Warning: Undefined array key 0 in /var/www/tgoop/function.php on line 65

Warning: Trying to access array offset on value of type null in /var/www/tgoop/function.php on line 65
5915 - Telegram Web
Telegram Web
في إحدى زياراتي للقاهرة منذ أعوام تأخرت كثير واضطررت للمبيت وكان ذلك عند بعض أقاربي يسكنون منطقة تعتبر من أرقى مناطق القاهرة
اخترت مكانا جيدا لأصفّ فيه سيارتي وخلدت للنوم مباشرة بعد تجاذب أطراف الحديث لبرهة مع أقاربي ثم استيقظتُ مبكرا جدا استعدادا لرحلة العودة إلى إقليمنا الهاديء
خرجت حيث صففت سيارتي لأفاجأ بمقدمة سيارتي أو ما يُطلق عليه الـ"كبّوت" وقد استحال إلى لوحة سريالية مجعدة!
وكأن فيلا ثقيلا قرر ممارسة رقص الباليه فوقه!
حمدتُ الله واسترجعتُ، ثم بدأتُ أتفحص مسرح الحادث.
في البداية ظننت أنه كذلك ولأول وهلة تصورت سيارة مسرعة قد أطاحت بسيارتي المسكينة
لكن بعد التأمل وجدت أن جوانب السيارة والمصابيح سليمة تمامًا
أصلا طريقة صف السيارة لم تكن لتسمح بهذا الأثر إذا وقع التصادم
فقط المنتصف مُنبعج بشكل فني متقن، وكأن نيزكًا صغيرًا اختاره كمهبط اضطراري
هنا رفعتُ رأسي مباشرة لأبحث عن مصدر ذلك النيزك
عجيب.. لا شرفات قريبة... المكان حرصت أثناء صفي للسيارة أن يكون مكشوفا تمامًا.
لحظة... ما هذه الآثار على الطلاء؟ مخالب!
ليست مخالب قطط مدللة بالتأكيد وإن كانت قططا فلا أظنها تسمن في هذه المنطقة الراقية للدرجة التي تجعلها بهذا الثقل الذي يحطم سيارة.
التفتُ حولي، فرأيتُ على أسقف سيارات أخرى المشهد الذي فسر كل شيء
أجسادٌ مشعرة ثقيلة، تغطّ في نومٍ عميق، في أمانٍ تام، غير عابئة بشيء ولا مفرقة بين سيارة عليها غطاء أو منكشفة أو صغيرة أو كبيرة أو قديمة ذات صاج متين أو آسيوية حديثة ذات صاج ورقي

ناديتُ حارس عقار قريب، لم تفاجئه الكارثة، بل بادرني بمواساة تبدو روتينية كأنما قالها كثيرا من قبل: "هم عملوها معاك؟".
"هم"
من تقصد
أشار بثقة خبير إلى الأجساد المتناثرة والتي قرر أصحابها أن أسقف سياراتنا هي الفنادق المفتوحة التي سيبيتون عليها ثم يمارسون أثناء الهبوط قفزاتهم المرحة ومزاحهم غير المدروس الذي سيكلفنا آلافًا لم تكن في الحسبان.
هكذا لم يبد الحارس أي مفاجأة فالأمر من الواضح أنه متكرر وأنه شاهده كثيرا
حسناً.. لا يوجد متهم واضح يمكنني محاسبته أو سيمكنه تعويضي بمبدأ من أتلف شيئا فعليه إصلاحه.
انطلقتُ لحال سبيلي أبحث عن "سمكري" يصلح ما أفسده الكائن (اللطيف الكيوت) متحملاً فاتورة بآلاف الجنيهات لم تكن أبدا في الحسبان.

لكن هذه الآلاف ليست هي المشكلة ولم أكن يوما لأذكرها إلا كمدخل أحب دائما ان يكون عبر تجربة شخصية
وتجربتي مع هذه الكائنات لم تكن ودودة دائما لكنها أيضا لم تكن مؤلمة جسديا خصوصا أنني لست ممن يحملون الرهاب الزائد منها بفضل الله
ربما ضايقني بعضهم في رحلة صلاة الصبح لكن المضايقة لم تتجاوز بعض النباح الذي أحاول تجاهله فيمر بسلام
وربما طاردوا ولدي يوما ولكن دون خسائر في جسده.. فقط هاتفه الذي سقط وتناولته الكلاب بأنيابها محطمة شاشته
حسنا... خسارة مادية أخرى وآلاف الجنيهات تدفع عن طيب خاطر لكنها - بل وأضعاف أضعافها = لا تساوي قطرة دم تُراق من طفلٍ ذاهب لمدرسته فيُعقر، أو أمٍ عائدة من تسوقها، أو حتى شابٍ رياضيٍّ يمارس الجري فيفاجئه الصديق (الودود الوفي) بنابٍ أقل ما يقال عنه إنه غير ودود ولا وفي.
لكن سيظل الكلب مخلوقا غير مدرك لا تستطيع محاسبته؛ فقط يمكنك توصيف المشكلة ومحاولة اقتراح حلول
الذي يؤلم حقا ويثير الدهشة والتعجب هم (الكلابيون)
أولئك الذين ستتعثر بهم حين تتجول في أزقة الإنترنت فجأة أنك قد دلفت إلى محكمة تفتيش تنصب لك أو لغيرك بمجرد أن تهمس أو تلمّح، بأن كلاب الشوارع قد تشكل خطرًا
يا إلهي!
كيف جرؤت
ستقام لك فورا المشانق الرقمية، وستُتهم في إنسانيتك ورحمتك وستُرمى بأقذع الصفات بل وقد يُرمى كل من يشبهك أو يسكن بجوارك
تظنني أبالغ؟!
حدث ذلك بالفعل في مقطع منتشر لسيدة قررت أن تسب محافظة بأكملها وترمي حيا كاملا بأنه لا يحوي رجالا لمجرد أن طبيبا بيطريا اتهم أنه قتل كلبا عقورا يسكن هذا الحي وتلك المحافظة
لدى الكلابيون وفي محاكم تفتيشهم سيتحول المواطن "المعضوض" إلى مُدانٍ، قليل الذوق، وعديم الرحمة، وعليه إلى جوار الألم الجسدي والنفسي،
للعضة أن يتحمل تبكيت "الكلابيين" ذوي القلوب المرهفة التي تسع الكون كله إلا شكوى هذا المسكين!
حتى لو كان هذا المعضوض طفلا صغيرا لا ذنب له!
بينما الكلب مهما كان سجله الإجرامي حافلاً بالعضّ والترويع، سيُرفع إلى مرتبة شبه مقدسة لا يصدر عنها إلا الحب غير المشروط واللعقات الودودة وبعض هز الذيل الظريف.
جولة في تعليقات الطائفة التي أتحدث عنها التي سميتها بالكلابيين وهم بالمناسبة رحبوا في كثير من التعليقات بهذه التسمية نظرا للمحبة العميقة التي يكنونها للكلاب؛ جولة بسيطة في تعليقاتهم وستجد أنها أشد عجبا مما ذكرت لك وأنني لم أبالغ في حرف
6👍2👏1🤔1
لكن لا بأس أن نغادر "يوتوبيا" مواقع التواصل لبرهة وننظر إلى شوارعنا حيث العالم الحقيقي الذي لا يفرق فيه انتشار الكلاب بين حي راقٍ ومنطقة عشوائية وإقليم هاديء
وهذا الانتشار الذي تضاعف بشكل يلاحظه كل مراقب والحق أنني لا أدري سببه أبرز قصص رعب ليست من نسج خيال كاتب أو مبالغة منشور على وسيلة تواصل وهذا فقط في شأن كلاب الشوارع ولم أشر بعد إلى الكلاب الأخرى المدربة و المشرسة والتي تعد رعبا من نوع آخر
نوع قـ.ا.تل
الخوف الذي تشعر به أمٌ وهي توصل ابنها للمدرسة، أو شيخ مسن ة يريد الذهاب آمنا لصلاة الصبح فيحسب ألف حساب قبل النزول = ليس "دلعًا" ولا "فوبيا" تحتاج علاجًا نفسيًا.
ثمة خطر حقيقي ومشكلة واقعية تستدعي حلاً عقلانيًا، لا مجرد سيل من العواطف الجياشة التي تضع التعاطف مع "الفعل" (العض) قبل التعاطف مع "المفعول به" (المعضوض).
ومع الكاميرات التي صارت تملأ شوارعنا وتوثق كل شاردة وواردة يتضاعف الرعب

