tgoop.com/mihad_osol/3583
Last Update:
أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات
كثيرٌ من الناس كتبوا في نقض الشبهات وأصول الخطأ فيها؛ إما استقلالا وإما تضمينا.
لكن الذي لم أر لأحد فيه مكتوبا مستقلا، بل الإشارة إليه قليلة، هو: باب أصول الخطأ في الجواب عن الشبهات.
وهذا باب عزيز، لا يقصد به الخطأ الذي تولَّدت منه الشبهة، بل يقصد به الخطأ في الجواب عن الشبهة؛ بأن يتخذ المجيب مسالك ضعيفة، يلزمه عليها ما هو أشد من الشبهة نفسها.
وهذا المصوّر أعلاه: نموذج على الخطأ في الجواب عن الشبهة.
أنّ المجيبَ بنى جوابه على تسليم أصل المستشكل وهو: (أن وقوع مثل ذلك قبيح يتنزه النبي ﷺ عنه) لهذا حاول تمحُّل الجواب بأنّ هذا الأمر وقع مرة واحدة، فكأنه يقول: هو أمر مستنكر، لكنه وقع مرة واحدة فقط!
والحمل على المرّة -وإن وقع من بعض الشراح- فإنما اضطرهم إلى ذلك محاولة الجمع بين الأحاديث المتعارضة، لا استشناع الأمر في نفسه، وعدّه شبهة يصان عنها مقام النبي ﷺ.
وأما المجيب هنا؛ فقد سلّم لصاحب الشبهة أنَّ هذا أمرٌ مستشنع، فحاول الفرار من ذلك بتمحُّل وجه ضعيف.
وليس في الإسلام تقبيح شأن النكاح والاستكثار منه، بل صرح النبي ﷺ بنقض ذلك في حديث الثلاثة، فقال: "وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقال ﷺ : "حبب إلي من دنياكم: الطّيب، والنساء".
وهذا صريح في أن لذة الجماع من اللذات المحبوبة إليه ﷺ، بل جعلها هي والطيب صفوة ما يحبه من لذات الدنيا؛ فدل على أنها لذة طيبة ، إذ لا يحب ﷺ إلا طيبا.
بل إن هذه اللذة هي اللذة الباقية في الآخرة مما في الدنيا، مع زيادة في حسنها قدرا وجنسا.
وحديث أنس أنه ﷺ كان يطوف عليهن في ليلة واحدة بغسل واحد، هو من أثر هذا الأمر؛ شاهدًا له ومصدّقا له.
هذا يرجع إلى دلالة أصولية وهي (كان يفعل) هل تدل على الاستمرار؟
والقرينة هنا: تدلُّ على أنَّ ذلك كان يقع أحيانا؛ لأنَّ المشهور أنَّ القَسم كان واجبا عليه ﷺ، فيحمل ما فعله هنا على أنه كان برضاهنّ أو كان بعد استيفاء القسم، أو كان بعد القدوم من السفر، وكلُّ ذلك يدلُّ على أنه أمر كان يفعله النبي ﷺ أحيانا.
وليس القول بوقوع هذا منه ﷺ في أحوال عارضة هو بسبب شناعته في نفسه، بل هذا للقرينة المذكورة آنفا.
ثم القول بأنه وقوع عارض لا يصح حمله على مرة واحدة مخصوصة؛ إذ فيه تعطيل الصيغة: "كان يطوف على نسائه"؛ إذ هي تدل على الاستمرار، فإن لم يمكن حملها على الاستمرار للقرينة؛ فأقل أحوالها الدلالة على التكرُّر.
وفي القَصْر على مرّة عُدول عن الدلالة، فهو مسلك ضعيف في الجواب.
ففرق بين كونه فعلا عارضا، وبين كونه فعلا وقع مرة واحدة فقط.
فالعارض قد يتكرر مرارا، لكنه ليس دائما.
وهذا الفعل من كمال قوته ﷺ ، والأنبياء أوتوا من كمال الخلقة ما لم يؤت غيرهم، وهذا المعنى نفسه حكاه الصحابة في نفس الحديث، وهو حديث أنس، فلما سأله قتادة متعجبا: "قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسٍ : أَوَكَانَ يُطِيقُهُ؟" قَالَ [أنس] : كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ". أخرجه البخاري.
فهذا يدل على كمال قوته وتمام ذكوريته ﷺ.
- أن حديث عائشة في الدنو من غير جماع، ينبئ عن الأمر المستمرّ في كل يوم غالبا؛ لقول عائشة: "قلّ يومٌ".
- وأما حديث أنس في الجماع، فهو ينبئ عن الأمر العارض وإن تكرّر، فلم يكن أمرا مستمرًّا، بل كان في بعض الأحوال: إما عند المجيء من السفر، وإما بعد تمام القسمة، فهي أحوال عارضة.
وعليه؛ فحديث عائشة ليس فيه تعرُّض لنفي طوافه على نسوته بغسل واحد في بعض الليالي؛ بل فيه إثبات أمر آخر وهو: الدنو من غير مسيس، وأنه يقع كل يوم غالبا، فيبقى حديث أنس في الجماع واقعا في بعض الليالي، فيجتمع شمل الحديثين.