تأمل ما ارتبط بالتخفيف من جديد
علمه
لقد علِمَ ضعفكم البشري
علِمَ ما قد يعتريكم من خوفٍ أو تعب
فخفف عنكم الحكم الأول وربط النصر بصبركم ويقينكم وإذنه بالنصر قبل كل ذلك
فيا أيها القلبُ المُتعب
ويا أيتها الروحُ المُنكسرة
يا من تشعرُ بأن همومَكَ أكبرُ منكَ وأن لا أحدَ يعلمُ بحالِكَ
ارفعْ عين بصيرتك وانظرْ بها إلى السماءِ مستحضرا هذا المعنى الذي ينبغي أن يكون شعارا يتوسط سائر أحوال حياتك
"فإن الله يعلمه"
يعلم طاعتك وتقربك وتعلقك
يعلم صدقتك فيُباركها وينميها
يعلم ضعفك فيُقويك ويرحمك
يعلم همّك فيُفرّجه ويواسيك
يعلم ألمك فيشفي قلبك ويداويك
و يعلم صبرك فيُثيبك ويوفيك أجرك بغير حساب
علمه يا صديقي ليس فقط رقابةً تُخيف بل هو أيضاً عنايةٌ تُطمئن ورعايةٌ تحفظ ولطفٌ يسري في أقدارك دون أن تشعر
استحضر هذا المعنى في قلبك دائماً و إلى جوار مراقبتك لعلمه وسمعه بصره بقلب الخائف المترقب للعقاب؛ اجعل معها لحظ المحبّ وتعلق الواثق برعاية مولاه وعلمه بحاله فإن هذا وربي أعظمِ ما تطمئنُ بهِ القلوبُ المتعبة وتستكين النفوس المنهكة
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
ومع هذا الذكر لذاك العلم؛ فأيُّ حزنٍ يبقى؟
وأيُّ همٍّ يدوم؟
وأي وحشة تستمر؟
عشْ في كنف هذا العلم الإلهي الشامل وظني بالله أن السكينة ستملأ قلبك والطمأنينة ستسكن روحك والأمل سيُضيء دروبك مهما اشتدت الظلمات
أو تعاظمت الخطوب
علمه
لقد علِمَ ضعفكم البشري
علِمَ ما قد يعتريكم من خوفٍ أو تعب
فخفف عنكم الحكم الأول وربط النصر بصبركم ويقينكم وإذنه بالنصر قبل كل ذلك
فيا أيها القلبُ المُتعب
ويا أيتها الروحُ المُنكسرة
يا من تشعرُ بأن همومَكَ أكبرُ منكَ وأن لا أحدَ يعلمُ بحالِكَ
ارفعْ عين بصيرتك وانظرْ بها إلى السماءِ مستحضرا هذا المعنى الذي ينبغي أن يكون شعارا يتوسط سائر أحوال حياتك
"فإن الله يعلمه"
يعلم طاعتك وتقربك وتعلقك
يعلم صدقتك فيُباركها وينميها
يعلم ضعفك فيُقويك ويرحمك
يعلم همّك فيُفرّجه ويواسيك
يعلم ألمك فيشفي قلبك ويداويك
و يعلم صبرك فيُثيبك ويوفيك أجرك بغير حساب
علمه يا صديقي ليس فقط رقابةً تُخيف بل هو أيضاً عنايةٌ تُطمئن ورعايةٌ تحفظ ولطفٌ يسري في أقدارك دون أن تشعر
استحضر هذا المعنى في قلبك دائماً و إلى جوار مراقبتك لعلمه وسمعه بصره بقلب الخائف المترقب للعقاب؛ اجعل معها لحظ المحبّ وتعلق الواثق برعاية مولاه وعلمه بحاله فإن هذا وربي أعظمِ ما تطمئنُ بهِ القلوبُ المتعبة وتستكين النفوس المنهكة
"أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
ومع هذا الذكر لذاك العلم؛ فأيُّ حزنٍ يبقى؟
وأيُّ همٍّ يدوم؟
وأي وحشة تستمر؟
عشْ في كنف هذا العلم الإلهي الشامل وظني بالله أن السكينة ستملأ قلبك والطمأنينة ستسكن روحك والأمل سيُضيء دروبك مهما اشتدت الظلمات
أو تعاظمت الخطوب
❤10👍1
الحلقة الخامسة من سلسلة #قبل_أن_تتلو
سورة المائدة والعهود الأخيرة
حين تُسدلُ سورة النساء ستارها المنسوج بخيوط العدل والرحمة في بناء الأسرة والمجتمع، وتقلب الصفحة بقلبٍ يرتجي المزيد من أنوار الوحي، تستقبلك سورة "المائدة".
لا كسورةٍ جديدة تبدأ من فراغ، بل كامتداد وتتويجٌ مهيب، أو كبيانٌ ختاميٌّ يُعلن اكتمال الصرح الإيماني والتشريعي لدينٍ جاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور.
تشعرُ وأنت على أعتاب سورة المائدة وكأنك تقفُ أمام مأدبةٍ سماويةٍ فاخرة، أُعدّت بعنايةٍ إلهية، دُعيتَ إليها لا لتأكل وتشرب فحسب، بل لتشهد على تمام النعمة وكمال الدين، ولتُجدد العهد مع صاحب الدعوة، مالك الملك والملكوت، الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وإليه المصير.
أليست هي السورة التي احتضنت تلك الآية الفريدة
الآية الأخيرة..
تلك التي نزلت على القلوب كما قطرة مسكٍ ختامي على مسيرة الوحي الطويلة،
في يوم عرفة
في حجة الوداع..
في اجتماعرالأمة الختامي مع نبيها صلى الله عليه
بكى الفاروقُ عمر عند سماعها..
ليس جزعاً أو خوفاً من الموت كما ظن البعض
بل إجلالاً وخشيةً وفهماً عميقاً بأن الكمال لا يعقبه في منطق الدنيا إلا الاستعداد للرحيل
وبأن المهمة قد أُنجزت والرسالة قد بلغت منتهاها
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...".
إعلانٍ سماوي يبعثُ في النفس رهبةً لا تخلو من رجاء، وجلالاً لا يخلو من شعورٍ بثقل الأمانة!
قد اكتمل الدين، وتمت النعمة، ورضي الله لنا الإسلام منهج حياةٍ ودستوراً...
فماذا بعد هذا التمام وهذا الكمال إلا مسؤولية الوفاء؟
إلا صدق الالتزام ببنود هذا "العقد الأخير" مع رب العالمين؟
لهذا، تأتي آيات "المائدة" قويةً، حاسمةً، كأنها نقوشٌ خالدة على حجرٍ صلدٍ لا تمحوه تقلبات الزمان ولا أهواء النفوس.