ذلك المقطع الأخير مثلا؛ والذي نشر منذ يومين لطفلٍ يسير في أمان الله، لم يستفز كلباً ولم يقترب منه، لنجد فجأة الكلب يقفز عليه ويعقره في وجهه البريء بلا أي مقدمات!
وكانت المفاجأة كالعادة ليست في الهجوم نفسه وحسب، ولكن في التعليقات عليه
من يحاولون جاهدين تبرير فعل الكلب
يبحثون له عن عذر
يتهمون الطفل المسكين بأنه "أكيد عمل حاجة"، أو أنه "مش متعود على الكلاب"
حتى حين أظهرت الكاميرا أن المارة أنفسهم لم يتحملوا النظر لوجه الطفل من هول الإصابة؛ تجد قلوبًا أخرى تصر على أن تتعاطف مع الكلب المعتدي قبل الطفل الضحية!
أي منطق أعوج هذا؟
بل أي قلبٍ لا يرتجف لهذا المشهد ولا يتعاطف مع هذا الصغير؟!
وهل مطلوب أن ينشأ أطفالنا على مواجهة أخطار تحدق بهم ونضم طريقة المواجهة إلى مناهجهم الدراسية؟
وحتى لو شرعت في أي محاولة للنقاش الهادئ، ستنهال عليك كتائب "الكلابيين" الإلكترونية بلائحة طويلة من المبررات
"أصل الناس بتستفزهم!".
"أصلهم جعانين وخايفين!".
"أصل فيه ناس بتعاملهم بوحشية!".
"انتم لا تحملون في قلوبكم رحمة"
وستسارع أيضا إلى النقاش بعض النصوص الشرعية في رحمة الحيوان وكأن أحدا ينكرها أصلا
حديث "دخلت امرأة النار في هرة" وحديث "غُفر لبغيٍّ سقت كلبًا" على رؤوسنا من فوق. ويمكن أن نزيدكم منها أحاديث "في كل كبد رطبة أجر" و" لعن من اتخذ شيئاً من الروح غرضاً، أي الهدف الذي يصوب عليه إليه" و حديث "من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها إليها" إلى آخره
نعم إطعام كائن جائع قد يفتح لك أبوابًا لا تتخيلها.
لكن الرحمة لا تعني أن نلغي العقل ونُسقط ميزان الأولويات ونعانق الخطر باسم "الحب غير المشروط" أو "الرفق المطلق".
ونفس الشرع هو الذي أذن بقـ.تـ.ل المؤذي منها فميّز بين الكائن المسالم والكائن المؤذي "العقور" الذي يُدفع ضرره ولو بالـقـ.تـ.ل
لأنه ببساطة تشريع واقعي من أهم مقاصده حفظ النفس
في الصحيحين " خَمْسُ فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ في الحِلِّ وَالحَرَمِ : الغُرَابُ وَالحِدَأةُ وَالعَقْرَبُ وَالفَأرَةُ وَالكَلْبُ العَقُورُ"
تأمل الأخير
نعم يا صديقي
هو..
الكلب العقور
أعلم أن هناك من سيسارع فيقول؛ ذلك إذا ثبت أنه عقور
حسنا.. سننتظر حتى يمزق وجه عدد كاف من الأطفال ثم نقيم تحقيقا حتى نثبت أنه صار عقورا بعد أن يؤذى من يؤذى
قد نحتاج لذلك إذا كان القـ.تـ ل هو الحل الوحيد (وهو كذلك بالنسبة للعقور المؤذي)
لكن كمشكلة عامة هناك حلول كثيرة ليس منها ترك الحبل على الغارب لـ "قواضم الشوارع" لتصول وتجول.
لست متخصصا لكن قرأت عن تجاوب بلاد أخرى نجحت من خلال حملات تعقيم وتطعيم جادة ومستمرة في الحد من التكاثر العشوائي والأمراض وأيضا توفير أماكن إيواء للمسالم منها قدر الإمكان، والتعامل الحاسم والمدروس مع الحالات التي يثبت خطرها وتكرر أذاها، وفق ضوابط شرعية وقانونية وإنسانية.
نعم.. القسوة على الحيوان مرفوضة، ونحن أول من يدينها ويطالب بالرفق والرحمة هي جوهر إنسانيتنا وديننا
لكن ماذا عن بعض الرحمة بالأطفال والمواطنين الذين أوقعهم نصيبهم بين أنياب ومخالب الكلاب ولا يستطيعون التعامل الخبير الذي يجيده "الكلابيون"
الذين يبدو أنهم لا يدركون أولوية هذا الكائن المسمى "إنسان" وحقه في الأمان..
حقه في السير مطمئنًا
حقه في ألا يتحول جسده أو جسد طفله إلى وجبة خفيفة لكائن آخر، مهما بدا "بريئًا" في صور الإنستغرام أو في تبريرات المدافعين المتحمسين.
حقه في التعاطف والتضامن الكامل معه كضحية وليس الهجوم عليه واتهامه أو اتهام من يدافع عن حقه جنبا إلى جنب مع (الطبطبة) على الجاني.. فقط لأن الجاني يمشي على أربع، وأحيانًا... يهز ذيله!
👍113😢2
مشروع جديد ضمن مشاريع خدمتي للقرآن أسأل الله أن يتقبله وييسره ويتمه
المشروع ببساطة هو امتداد مكتوب للفكرة التي بدأناها في رمضان الماضي صوتيا وهي الملخصات اليومية لمواضيع سور القرآن
في رمضان كان الأمر مكثفا نظرا لكونه أياما معدودات فكنا نتحدث عن كل سور الجزء الخاص باليوم والحمد لله بفضله وبركته أتممنا حتى الجزء التاسع والعشرين
مشروعنا الجديد سيكون مكتوبا وسيكون بقدر المستطاع يوميا لكن سورة واحدة في المقال الواحد
طبعا هيكون مقال طويل نسبيا عشان ما حدش يزعل 😊 لكن لن تتجاوز مدة قراءته خمس دقائق إن شاء الله
سيكون تحت وسم #قبل_أن_تتلو

