Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
5994 - Telegram Web
Telegram Web
لأجل ذلك لا تكتفي آيات سورة الأنعام بعرض دلائل العظمة الإلهية، ولكن تشنّ هجوماً كاسحاً، عاصفاً، على هؤلاء الجاحدين المكذبين.
آيات حاسمة لا تُداهن، ولا تُجامل، بل تواجه بالحقيقة الصارخة
بالاستفهامات الاستنكارية التي تهزّ أركان الباطل:
(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ
ثم تساؤل آخر
أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّا أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ)
"أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا..."
"قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ۗ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ ۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"
لاحظ كذلك تتكرار في السورة كلمة "قُلْ" بكثافةٍ لافتة، كأنها أمرٌ إلهيٌّ للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكل مؤمنٍ من بعده: لا تسكت!
لا تقف ساكنا أمام هذا الجحود!
اصدع بالتوحيد
اجهر بتعظيم الله، وافضح زيف شركهم وسخافة عقولهم التي تعبد حجراً أو بشراً وتذر خالق الكون ومدبره!

إن القلب الذي امتلأ بتعظيم الله حقاً لا يملك أن يظل صامتاً.
التعظيم الحق يفيض على اللسان ذكراً وتسبيحاً، وعلى الجوارح طاعةً وامتثالاً، وعلى القلب غيرةً على حرمات الله ونفوراً من كل ما يُناقض وحدانيته وعظمته.
كيف يرضى مؤمنٌ يُعظم الله أن يرى من يتطاول على مقامه أو يستهين بشرعه ثم لا يُحرّك ساكناً؟
الغيرة على المحبوب الأعظم هي ببساطة علامة ذلك الحب الصادق والتعظيم الخالص وسورة الأنعام تُعلّمنا ذلك
تبين من خلال جل آياتها أن تعظيم الله ليس مجرد شعورٍ قلبيٍّ خافت، بل هو حالةٌ إيمانيةٌ شاملة تُغير نظرتك للكون وللحياة ولنفسك.
حين تُدرك عظمة الله، تستصغر كل ما سواه وحين تعرف قدرته، تتوكل عليه وحده وحين تتأمل رحمته، تمتلئ حباً وشوقاً إليه وحين تستشعر قهره وجبروته، تمتثل لأمره وتجتنب نهيه.
إنها "الزلزلة" الإيمانية التي تحدثنا عنها منذ البداية عند تنزل السورة
الرجفة الشديدة التي تُعيد ترتيب الأولويات في قلبك، فتضع مقام الله في مكانه الأسمى
فوق كل شيء
وفوق كل أحد.
كيف لا "وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"
كيف تتعلق بغيره ولا يملك لك أحد شيئا إلا هو
"وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ"

إن آيات السورة كما ترى تضرب على أوتار العقل والقلب معاً لتصل إلى هذا المقام

تستعرض مشاهد الخلق الباهرة لتُبهر العقل وتُقنعه، ثم تُذكّر بالموت والبعث والحساب لترقق القلب وتُخوّفه، ثم تُهاجم الشركاء المزعومين لتُسفّه عقول عابديهم وتُنقّي القلب من أي تعلقٍ بغير الله.

