tgoop.com/menber10/1963
Last Update:
من أسباب صلاح القلوب:
الموعظـــــــة الحسنة (3 )
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الموفِّق من شاء لصوابِهِ، الحافظ لمن توكل عليه ولاذ بجنابه أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه، ...
ألا يامحبَ المصطفى زد صبابةً ... وضمخ لسان الذكرِ منكَ بطِيبهِ
ولا تعبأن بالمبطلين فإنما ... علامةُ حُب اللهِ حُب حبيبهِ
صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ أفْضل أصحَابه، وعَلَى عُمر الَّذِي أعَزَّ الله بِهِ الدِّيْنَ واسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا بِهِ، وَعَلَى عثمانَ شهيدِ دارِهِ ومِحْرَابِه، وعَلى عليٍّ
المشهورِ بحَلِّ المُشْكِلِ من العلوم وكَشْفِ نِقابه، وَعَلَى آلِهِ وأصحابه ومنْ كان أوْلَى بِهِ، وسلَّمَ تسليماً كثيراً أما بعــــــــــد:-
أيها المؤمنون: إن الإسلام دين يخاطب العقل والوجدان، ولا يهمل شيئاً من الجوانب الإنسانية على حساب جوانب أخرى. ولكل من العقل والوجدان أساليب تناسبه وتنفذ إليه. فالدليل والبرهان والمقارنة أساليب تخاطب العقل بقصد تأهيله إلى إدراك المعارف الموصلة إلى اللَّه، فيقول اللَّه سبحانه وتعالى في خطاب للعقل: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) [يس:78-79]
وجعل التأمل والنظر وإثارة الشعور وأساليب لمخاطبة الوجدان لكي تسمو الروح وتكتسب القدرة على التذوق الرفيع الذي يوصلها إلى حب اللَّه والاستقامة على شرعة، يقول اللَّه سبحانه وتعالى في خطاب الوجدان: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ * أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النمل:62-63]
فكان من أساليب إثارة الشعور والوجدان لإصلاح القلوب، المواعظ والتذكير،
و الموعظة من وعظ، وهو النصح والتذكير بالعواقب، وهو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب.
عباد الله: إن المواعظ - سِياطُ القُلوب، تؤثّر في الإنسان كتأثير السِّياط في الأَبدان! وفي ذلكَ يقول ابنُ رجب رحمه الله: «إن المواعظ سِياطٌ تُضربُ بها القلوب فتؤثّر فيها كتأثير السِّياط في البَدن! والضربُ لا يؤثّر بعد انقضائه كتأثيره في حال وجوده».
كان كثيرٌ من السَّلف إذا خرجوا من مجلس سَماع الذِّكر خرَجوا وعليهم السَّكينة والوقار حتى كأنهم ينسون دنياهم التي اعتادوا عليها وكأنهم صاروا في فَلَك آخر، لا تطأ أرجلُهم الأرض التي تُقِلُّهم، ولا تُؤْويهمُ المنازلُ التي تُظِلُّهم.
ومما يدلُّ على عظم شأن الموعظة الحسنة أن الله - تبارك وتعالى - سمَّى القرآن الكريم موعظة؛ فقال - سبحانه -: (وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) [النور: 34]، وقال - تعالى -: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) [يونس: 57]، وقال - سبحانه -: ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ) [آل عمران: 138]، وقال - جل جلاله -: ( وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِه ) [البقرة: 231].
وجعل الله القرآن موعظة للمؤمنين بالله واليوم الآخر؛ فقال - سبحانه -: ( ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) [البقرة: 232].
والكافرون هم الذين لا تؤثِّر فيهم الموعظة، فقال - سبحانه - يحكي مقالة عادٍ قومِ هود لنبيِّهم: ( قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ) [الشعراء: 136].
ومما يدلُّ على عظم شأن الموعظة، أن الاستجابة للموعظة خيرٌ كبير، وقبولها منجاة من عذاب الله؛ قال الله - تعالى -: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ) [النساء: 66]، وقال في آيات تحريم الرِّبا: ( فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [البقرة: 275]، وقوله ( فَلَهُ مَا سَلَفَ )؛ أي: لا يستردُّ منه ما أخذه من الربا قبل نزول التحريم.
BY زاد الخطباء
Share with your friend now:
tgoop.com/menber10/1963