وعشان أوصل فكرة الوسم اللي هيكون عنوان مبدئي لكتابي القادم إن شاء الله إليك فصل من كتابي #صاحبك_القرآن شرحت فيه الفكرة ببساطة
أسأل الله أن ييسر ويتقبل وينفعنا بالقرآن العظيم ويوفقنا لخدمته

فصل ما قبل التلاوة من كتاب صاحبك القرآن
عنوان الفصل "خُذ فكرة"

الأشياء المهمة يسبقها دوما نوع من التجهيز...
هذه قاعدة مطردة لا يكاد يخالف فيها أحد.

وعلى قدر الشعور بأهمية الشيء الذي يقبل عليه المرء = تجد تجهزه وإعداده بين يديه

الطالب المُجد يعد العدة جيدا قبل امتحانه
المقبل على زواج يتجهز ويستعد ماديا ومعنويا
هل تتذكر موعدا مهما أو لقاءً مصيريا يتحدد على أساسه مستقبل أمر معين يهمك؟
هل شعرت بينما تنفق من وقتك وجهدك وذهنك للإعداد له أن في ذلك تكلفا أو شيئا غير طبيعي؟
أعتقد أن الإجابة ستكون بالنفي
من الطبيعي والمتوقع أن يُعد المرء العدة لما يعتبره أمرا مهما مؤثرا
بل إن معيار الصدق في طلب الشيء يتمثل في هذا الإعداد
"وَلَوۡ أَرَادُوا۟ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّوا۟ لَهُۥ عُدَّةࣰ"
هكذا بيَّن ربنا ﷻ القاعدة بوضوح في إطار فضحه لكذب المنافقين الذين تخلفوا عن رسول الله ﷺ في غزوة تبوك متعذرين بشتى المعاذير فكانت تلك القاعدة المبينة لحقيقة الأمر
لو أرادوا = لأعدوا
"وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِیلَ ٱقۡعُدُوا۟ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِینَ"
في الصحيح من حديث سيدنا انس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ أَعرابيًّا قَالَ لرسول اللَّه ﷺ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فكانت إجابة رسولُ اللَّه ﷺ: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟
هكذا يوجه النبي ﷺ بوضوح لتلك القاعدة المعيارية
الإعداد والتجهز للأمور التي يقدر الإنسان قيمتها
من هذا وغيره تتقرر القاعدة التي بدأنا بها: الأشياء المهمة دائما يسبقها نوع من التجهيز... وعلى قدر الشعور بأهمية الشيء الذي يقبل عليه المرء = تجد تجهزه وإعداده بين يديه

ما سبق يعد مقدمة تمهيدية لخطوة أخرى من خطوات رحلتنا في صحبة القرآن وخصوصا مرحلة ما قبل التلاوة
إنها الخطوة المنطقية الواضحة
التحضير والتجهيز لما أنت مقبل عليه
وابتداءً أن تتقبل نفسيا بذل بعض الوقت و الجهد للفهم والتدبر والانتفاع بالقرآن
ثم أن تترجم هذا القبول إلى بذل وإعداد حقيقي

هذا الاستعداد من وسائله العملية المهمة؛ تحقيق سنة نبوية للأسف صارت شبه مهجورة حتى بين كثير ممن يتلون القرآن
سنة المدارسة
تلك المدارسة تكاد تكون التمييز الرئيسي الذي ورد به النص الصحيح في علاقة النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في موسم قرآني مشهود
في شهر تنزل القرآن.. رمضان
في رمضان كان جود وكرم النبي ﷺ يتضاعف فيصير كجود الريح المرسلة التي لا تميز في عطاء الخير وتسارع لذاك العطاء الجزيل
كل ذلك حين يأتيه جبريل عليه السلام فيدارسه القرآن
تأمل الربط ..
علاقة وثيقة بين القرآن وتدبره ومدارسته وبين العمل والتطبيق
كل ذلك في شهر تكثر فيه تلاوة القرآن وسماعه
وإن من أجمل التجارب التي نفعني الله بها خصوصا في مواسم الطاعة والإقبال على التلاوة كرمضان = ربط الوِرد اليومي من القرآن بما سيُقرأ ليلا في صلاة التراويح كنوع من الاستعداد لما سأسمع من آيات الله