تُقدم لنا نموذجاً فريداً في قصة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، ذلك الحليم الأواه المنيب، وهو يتأمل في ملكوت السماوات والأرض
"وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ "
ينتقل من الكوكب إلى القمر إلى الشمس، لا لشيء إلا ليُعلن البراءة من كل ما يأفل ويغيب، ويتوجه بوجهه وقلبه للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً.
"فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ "
رحلة يقين يخوضها كل باحثٍ عن الحق، رحلةٌ تبدأ بالنظر والتفكر، وتنتهي بالتوحيد الخالص والاستسلام الكامل لله رب العالمين والبراءة مما سواه ثم توجه الوجه والقلب والجوارح له وحده
" إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"
بعد كل هذه الرحلة يجد من يحاججه
ويحاججه في من؟
في ربه؟!
"وَحَاۤجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰۤجُّوۤنِّی فِی ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَاۤ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦۤ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ رَبِّی شَیۡـࣰٔاۚ وَسِعَ رَبِّی كُلَّ شَیۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ"
6👍3
لكن التخويف يستمر ويظن أهل الباطل أن ينجحوا في مسعاهم فتأتيهم الإجابة حاسمة
وَكَیۡفَ أَخَافُ مَاۤ أَشۡرَكۡتُمۡ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمۡ أَشۡرَكۡتُم بِٱللَّهِ مَا لَمۡ یُنَزِّلۡ بِهِۦ عَلَیۡكُمۡ سُلۡطَـٰنࣰاۚ"
كيف يخاف الموقن؟
كيف يهتز قلب من سار في هذه الرحلة النورانية التي أكسبته ذلك التعظيم
هنا يسأل
" فَأَیُّ ٱلۡفَرِیقَیۡنِ أَحَقُّ بِٱلۡأَمۡنِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡلَمُونَ
فتأتي الإجابة النهائية
" ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَلَمۡ یَلۡبِسُوۤا۟ إِیمَـٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ "
الأمن الحقيقي هو الأمن بالله ولا يكون إلا لمن آمن خالصا ولم يشب إيمانه تعكير بظلم
والظلم هنا هو الشرك
"وَتِلۡكَ حُجَّتُنَاۤ ءَاتَیۡنَـٰهَاۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَـٰتࣲ مَّن نَّشَاۤءُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"

السورة في طيات قصة سيدنا إبراهيم تبين لنا و تُحذرنا من أن طريق التوحيد والتعظيم ليس مفروشاً بالورود.
دائماً هنالك شياطين الإنس والجن الذين يُوحِي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً
يُزينون الباطل، ويُلقون الشبهات، ويُحاولون إضلال المؤمنين عن صراط ربهم المستقيم.
"وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ۚ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ

فما العمل
يأتي الأمر الذي يدركه كل معظم موحد
اتركهم وأعرض عنهم
" فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىٰ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ"
ثم تأتي الوصايا الجامعة في خاتمة السورة كمنهاجٍ عمليٍّ شامل، يُحصّن المؤمن ويرسم له طريق الاستقامة وتوضح ما حُرم عليه
لا تشركوا
بالوالدين إحساناً
لا تقتلوا أولادكم
لا تقربوا الفواحش
لا تقتلوا النفس
لا تقربوا مال اليتيم
أوفوا الكيل والميزان
اعدلوا في قولكم
و بعهد الله أوفوا...
"قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ۖ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ ۖ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۖ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا"

هذه هي الوصايا لعلك تتذكر
" ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ "

وذلك هو الصراط المستقيم لعلك تسلكه ولا تتفرق بك السبل
" وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ"
إنها سورة الأنعام يا صديقي.
سورة العظمة والجلال
سورة التوحيد الخالص
سورة مواجهة الشرك والجحود
سورة التفكر في ملكوت الله
سورة الثبات على الصراط المستقيم. أعلمت الآن لماذا نزلت يصحبها ذلك الموكبٍ المهيب ولماذا ارتجت لها الأرض، وبكى لها النبي
ألم يأن أن يهتزّ لها قلبك أنت أيضاً، حين تعرف ربك من خلال آياتها حق المعرفة، فتُعظّمه حق التعظيم، وتُفرده بالعبادة والمحبة والولاء.
فلنقترب من سورة الأنعام بقلوبٍ وجلة، وعقولٍ متفكرة متأملة، وأرواحٍ متعطشةٍ لمعرفة الله.
لنتدبر آياتها التي تقطر جلالاً وجمالاً.
ولنرجو أن تُحدث تلك "الزلزلة" المباركة في أعماقنا، فتُزيل كل أصنام الهوى والتعلق بغير الله، ولا يبقى في القلب إلا الواحد الأحد، الفرد الصمد، المستحق للتسبيح والتنزيه والتعظيم
سبحان ربي العظيم...
سبحان ربي العظيم.

