OM_HNNAD Telegram 6553
أمُّ هنّاد.
﴿مِنَ المُؤمِنينَ رِجالٌ صَدَقوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَما بَدَّلوا تَبديلًا﴾... 🌿 "أولئك آبائي فجِئني بمثلِهم!"
يا نفحاتِ الفُرقان، ويا طيب ذكراها!

تعتملُ في نفسي مَشاعرٌ عظيمةٌ ما زلتُ أكنّها لهذا اليوم العظيم مُذ عرفتُ قصّته، وأعلم أنّ الأيام لا تُعظّم وحدها وإنّما تُعظّمها مشاهِدها!

وأمّا يوم بدر فقد ضمّ مشاهدَ عظيمةً لا يسع القلب إلا أن يحلّق بينَ يديها على جناحي الدّهشة والإعجاب..!

أشعرُ بالامتنان العظيم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعهم على ما أحسنوا إلينا فيه بنقلهم سنته صلى الله عليه وسلم ومشاهده بحقّها، وصدقًا لا أستطيع تخيّل حياتي خاليةً من سنّته! فسنّته صلى الله عليه وسلم حياة، ومشاهِده روح، ويا حظّ أهل الإسلام بنبيّهم!

يتراءى لي منذ ليلةِ البارحة مشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بدر والصحابة جميعهم نائمون يستعدون ليوم ملاقاة الكفّار الأوّل، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يصلّي واقفًا بين يدي ربه في مقام الاستغاثة والتضرع يناشده، حتى قال عليّ رضي الله عنه: لقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ، وما فينا إلَّا نائمٌ غيرَ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - يصلِّي ويدعو حتَّى أصبحَ.

أتساءل ما الذي كان يحمله قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليقف هذا المشهد الطويل؟ ألم يكن همّ الدينِ هُو الذي أقضّ مضجعه تلكَ الليلة؟ لم يكن رسول الله بأبي هُو وأمّي خائفًا على نفسه ولا على أصحابه خوفَ مجرّد الفقد، وإنّما كان همًّا على الرسالة العظمى التي هُو حاملها وعلى أصحابه الذين هم حملتُها من بعده! كان همّ النبي همًّا أتبصّر فيه اليوم شعور الامتنان له صلى الله عليه وسلم، أفكّر في هذا الدين العظيم كيف كان سيصلني نعيمه الذي وهبني الحياة على الحقيقة لولا أن قيّض اللهُ له رجالًا قاموا به حقّ القيام وبلّغوه أتمّ التبليغ وصدحوا به في مشارق الأرض ومغاربها حتى نالت بركاته أهل المشرق والمغرب!

في هذه اللحظة يتراءى لي عمير بن أبي وقّاص -رضي الله عن سيّدي عمير- وهو ابن السادسة عشرة من عُمره واقفًا بسيفه يفلق هام المشركين حتى يُقتلَ في سبيل الله شهيدًا طيّبًا مُطيّبًا!
لم يكن سيّدي عمير يريد إلّا هذه اللحظة! طلبها بصدقٍ وبكى لأجلها يوم استُصغر في عرض الجيش، بكى حتى أجازه النبي صلى الله عليه وسلم! سيدي عمير بكى من أجل أن يموت في سبيل الله!

لله أنت يا سيّدي على ماذا بكيتُ أنا اليوم؟
شتان بين بكائي وبكائك..!
شتان بيني وبينك وقد سبق بي العُمرُ سنّك، غير أنّك السابق بالهمّة والإيمان والصحبة والرفعة في سبيل الله!

يتراءى لي معاذًا ومعوّذًا -رضي الله عن سيداي معاذ ومعوذ- وقد سحبا سيفيها تدور أعينهما في ساحةٍ عظيمةٍ لا يسمع فيها إلا صليل السيوف وصيحات الرجال، عمّن يبحث سيداي الشابان؟

إنّهما يبحثان عن أبي جهل!!

أبي جهل؟!
رأس الكفّر والطّغيان وزعيم ثلة العصيان!

يا لهمّة سيديّ التي تحلّق بعيدًا بعيدًا حتى عن رأس الثريّا، لقد طلبا الغنيمة الأكبر وسحبا سيفيهما حتى وجداه فانقضّا عليه كل يريد أن يشرّف سيفه بأخذ رأس عدو الله عليه لعنة الله..
وقد فعلا!