تصور أن تجعل السورة أو الجزء الذي سيُقرأ عليك في ليلتك هو المتن الذي تحيا به في يومك
تقرأه وتتدبره وربما تقرأ تفسيرا مختصرا له أو حتى تسمع محاضرة أو خواطر تناولته أو حتى تمر على معاني الكلمات التي لم تعتد سماعها أو ما يعرف بغريب الألفاظ القرآنية
تصور لو أنك قضيت يومك في معايشة أجواء تنزل السورة وأسباب نزولها وحال النبي ﷺ وأصحابه أثناء تنزلها وأسباب ذلك النزول
ثم ينقضي اليوم وتبدأ الليلة وتتأهب لقيام الليل بهذه السورة التي تلوت و تدبرت وعايشت
أي أثر يكون على قلبك حينئذ!
وهل سيكون رد الفعل القلبي على من فعل ذلك سواء مع من لم يعرف شيئا عن تلك الآيات التي تُتلى عليه؟!
هل يستوي من علم ومن لم يعلم؟!
إن كثيرا من ردود أفعال الصالحين تجاه آيات القرآن حين يتلونها أو تتلى عليهم = مبناها على فهمهم ومعايشتهم لمعانيها وأجوائها
11👍7👏1
لما طلب النبي ﷺ من صاحبه سيدنا عبد الله بن مسعود أن يقرأ عليه من كتاب الله مبينا السبب:"إني أشتهي أن أسمعَه من غيرِي" فقرأ عليه من سورة النساء حتى بلغ قول الله { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } فأمره النبي ﷺ أن يمسك عن القراءة فنظر إليه سيدنا ابن مسعود ففوجيء أن عيناه تذرفانِ
مثل هذا التأثر لا يخرج إلا كثمرة لفهم ومعايشة
بالطبع نقر أن الآية مخاطب بها رسول الله وتتحدث عن مشهد أخروي يكون فيها شهيدا على الأمم من ثم كان التأثر ناتجا عن هول الموقف الذي سيقفه وعظم المسؤولية
وإن من آيات القرآن ما يخاطبنا بمشاهد نكون نحن أبطالها أو المخاطبين بأحداثها
سمع أمير عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا يتهجد في الليل ويقرأ من سورة الطور فلما بلغ إلى قوله ﷻ {إن عذاب ربك لواقع، ما له من دافع} قال عمر: قسم ورب الكعبة حق، ثم رجع إلى منزله فمرض شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه.
ما الذي استشعره؟
وأي موقع وقعت الآية في نفسه؟
ولماذا؟
الإجابة في جزء كبير منها = الفهم والإدراك
ثم إسقاط ذلك على النفس بسبب المعايشة المسبقة لمعاني القرآن
سمع جبير بن مطعم قول الله ﷻ "أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ" قال: سمعتها فكاد قلبي أن يطير
وكان قول الله تعالى: "وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ" = كافياً لأن يدفع رجلاً من المهاجرين وهو مريض بمكة أن يقول لأهله: وجهوني إلى طريق المدينة، فيقولون: أنت مريض، فيقول: إني أخشى أن يقال لي: أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا"
فوجهوه إلى طريق المدينة فمات بالطريق، فنزل قول الله" وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّه"
إنه التفاعل من جديد
ومنبعه واضح
الفهم
الإدراك

لقد كانت آيات سورة الحجرات " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" = كفيلة أن تُجلس خطيب الأنصار ثابت بن قيس في بيته وهو يبكي ظاناً أنه دخل في الآية؛ لأنه كان صاحب صوت جهوري بطبعه فخشي أن يكون قد حبط عمله؛ لأنه لا يخلو أن يكون قد رفع صوته يوماً بحضرة النبي ﷺ حتى جاءه من يواسيه ويخبره من عند رسول الله ﷺ أنه ليس من أهل هذه الآية
وكان قول الله في سورة الطور " فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ" كافيا لأن يجعل عائشة وأسماء رضي الله عنهما في الصلاة تطيلان جداً الوقوف عند هذه الآية، وهما تسألان الله ﷻ أن يمن عليهما وأن يقيهما عذاب السموم فكان المار ينتظر ينتظر، ويذهب إلى السوق ويعود ليرى أسماء باقية كما هي واقفة تردد هذه الآية.
لماذا؟!
نفس الإجابة
إنهما تدركان المعنى والمدلول والمراد

وآية أخرى كقول الله من سورة الأعراف " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مبصرون" = كانت كفيلة بأن تردع شاباً أغوته فتاة كان قد ذهب إليها راغبا في حرام ثم يرجع منتصف الطريق لما يتذكر هذه الآية
إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
أبصروا
انتبهوا
يتعظ الشاب ويرجع مستجيباً لكلام ربه
لأنه فهم
وهكذا تتعدد النماذج التي تشترك كلها في تلك الكلمة المفتاحية
الفهم
وهذا الفهم يكون بعد توفيق الله وتيسيره عبر البذل والتعلم
والتجهز
ما المانع بين يدي تلاوتك أن تقرا تفسيرا مختصرا لما ستقرأ
لا يشترط أن يكون الكم ضخما أو التفسير مفصل ذا مستوى متقدم ففي ذلك تتفاوت الهمم والقدرات
عن الحد الأدنى أتحدث
عن علاقة مبدئية عامة بسور القرآن
نظرة إجمالية شاملة تلقي في نفس القاريء المتجهز مشاعر محددة تجاه كل سورة
فهذه السورة لها في قلبه وقع مألوف محبب وتلك السورة يجد لها في نفسه حنينا واشتياقا أما السورة الثالثة فيخفق قلبه رهبة عند تدبر آياتها و تلك السورة الرابعة التي يسارع لقراءتها حين تدلهم به الخطوب ويبتغي تثبيتا لفؤاده ومواساة لجنانه أما هذه الآية فعلى قصرها إلا أن روحه تسمو وتهفو رجاءً؛ كلما تليت عليه

