على هامش التردي الأخلاقي الذي هو نتيجة لأشياء كثيرة، منها ما سيأتي، فإن مما يرثى ويؤسف له أنّ كثيرًا من أصحاب التفكير الجماعاتي كالإسلاميين والدعاة المنتمين لأفكار معينة أو المتعصبين لمذهب بعينه، لم يكن الهمّ الأخلاقي والإصلاح المجتمعي جزءًا من خطابهم ومشاريعهم بقدر ما كان الهم الدعوة إلى المذهب والطريقة وأن يكون الناس منهم، فلم تكن الدعوة إلى محكمات الأخلاق والآداب العامة -وهي أمور لا تنفك عن الدينِ بحالٍ-، وإنما كانت الدعوة إلى الجماعة والمذهب، كان هم هذا أو ذاك قضيته ومذهبه وأن يكون رأيه صواب وأن يؤيده الناسُ، لا أن ينصلح الناس صلاحًا حقيقيًّا، وهذا جزءٌ من التصارعُ على الرأسمال الرمزي في المجتمع، وما منازعةِ أمثال من يسمونهم الدعاة الجدد -كمصطفى حسني- الذين يدعون إلى الأمور العامة -مع أخطاءٍِ في خطابهِ- إلا أحد تجليات ذلك الصراع على المجتمع...
إن تلك الجماعات والفرق كان همها أنفسها في المقام الأولِ، وهمها الأيدلوجيا التي تميزها لا المحكمات التي تتفق فيما بينها ويتفق عليها العقلاءُ معهم فيها...ومع إقرارنا بأنهم تولوا قدرًا من إصلاح الناسِ؛ فقول القسط لا يجعلهم خلوًا من كل فضيلة، إلا أنّ التدين الخاطئ وقلة العلم والدعوة على غير هدى وللنفس من عوامل تأخرِ الصلاحِ وتمدد الفساد..
أزعمُ أن كل مهمومٍ بإصلاح ذلك المجتمع ليس عليه إلا أن ينفضَ يده من نوستالجيا تلك الجماعات وحنينها إلى ماضيها المتوهم وخيالها التي كانت تعيشُ فيه تظن به التمكن في الأرض، وحيازة جمهورٍ أفسدت أخلاقه الدنيا والإعلام والتخلف والفقر...

بمناسبة مشاريع ودورات ومحاضرات ونصائح كيف تكون زوجا صالحا أو تكونين زوجة صالحة، -التي لا نشكك في أنها قد تكون مفيدة ونافعة- فالحقيقة إحنا عندنا قبل هذا مشاكل في التكوين الأخلاقي الإنساني في التعامل مع النفس والناس بغض النظر عن كونهم أزواج أو زوجات…الذي هو مرتبة ثانية لا تتأسس تأسيسًا صحيحًا إلا على بناء سليم من الأخلاق والمروءة وخوف الله وتقواه وكرم النفس وإحسانها…

عامة ما يورد الناس المهالك ويجعلهم من أصحاب الذنوب والمعاصي ليس تلك المسائل الخلافية ولا الاختيارات المعينة فيها، وإنما تلك الأمور المحرمة التي يعلمون تحريمها علمًا جازمًا ويقطعون به، ومع ذلك يواقعونه ولا يحدثون له عبادة ولا توبة…

[من شروط المناظرة والتباحث في العلمِ عند الغزالي]:

"أن يكون المناظر مجتهدًا يفتي برأيه لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما، حتى إذا ظهر له الحق من مذهب أبي حنيفة ترك ما يوافق رأي الشافعي، وأفتى بما ظهر له كما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم والأئمة؛

فأما من ليسَ له رتبة الاجتهاد -وهو حكم كل أهل العصر- وإنما يفتي فيما يسأل عنه ناقلًا عن مذهب صاحبه؛ فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يجز له أن يتركه؛ فأي فائدة له في المناظرة ومذهبه معلوم، وليس له الفتوى بغيره، وما يشكل عليه يلزمه أن يقولَ لعل عند صاحب مذهبي جوابًا عن هذا؛ فإني لست مستقلا بالاجتهاد في أصل الشرع"

الخلاف المحض ومجادلة الكلام ومعرفة التفريعات الغريبة، لا يزيد التجرد لها مع الإعراض عن غيرها إلا قسوة في القلب، وغفلة عن الله، وتماديا في الضلال، وطلباً للجاه، إلا من تداركه الله تعالى برحمته، أو مزج به غيره من العلوم الدينية، ولا برهان على هذا كالتجربة والمشاهدة.


الغزالي

قال الإمام أحمد:
«مَن أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدِّد عليهم».

وقال في رواية ابن القاسم: «إنما ينبغي أن يؤمر الناس بالأمر البيِّن الذي لا شكَّ فيه».