تُخاطبُ فيك "الذي آمن"
تستنهضُ فيك جذوة الإيمان التي قد تخبو أحياناً
تُطالبك منذ بدايتها ومطلعها بالوفاء بالعهود والمواثيق كأول دليلٍ على صدق هذا الإيمان الذي استقر في قلبك أو الذي تدّعيه بلسانك.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ".
نداءٌ يفتتح السورة ويُحدد مسارها الأساسي، كأنه المفتاح الذي يفتح أبواب فهمها وأسرارها
الوفاء بالعقود.
ليست فقط العقود الدنيوية التي نُبرمها لمصالح عاجلة أو معاملاتٍ إنسانية، فتلك تأتي تبعاً وتُضبط بضوابط الشرع.
لكن الأهم تلك العقود الأسمى
مواثيق الفطرة التي فطرنا الله عليها، وعهود الإيمان التي قطعناها على أنفسنا يوم أن قلنا "بلى" لربوبيته في عالم الذر، ويوم أن رضينا به رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
إنها العقود التي تُحدد هويتنا، وتضبط بوصلة حياتنا، وتُقيم علاقتنا بخالقنا وبالكون من حولنا.
ولكي نستشعر عظمة من نُطالب بالوفاء بعهودنا معه جل جلاله وتقدست أسماؤه = تُذكّرنا السورة مراراً وتكراراً، كأنها تُربّي في قلوبنا حقيقةً كونية لا ينبغي أن تغيب أو تبهت
حقيقة ملك الله المطلق وقدرته الشاملة.
تتكرر كثيرا في آيات السورة هذه الجملة
"وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا..."
ثم "...وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
لازمةٌ تُوقظ القلب الغافل وتُعيد ضبط إحداثياته.
أنت، أيها الإنسان، مهما بلغت من قوةٍ أو سلطانٍ أو علم، تعيش في مملكة ملكٍ لا يُحدّ ملكه، ولا يُنازعه فيه منازع.
تتعامل مع إلهٍ لا تُعجز قدرته ولا يفوت علمه مثقال ذرة.
فكيف يليق بك، وأنت العبد الفقير في مملكته، أن تنقض عهده، أو تُخالف أمره، أو توالي من يُعاديه ويُحاربه؟
إن مجرد التفكر في هذا الملكوت الواسع وهذه القدرة المطلقة يكفي لأن يغرس في القلب تعظيماً يُثمر التزاماً ووفاءً وخضوعاً لأمر الملك، وخجلاً من أي تقصيرٍ أو عصيان.
"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
إن الملك والقدرة ببساطة يستلزمان الطاعة والخشية.
والوفاء
هذه نتيجة طبيعية لمن يوقن أن من عاهدت قادر على أن ينتقم ممن نقض عهده
وأين؟
في ملكه وتحت سمعه وبصره...
أي جرأة؟!
ثم تأخذنا سورة "المائدة" في رحلةٍ تفصيلية لتبيان أهم بنود هذه العقود الإلهية
تلك المواثيق الكبرى التي هي قوام علاقتنا بربنا وبديننا، والتي إن وُفي بها، صلحت الحياة واستقامت الأمور، وإن نُقضت، حلّ الفساد والضياع.
ثلاثة مواثيق رئيسية تتجلى في ثنايا السورة، كأنها الأعمدة التي يرتكز عليها صرح الوفاء والإيمان:
الميثاق الأول: ميثاق السمع والطاعة...
مسار العبودية الخالص الذي لا عوج له، واحتكام لشرع لا هوى معه
سورة المائدة والعهود الأخيرة
حين تُسدلُ سورة النساء ستارها المنسوج بخيوط العدل والرحمة في بناء الأسرة والمجتمع، وتقلب الصفحة بقلبٍ يرتجي المزيد من أنوار الوحي، تستقبلك سورة "المائدة".
لا كسورةٍ جديدة تبدأ من فراغ، بل كامتداد وتتويجٌ مهيب، أو كبيانٌ ختاميٌّ يُعلن اكتمال الصرح الإيماني والتشريعي لدينٍ جاء ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور.
تشعرُ وأنت على أعتاب سورة المائدة وكأنك تقفُ أمام مأدبةٍ سماويةٍ فاخرة، أُعدّت بعنايةٍ إلهية، دُعيتَ إليها لا لتأكل وتشرب فحسب، بل لتشهد على تمام النعمة وكمال الدين، ولتُجدد العهد مع صاحب الدعوة، مالك الملك والملكوت، الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وإليه المصير.
أليست هي السورة التي احتضنت تلك الآية الفريدة
الآية الأخيرة..
تلك التي نزلت على القلوب كما قطرة مسكٍ ختامي على مسيرة الوحي الطويلة،
في يوم عرفة
في حجة الوداع..
في اجتماعرالأمة الختامي مع نبيها صلى الله عليه
بكى الفاروقُ عمر عند سماعها..
ليس جزعاً أو خوفاً من الموت كما ظن البعض
بل إجلالاً وخشيةً وفهماً عميقاً بأن الكمال لا يعقبه في منطق الدنيا إلا الاستعداد للرحيل
وبأن المهمة قد أُنجزت والرسالة قد بلغت منتهاها
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا...".
إعلانٍ سماوي يبعثُ في النفس رهبةً لا تخلو من رجاء، وجلالاً لا يخلو من شعورٍ بثقل الأمانة!
قد اكتمل الدين، وتمت النعمة، ورضي الله لنا الإسلام منهج حياةٍ ودستوراً...
فماذا بعد هذا التمام وهذا الكمال إلا مسؤولية الوفاء؟
إلا صدق الالتزام ببنود هذا "العقد الأخير" مع رب العالمين؟
لهذا، تأتي آيات "المائدة" قويةً، حاسمةً، كأنها نقوشٌ خالدة على حجرٍ صلدٍ لا تمحوه تقلبات الزمان ولا أهواء النفوس.
تُخاطبُ فيك "الذي آمن"
تستنهضُ فيك جذوة الإيمان التي قد تخبو أحياناً
تُطالبك منذ بدايتها ومطلعها بالوفاء بالعهود والمواثيق كأول دليلٍ على صدق هذا الإيمان الذي استقر في قلبك أو الذي تدّعيه بلسانك.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ".
نداءٌ يفتتح السورة ويُحدد مسارها الأساسي، كأنه المفتاح الذي يفتح أبواب فهمها وأسرارها
الوفاء بالعقود.
ليست فقط العقود الدنيوية التي نُبرمها لمصالح عاجلة أو معاملاتٍ إنسانية، فتلك تأتي تبعاً وتُضبط بضوابط الشرع.
لكن الأهم تلك العقود الأسمى
مواثيق الفطرة التي فطرنا الله عليها، وعهود الإيمان التي قطعناها على أنفسنا يوم أن قلنا "بلى" لربوبيته في عالم الذر، ويوم أن رضينا به رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً.
