tgoop.com/mohdromih_drs/922
Last Update:
.
من أدب (المُفترَى عليه)!
• من تصدّر للدعوة وهداية الناس؛ فلابد أن يعد للأذى تجفافًا من الصبر، يقي به ظهره من طعنات الطاعنين، وهمزات الهُمزة.
فلقد جرى قضاء الله الكوني أن يبتلي المتقين بالمفترين، كما قال ﷻ في تسلية نبيه محمد ﷺ بعد ذكر طعن قريش على الدعوة المحمدية، وتساؤلاتهم الباردة في سورة الفرقان، كقولهم: ﴿مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَلَكࣱ فَیَكُونَ مَعَهُۥ نَذِیرًا﴾، فقال سبحانه:
﴿وَجَعَلۡنَا بَعۡضَكُمۡ لِبَعۡضࣲ فِتۡنَةً أَتَصۡبِرُونَۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِیرࣰا﴾.
• وإذا ابتلي العبد المؤمن بجفاء أهل الأذى؛ فمن الأدب الواجب عليه ألّا تحمله هجنة الزور أن يقع في الزور!
ولا تأخذه خصومة الفجور أن يركب الفجور! فيردّ البغي بالبغي والكذب بالكذب!
بل يتجمل بالحلم والعفاف، ويضم لحييه عن الافتراء، وليحذر أن تبدره غضبة فينتقم لنفسه بغير حق.
• ثم لا يمنعه تحامق المفترين من قبول ما في كلامهم من الحق!
فالحق نشيد المؤمن أينما وجده أخذه، وحيثما لقيه انتحله.
وكثير من أهل الباطل يخلط باطله بنوع من الحق لتسوغه آذان السامعين، وصاحب التقوى يرعى أمر ربه، ويستجيب للحق لذات الحق، فيَسُل الحسنَ من القبيح، وينفض الكلام لينخل ما فيه من الباطل؛ فيقبل ما فيه من الحق، ولا يبالي من أي وجه جاءه!
وفي ذلك معاملة لخصمه بنقيض قصده! فإنه أراد شينه! فليتزين بزينة الحق الذي في كلام خصمه وليستفد من نقده! ليكون له غنمه وعلى خصمه غرمه!
• ثم إنّ من ابتلي ببهتان المفترين؛ فليس عليه من بأس أن يدفع عن عرضه، وأن يستبرئ من قالة السوء التي قيلت فيه، وذلك لا ينافي الاعتقاد بمقتضى قول الله: { ۞ إِنَّ ٱللَّهَ یُدَ ٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟﴾، فإن هذا الوعد لا يحصر الدفع عن المؤمنين في القضاء الكوني القدري، ولا يدل على المنع من دفع المرء عن نفسه التهمة.
فالدفاع الربّاني عن المؤمن قد يكون بالقضاء الكوني الذي يقدره الله، وقد يكون بامتثال الأمر الشرعي بمدافعة أهل الباطل.
وقد ثبت في الصحيحين من حديث اﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺸﻴﺮ قال : ﺳﻤﻌﺖ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﷺ ﻳﻘﻮﻝ: «اﻟﺤﻼﻝ ﺑﻴﻦ، ﻭاﻟﺤﺮاﻡ ﺑﻴﻦ، ﻭﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻣﺸﺒﻬﺎﺕ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻤﻦ اﺗﻘﻰ اﻟﻤﺸﺒﻬﺎﺕ اﺳﺘﺒﺮﺃ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ».
قال ابن رجب في شرحه لهذا الحديث: "ﻭﻓﻴﻪ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻃﻠﺐ اﻟﺒﺮاءﺓ ﻟﻠﻌﺮﺽ ﻣﻤﺪﻭﺡ ﻛﻄﻠﺐ اﻟﺒﺮاءﺓ ﻟﻠﺪﻳﻦ" ، (جامع العلوم والحكم ٢١٣).
• ومما يضم لذلك أن ينظر المصلح -الذي وقع عليه الأذى- في فعال عدوه الذي آذاه بالباطل، فإن رأى مصلحة شرعية في كشف سوءاته -التي نادته للافتراء على الخلق- فليبين سبيل المفترين، فإن هذا ليس من الاعتداء المذموم، بل هو من العقوبة الشرعية، التي دلت عليها الطريق القرآنية!
فحين قذف رأس المنافقين عبد الله بن أُبَي عرضَ النبي ﷺ، أنزل الله تعريضاً به - في السورة التي أنزل فيها براءة الصديقة رضي الله عنها - أنزل قوله: ﴿وَلَا تُكۡرِهُوا۟ فَتَیَـٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَاۤءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنࣰا﴾، وفي صحيح مسلم ﻋﻦ ﺟﺎﺑﺮ بن عبد الله: ﺃﻥ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﻟﻌﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﺑﻦ ﺳﻠﻮﻝ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ: ﻣﺴﻴﻜﺔ، ﻭﺃﺧﺮﻯ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ: ﺃﻣﻴﻤﺔ، ﻓﻜﺎﻥ ﻳﻜﺮﻫﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﺰﻧﺎ، ﻓﺸﻜﺘﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﷺ ﻓﺄﻧﺰﻝ اﻟﻠﻪ الآية.
فتأمل هذا المسلك في الرد على أهل الافتراء والبغي، فإنه يكسر من سَوْرة بغيهم، ويرد من ظلمهم، لما يتخوفونه من تتبع الناس لزلاتهم بالحق حين تتبعوا الخلق بالباطل!
والله أعلم.
BY قناة: محمد آل رميح.
Share with your friend now:
tgoop.com/mohdromih_drs/922