[الآداب الشرعية لابن مفلح]

كثيرًا ما يذكرُ الناس ما قاله الله سبحانه عن نفسه، وما وقال عن نبيه من نحوِ ذكرِ رحمة الله بعبادِه وإتيانهم بعض خلقهم رحمة من عنده، وما جعل عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الرحمةِ: "فبما رحمة من الله لنت لهم"، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"
يعلمون بتلك الآيات والأحاديث عن الله ونبيه ويحبونه ورسوله صلى الله عليه وسلم متعبدين بذلك، إلا أن هناك عبوديةً أخرى مغفول عنها وهي الاتصاف بتلك الصفات والعملِ بها، فإن مواطن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليست قاصرةً على بعض الأفعال التي يسميها الناس سنة وعملًا ظاهرًا، وإنما تشملُ أيضًا الاتصاف ومحاولة التأسي بتلك الأخلاق الباطنة كالرحمة والشفقة والرأفة، وكذلك في القول عن الله والعلم بهِ...وفي الحديث: "الراحمون يرحمهم الرحمن"

الكلمة المحورية في إيجاد حل للخلاف القائم هي "التراضي". كثيرا ما نظن أن كلمة تراضي كلمة سلبية، فهناك تحذير من التراضي بشأن المبادئ والقناعات، لكن التراضي في الزواج ليس فقط إيجابيا لكنه ضروري، التراضي معناه أن تجد نقطة التقاء، إنها تحتاج أن يكون كلا الطرفين لديه استعداد للتنازل عن شيء ما، ليستمر الزواج في تناغم؛ إذا أصر الطرفان على رأيهما فهذا يعود بنا إلى الجدال، في الزواج لا ينفع أن تكون "طريقتي"، لكن علينا أن نكتشف "طريقتنا".


جاري تشابمان

● وإذا كان ما نختلف فيه أكبر في صدرك مما نجتمع عليه، فأنت تغضب لنفسك، ولست تغضب لله، فإن ما نجتمع عليه من الإيمان، ومن فرائض الإسلام، هو أحب إلي الله، وأكبر عند الله مما نختلف فيه، وما نختلف فيه أكثره يسعنا عند الله أن نختلف فيه.*

د. صالح محمد علي

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب.
لا أدري إن لم يُنزل الله كتابه، فلأي شيء كان يأوي الإنسانُ ليعلم عن خالقه ونفسه والدنيا وما خلق فيها، والناسَ ويجيب عن أسئلته!

على ذكر القرآن، تفكرت فوجدتُ أن واحدة من إشكاليتنا في تلاوة القرآن أننا كثيرًا ما نقرأه ونتلوه على الناس لمجرد أن نقيم عليهم الحجةُ ونبين لهم صوابنا، وأنهم على خطأٍ، والقرآن وإن كان أنزل حجةً على الناس، فإنه كتابُ هداية وتاليه أحوج الناس لتبصر معالم الهداية فيه..

من إشكاليات الخطاب الوعظي/الديني المعاصر المتعلق بمعاملة المرأة زوجةً وبنتًا أنه خطاب غير ناتج عن معنى تراحمي وصائي إحساني، ففي الأولى مثلًا يقدم لك النصائح لا على وجه أن تقدم لها حبّا صادقًا ومعاملةً إحسانية قائمة على المودة، وإنما يحصر النصيحة في البعد السياسي -في عبارة شائعة كيف تسوس المرأة- وهذا وإن كان نصحًا مطلوبًا لكن يتحول في حقيقته إلى شكل من أشكال الترويض والبراجماتية النفعية، فأنت تسوسها وتفهم دماغها لكن تنال منها ما تريدُ وتجعلها بين يديك..

وأما إن كانت بنتًا، فإن الخطاب في جملته لا يحض على المحبة وتقديم الرعاية والتربية التي تحتاجها -الأنثى- وإنما ينحصر الدورُ في الحث على المنع من الفساد، فتسمع خطابات ذمّ من يترك ابنته تتبرج، أو تفعل فعلًا شائنًا، ولا تسمع -غالبًا- بالمقدار نفسه الخطابات التربوية الناضجة التي تجعلها هي ابتداءً محبة لنفسها محبة للفضيلة وصيانة النفس، وعدم تعريضها لما يشين ولا يحسنُ بحرةٍ مؤمنة..وفي الحديث: "من ابتُلِي من هذه البنات بشيءٍ، فأحسن إليهنّ، كنّ له سترًا من النار"

أزعم أنه ينبغي على العاقل أن يوردَ قلبه أبوابًا من الجمال والحسن ومباحُ ما يسميه الناس فنًّا، فيستنقذ قلبه وحشةٍ وغلظةٍ تصيبه، فيكون أقدر على الرحمة وذوق الحسنِ وبغض القسوةِ؛ فما يقسو قلبٌ إلا حينَ تنقطعُ عنه موارد الجمالِ، وما يلينُ إلا بورود موارد الحُسنِ!