وهكذا يتنقل الصاحب مع صاحبه
يقف مع آية من آياته أو قصة من قصصه أو مثل من أمثاله الجامعة المانعة
يستطرد حول المعانى ويطوف فى ظلال المشاعر ويرفل فى نعيم المبادىء التى تبث من خلال مجاورة هذا الصاحب العظيم
4👍2
يعيش مع أبطال قصصه وتتوطد علاقته بهم فيحزن لحزنهم و تتهلل أساريره لفرحهم و يواجه معهم الظالمين والطغاة ويصدع معهم بكلمات الحق التى قذفوها فى صدر الباطل
يبحر مع نوح ويسمو بروحه في ملكوت السماء متدبرا مع إبراهيم يصبر مع أيوب ويسبح مع داوود ويصمد مع الغلام فى وجه صاحب الأخدود يتزلزل فؤاده مع المؤمنين فى مواجهة الأحزاب يوم الزلزال الشديد ثم ينشرح صدره وهو يطالع نبأ النصر المجيد والرعب الذي تصدعت به نفوس المشركين
يتنقل من مشهد إلى آخر ومن قصة إلى أخرى ويدور مع المعانى والأمثال حيث دارت
كذلك يجد صاحب القرآن العارف بآياته المحب لكلماته وقعا ومشاعر وآثارا كلما تفاعل مع سوره ومر بأجزائه وأحزابه
ويكأنه يسمع قعقات المعركة وصليل السيوف مختلطا بصهيل الخيل وهو يصحب سورة الأنفال ثم يرتجف قلبه غضبا لربه وهو يطالع جرائم المنافقين في سورة التوبة
يوجل قلبه تعظيما وإجلالا لربه إذا رتل سورة الأنعام ويذوب فؤاده شوقا لمولاه المنان وهو يتلو سورة الرحمن مجيبا لسؤالها المتكرر وصائحا من أعماق قلبه وإن لم يسمع الخلق بلسانه: لا بأي من آلائك نكذب ربنا ولك الحمد
يزداد حمده وشكره وامتنانه وهو يطالع نعم الله وآلائه في سورة النحل ثم ترتعد نفسه خوفا وطمعا وهو يتلو سورة الرعد
ينبهر بعدل الشريعة وإحكام إنصافها وهو يقرأ سورة النساء ثم يعاهد الله على الوفاء بعقود سورة المائدة ومواثيقها وتعلو همته ويزداد يقينه وهو يتأمل تلك المفاصلة الخالدة بين أئمة الحق وسدنة الباطل في سورة إبراهيم ويعجب لذلك اللطف الجميل في سورة يوسف ويزداد انبهارا بفتوحات الله تفرج الكروب عن موسى في سورة القصص ثم يلين قلبه حين يغمره ضياء سورة النور ويذرف الدمعات الخاشعات وهو يتأمل شكوى حبيبه في سورة الفرقان "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا"
تحقيق تلك له عدة سبل منها القراءة خصوصا في التفاسير التي تُعنى بالمقدمات الموضوعية لسور القرآن أو الكتب التي أفردت خصيصا لذلك
و إن لم تكن من هواة القراءة يمكنك أن تستمع إلى شيء يسير من محاضرات تفصل بعض معاني ما أنت مقبل على تلاوته
المهم... أن تكون هناك درجة تجهز
تحيا مع السورة
ترتحل مع معانيها
تتفهم أجواءها
تنظر نظرة مجملة لمقاصدها وأهم مواضيعها
أو كما عنونت لهذا الفصل = خُذ فكرة
ولو كانت فكرة مبدئية ونظرة عامة
بعدها تتلو أو تستمع
وتستمتع..
هذه الطريقة أعتقد أن سيكون لها أكبر الأثر في تصحيح علاقتك بالقرآن الإعداد والتجهز لتلاوته
6👍6
بعد قليل إن شاء الله البث القرآني الأسبوعي وموعدنا اليوم بإذن الله مع المجلس الخامس من مجالس تدبر سورة آل عمران
👍2
الحلقة الصوتية 👆

قل اللهم مالك الملك ..

المجلس الخامس من مجالس تدبر سورة آل عمران
الآيات من 26 الي 32

#العودة_إلى_القرآن
رابط الحلقة على اليوتيوب 👇
https://youtu.be/sv-a_Ivitf8?si=DrCGeaovJRH9W2_9
4👍1
#ورد_القرآن_اليومي
الآية 259 من سورة البقرة
Forwarded from محمود مجاهد
2👍1🥰1
الحلقة الأولى من سلسلة #قبل_أن_تتلو

ثمة كنز يتلألأ بين دفتي المصحف يطالعك بريقه بمجرد أن تفتحه
سورةٌ قصيرة في مبناها، عظيمةٌ في معناها، نرددها في صلواتنا مراتٍ ومرات كل يوم، حتى تكاد أن تكون جزءاً من أنفاسنا
إن سُئلتَ عن سورةٍ إن غابت، اختلّ عمود دينك، فما عساك تقول؟
نعم إنها هي
الفاتحة
أم الكتاب،
ركن الصلاة، ومفتاح الجنة
"وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ"
جمهور المفسرين على أن السبع المثاني هي الفاتحة،
وكأنها في كفة، وسائر القرآن في كفة!
كأنها خلاصة الخلاصة، زبدة الرسالات، المفتاح الذي يفتح لنا أبواب فهم كلام الله ومناجاته.
جاء بها جبريل الأمين من بابٍ في السماء فُتح خصيصاً لها، بشرى لنبينا بما لم يُؤت نبيٌ قبله: فاتحة الكتاب
يا له من تشريف! ويا لها من منزلة! أن تُوضع هذه السبع الآيات في كفةٍ ويُوضع القرآن العظيم في الكفة الأخرى!
كيف لا، وقد جمعت معاني الكتب السماوية، بل لم يُؤتَ نبي مثلها، كما في حديث ابن عباس عند مسلم: "أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة".
تأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سعيد بن المعلى: "ألا أعلمك أعظم سورة في القرآن؟" ثم قال: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" (البخاري).
وفي رواية عند أبي بن كعب: "ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها" (متفق عليه).
هي ليست مجرد بدايةٍ للكتاب، أو فاتحةٍ للصلاة.
هي ليست مجرد سورة؛ بل هي صلة بين العبد وربه، من تركها فقد نقصت صلاته، كما في حديث أبي هريرة عند مسلم: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج.. ثلاثاً – غير تمام".
وخداج أي صلاةٌ ناقصة، مبتورة، غير كاملة!
والأعجب على الإطلاق أن الله سمّاها "الصلاة"
في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي".
باقي الحديث لم يذكر فيه ركوع ولا سجود
فقط كلمات من الفاتحة
حين تقرأ الفاتحة فأنت تخوض حواراً مباشراً، مع ملك الملوك!
حين تقول بقلبٍ حاضر: "الحمد لله رب العالمين"، لا يأتيك الصدى من جدران المسجد، بل يأتيك الردّ من فوق سبع سماوات: "حمدني عبدي".
يا إلهي!
أيّ شرفٍ هذا أن يسمعك رب العزة ويُجيبك باسمك، "عبدي"؟
وحين تتابع ثناءك: "الرحمن الرحيم"، يأتيك الرد من جديد: "أثنى عليّ عبدي". كأن الله يفرح بثنائك عليه بصفات رحمته التي وسعت كل شيء.
ثم حين تستحضر جلاله وملكه وعظمته فتقول: "مالك يوم الدين"، تشعر بهيبة الموقف، ويأتيك الردّ المهيب: "مجدني عبدي"، وفي رواية: "فوض إليّ عبدي". أي أنه أقرّ لك بالملك المطلق، وفوّض أمره إليك يا مالك يوم الدين.
بعد هذا التمهيد بالحمد والثناء والتمجيد، تصل إلى قلب السورة، إلى ذلك العهد العظيم، والاعتراف الصادق الذي هو خلاصة التوحيد: "إياك نعبد وإياك نستعين".
هنا، تصبح العلاقة أكثر قرباً
أكثر خصوصية.
فيأتيك الردّ الذي يفيض كرماً وحباً: "هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل".
يا لها من لحظة!
سرٌ بينك وبين مولاك!
ثم لقد أصبحتَ الآن في مقام الطلب، وقد وُعدتَ بالإجابة. لقد فتح لك الباب على مصراعيه لتسأل أهم وأعظم ما يمكن أن يسأله عبدٌ من ربه.
فماذا تسأل؟ هل تطلب مالاً؟ جاهاً؟ صحة؟ ولداً؟
لا، إن أعظم ما تحتاجه، ما يفتقر إليه كل إنسانٍ في رحلته القصيرة على هذه الأرض، هو: "اهدنا الصراط المستقيم".

