MOGR7775 Telegram 2327
حرب غزة يوميات ومشاهدات [38]
(سنة من الحرب)
لم يَدُر في خَلَد أحد أن الحرب تستمر وتدور دورتها حتى نشهد ذكراها السنوية في هذا اليوم المتمِّمِ سنة.
طال أمد الحرب، واشتد على الناس الكرب، وبِتنا نرى آيات بدر وأحد والأحزاب المصوِّرةَ حالَ أهل الإيمان -نسأل الله أن نكون منهم- وما نزل بهم من الشدائد والمصائب= ماثلة شاخصة، نقرؤها في الآيات المسطورة، ونشاهدها في الوقائع المنظورة.
ولا فائدة الآن من تطويل الكلام في الحال التي عليها الناس في القطاع بعد سنة من القتل والدمار والحصار والتشريد الذي لم ينج منه أحد.
أيها الناس: قد رأيتم وعلمتم وتيقنتم بعد خِذلان القريب والبعيد أنه لا مخرج لكم مما أنتم فيه إلا الفزع والفرار إلى الله، وإدمان الضراعة والدعاء أن يكشف عنكم ما أنتم فيه.
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 63-64]، فإن كان هذا صنيعَه بأعدائه، فكيف يكون مع أحبابه وأوليائه؟!
أيها الناس: ربنا سبحانه رحيم بعباده، لا حاجة له في عنتهم وشقائهم، ولا يُجري عليهم شيئا من الأقدار إلا لحكمة. وأكثر الناس عند غَلبة البلاء يُبصرون ما فيه من الشدائد والمحن وتعمى بصائرهم عن حِكَم الله المنطوية تحته.
أخرج الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إِنَّ اللهَ لَا يَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ).
وهذا كما يكون في حقِّ آحاد الناس يكون في مجموعهم، فالله سبحانه لا يقضي لعباده قضاء إلا كان خيرا لهم إن تلقَّوه بالصبر والرضا والتسليم، يستوي في ذلك البلاء الذي يقدره الله ابتداءً أو يُجريه على يد من شاء من عباده، مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم.
أيها الناس: هذا الذي نحن فيه لا حيلة لنا في دفعه إلا ما يكون على يدِ من يستعملهم الله تعالى في هذه المواطن الشريفة، وأكثر الناس لا يقوى على ذلك ولا يتطاول إليه.
فالموفق في هذه الشدائد من وقف موقفا يُحمَد عليه في الدنيا والآخرة، واشتغل بما يعود عليه وعلى أهله وبلده بالنفع. والسِّبَاب والشتم وطول اللسان وتناول الأعراض الذي ابتُلي به كثيرون لا ينفع ولا يدفع ولا يرفع، والله سبحانه سائلك يوم القيامة عن نفسك وعملك، وسائلٌ كل واحد عما استرعاه واستأمنه.    
أيها الناس: هذه الحرب امتحان لإيمانكم وتوحيدكم وولائكم وبرائكم وتوكلكم ويقينكم وصبركم وثباتكم= فأروا الله من أنفسكم خيرا.
قال سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2-3].
وقال جل وعلا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31].
ومعنى قوله: (وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ): أي نختبر أعمالكم، كما جاء عن بعض السلف.
ففي الشدائد والمحن يتمايز الناس، وتنكشف معادنهم، واعتبروا في هذا رحمكم الله بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يوم الخندق، إذ اجتمعت الأحزاب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظُنَّت بالله الظنون، فقال أهل الإيمان: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22]. فأين هذا من قَولة أهل الشك والنفاق: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12].
أيها الناس: لا تَشغَلوا أنفسكم بأمد الحرب ووقت انتهائها، فإن الذي قدر بدايتها قدر نهايتها، وهي إلى إدبار وإعزاز لنا إن صبرنا واتقينا، لا شك في ذلك ولا ريب. والعاقل لا يترك المقدورَ عليه ويَشغل نفسه بالمعجوز عنه، فتدبير نهاية الحرب ومآلاتها إلى الله سبحانه.
والواجب المتعين علينا شرعا وعقلا وواقعا اليوم: أن يسعى كل واحد منا في إصلاح نفسه ومن يليه، وإقامتهم على أمر الله تعالى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومجانبة الذنوب والمعاصي، والأخذ على يد أصحابها كلٌّ بحسَبه وما آتاه الله من سلطان وحجة.
ثم بعد ذلك ينظر في الثغر الذي ينفع به نفسه ودينه وأهله وبلاده فيلزمه، متسلحا فيه بسلاح العلم والإيمان وسؤال الله تعالى التوفيق والسداد.
أيها الناس: إن من رحمة الله بعباده أن الكرب كلما اشتد، والمصيبة كلما عظمت، فاستعان العبد بالله وأنزل المصيبة به= اقترب الفرج، وآذنت المصيبة بالزوال.



tgoop.com/mogr7775/2327
Create:
Last Update:

