tgoop.com/rayshahri/395
Last Update:
انتقدوني!
قال الشيخ محمد الريشهري: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قائدا كاملا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومعصوماً حسب الأدلة القوية القاطعة.
ولا ريب في سداد آرائه وأفكاره وممارساته، بيد أنه في الوقت نفسه لا يأذن للناس أن ينقدوه فحسب، بل يريد منهم - بجد - أن يجتنبوا التملق الذي يمثل عادة عامة عند مواجهة الجبابرة المستكبرين.
وإذا شاهدوا منه رأيا أو عملا خاطئا بزعمهم فعليهم أن ينقدوه بلا وجل، ويكونوا واثقين من أنه لا يمتعض من النقد، بل يمتعض من التملق والإطراء في غير محله.
والأعجب من ذلك كله أن الإمام (عليه السلام) لا يسمح بنقده في الظروف الاعتيادية والطبيعية للمجتمع الإسلامي فحسب بل يسمح به أيضا في أحرج ظروف الحكومة وفي أشد الحروب التي وقعت أيام خلافته، أي: في حرب صفين.
ألقى الإمام (عليه السلام) خطبة حماسية تحدث فيها عن الحقوق المتبادلة بين القائد والناس، ودور هذه الحقوق في بقاء الحكومات أو سقوطها، والتأكيد على ضرورة رعاية الناس حقوق القيادة.
عندها اهتاج أحد أصحابه (عليه السلام) اهتياجا شديدا، وطفق يثني على الإمام ويمجده وهو يعلن عن طاعته على أسلوب المداحين جميعهم.
لم يتأثر الإمام (عليه السلام) بمدحه وإطرائه، أو لم يأخذ بعين الاعتبار حتى الظروف الحساسة القائمة، فقال صلوات الله عليه: (إن من أسخف حالات الولاة عند صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر، ويوضع أمرهم على الكبر، وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني أحب الإطراء واستماع الثناء، ولست بحمد الله كذلك، ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا لله سبحانه.....فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند أهل البادرة، لا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه).
وخلص إلى القول : (فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن اخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني...) نص الإمام (عليه السلام) في هذه الخطبة على إمكان خطئه لولا كفاية الله تعالى وحفظه وعصمته.
ومع أنه كان محفوظا بصيانة إلهية، بيد أنه طلب من الناس أن لا تمنعهم شخصيته السياسية والمعنوية عن نقده، وأكد أن لو رأوا عملا غالطا في حكومته فعليهم أن يذكروه.
بكلمة بديلة: أدان الإمام (عليه السلام) بشدة في جوابه لذلك المادح العادة السيئة المتمثلة بالثناء على الامراء ورجال السياسة في المجتمع الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى أراد أن يربي في نفوس الناس روح النقد والنظر العميق في أعمال المسؤولين عن النظام الإسلامي، حتى لو كان هؤلاء المسؤولون في أعلى المستويات - أي : معصومين - كما أراد أن يدرب القادة على قبول النقد.
• المصدر
القيادة في الإسلام ص ٣٥٥
BY آية الله الشيخ محمد محمدي الري شهري
Share with your friend now:
tgoop.com/rayshahri/395