الفاتحة ليست كلمات تقرأ وحسب
بل حياة.
ثناء يرفعك إلى أعلى عليين يتبعه دعاء يحفظك في صراط الدنيا وينجيك على امتداده عبر صراط الآخرة.
هذه هي الفاتحة باختصار
وهذا هو الدعاء المحوري،
جوهر الفاتحة
الطلب الذي نُكرره سبعة عشر مرةً على الأقل في صلواتنا المفروضة يوميا، وعشرات المرات إن كنا من أهل النوافل.

لكن لماذا كل هذا الإلحاح على طلب الهداية لهذا الصراط المستقيم بالذات؟
ببساطة لأن هذا هو المطلب الأخطر على الإطلاق
الصراط، يا صديقي، ليس مجرد طريقٍ معبّد.
إنه سبيل الحياة والممات والمسار المحدد للمصير في الدنيا والآخرة.
في الدنيا هو طريقٌ محفوفٌ بالمكاره والشهوات والشبهات، تتربص بك على جنباته شياطين الإنس والجن، وتُزين لك نفسك الأمارة بالسوء الانحراف عنه نحو "السُبل" الأخرى التي تتفرق بك عن سبيل الله الواحد.
وفي الآخرة هو الجسر المنصوب على متن جهنم وصفه رسول الله صلى الله عليه بأنه "أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف"
ومجاوزته ليست هينة إلا علي من هونها الله عليه
مجاوزته تحتاج إلى نور الهداية وثبات الأقدام وتوفيق الرحمن.
فمن لم يهدِه الله لهذا الصراط في الدنيا، فكيف يرجو الثبات عليه في الآخرة؟
13👍5
لأجل ذلك، يأتي الدعاء مُلحّاً، مُتضرعاً، من قلبٍ يدرك خطورة الطريق وحاجته الماسة إلى دليلٍ ومرشد
"اهدنا"
لكن أيّ صراطٍ هذا؟
إنه ليس طريقاً مجهولاً، بل هو سبيل واضح له معالم،
له روّادٌ سبقونا إليه وتركوا لنا آثارهم لنهتدي بها
"صراط الذين أنعمتَ عليهم".
فمن هم؟
إنهم الصفوة المختارة من الذين أنعم الله عليهم من "النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً".
هكذا أوضح القرآن ماهيتهم في سورة النساء
ويا له من شرفٍ أن تطلب السير على خطى هؤلاء ويا لها من مسؤولية أن تكون خير خلفٍ لخير سلف!
هذا التذكير اليومي في الدعاء الأكثر تكرارا في حياة المسلم؛ يربطنا بتاريخنا الإيماني
يُشعرنا بأننا لسنا وحدنا بل نحن جزءٌ من قافلة النور التي تسير إلى الله منذ بدء الخليقة.

لكن لأن الهداية ليست فقط في معرفة طريق الحق، بل أيضاً في معرفة طرق الباطل لتجنبها؛ فـ "بضدها تتميز الأشياء"، ومعرفة سبيل المجرمين ضروريةٌ لتجنبه والسير بأمانٍ على الصراط المستقيم.
من هنا يستمر الدعاء
"غير المغضوب عليهم ولا الضالين".
تعوذ بالله من السبل الأخرى
سبيل المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه فاستجلبوا غضب الله عليهم
وسبيل الضالين الذين عبدوا الله على جهلٍ فضلوا وأضلوا
دعاء جامع يعلمنا أن نميّز بين النور والظلام و بين الهداية والغواية وأن نتبرأ من كل سبيلٍ لا يرتضيه الله.

وهكذا تكتمل الصورة.
إذاً الفاتحة ليست فقط دعاء، وليست فقط ثناء.
إنها رحلةٌ روحية متكاملة في سبع آيات. تبدأ بالحمد والثناء والتمجيد لرب العالمين، ثم تنتقل إلى إعلان التوحيد الخالص والاستعانة الصادقة، لتصل إلى ذروتها في طلب أعظم نعمة
نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم،
مع البراءة من طرق المغضوب عليهم والضالين.
فيا لغبن من يقرأها بلسانه وقلبه غائب!
يا لحسرة من تمرّ عليه هذه الكلمات مرور الكرام دون أن يستشعر حلاوة مناجاة ربه، وعظمة ما يطلبه، وخطورة ما يتعوذ منه!
إن الفاتحة هي مفتاح الكنز، وباب السماء، وصلة العبد بمولاه
فلنحسن صحبتها، ولنتدبر معانيها، ولنجعلها نبراس حياتنا، لعلنا نكون ممن استجاب الله دعاءهم، وهداهم صراطه المستقيم، وألحقهم بالذين أنعم عليهم. آمين.
15👍6
مشهد النجاح المبهر والوصول للهدف النهائي جميل ومثير للشغف والحـ.ماس بلا شك
وعلى هذا المشهد بتنوعاته يقوم الخطاب التحفيزي المثير الإقبال والدافع للتغيير والعمل
لكنه لا يخلو كثيرا من اختزال مخل جدا حين تتلخص الرحلة في النتيجة المبهرة فقط وتغفل أحيانا صعوبات الرحلة وتكلفة الوصول
وهي غالبا ما تكون تكلفة باهظة
ثمة صناعة كاملة تزدهرُ على بيع هذا الوهم مُغلّفا بورقٍ لامع من الشعارات البراقة التي تصوّر لك النجاح كأنه قمة جبلٍ يمكنك الوصول إليها بقفزةٍ بهلوانية واحدة، وأن الطريق إلي هذه النتيجة المبهرة مُعبّدٌ بالورود، ومُضاءٌ بكشافات ساطعة مبهجة، وتُعزف على جوانبه موسيقى تصويرية لألحان حماسية لا تتوقف.
يطلّ عليك عرابو ذلك الخطاب وأساطينه بعيون تلتمع بحماسٍ مُعدٍ، وصوتٍ جهوري يقطر شغفا ليُخبروك بأنك قادر على كل شيء وأن بإمكانك تحقيق المستحيل ولا يوجد ما يمكنه إيقافك أبدا وأن النجاح هو مجرد قرار تتخذه في لحظة وتحققه بعد ذلك مباشرة
ستمتليء عروقك بعد سماع هذا الخطاب بجرعة مُكثفة من الأدرينالين، وستشعر أنك قادرٌ على غزو العالم اليوم وليس غدا