إنها العقود التي تُحدد هويتنا، وتضبط بوصلة حياتنا، وتُقيم علاقتنا بخالقنا وبالكون من حولنا.
ولكي نستشعر عظمة من نُطالب بالوفاء بعهودنا معه جل جلاله وتقدست أسماؤه = تُذكّرنا السورة مراراً وتكراراً، كأنها تُربّي في قلوبنا حقيقةً كونية لا ينبغي أن تغيب أو تبهت
حقيقة ملك الله المطلق وقدرته الشاملة.
تتكرر كثيرا في آيات السورة هذه الجملة
"وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا..."
ثم "...وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"
لازمةٌ تُوقظ القلب الغافل وتُعيد ضبط إحداثياته.
أنت، أيها الإنسان، مهما بلغت من قوةٍ أو سلطانٍ أو علم، تعيش في مملكة ملكٍ لا يُحدّ ملكه، ولا يُنازعه فيه منازع.
تتعامل مع إلهٍ لا تُعجز قدرته ولا يفوت علمه مثقال ذرة.
فكيف يليق بك، وأنت العبد الفقير في مملكته، أن تنقض عهده، أو تُخالف أمره، أو توالي من يُعاديه ويُحاربه؟
إن مجرد التفكر في هذا الملكوت الواسع وهذه القدرة المطلقة يكفي لأن يغرس في القلب تعظيماً يُثمر التزاماً ووفاءً وخضوعاً لأمر الملك، وخجلاً من أي تقصيرٍ أو عصيان.
"أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
إن الملك والقدرة ببساطة يستلزمان الطاعة والخشية.
والوفاء
هذه نتيجة طبيعية لمن يوقن أن من عاهدت قادر على أن ينتقم ممن نقض عهده
وأين؟
في ملكه وتحت سمعه وبصره...
أي جرأة؟!
ثم تأخذنا سورة "المائدة" في رحلةٍ تفصيلية لتبيان أهم بنود هذه العقود الإلهية
تلك المواثيق الكبرى التي هي قوام علاقتنا بربنا وبديننا، والتي إن وُفي بها، صلحت الحياة واستقامت الأمور، وإن نُقضت، حلّ الفساد والضياع.
ثلاثة مواثيق رئيسية تتجلى في ثنايا السورة، كأنها الأعمدة التي يرتكز عليها صرح الوفاء والإيمان:
الميثاق الأول: ميثاق السمع والطاعة...
مسار العبودية الخالص الذي لا عوج له، واحتكام لشرع لا هوى معه
❤1👍1
إنه عقد شرطه الأول والأهم = أن تُسلم قيادك للملك
أن تُصغي لأمره بقلبٍ حاضرٍ وروحٍ مُستعدة
وأن تُسارع إلى التنفيذ بيقينٍ وامتثال، دون ترددٍ أو جدلٍ أو محاولةٍ للتحايل أو الالتفاف على أحكامه.
هذا هو جوهر العبودية، وروح الإسلام الذي هو الاستسلام الطوعي الكامل لله، ظاهراً وباطناً، في دقيق الأمر وجليله.
"وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ".
هكذا صرحت السورة بلا مواربة
هذا هو الميثاق الأزلي الذي نُجدده في كل تشهدٍ وفي كل لحظة إيمانٍ صادق.
ثم تتجلى هذه الطاعة في تفاصيل الحياة كلها، كأنها شريانٌ يغذي كل خليةٍ في جسد الأمة والمجتمع
تتجلى في طيبات الطعام التي أُحلت لنا
"أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ..."
"يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ..."
وتتمثل كذلك في الخبائث التي حُرمت علينا حفظاً لأبداننا وعقولنا وأدياننا
"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ."
وفي رفض ما ابتدعه الجاهلون من بحيرةٍ وسائبةٍ ووصيلةٍ وحامٍ، تلك الافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان
"مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ...".
وتظهر الطاعة في شعائر تُعظّم
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ..."
وفي حرمات تُجتنب وحدود تراعى
وتتمثل بوضوح في اجتناب رجس الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وكل ما يُذهب العقل ويُفسد الروح ويُوقع العداوة والبغضاء ويصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
تتجلى أيضا في اختبار دقيقٌ يُمتحن به صدق الخشية بالغيب
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ...".
في سورة المائدة يظهر ميثاق الطاعة في كل شيء حتى طهارة الأبدان والقلوب بالوضوء والغسل والتيمم استعداداً للقاء الملك في الصلاة.
وفي إقامة العدل والشهادة بالقسط بشكل لا ينحرف ولا يتجزأ ولو على النفس أو الوالدين أو الأقربين، بل وحتى على الأعداء
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...".
أوامرٌ ونواهٍ، وأحكامٌ وحدود هي سياجٌ من نورٍ يحمي فطرتنا من التلوث، وينظم حياتنا على أساسٍ من الحق والعدل، ويُقربنا من مولى رحيم يعلم ما يُصلحنا وما يُفسدنا.
فماذا عمن نقض هذا الميثاق، وتعدى حدود الملك، وأبى أن يحتكم إلى شرعه؟
السورة تبين أن فعل فقد عرّض نفسه لعقوباتٍ عادلة في الدنيا قبل الآخرة نماذجها في السورة تتمثل في حدود الله كالحرابة والسرقة، فالله عزيزٌ ذو انتقام ممن تمرد على أمره، وهو أيضاً غفورٌ رحيم لمن أخطأ ثم تاب وأناب وأصلح.
ثم تُقدم لنا السورة نموذجاً واضحا لمن خانوا هذا الميثاق - بني إسـ.ر.ائـ.يل - الذين أخذ الله عليهم ميثاقا شبيها وأمرهم بالصلاة والزكاة والإيمان بالرسل، ثم نقضوا هذا الميثاق فحقّت عليهم اللعنة وقست قلوبهم وحرّفوا الكلم ونسوا حظاً مما ذُكّروا به
"فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً...".
تعرض السورة مشهد تمردهم الأكبر، حين أُمروا بدخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، فجبنوا وتخاذلوا وكانت إجابة القعود الأشد وقاحة على الإطلاق..
"فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ".
يا لها من جرأةٍ على مقام الربوبية والنبوة! ويا لها من خسارةٍ لمن استبدلوا وعد الله بالنصر والتمكين بالقعود والذل والضياع؛ فكان جزاؤهم التيه في الأرض أربعين سنة، عقوبةً عادلة لنقضهم ذلك العقد والميثاق
عقد السمع والطاعة.
تعلن السورة أنهم لو كانوا قد أوفوا بذلك الميثاق أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم
لكنهم اختاروا طريق الضلال والإعراض، فكانوا على غير شيء حتى يُقيموا ما أُنزل إليهم.