الحلقة السادسة من #قبل_أن_تتلو
8👍2
سؤال لأغراض بحثية ولمن شاء أن يتفضل بالإفادة
في لحظات ضعفك وعندما يحاول الشيطان أن يخنق روحك ما هو "حبل النجاة" الذي تتشبث به لتعود أقوى؟
هل هو ذكرٌ، دعاءٌ، صحبةٌ، أم شيءٌ آخر؟"
8👍2
#ورد_القرآن_اليومي
الآيات 283 و 284 من سورة البقرة
Forwarded from محمود مجاهد
👍2
التلاوة
بعد صلاة العصر إن شاء الله البث القرآني الأسبوعي ضمن سلسلة التفسير والتدبر وموعدنا اليوم بإذن الله مع المجلس العاشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
5
الحلقة الصوتية 👆
وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِیِّـۧنَ

المجلس العاشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 79 إلي 85
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/h9HvLrJKnUc?si=wHpurl7fedpdybw2
3👍2
Forwarded from محمود مجاهد
👍32😢1
قناة د. محمد علي يوسف
Audio
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
اللهم تقبل وانفع واغفر التقصير والخطأ والزلل
الحلقة الخاتمة لمختصر تفسير سورة البقرة
15👍5
مَن كانَ مُسْتَنًّا ، فَلْيَسْتَنَّ بمن قد ماتَ ، فإنَّ الحيَّ لا تُؤمَنُ عليه الفِتْنَةُ
من الخلاصات النافعة والمريحة للقلب تلك الجملة الجامعة المنسوبة لسيدنا ابن مسعود رضي الله عنه

الحي لا تُؤمن عليه الفتنة
خلاصة جامعة تدفعك لأمرين رئيسين
أولهما متعلق بالأحياء بأن تحرص منهم على ما ينفعك ولا تقدس منهم أحدا أو ترفعهم لمراتب عصمة وهمية وألا ترفع معهم سقف توقعاتك جدا مهما بدا لك ظاهرهم ولا يتعارض ذلك مع إحسان الظن العام بالمسلمين

وشتان الفارق بين التقديس المطلق وبين إحسان الظن المعلق بالظاهر من العمل

الأمر الثاني متعلق بك أنت ألا تأمن على نفسك حين ترى كثرة المتساقطين في هوة الفتن..

أنا وأنت يا صديقي لازلنا على ظهر الأرض أحياء لا تؤمن علينا الفتنة وعدم الأمن هذا يدفعك لمزيد تعلق بربك وتضرعا له أن يثبتك ويقيك شر التلون ومهاوي السقوط مع من سقطوا
والإنسان بطبيعته قابل للتغير
والتغيرات أحيانا تكون حادة جدا لدرجة لا تكاد تصدق معها أننا نتحدث عن نفس الشخص أو الفئة
وهذا معنى مهم للغاية يرسخه القرآن من خلال العديد من الشخصيات التي ذكرت فيه
كثير من الشخصيات المذكورة في القرآن سواء كانت في سياق المدح أو الذم = لا تأتي ببعد واحد أو بعدين ولا يشترط أن تكون حياتها المذكورة عبارة عن مرحلة واحدة لا تتبدل أحوالها ولا تتباين مواقفها
هي في الحقيقة شخصيات ثرية وعميقة تحمل من التطور والمرحليات ما يجعلها تصلح تماما لأن تكون نماذج متكاملة للبشر بتعقيداتهم وما يطرأ عليهم من التغيرات
شخصية امرأة العزيز مثال لذلك
امرأة سيطرت عليها الشهوة في أول الأمر حتى أسكرتها وجعلتها تتصرف تلك التصرفات العنيفة الهوجاء وتزداد غيا لدرجة المطالبة بتعذيب نبي الله يوسف عليه السلام أو سجنه وتتسبب في ذلك بالفعل بعد أن حاولت جر باقي النسوة في المدينة لذات الدرك الذي تردت فيه
لكن هل كانت الشخصية بذلك السواد الحالك إلى منتهى القصة؟
هل هي نموذج لشر مطلق؟
الإجابة = لا
لقد تغيرت
وكذلك البشر
يتغيرون ولا يشترط أن يثبتوا على حال
رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قال له ربه جل وعلا "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا"
في نموذج امرأة العزيز كان التغير للأفضل وكان الاعتراف وتبرأة يوسف مع عدم تبرأة النفس التي وصفتها بذلك الوصف الجامع
إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
واضح تماما أن اصطلاحاتها وفكرها قد طالهم تغيير إيجابي لا يمكن تجاهله
الشيء نفسه حدث مع السحرة
من أناس جمعوا كيدهم وأتوا صفًا واستعلوا على نبي مكلم ورسول من أولي العزم وسحروا أعين الخلق واسترهبوهم إلى عباد ساجدين ثابتين على معتقدهم الذي يقضون نحبهم دون تفريط فيه!