يتراءى لي عمير بن الحمام -رضي الله عن سيدي عمير- والنبي صلى الله عليه وسلم ينادي في الصحابة: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ!
فتقرعُ كلمة سيدي رسول الله قلب سيدي عُمير فيقفز لها، فيقول وفي يده تمرات يأكلهنّ: يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ؟! فيقول رسول الله: نَعَمْ، فيقول عمير: بَخٍ بَخٍ، فيقول له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ فيقول: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا! فيبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا!

يا عظم هذه الكلمة! فإنك من أهلها!
إيه والله لقد هيج ذكر الجنّة قلوب أهلها!
فقال سيدي عمير: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ!

وكأنه يقول حياة طويلة تلك التي أؤخر فيها نفسي عن الجنّة حتى لو كانت دقائق أكلي هذه التمرات!
فيلقيها عن يده ويقتحم بسيفه ويقاتل حتى يُقتل!

لله در سيّدي عمير، يا عظم شوقه إلى ربّه ويا عظم حنينه إلى جنّته!

يتراءى لي أسيادي الواقفون على تلك الأرض العظيمة في ذلك اليوم العظيم جميعهم، فيتردد في سمعي قول النبي صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إلى أهْلِ بَدْرٍ فقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ، فقَدْ وجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّة!

لله ما بذل أصحاب بدر ولله ما نالوه!
لله صدقهم وإيمانهم وصبرهم وعزيمتهم، وهنيئًا لهم جنة عرضها السموات والأرض.

لله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا!

اللهمّ ألحقنا بأهل بدر نبيِّك وصحبه ولا تقطعنا عن سننهم في الدنيا ولا في الآخرة، وارزقنا نصرًا يقرّ أعيننا كم قرت به عين نبيّك وصحبه..

نعلم أننا لم نحمل من الصدق ما حملوه، ولم نقدّم من البذل ما قدّموه، لكنّك الربّ الكريم تعطي من تشاء وأنت ذو الفضل العظيم.



tgoop.com/om_hnnad/6553
Create:
Last Update:

يا نفحاتِ الفُرقان، ويا طيب ذكراها!

تعتملُ في نفسي مَشاعرٌ عظيمةٌ ما زلتُ أكنّها لهذا اليوم العظيم مُذ عرفتُ قصّته، وأعلم أنّ الأيام لا تُعظّم وحدها وإنّما تُعظّمها مشاهِدها!

وأمّا يوم بدر فقد ضمّ مشاهدَ عظيمةً لا يسع القلب إلا أن يحلّق بينَ يديها على جناحي الدّهشة والإعجاب..!

أشعرُ بالامتنان العظيم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعهم على ما أحسنوا إلينا فيه بنقلهم سنته صلى الله عليه وسلم ومشاهده بحقّها، وصدقًا لا أستطيع تخيّل حياتي خاليةً من سنّته! فسنّته صلى الله عليه وسلم حياة، ومشاهِده روح، ويا حظّ أهل الإسلام بنبيّهم!

يتراءى لي منذ ليلةِ البارحة مشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بدر والصحابة جميعهم نائمون يستعدون ليوم ملاقاة الكفّار الأوّل، ونبيّ الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يصلّي واقفًا بين يدي ربه في مقام الاستغاثة والتضرع يناشده، حتى قال عليّ رضي الله عنه: لقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ، وما فينا إلَّا نائمٌ غيرَ رسولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - يصلِّي ويدعو حتَّى أصبحَ.

أتساءل ما الذي كان يحمله قلب النبي صلى الله عليه وسلم ليقف هذا المشهد الطويل؟ ألم يكن همّ الدينِ هُو الذي أقضّ مضجعه تلكَ الليلة؟ لم يكن رسول الله بأبي هُو وأمّي خائفًا على نفسه ولا على أصحابه خوفَ مجرّد الفقد، وإنّما كان همًّا على الرسالة العظمى التي هُو حاملها وعلى أصحابه الذين هم حملتُها من بعده! كان همّ النبي همًّا أتبصّر فيه اليوم شعور الامتنان له صلى الله عليه وسلم، أفكّر في هذا الدين العظيم كيف كان سيصلني نعيمه الذي وهبني الحياة على الحقيقة لولا أن قيّض اللهُ له رجالًا قاموا به حقّ القيام وبلّغوه أتمّ التبليغ وصدحوا به في مشارق الأرض ومغاربها حتى نالت بركاته أهل المشرق والمغرب!