ثم يأتي التحذير لهذه الأمة بآياتٍ حاسمة تُجلّي كون هذا الوفاء بميثاق السمع والطاعة والاحتكام لما أنزل الله = مقتضى الإيمان
أن تُصغي لأمره بقلبٍ حاضرٍ وروحٍ مُستعدة
وأن تُسارع إلى التنفيذ بيقينٍ وامتثال، دون ترددٍ أو جدلٍ أو محاولةٍ للتحايل أو الالتفاف على أحكامه.
هذا هو جوهر العبودية، وروح الإسلام الذي هو الاستسلام الطوعي الكامل لله، ظاهراً وباطناً، في دقيق الأمر وجليله.
"وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ".
هكذا صرحت السورة بلا مواربة
هذا هو الميثاق الأزلي الذي نُجدده في كل تشهدٍ وفي كل لحظة إيمانٍ صادق.
ثم تتجلى هذه الطاعة في تفاصيل الحياة كلها، كأنها شريانٌ يغذي كل خليةٍ في جسد الأمة والمجتمع
تتجلى في طيبات الطعام التي أُحلت لنا
"أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ..."
"يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ..."
وتتمثل كذلك في الخبائث التي حُرمت علينا حفظاً لأبداننا وعقولنا وأدياننا
"حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ."
وفي رفض ما ابتدعه الجاهلون من بحيرةٍ وسائبةٍ ووصيلةٍ وحامٍ، تلك الافتراءات التي ما أنزل الله بها من سلطان
"مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ...".
وتظهر الطاعة في شعائر تُعظّم
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ..."
وفي حرمات تُجتنب وحدود تراعى
وتتمثل بوضوح في اجتناب رجس الخمر والميسر والأنصاب والأزلام، وكل ما يُذهب العقل ويُفسد الروح ويُوقع العداوة والبغضاء ويصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"
تتجلى أيضا في اختبار دقيقٌ يُمتحن به صدق الخشية بالغيب
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ...".
في سورة المائدة يظهر ميثاق الطاعة في كل شيء حتى طهارة الأبدان والقلوب بالوضوء والغسل والتيمم استعداداً للقاء الملك في الصلاة.
وفي إقامة العدل والشهادة بالقسط بشكل لا ينحرف ولا يتجزأ ولو على النفس أو الوالدين أو الأقربين، بل وحتى على الأعداء
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...".
أوامرٌ ونواهٍ، وأحكامٌ وحدود هي سياجٌ من نورٍ يحمي فطرتنا من التلوث، وينظم حياتنا على أساسٍ من الحق والعدل، ويُقربنا من مولى رحيم يعلم ما يُصلحنا وما يُفسدنا.
فماذا عمن نقض هذا الميثاق، وتعدى حدود الملك، وأبى أن يحتكم إلى شرعه؟
السورة تبين أن فعل فقد عرّض نفسه لعقوباتٍ عادلة في الدنيا قبل الآخرة نماذجها في السورة تتمثل في حدود الله كالحرابة والسرقة، فالله عزيزٌ ذو انتقام ممن تمرد على أمره، وهو أيضاً غفورٌ رحيم لمن أخطأ ثم تاب وأناب وأصلح.
ثم تُقدم لنا السورة نموذجاً واضحا لمن خانوا هذا الميثاق - بني إسـ.ر.ائـ.يل - الذين أخذ الله عليهم ميثاقا شبيها وأمرهم بالصلاة والزكاة والإيمان بالرسل، ثم نقضوا هذا الميثاق فحقّت عليهم اللعنة وقست قلوبهم وحرّفوا الكلم ونسوا حظاً مما ذُكّروا به
"فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً...".
تعرض السورة مشهد تمردهم الأكبر، حين أُمروا بدخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، فجبنوا وتخاذلوا وكانت إجابة القعود الأشد وقاحة على الإطلاق..
"فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ".
يا لها من جرأةٍ على مقام الربوبية والنبوة! ويا لها من خسارةٍ لمن استبدلوا وعد الله بالنصر والتمكين بالقعود والذل والضياع؛ فكان جزاؤهم التيه في الأرض أربعين سنة، عقوبةً عادلة لنقضهم ذلك العقد والميثاق
عقد السمع والطاعة.
تعلن السورة أنهم لو كانوا قد أوفوا بذلك الميثاق أقاموا التوراة والإنجيل وما أُنزل إليهم من ربهم، لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم
لكنهم اختاروا طريق الضلال والإعراض، فكانوا على غير شيء حتى يُقيموا ما أُنزل إليهم.
ثم يأتي التحذير لهذه الأمة بآياتٍ حاسمة تُجلّي كون هذا الوفاء بميثاق السمع والطاعة والاحتكام لما أنزل الله = مقتضى الإيمان
👍3❤2
"وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ...
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ...
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ..
ثم يوجه الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بأن يحكم بما أنزل الله ولا يتبع أهواءهم، وأن يحذر فتنة الناس عن بعض ما أنزل الله إليه.
وأخيرا يُختم هذا الميثاق بآيةٍ فاصلة تضع الأمور في نصابها الوحيد
"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ".
ننتقل بعد ذلك إلى ميثاق آخر وعقد مختلف من مواثيق هذه السورة العظيمة وهو متعلق بالعقد الستبق
ميثاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميثاق صيانةُ سفينة المجتمع من الغرق
ميثاق مقتضاه أن تكون من العاملين المخلصين في مملكة الملك
ألا يكفي في شرعتنا أن تلتزم أنت بالقانون الرباني وتُقيم شعائر الدين في نفسك، بل أن تكون أيضاً حارساً أميناً على حدود هذه المملكة، غيوراً على حرماتها، ساعياً لإقامة أمر الله فيها والنهي عن الفساد قدر الوسع.
هذا هو ببساطة ميثاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تلك الشعيرة العظيمة التي هي صمام أمان الأمة، وسياج حماية المجتمع، وعنوان خيريتها على سائر الأمم كما سبق وأوضحت سورة آل عمران "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"
مسؤوليةٌ ضخمة تقع على عاتق الأمة بأسرها، كلٌّ بحسب قدرته واستطاعته
بدءا ممن يملك صلاحية التغيير بيده، إلى الذي يُبيّن الحق بلسانه، إلى أضعف المراتب الإيمانية ممن يُنكر المنكر بقلبه..
تُحذرنا السورة أشد التحذير من مصير بني إسـ.ر.ائـ.يل الذين لُعنوا على ألسنة نبيين من أنبيائهم لأنهم تركوا هذا الميثاق، فلم يتناهوا عن منكرٍ فعلوه.
"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".
تواطأ عامتهم مع المفسدين وكانوا يرونهم على المنكر فلا يمنعهم ذلك أن يؤاكلوهم ويشاربوهم
حتى علمائهم وأحبارهم ممن تواطأ مع عامتهم تُوبّخهم السورة على ذلك السكوت "لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ".
