الأكمل الذي يسعى الإنسان المسلم لأن يكونه، وهي مدرسة تربوية إيمانية تزكوية مليئة بالعلم والعمل، ذاخرة بالمعاني العالية، تملأ الروح بمعاني العزة والاستعلاء الإيماني، وتُجدد العزم، وتستنهض الهمم..
فلا خاب من اعتنى بها، ولا ندم من شاهدها، وغنم وفاز والله من تابعها طالبًا من الله الهُدى..
هذه السلسلة لم تأخذ حقها من الاعتناء والتعريف، وهي والله سلسلة غنية بالفوائد والدروس الإيمانية والعبر، وهي منهلٌ للخير والحكمة والقدوات الصالحة، وفيها النموذج الأكمل الذي يسعى الإنسان المسلم لأن يكونه، وهي مدرسة تربوية إيمانية تزكوية مليئة بالعلم والعمل، ذاخرة بالمعاني العالية، تملأ الروح بمعاني العزة والاستعلاء الإيماني، وتُجدد العزم، وتستنهض الهمم..
فلا خاب من اعتنى بها، ولا ندم من شاهدها، وغنم وفاز والله من تابعها طالبًا من الله الهُدى..
YouTube
خير القرون
إذا أردت برنامجا علميا مصاحبا لهذه السلسلة يعزز فوائدها فادخل على هذه القناة: https://www.tgoop.com/+G1SKHkpazDo3YmU0