السينما أيضا لعبت دورا في إعطاء هذه الجرعة ومؤخرا الإعلانات وأغانيها المتقنة
لعلك تعرف جيدا تلك التيمة المتكررة التي يمر فيها البطل بمرحلة الفشل والفقر والصدمات العاطفية والإحباط الكامل
ثم فجأة، تنطلق الموسيقى الحماسية أو الأغنية التي تدعوه للتقدم والإصرار غالبا تكون حبكة هذه الأفلام رياضية أو فنية فترى البطل بعد الفشل والإحباط يتدرب ويتمرن ويتفانى وتتوالى مشاهد العزيمة والتحدي صامتة إلا من الموسيقى التحفيزية التي تحرك الحجر
لعدة دقائق تعرض لنا رحلة البطل في الكفاح والتغيير للأفضل ثم يتحول في الفصل الختامي من فاشلٍ مُحبَط إلى بطلٍ أسطوريٍّ يهزم خصومه ويرفع كأس البطولة أو يصير فنانا مشهورا يشار إليه بالبنان وسط هتافات الجماهير ونظرات الإعجاب من البطلة الحسناء أو دموع حسرتها علي تفريطها فيه أيام فقره وفشله

حسنا.. وصفة سهلة هي
لتصل إلى النجاح لا تحتاج إلا إلى خمس دقائق من الحماسة والمونتاج السينمائي المكثف والسريع... ثم تأتي الثمرة
لا تتسرع في اتهام هذه الحبكة بالسطحية والإسفاف فهي يا عزيزي تيمة مضمونة النجاح ولولا عدم رغبتي في ذكر الأمثلة لسميت لك كثيرا من الأعمال الناجحة حتى وقتنا هذا تكاد تطابق نفس السيناريو مع بعد الرتوش المختلفة

والسؤال هو هل تنتهي الأفلام وتأثيرها بمجرد انتهاء (الفرجة) وإسدال تتر النهاية؟
قطعا لا
التأثير يكون لخطاب التحفيز وأفلامه بعد ذلك على مرحلتين
مرحلة أولى أسميها مرحلة الأدرينالين
مرحلة تطبيق ما حدث في الفيلم أو تكلم عنه المحاضر التحفيزي وتقمص شخصية البطل الذي سيحقق كل شيء
سيأكل النجيلة حرفيا في لعبة الكرة
وسيحطم الأرقام القياسية في رفع الأوزان بالصالة الرياضية (الجيم)
وسيحصل على كل الكورسات التي كان يؤجلها في تخصصه
سيجري كل يوم لساعات مستحضرا في أذنيه (اتقدم... اتقدم... وكفاية خلاص تتندم)
ستتحول الترهلات وتراكمات الدهون والوزن الزائد إلى غبار
لقد قرر وسرى الأدرينالين في روحه
وانتهى الأمر
لكن... هل انتهى فعلا؟
الحق أنه فقط قد بدأ
القرار هو البداية
فقط البداية
هو طبعا خطوة صعبة وتحتاج إلى تحفيز وهذه هي قيمة الخطاب التحفيزي فعلا
أن تدفعك للقرار والخطوة الأولى
لكن لا توهمك أبدا أن الأمر بعد ذلك هو محض هدية
منذ فترة انتشرت شباب يوقفونك في الشارع أو في محطات البنزين ليبشروك أنك قد ربحت هدية معهم
هكذا دون أن تفعل شيئا
فقط تذهب في اليوم الفلاني للمكان الفلاني وتدفع الرسوم التي تكون غالبا معقولة إذا قورنت بالهدية المنتظرة
رسوم.... الأمر عندئذ يتضح
لا توجد هدايا مجانية غالبا إلا بين متحابين
ومن يصدق أن هذه هدية حقيقية هو غالبا من سيصدق الخطاب التحفيزي الذي يوهمه أن النجاح قد أتى لا محالة بعد القرار
ثم يزول مفعول هذا "المُنشّط" الكلامي أو تلك الجرعة التحفيزية المُركزة
و يحدث ذلك حين تبدأ فعلاً في السير على الطريق
حين تبدأ الخطوات الأولى نحو ذلك الهدف الذي رسموه لك بألوانٍ زاهية
وعندئذ يُصدم مصدقو هذا الخطاب بحقيقة مُرّة
الحقيقة التي لا يُحبّ خبراء التحفيز ولا مخرجو الأفلام الحماسية أن يتحدثوا عنها كثيراً لأنها لا تبيع جيداً ولا تُحقق إيراداتٍ عالية
حقيقة كون الطريق ليس مفروشا بالورود، ولا تُعزف فيه موسيقى تصويرية ولا توجد جماهيرٌ تُصفق لك عند كل عقبةٍ تتجاوزها. ولا توجد تلك "اللحظة السينمائية" التي يتحول فيها كل شيءٍ ((فجأةً)) من حضيض الفشل إلى قمة النجاح.
الطريق على العكس غالباً هو مليءٌ بالحفر والأشواك والمنعطفات الحادة.
👍54
مليء بالعرق والسهر والعثرات والتضحيات
قد يخبرك البعض أن هذه أشياء ممتعة ولا أنكر أن لها لذة في أحيان
لكنني لن أخدعك مدعيا أنها دائما كذلك
السهر والحرمان والتعب والألم ليس دائما لذيذا
قد يهونه الله برجاء الثمرة واستحضار الهدف
لكنها تظل تتصف بالوصف النبوي الجامع
"مكاره"
"حفت الجنة بالمكاره"