إذا بعد ترسيخ ميثاق الطاعة تكتمل الصورة لتعضد ما تضافرت عليه نصوص الشريعة من كون ترك الأمر بتلك الطاعة والنهي عن نقيضها = بمثابة فتح ثغرةٍ في سفينة المجتمع، قد تُغرق الجميع، الصالح والطالح، إن لم يتداركها المصلحون
لذلك تجد في السورة آية صريحة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ورائه أمته، بالبلاغ المبين
بتحمل مسؤولية الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
بعدم الخوف من لومة لائم في إظهار الحق، فالله هو العاصم والحافظ من الناس
"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...".
إنه ببساطة عقد المسؤولية العامة، الذي يجعل كل مؤمنٍ خفيراً على دين الله، حريصاً على صلاح نفسه وصلاح مجتمعه، لا يرضى بالمنكر ولا يتوانى عن تقديم النصح لإخوانه، وإعانتهم على الخير.
ثم نأتي إلى الميثاق الثالث من مواثيق هذه السورة الختامية
ميثاق نبض القلب المؤمن وانتمائه وولائه
رد فعل طبيعي وتلقائي للمحبة التي تكون في قلب المؤمن لربه
فحين يُحب القلبُ حباً صادقاً، فإنه يوالي من يُحب، ويُسارع إلى نصرته، ويُعادي من يُعاديه، ويبرأ من أفعاله.
هذا قانونٌ فطريٌ مغروسٌ في أعماق النفس البشرية، لا يحتاج إلى دليلٍ أو برهان.
فكيف بمن امتلأ قلبه بحب الله، خالقه ومولاه، رازقه وهاديه، الذي أنعم عليه بنعمٍ لا تُعد ولا تُحصى؟
كيف يرضى هذا القلب بأن يوالي من يعادي حبيبه أو يصفه بصفات النقص أو يُحارب دينه ورسله ويُفسد في أرضه؟
إن سورة المائدة تضع حداً فاصلاً وواضحاً في هذه القضية
"وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...".
ركن أصيل من أركان الإيمان وعروة من أوثق عُراه
أوثق عرى الإيمان الحب في الله البغض في الله
هو موقفٌ قلبي مبادئي تلقائي ينبع من المحبة المورثة للغيرة وينشأ عنه التمايز بين الحق والباطل، بين حزب الله وحزب الشيطان.
فالولاء الحقيقي والولاية الصادقة التي تورث النصرة والمعية الإلهية، هي ما كانت لله ولرسوله وللذين آمنوا:ة
"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ".
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ...
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ..
ثم يوجه الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بأن يحكم بما أنزل الله ولا يتبع أهواءهم، وأن يحذر فتنة الناس عن بعض ما أنزل الله إليه.
وأخيرا يُختم هذا الميثاق بآيةٍ فاصلة تضع الأمور في نصابها الوحيد
"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ".
ننتقل بعد ذلك إلى ميثاق آخر وعقد مختلف من مواثيق هذه السورة العظيمة وهو متعلق بالعقد الستبق
ميثاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ميثاق صيانةُ سفينة المجتمع من الغرق
ميثاق مقتضاه أن تكون من العاملين المخلصين في مملكة الملك
ألا يكفي في شرعتنا أن تلتزم أنت بالقانون الرباني وتُقيم شعائر الدين في نفسك، بل أن تكون أيضاً حارساً أميناً على حدود هذه المملكة، غيوراً على حرماتها، ساعياً لإقامة أمر الله فيها والنهي عن الفساد قدر الوسع.
هذا هو ببساطة ميثاق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تلك الشعيرة العظيمة التي هي صمام أمان الأمة، وسياج حماية المجتمع، وعنوان خيريتها على سائر الأمم كما سبق وأوضحت سورة آل عمران "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"
مسؤوليةٌ ضخمة تقع على عاتق الأمة بأسرها، كلٌّ بحسب قدرته واستطاعته
بدءا ممن يملك صلاحية التغيير بيده، إلى الذي يُبيّن الحق بلسانه، إلى أضعف المراتب الإيمانية ممن يُنكر المنكر بقلبه..
تُحذرنا السورة أشد التحذير من مصير بني إسـ.ر.ائـ.يل الذين لُعنوا على ألسنة نبيين من أنبيائهم لأنهم تركوا هذا الميثاق، فلم يتناهوا عن منكرٍ فعلوه.
"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ".
تواطأ عامتهم مع المفسدين وكانوا يرونهم على المنكر فلا يمنعهم ذلك أن يؤاكلوهم ويشاربوهم
حتى علمائهم وأحبارهم ممن تواطأ مع عامتهم تُوبّخهم السورة على ذلك السكوت "لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ".
إذا بعد ترسيخ ميثاق الطاعة تكتمل الصورة لتعضد ما تضافرت عليه نصوص الشريعة من كون ترك الأمر بتلك الطاعة والنهي عن نقيضها = بمثابة فتح ثغرةٍ في سفينة المجتمع، قد تُغرق الجميع، الصالح والطالح، إن لم يتداركها المصلحون
لذلك تجد في السورة آية صريحة تأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ورائه أمته، بالبلاغ المبين
بتحمل مسؤولية الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
بعدم الخوف من لومة لائم في إظهار الحق، فالله هو العاصم والحافظ من الناس
"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ...".
إنه ببساطة عقد المسؤولية العامة، الذي يجعل كل مؤمنٍ خفيراً على دين الله، حريصاً على صلاح نفسه وصلاح مجتمعه، لا يرضى بالمنكر ولا يتوانى عن تقديم النصح لإخوانه، وإعانتهم على الخير.
ثم نأتي إلى الميثاق الثالث من مواثيق هذه السورة الختامية
ميثاق نبض القلب المؤمن وانتمائه وولائه
رد فعل طبيعي وتلقائي للمحبة التي تكون في قلب المؤمن لربه
فحين يُحب القلبُ حباً صادقاً، فإنه يوالي من يُحب، ويُسارع إلى نصرته، ويُعادي من يُعاديه، ويبرأ من أفعاله.
هذا قانونٌ فطريٌ مغروسٌ في أعماق النفس البشرية، لا يحتاج إلى دليلٍ أو برهان.
فكيف بمن امتلأ قلبه بحب الله، خالقه ومولاه، رازقه وهاديه، الذي أنعم عليه بنعمٍ لا تُعد ولا تُحصى؟
كيف يرضى هذا القلب بأن يوالي من يعادي حبيبه أو يصفه بصفات النقص أو يُحارب دينه ورسله ويُفسد في أرضه؟
إن سورة المائدة تضع حداً فاصلاً وواضحاً في هذه القضية
"وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ...".
ركن أصيل من أركان الإيمان وعروة من أوثق عُراه
أوثق عرى الإيمان الحب في الله البغض في الله
هو موقفٌ قلبي مبادئي تلقائي ينبع من المحبة المورثة للغيرة وينشأ عنه التمايز بين الحق والباطل، بين حزب الله وحزب الشيطان.