تخيل المشهد ...
قوم يضادون نبيًّا ويتحدون رسولًا ليكذبوا دعوته ويستعينوا بسحر أسود حالك يبغون دحره
ثم سجدوا ...
بل أُلقوا سجدًا
سجدوا لإله قد كانوا مذ لحظات يحاربون نبيه ويكذبون بدينه!
سجدوا في الساحة نفسها التي كانوا يصدون فيها عن سبيله ويسترهبون الناس ليردوهم عن ملته
لم تصدهم آثام ولم تمنعهم تعاويذ ولم تعطلهم دركات طالما تقلبوا فيها ولم يغرهم منصب موعود ولا ثراء منشود

لقد سجدوا رغم كل شيء
إنه نموذج ثري لهذا الانتقال بين مرحلتين في غاية التباين
مرحلة سحرة الطاغية
ثم مرحلة متقبلي الحق بقبول حسن وثبات عظيم
وشتان ما بين المرحلتين رغم أن كلا منهما لذات الإنسان

إنه انتقال محوري من شعار "أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ" إلى مبدأ "والله خير وأبقى"
الأجر الدنيوي والعائد المادي والقرب من السلطان
لكن هذا كان قبل السجود

قبل أن تخالط قلوبهم بشاشة الإيمان بالرب المعبود
وبعد أن كان كل همهم الدنيا وأجرها قبل لحظة الشهود لآية الرب الودود قالوا لمن هددهم بزوال تلك الدنيا بل بزوالهم عنها:
{لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون}
{لَنْ نُؤْثرك عَلَى مَا جَاءَنَا منْ الْبَيّنَات وَاَلَّذي فَطَرَنَا فَاقْض مَا أَنْتَ قَاضٍ إنَّمَا تَقْضي هَذه الْحَيَاة الدُّنْيَا}
الأمر إذا ممكن ووارد الحدوث
مهما كانت درجة الباطل التي عليها الإنسان
ومهما تردى في هاوية الإجرام وتقلب في دركات الآثام وطال عليه الأمد في تلك الدركات الموحشة = فلا ينبغي أن يُفقد الأمل في هدايته
ولا أن يُقطع الأمل في إصلاحه