ما من حديثٍ أو آية تشد المرءَ مثل الآيات التي فيها ذكر المغفرة وأسبابها، فأرى فيها كأن حبل نجاة يلقى للعبدِ إذ يتيه في ظلمات عمله ويستنقذه من نفسِه المعجونة بسوء فعله لا ينفكُّ عنه، فتأتي تلك الآيات أثرًا من آثار رحمة الرحمن بعباده!

وفي قولِه ﷺ في هذا الحديث: «إيمانًا واحتسابًا» دليلٌ على أنَّ الأعمالَ الصالحةَ إنَّما يَقَعُ بها غُفرانُ الذنوب، وتكفيرُ السَّيئات، مع صِدْقِ النِّيّات؛ يدُلُّكَ على ذلك قولُه ﷺ: «إنَّما الأعمالُ بالنِّيّات»، وقولُه لسعدٍ: «لن تُنْفِقَ نفقةً تَبتَغي بها وجْهَ الله إلّا أُجِرْتَ فيها».

ومُحالٌ أنْ يَزْكُوَ من الأعمالِ شيءٌ لا يُرادُ به اللهُ، وفَّقَنا اللهُ لِمَا يَرْضاه، وأصلحَ سرائِرَنا وعَلانِيتَنا برَحْمتِه، آمين.


ابن عبد البر

العاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة، وأنها قصيرة جدا، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهبا للهموم والأكدار، ولا فرق في هذا بين البر والفاجر، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر، والنصيب النافع العاجل والآجل.


الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر» [رواه مسلم] ، فائدتان عظيمتان:


إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل، وكل من بينك وبينه علقة واتصال، وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه؛ فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.


الفائدة الثانية: وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية
فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن، فلا بد أن يقلق، ولا بد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كل منهما المحافظة عليها.

الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-

كثير من التعرضِ للنصارى بشتمهم وابتدائهم بالسخرية = مما يحرم ومنهي عنه بنص القرآن، وهو من قلة العقلِ، ومخالفة أمر الله سبحانه بالدعوة إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، وفيه صدّ عن سبيل الله،
بل إن بعضه كالتعرض لنبي الله عيسى عليه السلامُ -وإن كنا نرى ضلال رأيهم فيه- قد يبلغ بصاحبه درجة الكفر وسوء الأدب مع الأنبياء. وليس فيه من نصرة الإسلام شيء، ولا فيه الاكتفاء بحكمٍ كحرمة التهنئة بأعيادهم.

من الأشياء المفيدة في المذاكرة، والتي بخلافها نرتكب خطأ في التحصيل، وننسى في حين أننا قد نبذل مجهودًا كبيرًا في التكرار، أو الاسترجاع النشط..
أننا نريد إدخال كمية تفاصيل ومعلومات كثيرة جدًا في عقولنا، دون وجود بنية أساسية وخطوط عريضة تتحمل تلك المعلومات...


ولنضرب لذلك مثالاً بعلم النحو مثلًا:
إذا جئت تذاكر درس الإعراب فأنت تريد استيعاب كل تفصيلة وجزئية مع أول مرة، فتحفظ التعريف ومعناه ومحترازات، والمثال لكل قيد، والأقسام: وما يندرج تحت كل قسم من تفاصيل، وعلاماته شرحها، فتتوسع في استيعاب التفاصيل وأنت لم تحكم أصول المسائل..
والأحسن أن تحفظ التعريف -ابتداء- وتعرف الأقسام، فإذا ما أتقنت ذلك، رجعت إلى تفهم الجزئيات والتدقيق فيها، فإذا نسيت جزئية من الجزئيات، لم يؤثر ذلك في ضبطك للأصول.

وهكذا في كل علمٍ من العلوم، وذلك ميزة المتون أنها تجمع لك أصول مسائل الباب في العبارة المكثفة.

فأنا لو أذاكر الألفية ونسيت معنى الاسم، فلن أنسى أن الاسم قسم من أقسم الكلام، لأني حفظت قوله:
كلامنا لفظ مفيد كاستقم**اسم وفعل ثم حرف الكلم

من الأمور النافعة: أن تعرف أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة، لا تضرك، بل تضرهم، إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها، وسوغت لها أن تملك مشاعرك، فعند ذلك تضرك كما ضرتهم، فإن أنت لم تضع لها بالا لم تضرك شيئا.


الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-