في الصالة الرياضية ستجد التعب يتسلل إلى عضلاتك الضعيفة و عظامك المنهكة، وستشعر بالإرهاق يُخيم على روحك
وربما تجد الملل!
نعم، الملل القاسي البارد.
مللُ التكرار،
مللُ الروتين،
مللُ القيام بنفس الشيء مراراً وتكراراً دون رؤية نتائج فورية تُذكر.
دقائق التغيير والمران الحماسية في الأفلام أو أمثلة خطاب التحفيز = في الواقع هي شهورٌ وسنواتٌ من العمل الشاق والمملّ الذي لا يظهر على الشاشات لأنه ببساطة = ليس مُثيراً
وهنا قد يبدأ الشكّ في نسج خيوطه العنكبوتية حول عقلك:
هل أنا على الطريق الصحيح؟
هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟
لماذا لا أرى أي تقدم؟
ربما أنا فاشلٌ حقاً؟.
هذه هي الأصوات التي تُصاحب الرحلة، وليست هتافات الجماهير ولا الموسيقى الحماسية
الخطاب الذي يركز فقط على "الشغف" و"الحماس" و"التفكير الإيجابي" ويغفل بقصد أو غير قصد العنصر الجوهري في معادلة النجاح الحقيقية
عنصر "القدرة على تحمّل التضحيات والمشاق والآلام" = خدعة كبيرة ومؤذية

النجاح يا صديقي ليس مجرد ومضة إلهامٍ أو لحظة حماسٍ عابرة أو مونتاج سينمائي متقن.
إنه بناءٌ طويلٌ، وصبرٌ مرير، ومثابرةٌ عنيدة في وجه الإحباط والفتور.
اختر عشوائيا أي قصة نجاح حقيقي في أي مجال حتى لو كان في شيء تراه تافها وأنا على يقين أنك ستجد هذه القصة في أركانه
لا أتحدث هنا عن النجاح الجاهز بالوراثة ولكن عما يبرزه خطاب التحفيز
النجاح الذي جاد بعد تغيير حاد والإنجاز الذي عبر على جسر الفشل
أي إنجازٍ حقيقي من هذا النوع، سواء كان علمياً أو عملياً أو حتى رياضيا = هل تمّ في خمس دقائق تحت أنغام موسيقى حماسية؟
هل وصل العلماء إلى اكتشافاتهم ومنجزاتهم بقراءة تغريدةٍ مُلهمة؟
هل أحرز رياضي أعلى الميداليات بمران التقلب على فراشه والتهام أطنان الطعام غير الصحي؟
وهل بلغ الصالحون درجاتهم العالية بمجرد تمنّي الخير؟
أبداً!
كل إنجازٍ عظيم وراءه ساعاتٌ لا تُحصى من العمل الشاق، والتجارب الفاشلة، والسهر المضني، والملل الذي لا يُطاق، والصبر الذي يكاد ينفد.
سَهَري لِتَنقيحِ العُلومِ أَلَذُّ لي.. مِن وَصلِ غانِيَةٍ وَطيبِ عِناقِ
وَصَريرُ أَقلامي عَلى صَفَحاتِها.. أَحلى مِنَ الدَوكاءِ وَالعُشّاقِ
وَأَلَذُّ مِن نَقرِ الفَتاةِ لِدَفِّها.. نَقري لِأُلقي الرَملَ عَن أَوراقي
وَتَمايُلي طَرَباً لِحَلِّ عَويصَةٍ..في الدَرسِ أَشهى مِن مُدامَةِ ساقِ
وَأَبيتُ سَهرانَ الدُجى وَتَبِيتُهُ..نَوماً وَتَبغي بَعدَ ذاكَ لِحاقي

هكذا تساءل الإمام الشافعي في أبياته ملخصا الفكرة
هل يستوى من سهر وبذل بمن نام ملأ جفونه حتى كادت الشمس أن تغيب؟
هل الأحلام تنال بالأماني أم بالتعب والتضحية؟
الإجابة معروفة

"لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ"
هذه هي الحقيقة القرآنية التي يجب أن ندركها وأن تكون نقطة انطلاقنا.
هذه دار كبد
لا توجد فيها هدايا كثيرة
المشقة والتعب = جزءٌ أصيلٌ من رحلتنا في هذه الدار.
ومن يظن أنه يستطيع الوصول إلى غاياتٍ عظمى دون أن يمرّ بنصيبه من هذا الكبد، فهو يعيش في وهمٍ صنعه له "بائعو الأحلام" و"خبراء التحفيز السهل"

قد يظن متربص سيء الظن أن كلامي تثبيط يناقض خطاب التحفيز الجذاب وأنني أدعو للاستسلام للفشل والإحباط!

حاشا وكلا..
فقط أدعوك لأن تعيد تعريف "الحـ.ماس". الحـ.ماس الحقيقي ليس ذلك الفوران العاطفي المؤقت الذي يُشبه الفقاعات التي سرعان ما تتبدد
الحـ.ماس هو تلك الشعلة الداخلية الهادئة التي تظل متقدة وإن غاب الشغف وتأخرت الثمرة
حتى في أحلك الليالي وأكثر الأيام مللاً ستجد المخلص الصادق يعلم وجهته ويوقد شعلته
إنه ببساطة الإصرار الذي ينبع من وضوح الهدف، وقوة الإرادة، وعمق الإيمان بأن ما يسعى إليه يستحق كل هذا العناء.

أن تتعلم كيف تجلس في "ورشة الحياة" وسط ضجيج الآلات وزيت المحركات وغبار العمل وعرق الجبين، وأن تواصل الطرق على الحديد البارد حتى يلين.

أن تتقبل حقيقة أن "النتيجة الحلوة" غالباً ما يكون طريقها مُراً، وأن "الوصول" يتطلب "سيراً" طويلاً ومُضنياً.
أن تفهم أن "الصبر" ليس مجرد فضيلةٍ تتحلى بها، بل هو "زاد الطريق" الذي لا غنى عنه.
"وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة: 45).

ألا تيأس حين تجد أن الطريق أطول وأكثر مللاً مما كنت تتوقع وأن تتذكر كون كل خطوةٍ تخطوها بصبرٍ ومثابرة، حتى لو كانت صغيرة ومؤلمة = جزءٌ صغير أو لبنة في بناء نجاحك الحقيقي.
👍43👏2
وأن تدرك حقيقة أن "اللذة" ليست فقط في لحظة الوصول إلى القمة ورفع كأس النجاح تحت الأضواء الكاشفة، بل هي أيضاً حين تنظر إلى الوراء مبتسما برضا وقد تذكرت أنك لم تستسلم في منتصف الطريق، ولم تهرب من المشقة أو يثنيك الألم والملل، وأنك قد خضتَ غمار الرحلة بمثابرة وثبات حتى لو لم تصحبك في الطريق صيحات المشجعين والموسيقى التصويرية الحما.سية ولم تنتظرك في نهاية المضمار حسناء متهللة أو تنهال عليك باقات الورود..
👍107
2025/07/12 13:56:14
Back to Top
HTML Embed Code: