MENBER10 Telegram 2027
ولما حضرت بلالَ الوفاةُ وغشيته سكرات الموت, قالت امرأته: واكرباه، فقال لها بلال: "بل وافرحاه، غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه".

ليس في قلوب المشتاقين محبوب أعظم ولا أحب من الله -عز وجل-، فمحبته فوق كل محبة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]، وحينما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ الله لِقَاءَه". فقالت بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: "إنا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ" قال: "ليس ذاك، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ, فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إليه مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ الله لِقَاءَهُ" [البخاري ومسلم], وفي رواية أخرى يقول: "من أحب لقاء الله -عز وجل- أحب الله تعالى لقاءه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله -عز وجل- لقاءه"، فبكى القوم، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يكره الموت؟ قال: "لست ذلك أعني، ولكن الله -تبارك وتعالى- قال (فَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ)، فإذا كان عند ذلك أحب لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أحب، (وَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَالِينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ)، فإذا كان كذلك كره لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أكره".

وتأمل -أخي الكريم- قول الله - تعالى- معزياً للمشتاقين ومبشراً لهم بقرب لقائه بهم: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5].

قلت ما سمعتم وأستغفر الله.


الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده


أيها المسلمون: الشوق أثر من آثار معرفة الله ومحبته، والمحبة أعلى منه؛ لأن الشوق عنها يتولد، وعلى قدرها يقوى ويضعف، وعلامة الشوق: السير إلى الله بالعبادة والاستقامة, وفطام الجوارح عن الشهوات التي تعيق سيره.

ولا بد من إثارة كوامن شوقك إلى الله -عز وجل- حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر, ومراوحة الأقدام المتعبة, أو ظمأ الهواجر, أو ألم جوع البطون, إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ] ؟!.


عباد الرحمن: إن الناس في أشواقهم على ثلاثةِ مراتب:
الأولى: مرتبةُ السابقين: وهم أولئك الذين توجهت أشواقهم إلى معالي الأمور، فامتلأت قلوبهم بالشوق إلى الله وجنته ورسوله وضروب طاعتِهِ.

والثانية: مرتبة العالقين: وهم الذين تنازعتهم الأشواق، فمرةً إلى العليا ومرةً إلى الدنيا، يسمو بهم إيمانهم وتكبو بهم أدرانهم.

والثالثة: مرتبة الغارقين: وهم الذي غرقوا في الدنيا وتعلقت قلوبهم بها, فما عرفوا شوقاً إلى غيرها، ملأت قلوبهم فسعوا إليها لا يبالون حلالها من حرامِها, وتضخمتْ محبتها حتى لم تبق لمحبة الله مكاناً.

وقد لفت الله تعالى انتباهنا إلى هذه المراتب في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].

فكن -يا عبد الله- من أصحاب المرتبة الأولى الذين يشتاقون إلى رؤية وجه الله -عز وجل- في الجنة, فقلوبهم متلهفة لنيل هذا الشرف العظيم واللذة الكبرى، ثبت عن صهيب الرومي -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا دخل أهل الجنة الجنة, يقول -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم". [مسلم]. فيرجع المؤمن بعد لقاءَ الله والنظر إلى وجهه -تعالى-, وقد ازداد نضرة ونوراً وجمالاً, يراه أهله فيبتهجون ويبشرون به، والله يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 22، 23].

أيها المسلمون: هذا هو الشوق، فإذا أردت أن تعرف هل أنت من المشتاقين فاعلم أن الشوق إلى لقاء الله -تعالى- يستلزم عدم الركون إلى الدنيا, والاطمئنان إليها والرضى بها، فالمشتاقون حقاً إلى لقاء الله المتطلعون إلى الولوج في بحبوحة كرامته، وواسع فضله، يعتبرون الدنيا محطة استعدادٍ وتزودٍ للقاء المحبوب.

المشتاقون: يشكرون ربهم على نعمائه، ويصبرون على قضائه, ويعبدونه حتى يأتيهم اليقين، يفرّون من المعاصي، ويرجون رحمة ربهم ويدعونه خوفا وطمعا, يعيشون مع الناس بأجسادهم وقلوبهم محلقة في علياء ربهم، يعمرون أرضه بذكره وإعلاء كلمته، لا يخافون في الله لومة لائم، لو علم الملوك بحالهم وسعادتهم لقاتلوهم على تلك السعادة بالسيوف.



tgoop.com/menber10/2027
Create:
Last Update:

ولما حضرت بلالَ الوفاةُ وغشيته سكرات الموت, قالت امرأته: واكرباه، فقال لها بلال: "بل وافرحاه، غداً ألقى الأحبة محمداً وحزبه".

ليس في قلوب المشتاقين محبوب أعظم ولا أحب من الله -عز وجل-، فمحبته فوق كل محبة، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]، وحينما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ الله لِقَاءَه". فقالت بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: "إنا لَنَكْرَهُ الْمَوْتَ" قال: "ليس ذاك، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إذا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ, فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إليه مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ الله لِقَاءَهُ" [البخاري ومسلم], وفي رواية أخرى يقول: "من أحب لقاء الله -عز وجل- أحب الله تعالى لقاءه، ومن كره لقاء الله تعالى كره الله -عز وجل- لقاءه"، فبكى القوم، فقالوا: يا رسول الله، وأينا لا يكره الموت؟ قال: "لست ذلك أعني، ولكن الله -تبارك وتعالى- قال (فَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ)، فإذا كان عند ذلك أحب لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أحب، (وَأَمَّا إن كَانَ مِنَ المُكَذِّبِينَ الضَالِينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ)، فإذا كان كذلك كره لقاء الله تعالى، والله -عز وجل- للقائه أكره".

وتأمل -أخي الكريم- قول الله - تعالى- معزياً للمشتاقين ومبشراً لهم بقرب لقائه بهم: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [العنكبوت: 5].

قلت ما سمعتم وأستغفر الله.


الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده


أيها المسلمون: الشوق أثر من آثار معرفة الله ومحبته، والمحبة أعلى منه؛ لأن الشوق عنها يتولد، وعلى قدرها يقوى ويضعف، وعلامة الشوق: السير إلى الله بالعبادة والاستقامة, وفطام الجوارح عن الشهوات التي تعيق سيره.

ولا بد من إثارة كوامن شوقك إلى الله -عز وجل- حتى تلين لك الطاعات فتؤديها ذائقًا حلاوتها ولذتها، وأية لذة يمكن أن تحصلها من قيام الليل ومكابدة السهر, ومراوحة الأقدام المتعبة, أو ظمأ الهواجر, أو ألم جوع البطون, إذا لم يكن كل ذلك مبنيًا على معنى: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) [طه: 84 ] ؟!.


عباد الرحمن: إن الناس في أشواقهم على ثلاثةِ مراتب:
الأولى: مرتبةُ السابقين: وهم أولئك الذين توجهت أشواقهم إلى معالي الأمور، فامتلأت قلوبهم بالشوق إلى الله وجنته ورسوله وضروب طاعتِهِ.

والثانية: مرتبة العالقين: وهم الذين تنازعتهم الأشواق، فمرةً إلى العليا ومرةً إلى الدنيا، يسمو بهم إيمانهم وتكبو بهم أدرانهم.

والثالثة: مرتبة الغارقين: وهم الذي غرقوا في الدنيا وتعلقت قلوبهم بها, فما عرفوا شوقاً إلى غيرها، ملأت قلوبهم فسعوا إليها لا يبالون حلالها من حرامِها, وتضخمتْ محبتها حتى لم تبق لمحبة الله مكاناً.

وقد لفت الله تعالى انتباهنا إلى هذه المراتب في قوله تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر: 32].

فكن -يا عبد الله- من أصحاب المرتبة الأولى الذين يشتاقون إلى رؤية وجه الله -عز وجل- في الجنة, فقلوبهم متلهفة لنيل هذا الشرف العظيم واللذة الكبرى، ثبت عن صهيب الرومي -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا دخل أهل الجنة الجنة, يقول -تبارك وتعالى-: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيّض وجوهنا؟ ألم تُدخلنا الجنة وتنجّنا من النار؟ فيُكشفُ الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم". [مسلم]. فيرجع المؤمن بعد لقاءَ الله والنظر إلى وجهه -تعالى-, وقد ازداد نضرة ونوراً وجمالاً, يراه أهله فيبتهجون ويبشرون به، والله يقول: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة: 22، 23].

أيها المسلمون: هذا هو الشوق، فإذا أردت أن تعرف هل أنت من المشتاقين فاعلم أن الشوق إلى لقاء الله -تعالى- يستلزم عدم الركون إلى الدنيا, والاطمئنان إليها والرضى بها، فالمشتاقون حقاً إلى لقاء الله المتطلعون إلى الولوج في بحبوحة كرامته، وواسع فضله، يعتبرون الدنيا محطة استعدادٍ وتزودٍ للقاء المحبوب.

المشتاقون: يشكرون ربهم على نعمائه، ويصبرون على قضائه, ويعبدونه حتى يأتيهم اليقين، يفرّون من المعاصي، ويرجون رحمة ربهم ويدعونه خوفا وطمعا, يعيشون مع الناس بأجسادهم وقلوبهم محلقة في علياء ربهم، يعمرون أرضه بذكره وإعلاء كلمته، لا يخافون في الله لومة لائم، لو علم الملوك بحالهم وسعادتهم لقاتلوهم على تلك السعادة بالسيوف.

BY زاد الخطباء


Share with your friend now:
tgoop.com/menber10/2027

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Although some crypto traders have moved toward screaming as a coping mechanism, several mental health experts call this therapy a pseudoscience. The crypto community finds its way to engage in one or the other way and share its feelings with other fellow members. In the “Bear Market Screaming Therapy Group” on Telegram, members are only allowed to post voice notes of themselves screaming. Anything else will result in an instant ban from the group, which currently has about 75 members. Telegram channels fall into two types: Content is editable within two days of publishing Deputy District Judge Peter Hui sentenced computer technician Ng Man-ho on Thursday, a month after the 27-year-old, who ran a Telegram group called SUCK Channel, was found guilty of seven charges of conspiring to incite others to commit illegal acts during the 2019 extradition bill protests and subsequent months.
from us


Telegram زاد الخطباء
FROM American