حرب غزة يوميات ومشاهدات [38]
(سنة من الحرب)
لم يَدُر في خَلَد أحد أن الحرب تستمر وتدور دورتها حتى نشهد ذكراها السنوية في هذا اليوم المتمِّمِ سنة.
طال أمد الحرب، واشتد على الناس الكرب، وبِتنا نرى آيات بدر وأحد والأحزاب المصوِّرةَ حالَ أهل الإيمان -نسأل الله أن نكون منهم- وما نزل بهم من الشدائد والمصائب= ماثلة شاخصة، نقرؤها في الآيات المسطورة، ونشاهدها في الوقائع المنظورة.
ولا فائدة الآن من تطويل الكلام في الحال التي عليها الناس في القطاع بعد سنة من القتل والدمار والحصار والتشريد الذي لم ينج منه أحد.
أيها الناس: قد رأيتم وعلمتم وتيقنتم بعد خِذلان القريب والبعيد أنه لا مخرج لكم مما أنتم فيه إلا الفزع والفرار إلى الله، وإدمان الضراعة والدعاء أن يكشف عنكم ما أنتم فيه.
(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام: 63-64]، فإن كان هذا صنيعَه بأعدائه، فكيف يكون مع أحبابه وأوليائه؟!
أيها الناس: ربنا سبحانه رحيم بعباده، لا حاجة له في عنتهم وشقائهم، ولا يُجري عليهم شيئا من الأقدار إلا لحكمة. وأكثر الناس عند غَلبة البلاء يُبصرون ما فيه من الشدائد والمحن وتعمى بصائرهم عن حِكَم الله المنطوية تحته.
أخرج الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إِنَّ اللهَ لَا يَقْضِي لِلْمُؤْمِنِ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ).
وهذا كما يكون في حقِّ آحاد الناس يكون في مجموعهم، فالله سبحانه لا يقضي لعباده قضاء إلا كان خيرا لهم إن تلقَّوه بالصبر والرضا والتسليم، يستوي في ذلك البلاء الذي يقدره الله ابتداءً أو يُجريه على يد من شاء من عباده، مؤمنهم وكافرهم، طائعهم وعاصيهم.
أيها الناس: هذا الذي نحن فيه لا حيلة لنا في دفعه إلا ما يكون على يدِ من يستعملهم الله تعالى في هذه المواطن الشريفة، وأكثر الناس لا يقوى على ذلك ولا يتطاول إليه.
فالموفق في هذه الشدائد من وقف موقفا يُحمَد عليه في الدنيا والآخرة، واشتغل بما يعود عليه وعلى أهله وبلده بالنفع. والسِّبَاب والشتم وطول اللسان وتناول الأعراض الذي ابتُلي به كثيرون لا ينفع ولا يدفع ولا يرفع، والله سبحانه سائلك يوم القيامة عن نفسك وعملك، وسائلٌ كل واحد عما استرعاه واستأمنه.    
أيها الناس: هذه الحرب امتحان لإيمانكم وتوحيدكم وولائكم وبرائكم وتوكلكم ويقينكم وصبركم وثباتكم= فأروا الله من أنفسكم خيرا.
قال سبحانه: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2-3].
وقال جل وعلا: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31].
ومعنى قوله: (وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ): أي نختبر أعمالكم، كما جاء عن بعض السلف.
ففي الشدائد والمحن يتمايز الناس، وتنكشف معادنهم، واعتبروا في هذا رحمكم الله بحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم يوم الخندق، إذ اجتمعت الأحزاب، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظُنَّت بالله الظنون، فقال أهل الإيمان: (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [الأحزاب: 22]. فأين هذا من قَولة أهل الشك والنفاق: (مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) [الأحزاب: 12].
أيها الناس: لا تَشغَلوا أنفسكم بأمد الحرب ووقت انتهائها، فإن الذي قدر بدايتها قدر نهايتها، وهي إلى إدبار وإعزاز لنا إن صبرنا واتقينا، لا شك في ذلك ولا ريب. والعاقل لا يترك المقدورَ عليه ويَشغل نفسه بالمعجوز عنه، فتدبير نهاية الحرب ومآلاتها إلى الله سبحانه.
والواجب المتعين علينا شرعا وعقلا وواقعا اليوم: أن يسعى كل واحد منا في إصلاح نفسه ومن يليه، وإقامتهم على أمر الله تعالى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، ومجانبة الذنوب والمعاصي، والأخذ على يد أصحابها كلٌّ بحسَبه وما آتاه الله من سلطان وحجة.
ثم بعد ذلك ينظر في الثغر الذي ينفع به نفسه ودينه وأهله وبلاده فيلزمه، متسلحا فيه بسلاح العلم والإيمان وسؤال الله تعالى التوفيق والسداد.
أيها الناس: إن من رحمة الله بعباده أن الكرب كلما اشتد، والمصيبة كلما عظمت، فاستعان العبد بالله وأنزل المصيبة به= اقترب الفرج، وآذنت المصيبة بالزوال.

BY مجدي المغربي - فلسطين - قطاع غزة


Share with your friend now:
tgoop.com/mogr7775/2327

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

How to create a business channel on Telegram? (Tutorial) Hashtags Telegram has announced a number of measures aiming to tackle the spread of disinformation through its platform in Brazil. These features are part of an agreement between the platform and the country's authorities ahead of the elections in October. So far, more than a dozen different members have contributed to the group, posting voice notes of themselves screaming, yelling, groaning, and wailing in various pitches and rhythms. Telegram users themselves will be able to flag and report potentially false content.
from us


Telegram مجدي المغربي - فلسطين - قطاع غزة
FROM American