في المقابل أيضا يوضح القرآن النموذج المناقض ويرسخ لتلك القاعدة التي نتغافل عنها
الحي لا تؤمن عليه الفتنة
ولتوضيح هذه القاعدة وبيانها سنجد في القرآن عدة نماذج لأناس كانوا في مرحلة على خير أو تمتعوا بتزكية ما
ثم بدلوا وغيروا إلى حال أخرى تماما
نموذج بلعم بن باعوراء مثال واضح لهذا التبدل
7👍6
رجل أوتي آيات الله بشهادة من مولاه
لكنه انسلخ منها وأخلد إلى الأرض واختار الهوى
كانت النتيجة أن تغير وصفه وزالت تزكيته وصار غاويا مثله كالكلب في لهاث مستمر
ومثله نموذج برصيصا العابد وعقبة بن أبي معيط الذي كاد أن يسلم بل قيل أنه فعلا أسلم ثم أضله خليله وتبدل حاله من مكرم للنبي صلى الله عليه وسلم حريص على وده إلى رجل من أشد من عرفوا بإيذائهم للحبيب صلى الله عليه وسلم ثم ها هو مشهده الحسير في الآخرة وهو يعض على يديه نادما يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني
إنه التباين في أوضح صوره
لكن قد لا تكون التغيرات بهذه الصورة الحادة
قد تكون مجرد خلط بين عمل صالح وآخر سيء
وقد تكون ضعفا مرحليا تتبعه عودة وتوبة أو العكس شرة وقوة يتبعها فتور وغفلة
القرآن ضرب أمثلة لكل ذلك
خير مختلط بشر
وشر يتبعه خير

ثنائية الملائكة والشياطين والشر الخالص والخير المطلق = لا تنطبق في كل مرة

تلك الثنائية التي لا تغادر أذهان كثير من الناس عند تعاملهم مع غيرهم أو حتى مع أنفسهم
ثنائية الممثل غليظ الحاجبين فظ الملامح نتن الرائحة الذي يقوم في الفيلم الساذج بدور الكافر في مواجهة البطل الوسيم الذي تنعكس الإضاءة على وجهه وعلى ثيابه البيضاء
دائما بيضاء فهو الطيب الجميل في مواجهة الشرير القبيح
ما بين شيطنة كاملة، وافتراض ملائكية مفرطة = يتناسى كثير من الخلق حقيقة أن الإنسان مخلوق أكثر تعقيدا من تلك الثنائية الحادة وأن تعقيد التركيبة البشرية يستلزم عدم شرطية العصمة والتنزيه الكامل كما لا يستلزم وجود ضرورة لكون خصمه رجيما ملعونا يقضي الليل والنهار في المؤامرات الكونية والطقوس الشيطانية التي تناسب الصورة النمطية القبيحة المستقرة في ذهنه

والحقيقة البسيطة والمعلومة أن المجموعات البشرية غير المعصومة تحمل في داخلها عيوبا وميزات وتحدث أثناء سيرها أخطاء وتصحيحات
إن مقتضى البشرية = وجود النجدين "وهديناه النجدين"
ومن لوازم الإنسانية = إلهام الفجور والتقوى
"فألهمها فجورها وتقواها"
وليس معنى غلبة التزكية ومظنة الفلاح أن الخطأ لم يقع أحيانا كما أن ليس معنى غلبة الباطل على ابن آدم خلو فعله من أي صواب

بخلاف المعصومين من الأنبياء والمرسلين فالبشر يختلفون عن الملائكة وهم كذلك ليسوا شياطين
البشر طالما كانوا أحياء فهم أعقد من أن يختزلوا في لون واحد حتى وإن غلب عليهم مرحليا فلا تعلم نفس كيف ستكون المرحلة الأخيرة
كيف ستكون الخاتمة
تلك التي يتحدد بعدها الانحياز النهائي
ويظهر اللون الحقيقي
17👍4
"وانت عامل إيه؟"...
"إزيك؟"...
"أخبارك؟"...
"إيش أحوالك؟"
"إيش لونك؟"...
"كيفك؟"
" عساك طيب؟"...