في هذه اللحظة يتراءى لي عمير بن أبي وقّاص -رضي الله عن سيّدي عمير- وهو ابن السادسة عشرة من عُمره واقفًا بسيفه يفلق هام المشركين حتى يُقتلَ في سبيل الله شهيدًا طيّبًا مُطيّبًا!
لم يكن سيّدي عمير يريد إلّا هذه اللحظة! طلبها بصدقٍ وبكى لأجلها يوم استُصغر في عرض الجيش، بكى حتى أجازه النبي صلى الله عليه وسلم! سيدي عمير بكى من أجل أن يموت في سبيل الله!

لله أنت يا سيّدي على ماذا بكيتُ أنا اليوم؟
شتان بين بكائي وبكائك..!
شتان بيني وبينك وقد سبق بي العُمرُ سنّك، غير أنّك السابق بالهمّة والإيمان والصحبة والرفعة في سبيل الله!

يتراءى لي معاذًا ومعوّذًا -رضي الله عن سيداي معاذ ومعوذ- وقد سحبا سيفيها تدور أعينهما في ساحةٍ عظيمةٍ لا يسمع فيها إلا صليل السيوف وصيحات الرجال، عمّن يبحث سيداي الشابان؟

إنّهما يبحثان عن أبي جهل!!

أبي جهل؟!
رأس الكفّر والطّغيان وزعيم ثلة العصيان!

يا لهمّة سيديّ التي تحلّق بعيدًا بعيدًا حتى عن رأس الثريّا، لقد طلبا الغنيمة الأكبر وسحبا سيفيهما حتى وجداه فانقضّا عليه كل يريد أن يشرّف سيفه بأخذ رأس عدو الله عليه لعنة الله..
وقد فعلا!

يتراءى لي عمير بن الحمام -رضي الله عن سيدي عمير- والنبي صلى الله عليه وسلم ينادي في الصحابة: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ!
فتقرعُ كلمة سيدي رسول الله قلب سيدي عُمير فيقفز لها، فيقول وفي يده تمرات يأكلهنّ: يا رَسولَ اللهِ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ؟! فيقول رسول الله: نَعَمْ، فيقول عمير: بَخٍ بَخٍ، فيقول له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما يَحْمِلُكَ علَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ فيقول: لا وَاللَّهِ يا رَسولَ اللهِ، إلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِن أَهْلِهَا! فيبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: فإنَّكَ مِن أَهْلِهَا!

يا عظم هذه الكلمة! فإنك من أهلها!
إيه والله لقد هيج ذكر الجنّة قلوب أهلها!
فقال سيدي عمير: لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حتَّى آكُلَ تَمَرَاتي هذِه إنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ!

وكأنه يقول حياة طويلة تلك التي أؤخر فيها نفسي عن الجنّة حتى لو كانت دقائق أكلي هذه التمرات!
فيلقيها عن يده ويقتحم بسيفه ويقاتل حتى يُقتل!

لله در سيّدي عمير، يا عظم شوقه إلى ربّه ويا عظم حنينه إلى جنّته!

يتراءى لي أسيادي الواقفون على تلك الأرض العظيمة في ذلك اليوم العظيم جميعهم، فيتردد في سمعي قول النبي صلى الله عليه وسلم: لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إلى أهْلِ بَدْرٍ فقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ، فقَدْ وجَبَتْ لَكُمُ الجَنَّة!

لله ما بذل أصحاب بدر ولله ما نالوه!
لله صدقهم وإيمانهم وصبرهم وعزيمتهم، وهنيئًا لهم جنة عرضها السموات والأرض.

لله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه وما بدلوا تبديلا!

اللهمّ ألحقنا بأهل بدر نبيِّك وصحبه ولا تقطعنا عن سننهم في الدنيا ولا في الآخرة، وارزقنا نصرًا يقرّ أعيننا كم قرت به عين نبيّك وصحبه..

نعلم أننا لم نحمل من الصدق ما حملوه، ولم نقدّم من البذل ما قدّموه، لكنّك الربّ الكريم تعطي من تشاء وأنت ذو الفضل العظيم.

BY أمُّ هنّاد.




Share with your friend now:
tgoop.com/om_hnnad/6553

View MORE
Open in Telegram


Telegram News

Date: |

Write your hashtags in the language of your target audience. Some Telegram Channels content management tips The Standard Channel Administrators In the next window, choose the type of your channel. If you want your channel to be public, you need to develop a link for it. In the screenshot below, it’s ”/catmarketing.” If your selected link is unavailable, you’ll need to suggest another option.
from us


Telegram أمُّ هنّاد.
FROM American