فالولاء الحقيقي والولاية الصادقة التي تورث النصرة والمعية الإلهية، هي ما كانت لله ولرسوله وللذين آمنوا:ة
"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ".
👍2❤1
أما من يتخذ أولياءه الذين يتخذون دينه هزواً ولعباً، بحجة الخوف من "الدوائر" أو طلباً للعزة عندهم أو لمصالح دنيوية عاجلة "فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ..." فهو ببساطة كما أوضحت السورة = منهم، وقد خلع ربقة الولاء لله من عنقه واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وسيندم يوم لا ينفع الندم.
إذا فهو عقدٌ يضبط بوصلة القلب، ويُنقي دائرة المحبة والموالاة ، ويجعل الانتماء الأول والأخير لله ورسوله والمؤمنين، لا لأي رايةٍ أخرى أو عصبية أو مصلحةٍ دنيوية زائلة.
تلك هي مواثيق السورة الرئيسية والتي تتخللها قصصٌ ومشاهد تُضيء جوانبها وتُعمّق دلالاتها.
قصة ابني آدم مثلا وهي التي تُظهر لنا بشاعة نقض ميثاق ة حرمة الدم بسبب نيران الحقد والحسد التي اشتعلت في صدر الابن القـ.اتل منهما والذي كان أول من سنّ القـ.تل في الأرض، وتحمّل وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة.
أيضا قصص انحرافات أهل الكتاب التي تكشف خطورة نقض ميثاق التوحيد والولاء، وكيف أن تحريف الكلم عن مواضعه ونسيان حظٍ مما ذُكّروا به أدى بهم إلى قسوة القلب واللعنة والتفرق والعداوة والبغضاء.
ثم تأتي خاتمة السورة المهيبة
تلك التي تُعيدنا إلى حقيقة الملك والقدرة، وتُجلّي لنا مشهداً من مشاهد يوم القيامة..
ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الرسل ليسألهم عن نتيجة دعوتهم وأمانة البلاغ، فيقولون: "لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ".
ثم ذلك الحوار الرقراق الذي تذوب له القلوب بين رب العزة جل وعلا وعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام.
حين يسأله ربه
"أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ".
هنا يتبرأ المسيح عليه السلام بأدبٍ جمٍّ وخشوعٍ تام مما نُسب إليه من دعاوى الألوهية ويُعلن تمام عبوديته وخضوعه وتسليمه الأمر كله لله العزيز الحكيم
"مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِی بِهِۦۤ أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ"
ثم يُفوض أمر قومه إلى عدل الله ورحمته: "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
كلماتٌ بكى منها النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً كاملة وهو يرددها، شفقةً على أمته أن يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من تفريطٍ أو غلو.
فيُصدّق الله على كلام عبده ورسوله عيسى عليه السلام ويشهد بصدقه وأنه قد بلغ وأدى وبريء مما أحدث قومه من بعده
"قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
ثم في نهاية المطاف، تُعيدنا السورة إلى نقطة البداية، إلى الحقيقة المهيمنة التي لا ينبغي أن تغيب عن قلوبنا طرفة عين، والتي هي مفتاح كل هذه العقود والمواثيق
"لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
سورة المائدة، إذاً، هي ليست وحسب سورة أحكامٍ وتفصيلاتٍ تشريعية.
إنها سورة العهد الأخير
مأدبةٌ روحيةٌ وإيمانيةٌ تُقدم لنا فيها معاني الالتزام والوفاء والمسؤولية.
هي دعوةٌ صريحةٌ وقوية لتجديد العهد مع ملك الملوك و لتوقيع عقد الولاء بمداد القلب والروح
فرصة للالتزام بمواثيق السمع والطاعة، والولاء الإيماني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هي تذكيرٌ بأننا نعيش في مملكة ملكٍ عظيمٍ قدير، وأن الوفاء بعهودنا معه هو مفتاح الفوز العظيم في الدنيا، والنجاة والفلاح في الآخرة.
إنها السورة التي تحمل اسم تلك "المائدة" التي طلبها الحواريون من المسيح عليه السلام لتكون لهم آية، فجاء معها الميثاق الإلهي المشدد والشرط الجزائي الصارم
"قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ".
فكلما عظُمت العطية، تعاظمت المسؤولية، وكلما أُحكمت الحجة، كان التفلّت منها أعظم جرماً.
فلنقترب من هذه "المائدة" الربانية بقلوبٍ تواقة للحق، ونفوسٍ مستعدة للوفاء ولنجدد عهدنا مع الله في كل تلاوة لها سائلين إياه الثبات على الميثاق حتى نلقاه وهو راضٍ عنا هنا وهنالك في ذلك اليوم
يوم ينفع الصادقين صدقهم.
إذا فهو عقدٌ يضبط بوصلة القلب، ويُنقي دائرة المحبة والموالاة ، ويجعل الانتماء الأول والأخير لله ورسوله والمؤمنين، لا لأي رايةٍ أخرى أو عصبية أو مصلحةٍ دنيوية زائلة.
تلك هي مواثيق السورة الرئيسية والتي تتخللها قصصٌ ومشاهد تُضيء جوانبها وتُعمّق دلالاتها.
قصة ابني آدم مثلا وهي التي تُظهر لنا بشاعة نقض ميثاق ة حرمة الدم بسبب نيران الحقد والحسد التي اشتعلت في صدر الابن القـ.اتل منهما والذي كان أول من سنّ القـ.تل في الأرض، وتحمّل وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة.
أيضا قصص انحرافات أهل الكتاب التي تكشف خطورة نقض ميثاق التوحيد والولاء، وكيف أن تحريف الكلم عن مواضعه ونسيان حظٍ مما ذُكّروا به أدى بهم إلى قسوة القلب واللعنة والتفرق والعداوة والبغضاء.
ثم تأتي خاتمة السورة المهيبة
تلك التي تُعيدنا إلى حقيقة الملك والقدرة، وتُجلّي لنا مشهداً من مشاهد يوم القيامة..
ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الرسل ليسألهم عن نتيجة دعوتهم وأمانة البلاغ، فيقولون: "لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ".
ثم ذلك الحوار الرقراق الذي تذوب له القلوب بين رب العزة جل وعلا وعبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام.
حين يسأله ربه
"أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ".
هنا يتبرأ المسيح عليه السلام بأدبٍ جمٍّ وخشوعٍ تام مما نُسب إليه من دعاوى الألوهية ويُعلن تمام عبوديته وخضوعه وتسليمه الأمر كله لله العزيز الحكيم
"مَا قُلۡتُ لَهُمۡ إِلَّا مَاۤ أَمَرۡتَنِی بِهِۦۤ أَنِ ٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ رَبِّی وَرَبَّكُمۡۚ وَكُنتُ عَلَیۡهِمۡ شَهِیدࣰا مَّا دُمۡتُ فِیهِمۡۖ فَلَمَّا تَوَفَّیۡتَنِی كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِیبَ عَلَیۡهِمۡۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ"
ثم يُفوض أمر قومه إلى عدل الله ورحمته: "إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"
كلماتٌ بكى منها النبي صلى الله عليه وسلم ليلةً كاملة وهو يرددها، شفقةً على أمته أن يصيبها ما أصاب الأمم السابقة من تفريطٍ أو غلو.
فيُصدّق الله على كلام عبده ورسوله عيسى عليه السلام ويشهد بصدقه وأنه قد بلغ وأدى وبريء مما أحدث قومه من بعده
"قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ".
ثم في نهاية المطاف، تُعيدنا السورة إلى نقطة البداية، إلى الحقيقة المهيمنة التي لا ينبغي أن تغيب عن قلوبنا طرفة عين، والتي هي مفتاح كل هذه العقود والمواثيق
"لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".
سورة المائدة، إذاً، هي ليست وحسب سورة أحكامٍ وتفصيلاتٍ تشريعية.
إنها سورة العهد الأخير
مأدبةٌ روحيةٌ وإيمانيةٌ تُقدم لنا فيها معاني الالتزام والوفاء والمسؤولية.
هي دعوةٌ صريحةٌ وقوية لتجديد العهد مع ملك الملوك و لتوقيع عقد الولاء بمداد القلب والروح
فرصة للالتزام بمواثيق السمع والطاعة، والولاء الإيماني، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هي تذكيرٌ بأننا نعيش في مملكة ملكٍ عظيمٍ قدير، وأن الوفاء بعهودنا معه هو مفتاح الفوز العظيم في الدنيا، والنجاة والفلاح في الآخرة.
إنها السورة التي تحمل اسم تلك "المائدة" التي طلبها الحواريون من المسيح عليه السلام لتكون لهم آية، فجاء معها الميثاق الإلهي المشدد والشرط الجزائي الصارم
"قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ".
فكلما عظُمت العطية، تعاظمت المسؤولية، وكلما أُحكمت الحجة، كان التفلّت منها أعظم جرماً.
فلنقترب من هذه "المائدة" الربانية بقلوبٍ تواقة للحق، ونفوسٍ مستعدة للوفاء ولنجدد عهدنا مع الله في كل تلاوة لها سائلين إياه الثبات على الميثاق حتى نلقاه وهو راضٍ عنا هنا وهنالك في ذلك اليوم
يوم ينفع الصادقين صدقهم.
❤2👍2
الحلقة الصوتية 👆
قُل إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ
المجلس التاسع من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 69 إلي 78
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/iI6Ds_HGxGM?si=PyIAAwY2-QUVwOxa
قُل إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ
المجلس التاسع من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 69 إلي 78
#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/iI6Ds_HGxGM?si=PyIAAwY2-QUVwOxa
YouTube
قل إن الفضل بيد الله ll دكتور محمد علي يوسف ll سورة #آل_عمران 9 الآيات 69 إلي 78 #العودة_إلى_القرآن
قُل إِنَّ ٱلۡفَضۡلَ بِیَدِ ٱللَّهِ
المجلس التاسع من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 69 إلي 78
#العودة_إلى_القرآن
المجلس التاسع من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 69 إلي 78
#العودة_إلى_القرآن
❤2👍1
أريد منك أن تشحذ مخيلتك لثوانٍ وترنو بعين قلبك إلى ذلك المشهد المهيب
أنت الآن تطالع مكة في جوف الليل، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس على ناقته
وفجأة يتلقى الوحي!
هذه المرة هي ليست آيات متفرقات كما العادة
الليلة موعد مع سورةٌ كاملة تتنزل جملةً واحدة، تحفّها الملائكة من كل جانب.
سبعون ألف ملك!
سبعون ألف مخلوقٍ نورانيٍّ يملؤون ما بين الخافقين، ويسدون ما بين المشرق والمغرب
وهم لا يتنزلون صامتين
لهم "زَجَلٌ بالتسبيح"
هتاف سماويٌّ خاشع
أصواتٌ تتعالى بالتقديس والتنزيه لرب العالمين
والأرض ترتجف تحت وطأة هذا الموكب السماوي المختلف
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم تكاد عظامها تتكسر من ثقل الوحي وجلال الموقف
وهو نفسه، عليه الصلاة والسلام، يتفاعل ويُشارك الموكب الكوني تسبيحه وتعظيمه، مرددا بخشوعٍ وإجلال: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم".
أي سورةٍ هذه التي تستحق كل هذا الاحتفاء السماوي؟!
أيّ سرٍّ تحمله بين آياتها ليجعل الكون كله ينتفض تعظيماً وإجلالاً؟!
إنها سورة الأنعام يا عزيزي
ثمة سُوَر في كتاب الله، بمجرد أن تشرع في تلاوتها؛ تشعر بأن الهواء من حولك يهتزّ، وبأن الأرض تحت قدميك ترتجف، وبأن قلبك يخفق بإيقاعٍ مختلف
مزيجٌ من الهيبة والجلال، والخوف والشوق، والسعادة التي تكاد تُبكيك.
سورة "الأنعام" هي واحدةٌ من تلك السور، بل ربما هي ذروة هذه السور
جوهرةٌ فريدةٌ في عقد القرآن، نزلت بموكبٍ سماويٍّ مهيبٍ يُشعرك بأن الكون كله كان يحتفي بها
ينتظر نزولها
ويُشارك الملائكة تسبيحها.
شعورٌ لا تخطئه الروح الحاضرة والنفس المتدبرة
حين تصل في تلاوتك إليها في منتصف الجزء السابع من القرآن بعد رحلةٍ تأسيسيةٍ طويلة مع عمالقة السور المدنية (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة)؛ لتفاجأ بأول سورةٍ مكيةٍ تستقبلك
ولتشعر كأنك تنتقل من المعاني الشاملة لبناء الأمم وتنظيم المجتمع الوليد؛ إلى سكون ليل خاشع تتجلى فيه عظمة الخالق في أبهى صورها.
كأن الله أراد لنا بهذه السورة بعد أن تعلمنا كيف نبني حياتنا الدنيوية على أساسٍ من شرعه، أن نعود إلى نقطة البداية
إلى الأصل و الأساس الأعظم
إلى اللبنة التي يقوم عليها كل بناء
معرفة الله حق المعرفة، وتعظيمه حق التعظيم.
إن سورة الأنعام هي سورة "التعظيم" بامتياز.