تتعدد اللهجات وتختلف المفردات
ويبقى السؤال واحداً في جوهره
يتردد على أسماعنا عشرات المرات في اليوم والليلة
في مكاتب العمل، في مكالمات الهاتف، في لقاءات المصادفة العابرة، وحتى في رسائل "الواتساب" التي تبدأ غالباً بهذه الافتتاحية التقليدية.
سؤالات لطيفة، مهذبة، يُفترض بها أن تكون جسراً للتواصل، وبوابة للاطمئنان، وتعبيرًا عن الاهتمام.
لكنه مع الوقت لم يعد كذلك
صارت مجرد تحية أو ترحيب جاف له إجابات معلبة
في طفولتنا أثناء دراستنا للغة الأجنبية الأولى والثانية كانوا يحفظونا الإجابة المثالية على مثيل تلك الأسئلة في اللغة
How are you?
Fine.. Thank you!
هكذا صارت الإجابات بنفس تلك الطبيعة الآلية
دعني يا صديقي أهمس لك بسِرٍّ صغير..
سِر ربما تعرفه أنت أيضاً في أعماقك، لكننا جميعا نتظاهر بأننا لا نعرفه.
سؤال "عامل إيه؟" والذي يبدي اهتماما بأحوالك " هو في أغلب الأحيان = ليس سؤالا ولا ينتظر الكثيرون إجابته الحقيقية!
وأحيانا لا أحد تقريباً.
جرب مرة، حين يسألك أحدهم هذا السؤال، أن تُجيبه بصدقٍ موجع.
أن تفصل في الإجابة..
أن تحكي وتفضفض..
- أخي.. أنا لستُ بخير.
- أشعر بأن روحي تتآكل، وبأن هموم الدنيا قد أثقلت كاهلي حتى كدتُ أنوء بها.
- أشعر بوحدةٍ قاتلة رغم الزحام
- أفكر جدياً في الهجرة إلى القطب الشمالي لأعيش مع الدببة القطبية، فهم على الأقل لن يسألوني كيف حالي ثم يمضون!

كيف تتوقع أن تكون ردة فعله؟
في أحسن الأحوال، سينظر إليك أكثر من يسألونك عن أحوالك بدهشةٍ مشوبةٍ بالشفقة، كأنك كائنٌ فضائيٌّ هبط للتو من صحنٍ طائر، ثم سيهزّ رأسه بتعاطفٍ مصطنع، ويتمتم ببعض الكلمات المواسية الفارغة
"معلش يا أخي، كله خير... هتعدي إن شاء الله.. كل مُرٍّ سيمر... ثم سيُغير الموضوع بسرعة ليتحدث عن أسعار العقارات أو عن آخر "تريند" على وسائل التواصل أو سينسحب بهدوءٍ تكتيكيٍّ كأنه يهرب من حقل ألغام.
لماذا؟؛
لأن السؤال، في حقيقته كما قلت لك لم يكن سؤالاً.
لقد كان مجرد "كلمة مفتاحية" لبدء المحادثة
تحيةٌ مُغلّفةٌ بقشرةٍ رقيقة من الاهتمام، لا يتوقع صاحبها أن تُقابلها بإجابةٍ تتجاوز "الحمد لله، كله تمام" أو "كويس، ماشي الحال".
الحقيقة أننا يا عزيزي نعيش زمن الإجابات النموذجية والمشاعر المُعلّبة.

لا وقت لدينا لسماع أنين الآخرين، ولا طاقة لتحمل همومهم الصادقة.
نريد تواصلاً سريعاً، سطحياً، لا يُكلفنا عناء الاستماع أو التعاطف أو المشاركة الوجدانية
المفارقة، أن كثيرا منا في دواخلنا، نتوق إلى تلك اللحظة التي يسألنا فيها أحدهم هذا السؤال.. لكن وهو يعنيه.
حقا يعنيه
نتوق إلى أذنٍ صاغية
إلى قلبٍ مُهتم
إلى شخصٍ يكون مستعداً لأن يحمل معنا، ولو بالكلام، بعضاً من أثقالنا.
نحتاج أن نحكي.. أن نُفضفض.. أن نُخرج تلك الزفرات التي تتراكم في صدورنا
نحتاج إلى أن نشعر بأن هناك من يهتم حقاً ويريد أن يعرف فعلا إحنا عاملين إيه، وكيف حالنا!
نحتاج كل ذلك لكننا نصر على ارتداء أقنعة القوة والتماسك، فنُجيب غالبا بابتسامةٍ خاوية باهتة: "كله زي الفل!" بينما من الداخل تصيح نفوسنا: "لا تصدقني.. أنا مش زي الفل ولا حاجة.. هلّا استمعتَ إليّ قليلاً؟".
ثم نعود لنسأل الآخرين نفس السؤال الفارغ، ونستمع إلى إجاباتهم النموذجية، في دائرةٍ عبثية من التواصل الزائف والاهتمام المُصطنع.
نعم... هذه هي المشكلة التي يأبى كثير منا الاعتراف بها

نتمنى أن يكون السؤال حقيقيا بينما لا نسأل أنفسنا حين نتلفظ به هل نحن أصلا مستعدون لسماع الإجابة أيّاً كانت.
هل نحن مستعدون حقا لأن نُعطي من وقتنا واهتمامنا لمن حولنا، وأن نُشعرهم بأنهم ليسوا مجرد أرقام في قائمة اتصالاتنا، بل أرواحٌ تستحق أن يُسمع أنينها ويُربت على كتفها وتقدر آلامها.
وقبل ذلك هل نحن مستعدون للمصارحة والصدق مع النفس في الاعتراف بحاجتنا للآخرين؟
بحاجتنا لمن يكترث بإجابة تلك الأسئلة
وهل نبحث أصلا عن تلك الأذن الصاغية ونتحمل تكلفتها المتبادلة فلا نبخل على الآخرين بهذا السؤال الصادق كما لا نبخل على أنفسنا بلحظة نبوح فيها بما يُثقل صدورنا.
من دون هذا سيظل ذلك السؤال "عامل إيه؟" = مجرد تحيةٍ عابرة لا تعكس اهتماماً صادقاً على مرايا علاقات كستها طبقات سميكة من غبار اللامبالاة والأنانية والفردانية التي صارت سمة لا يهونها إلا علمك أن لك رباً يرى حالك ويسمع كلامك وهو العليم بهمك الخبير بكل صغير وكبير في حياتك
وأنك حين تشكو بثَّك وتبوح بألمك بين يديه فلن تذهب شكواك أدراج الرياح...
وهذا يكفي.
👍1915😢14
أن يقتنص منك شيطانك لحظة ضعف أو تسلط غفلة فيسقطك في براثن شهوة محرمة أو يغويك فتقترف خطيئة أو ترتكب هفوة وتستسلم لنزوة = فذلك نجاح له بلا شك

لكن هذا النجاح لا يساوي شيئا إذا قورن بذلك النصر المبين الذي سيحققه حين يجعل هذا الذنب أو تلك الخطيئة سبيلا لتيئيسك وتقنيطك من رحمة ربك

حين تكون تلك الشهوة والنزوة والهفوة عوامل إحباط تفقدك ثقتك وتثنيك عن الإكمال في طريق الطاعة الذي لا بديل عنه
عصيت؟!
أخطأت؟!
غفلت ونسيت وسهوت؟!
إذا فهي معارك قد خسرتها
لكنك لم تخسر الحرب بعد
لن تخسرها إلا إذا استسلمت ولليأس والقنوط وركنت إلى الفشل
حينئذ فقط تكون ممن صدق عليهم إبليس ظنه
وأعيذك أن تكون منهم
24👍10
خطبة الجمعة 👆
8
بعد قليل إن شاء الله البث القرآني الأسبوعي ضمن سلسلة التفسير والتدبر وموعدنا اليوم بإذن الله مع المجلس الحادي عشر من مجالس تدبر سورة آل عمران
7👍1
2025/07/09 22:12:41
Back to Top
HTML Embed Code: