MENBER10 Telegram 1956
يقول ابن أبي العز -رحمه الله-: "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق، وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاوم الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه" (شرح العقيدة الطحاوية(274).
ومن ذلك المداومة على ذِكر الله، وحضور مجالس الذِّكر؛ ومجالس الصالحين، فإنها تجلو عن القلوب صَداها، وتُذكِّرها بحقوق مَولاها، وتُحرِّضها على شُكر نعماها، والتوبة إلى الله من خَطاياها؛ قال - تعالى -: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) [الرعد: 28 - 29].
قال ابن القيم رحمه الله:كان إذا حدق بنا الخصوم، وأرجفوا بنا، وألبوا علينا، واعترتنا المخاوف من كل جانب؛ أتينا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول: فوالله ما إن نرى وجهه حتى يذهب ذلك عنا جميعاً لما يرون في وجهه من الإنارة، وما يرون فيه من المعاني الدالة على انشراح الصدر، وثبات القلب والتقى والرجاء والخوف من الله، فإن الوجه مرآة للقلب ولهذا قيل:'ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه' .
ودخل رجل على عثمان رضي الله عنه، فقال عثمان:" أيعصي أحدكم ربه ثم يدخل علي؟ فقال الرجل: أَوَحْيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني كيف علمت؟- فأخبره أنها فراسة المؤمن حيث يكون الوجه مظلماً لما في القلب من الظلمة، ويكون الوجه مشرقاً لما في القلب من الإشراق.
عباد الله والمداومة على الدعاء، باب من أبواب الراحة القلبية، حينما يلجأ العبد إلى ربه ومولاه؛ لأنه على يقين أنه ما بعد الدعاء إلا الإجابةُ، قال الله - تعالى -: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة: 186]، وليُكثر المؤمن من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثبات على الدِّين، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يلهج دومًا بهذا الدعاء: (يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك)؛ (الترمذي 3522، عن أم سلمة، بسند حسن)، وليستعن بالله - تعالى - في دفع خطرات السوء إذا هيجها الشيطان، أو عوارض الدنيا، وليقل مع الصحابة والصالحين: ( وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ) [الحشر: 10]، واسأل الله دومًا أن يعينك على قلبك.
ومن آثار المداومة على الأعمال الصالحة على القلب بجميع أنواعها ، تكاثر الحسنات، قال ابن عباس رضي الله عنه:'إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق' .
فالمعصية تورث الذل ولا بد؛ فالعز كل العز في طاعة الله تعالى، قال سبحانه: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (10) سورة فاطر. أي فليطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعته, وكان من دعاء السلف: "اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك". وقال الحسن البصري –رحمه الله-: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
وقال عبد الله بن المبارك –رحمه الله-:
رأيت الذنوب تميت القلوب*** وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيها المؤمنون: والمداومة على العمل الصالح طريق للقلب السليم الذي لا يدخل المرء الجنة إلا به، و من بدل وقصر وفرط وغير ولم يثبت على الخير فلا يلومن إلا نفسه، فعن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا بموعظة، فقال: (إنه سيجاء برجال من أمَّتي، فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ، أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117، 118]، قال: فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتَهم)؛ رواه البخاري (6526)، ومسلم (2860).



tgoop.com/menber10/1956
Create:
Last Update:

يقول ابن أبي العز -رحمه الله-: "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق، وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه لم يقاوم الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدعها أو على الأرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه" (شرح العقيدة الطحاوية(274).
ومن ذلك المداومة على ذِكر الله، وحضور مجالس الذِّكر؛ ومجالس الصالحين، فإنها تجلو عن القلوب صَداها، وتُذكِّرها بحقوق مَولاها، وتُحرِّضها على شُكر نعماها، والتوبة إلى الله من خَطاياها؛ قال - تعالى -: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ) [الرعد: 28 - 29].
قال ابن القيم رحمه الله:كان إذا حدق بنا الخصوم، وأرجفوا بنا، وألبوا علينا، واعترتنا المخاوف من كل جانب؛ أتينا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يقول: فوالله ما إن نرى وجهه حتى يذهب ذلك عنا جميعاً لما يرون في وجهه من الإنارة، وما يرون فيه من المعاني الدالة على انشراح الصدر، وثبات القلب والتقى والرجاء والخوف من الله، فإن الوجه مرآة للقلب ولهذا قيل:'ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحة وجهه وفلتات لسانه' .
ودخل رجل على عثمان رضي الله عنه، فقال عثمان:" أيعصي أحدكم ربه ثم يدخل علي؟ فقال الرجل: أَوَحْيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم – يعني كيف علمت؟- فأخبره أنها فراسة المؤمن حيث يكون الوجه مظلماً لما في القلب من الظلمة، ويكون الوجه مشرقاً لما في القلب من الإشراق.
عباد الله والمداومة على الدعاء، باب من أبواب الراحة القلبية، حينما يلجأ العبد إلى ربه ومولاه؛ لأنه على يقين أنه ما بعد الدعاء إلا الإجابةُ، قال الله - تعالى -: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [البقرة: 186]، وليُكثر المؤمن من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثبات على الدِّين، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يلهج دومًا بهذا الدعاء: (يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك)؛ (الترمذي 3522، عن أم سلمة، بسند حسن)، وليستعن بالله - تعالى - في دفع خطرات السوء إذا هيجها الشيطان، أو عوارض الدنيا، وليقل مع الصحابة والصالحين: ( وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ) [الحشر: 10]، واسأل الله دومًا أن يعينك على قلبك.
ومن آثار المداومة على الأعمال الصالحة على القلب بجميع أنواعها ، تكاثر الحسنات، قال ابن عباس رضي الله عنه:'إن للحسنة نوراً في القلب، وضياء في الوجه، وقوة في البدن، وزيادة في الرزق، ومحبة في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصاً في الرزق وبغضاً في قلوب الخلق' .
فالمعصية تورث الذل ولا بد؛ فالعز كل العز في طاعة الله تعالى، قال سبحانه: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا} (10) سورة فاطر. أي فليطلبها بطاعة الله، فإنه لا يجدها إلا في طاعته, وكان من دعاء السلف: "اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك". وقال الحسن البصري –رحمه الله-: "إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين فإن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه".
وقال عبد الله بن المبارك –رحمه الله-:
رأيت الذنوب تميت القلوب*** وقد يورث الذلَّ إدمانُها
وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه .
الخطــبة الثانـية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيها المؤمنون: والمداومة على العمل الصالح طريق للقلب السليم الذي لا يدخل المرء الجنة إلا به، و من بدل وقصر وفرط وغير ولم يثبت على الخير فلا يلومن إلا نفسه، فعن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا بموعظة، فقال: (إنه سيجاء برجال من أمَّتي، فيُؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ، أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 117، 118]، قال: فيقال لي: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتَهم)؛ رواه البخاري (6526)، ومسلم (2860).

BY زاد الخطباء


Share with your friend now:
tgoop.com/menber10/1956

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Telegram users themselves will be able to flag and report potentially false content. Co-founder of NFT renting protocol Rentable World emiliano.eth shared the group Tuesday morning on Twitter, calling out the "degenerate" community, or crypto obsessives that engage in high-risk trading. With the “Bear Market Screaming Therapy Group,” we’ve now transcended language. The channel also called on people to turn out for illegal assemblies and listed the things that participants should bring along with them, showing prior planning was in the works for riots. The messages also incited people to hurl toxic gas bombs at police and MTR stations, he added. Polls
from us


Telegram زاد الخطباء
FROM American