سورةٌ تأخذك في رحلةٍ كونيةٍ مذهلة، تُقلّب بصرك وقلبك في ملكوت السماوات والأرض، تُريك آيات الله تتجلى في كل ذرة
من أدنى الأرض أثناء فلق الحب والنوى
(إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) [الأنعام: 95]
ثم تصعد بك إلى عنان السماء في فلق الإصباح وجعل الليل سكناً
(فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام: 96]
ثم جولة أبعد إلى الشمس والقمر والنجوم
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام: 97]
ثم تعود بك إلى كوكبنا في سمائه وأرضه لنتأمل إنزال الماء وإخراج النبات والثمرات المختلفة الألوان والأشكال
(وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 99]
ثم تذهب بك إلى رحلة في خلق الإنسان
(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 98]
آياتٌ تتوالى كأمواجٍ متتالية من الجمال والجلال والقدرة والحكمة والرحمة؛ لا يملك القلب السويّ معها إلا أن يخرّ ساجداً، مردداً بلسان الحال والمقال
سبحانك ما أعظمك!
لكن المفارقة العجيبة، والتي هي المحور الآخر للسورة، أنه في مقابل كل هذه العظمة المتجلية في كل ذرات الكون، وكل هذا الحمد المستحق لله وحده؛ هناك من يجحد ويكفر!
هناك من يُعرض!
هناك من يُشرك بالله ما لم يُنزل به سلطاناً!
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1]
كما ترى تتجلى المفارقة ظاهرة من أول آية
ويا للعجب..
ويا لغرابة النفس البشرية حين تنتكس فطرتها وتُعمي بصيرتها!
كيف يمكن لعاقلٍ رأى كل هذه الآيات أن يعدل بربه أحداً من خلقه؟
كيف يمكن لقلبٍ لامسه نور هذه العظمة أن يظل مظلماً بالشرك والجحود؟
أنت الآن تطالع مكة في جوف الليل، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس على ناقته
وفجأة يتلقى الوحي!
هذه المرة هي ليست آيات متفرقات كما العادة
الليلة موعد مع سورةٌ كاملة تتنزل جملةً واحدة، تحفّها الملائكة من كل جانب.
سبعون ألف ملك!
سبعون ألف مخلوقٍ نورانيٍّ يملؤون ما بين الخافقين، ويسدون ما بين المشرق والمغرب
وهم لا يتنزلون صامتين
لهم "زَجَلٌ بالتسبيح"
هتاف سماويٌّ خاشع
أصواتٌ تتعالى بالتقديس والتنزيه لرب العالمين
والأرض ترتجف تحت وطأة هذا الموكب السماوي المختلف
ناقة النبي صلى الله عليه وسلم تكاد عظامها تتكسر من ثقل الوحي وجلال الموقف
وهو نفسه، عليه الصلاة والسلام، يتفاعل ويُشارك الموكب الكوني تسبيحه وتعظيمه، مرددا بخشوعٍ وإجلال: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم".
أي سورةٍ هذه التي تستحق كل هذا الاحتفاء السماوي؟!
أيّ سرٍّ تحمله بين آياتها ليجعل الكون كله ينتفض تعظيماً وإجلالاً؟!
إنها سورة الأنعام يا عزيزي
ثمة سُوَر في كتاب الله، بمجرد أن تشرع في تلاوتها؛ تشعر بأن الهواء من حولك يهتزّ، وبأن الأرض تحت قدميك ترتجف، وبأن قلبك يخفق بإيقاعٍ مختلف
مزيجٌ من الهيبة والجلال، والخوف والشوق، والسعادة التي تكاد تُبكيك.
سورة "الأنعام" هي واحدةٌ من تلك السور، بل ربما هي ذروة هذه السور
جوهرةٌ فريدةٌ في عقد القرآن، نزلت بموكبٍ سماويٍّ مهيبٍ يُشعرك بأن الكون كله كان يحتفي بها
ينتظر نزولها
ويُشارك الملائكة تسبيحها.
شعورٌ لا تخطئه الروح الحاضرة والنفس المتدبرة
حين تصل في تلاوتك إليها في منتصف الجزء السابع من القرآن بعد رحلةٍ تأسيسيةٍ طويلة مع عمالقة السور المدنية (البقرة، آل عمران، النساء، المائدة)؛ لتفاجأ بأول سورةٍ مكيةٍ تستقبلك
ولتشعر كأنك تنتقل من المعاني الشاملة لبناء الأمم وتنظيم المجتمع الوليد؛ إلى سكون ليل خاشع تتجلى فيه عظمة الخالق في أبهى صورها.
كأن الله أراد لنا بهذه السورة بعد أن تعلمنا كيف نبني حياتنا الدنيوية على أساسٍ من شرعه، أن نعود إلى نقطة البداية
إلى الأصل و الأساس الأعظم
إلى اللبنة التي يقوم عليها كل بناء
معرفة الله حق المعرفة، وتعظيمه حق التعظيم.
إن سورة الأنعام هي سورة "التعظيم" بامتياز.
سورةٌ تأخذك في رحلةٍ كونيةٍ مذهلة، تُقلّب بصرك وقلبك في ملكوت السماوات والأرض، تُريك آيات الله تتجلى في كل ذرة
من أدنى الأرض أثناء فلق الحب والنوى
(إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىٰ ۖ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ) [الأنعام: 95]
ثم تصعد بك إلى عنان السماء في فلق الإصباح وجعل الليل سكناً
(فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [الأنعام: 96]
ثم جولة أبعد إلى الشمس والقمر والنجوم
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام: 97]
ثم تعود بك إلى كوكبنا في سمائه وأرضه لنتأمل إنزال الماء وإخراج النبات والثمرات المختلفة الألوان والأشكال
(وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ ۗ انظُرُوا إِلَىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكُمْ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام: 99]
ثم تذهب بك إلى رحلة في خلق الإنسان
(وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ۗ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) [الأنعام: 98]
آياتٌ تتوالى كأمواجٍ متتالية من الجمال والجلال والقدرة والحكمة والرحمة؛ لا يملك القلب السويّ معها إلا أن يخرّ ساجداً، مردداً بلسان الحال والمقال
سبحانك ما أعظمك!
لكن المفارقة العجيبة، والتي هي المحور الآخر للسورة، أنه في مقابل كل هذه العظمة المتجلية في كل ذرات الكون، وكل هذا الحمد المستحق لله وحده؛ هناك من يجحد ويكفر!
هناك من يُعرض!
هناك من يُشرك بالله ما لم يُنزل به سلطاناً!
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام: 1]
كما ترى تتجلى المفارقة ظاهرة من أول آية
ويا للعجب..
ويا لغرابة النفس البشرية حين تنتكس فطرتها وتُعمي بصيرتها!
كيف يمكن لعاقلٍ رأى كل هذه الآيات أن يعدل بربه أحداً من خلقه؟
كيف يمكن لقلبٍ لامسه نور هذه العظمة أن يظل مظلماً بالشرك والجحود؟
❤8👍3